No Image
عمان الثقافي

الـروائي البحريني رسـول درويش: التجريب المنجز الروائي يمنح الكثير من المرونة والحـرية

26 أكتوبر 2022
26 أكتوبر 2022

يقرأ بشهية متوقدة الحضور. تارة يناقش ما وراء الحالة السردية، يذهب بعيدا نحو تخوم الرواية في بعديها المحلي والعربي وحتى العالمي. يدهشك بقراءة التفاصيل الدقيقة، وبخصب ثقافته التراكمية من حيث الكم والكيف حيث يتعلم منه المرء الكثير. يتنقل عبر الجهات باحثا عن الطبيعة والهدوء والعزلة. بدأ كتاباته السردية منذ العام 2009. أثمر قلمه عن ثماني روايات هي «خطيئة السرداب، دلمونيا، الحجر الأسود، م، روح الملك، الشاهنامة، الضحية 69، وميتا والبخاري. كتب كتابين في النقد: «البوكر في ميزان النقد، وكتاب الهويات» بدأ مشروع ترجمة جميع رواياته وبدأها بدلمونيا، روح الملك، الشاهنامة والضحية 69.

يكرس جهده ووقته مع السرد، كاتب يمكن القول عنه وبلا مبالغة:

إنه من تلك التجارب القادرة على ترك بصمتها الإبداعية في ميدان الرواية البحرينية. في الطريق إليه كان لابد من معرفة الزوايا المناسبة التي نتحدث معه فيها؛ كي نضيء عن وعي بعضا من جوانب شخصيته وثقافته وإبداعـه، فكان لنا معه الحوار التالي:

• يعتبر الأديب إميل زولا أول من ربط كلمة «تجريب» بالرواية في كتابه «الرواية التجريبية». هل يجد التجريب له مكانا مع كثافة المعروض من النتاج الروائي العربي؟ وهل المبدع قادر على التكيف مع التجريب الروائي واستخدامه بالطرق الصحيحة؟

نعرف أن آفاق التجريب أساسية وقائمة في تطور الرواية العربية إجمالا، وهو ما دفع الأدباء إلى الخوض في مجالات جديدة تثير القارئ وتجادله. وسواء جاء التجريب على نطاق البناء العام، أم في طرق السرد أو اللغة أو بنية المكان والزمان، أو حتى من منطلق زوايا الرؤية والتقنيات المستخدمة لمعالجتها.

وقد شكل التجريب عنصرا جوهريا في التجارب الروائية الخالدة. وانبثق عن ذلك كله، اختلاف وتنوع وتطور القالب الروائي، وهو شاهد حي وفعال على اتساع آفاق التجريب وتطلعاته، وقدرة الروائيين على استخدامه وتطويعه بطرق متنوعة ترفع من منزلة الرواية العصرية.

ويمنح التجريب المنجز الروائي الكثير من المرونة والحرية على التطوير وعلى النقد الذاتي المسبق. ومن أوجه التجريب المبتكرة والفعالة هو إدراج خاصية تعدد الرواة، وانفتاح النص على مصراعيه دلاليا، والتداول مع الواقع المرن في تغيراته وتقلباته المستمرة، واستخدام صيغ الأفعال الثلاثة (ماض، مضارع، مستقبل) ويضاف لذلك تبني تكتيك النهايات المفتوحة، حيث يضع النص القارئ أمام إعادة الخلق وإنتاج النص من حيث التفكير والتقييم.

ومتى تحدثنا عن الأسباب التي تدفع الأديب العربي للتجريب والابتكار، فإننا نجد الأمر برمته رغبة إنسانية طبيعية قد تكون جامحة، حيث يحمل الإنسان بطبعه الرغبة في التجديد والتجريب، ونرغب أن يأتي الخطاب السردي المحلي في هذا النطاق، بشرط أن يستوعب التجريب والابتكار، ويهتم بذائقة القارئ وثقافته.

إن التجريب هو مجموعة المشاعر والأحاسيس والأفكار المتراكمة في نفس الكاتب نتيجة تفاعله بمجتمعه وبيئته التي تكون عنصرا أساسيا في شخصيته وإبداعاته؛ فهو ظاهرة عامة تصب في كل الفنون، وتحاول التغلب على القناعات الراسخة والسائدة، أي أنه يمثل مواجهة نقدية ابتكارية لنزعة التسليم بأي معطى من المعطيات دون تساؤل حقيقي بحجة اعتباره عن خطأ من بداءة الأمور

ولذلك، يمكننا القول إن التجريب والابتكار ليس مغامرة تنطلق من الصفر لتنتهي إلى الصفر، إنها تجربة معقدة قائمة على المعرفة الواسعة، تقوم على جميع عناصر التكامل للنجاح. وإذا تعمد الكاتب في سعيه للتجريب؛ فإنه يقع غالبا في الخطأ نتيجة للتصادم بين (هم) التجريب على حساب موضوع وثيمة العمل ذاته. وبذلك، نجد أن التجريب في الأدب العربي نادر جدا وصعب المنال.

• أنتجت الرواية التاريخية في ساحتنا الثقافية العربية خطابا سرديـا، فهل هو قادر على التميـز أم أنه وقع في فخ التكرار الاستهلاكي، وجاء بمعايير تفضلها هيئات تحكيم جوائز الرواية العربية؟

إذا اعتبرنا أن التاريخ هو سرد للوقائع والأحداث كما حدثت ولو بصورة نسبية، فإن الرواية التاريخية حسب جورج لوكاش «هي نص تخيلي نسج حول وقائع وشخصيات تاريخية» بينما يعرفها المغربي سعيد يقطين بأنها عمل سردي يعتمد بصورة كبيرة على المادة التاريخية وجعله أساسا لحبكته الروائية.

ويمكننا القول، إن الرواية التاريخية عمل فني يتخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفي له؛ حيث تحمل الرواية تصور الكاتب عن المرحلة التاريخية وتوظيفه لهذا التصور في التعبير عن المجتمع أو الإنسان في ذلك العصر، أو التعبير عن المجتمع في العصر الذي يعيشه الروائي، ولكنه يتخذ من التاريخ ذريعة وشكلا مغايرا للحكي السردي.

ودائما ما تقع الرواية التاريخية بين هاجسين هما: الأمانة التاريخية والخيال الروائي، وهنا يخلق بينهما نص جديد (هجين)، يتكئ فيه الخيال الأدبي على الوقائع التاريخية، ولذلك فمن الظلم أن يجعل المتلقي الرواية التاريخية مرجعا يعتد به حين قراءة التاريخ. فالوقائع الحقيقية تمثل إطارا عاما يحمل بين ثناياه ذلك النص الإبداعي أو المبتكر الذي يجذب المتلقي ويقذف به إلى الجانب الآخر من التاريخ غير المرئي ونقصد به الأدب. ومن خلال الدراسات النقدية التي أجريتها، لا أجد أن الرواية التاريخية مسيطرة على المشهد السردي العربي، بينما أرجح أن تكون الرواية الاجتماعية هي الغالبة، وذلك لسهولة قراءة الواقع المجتمعي.

• أصبحت الرواية وجاهة اجتماعية، ألا يمثل هذا الطرح خطابا سلبيا معمما، يحاصر التجارب الشبابية التي تبحث لنفسها عن مكان تحت نور الشمس؟

علينا في البداية أن نعرف الخطاب على أنه كيفية تقديم النص السردي في مقابل الحكاية التي تعنى بالمتن الموضوعي. ويعرف فوكو الخطاب بأنه الحمولات الفكرية والتقاطعات السياقية بين أكثر من معطى تاريخي، أو ثقافي أو اجتماعي أو حتى سياسي. وبهذا فإن منطوق الخطاب ليس لغويا، بل عكس ما يظهر من التعبير الخارجي، إنه ما توحي به الدلالة من التعبير الخارجي.

وأما السرد فهو تمثيل رمزي للواقع وليس انعكاسا للواقع نفسه. ينتج السرد خطابات متقاطعة، وهو بهذا قادر على التخفي والاشتغال بعيدا عن إشكالية المواجهة والقدرة على فضح خطابات الواقع وتأسيس سلطة مناهضة له. ومن هنا نجد أن بعض التجارب الشبابية تستخدم الرواية باعتبارها منبرا تطرح من خلاله التجارب الشخصية أو الاجتماعية.

إن الشاب - وكما ألاحظ - يعمل في روايته وفق خطاب مسبق يسميه د. عبدالله الغذامي القوة المضمرة والمسيطرة، تلك التي تملي عليهم تراكمات تمثل جدلية العلاقة بينهم وبين المجتمع؛ فنجد أن أغلب المنتج السردي الشبابي يقصي المتن الخطابي ويثبت الهامش في منتجه السردي.

• متى تكون الثيمة «المحلية» قاتلة في الخطاب الروائي؟

حري بنا أولا أن نعرف كلمة ثيمة (Theme) على أنها الفكرة الرئيسية والأساسية المسيطرة على تكوين النص برمته، ويمكن استشفاف ثيمة العمل من خلال المترادفات التي تصب في اتجاه واحد أو من خلال المعنى الظاهري والمضمر للنص. وإذا تطرقنا إلى المنتج المحلي، فإننا سنجد ثيمة القضايا الاجتماعية سائدة على أغلب النصوص وهو ما يجعلها محلية بامتياز. وفي المنتج السردي الحالي، أجد بعض النصوص تطرق أبوابا أخرى، وتذهب باتجاهات دينية أو غيبية مثل الحديث عن عوالم السحر والجن.

•يقال إن جوائز الرواية العربية لم تنصف «الكاتب العربي» وأنها أضحت مجرد ضجيج إعلامي وحسابات استثمارية من تحت الطاولة، أنت ما رأيك في هذا؟

من خلال متابعاتي الشغوفة لعالم السرد وخاصة الرواية، ومن خلال كتاب البوكر في ميزان النقد الذي كتبت دراساته النقدية بمعية الدكتورة مي السادة، فقد وجدت أن أغلب الروايات الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية قدمت الكثير للكاتب العربي. فمن جهة أن الجوائز صارت محفزة لقطاع كبير من الكتاب للانخراط في كتابة الرواية وهو ما دفع بعض الشعراء لاقتحام عالم الرواية. كما أن ثيمات الروايات الفائزة تركز بقوة على الهوية المحلية وهو ما يعزز مفهوم المواطنة، وقد نقلت هذه الجوائز الروايات الفائزة إلى لغات عديدة فصارت الرواية عالمية، كما أن الجوائز العربية انبثق عنها لجان تحكيم، ونقاد ومبيعات ضخمة، فلا يمكن بعد هذا أن نقول إنها لم تنصف الكاتب العربي.

•نفاد الطبعة الأولى من روايتك «دلمونيا». كيف كان وقعه في نفسك كروائي بحريني؟

لكل كاتب مشروع خاص. وعادة ما يبدأه من الصفر، ولا يمكن تقسيم جنبات المشروع الواحد لأن أعضاءه متكافلة ومتآزرة. كتبت حتى هذا اليوم سبع روايات باللغة العربية، وترجمت ثلاثا منها إلى الإنجليزية، وكتبت كتابين نقديين، ونصا مسرحيا، وقصائد مترجمة وكذلك سيرة روائية. وإنني أرى جميع هذه الأعمال تمثل المشروع الكلي لرسول درويش، وإن كل خطوة هي في الطريق لنجاح ذلك المشروع، وأسأل الله التوفيق.

• عادة ما يختار الأديب عزلته لكي يبدع .. « جائحة كورونا / كوفيد-19» هل أعطتك العزلة التي تتمناها وتستثمرها أو أضرت بك؟

قد تكون عزلة المبدع في حياته اختيارية أو إجبارية. وكما أنني أفضل العزلة في جميع أيامي، وفي سفري للخارج أيضا، فإن عزلة جائحة كورونا لم تكن استثناء لطبيعتي في الحياة، بل كنت معها أسير في ذات الاتجاه متناغما ضاحكا. ولا أنكر أنني خلال الجائحة أنجزت ما يقارب من الخمسة كتب، بين رواية وترجمة ونقد.

• ترجمة النتاج الروائي العربي إلى اللغات الحية تعترضه إشكاليات كثيرة، فهل نحتاج إلى جهود مؤسساتية رسمية ممنهجة أم على الكاتب تسويق تجربته وتكبد صنع نجاحه بنفسه؟

على الإنسان أن يستمتع بالطريق ولا يفكر كثيرا في النهايات. إن كنت تكتب، فاكتب لذاتك، كن أول قارئ، وأول ناقد، ولله الحمد، كنت أول مترجم لبعض أعمالي الروائية. لم أجد إشكاليات كبيرة وأنا أمارس ترجمة أعمالي. كنت أستمتع مع كل كتاب، وأتوكل على الله في التوفيق. وفيما يخص دور المؤسسات الرسمية فبإمكانها ممارسة دور أكبر لطباعة وترجمة الأعمال المتميزة.

•يقع الكاتب في مأزق بين الالتحام بالوسط الثقافي أو البحث عن العزلة. إنها علاقة إشكالية خصوصا حينما يتوجب على الكاتب دفع فاتورة نجاحه. برأيك هل نحن أمام معادلة في الخيارات ابتغاء تخطي هذا المأزق؟

قال تعالى في سورة الإنسان: إنا هديناه السبيل، إما شاكرا وإما كفورا. إنها فلسفة التعددية والقدرة على التمحيص والاختيار. ومن خلال تجربتي الذاتية، فإني أرى أن العزلة ضرورية للمبدع، ولكن عليه أن ينظم وقته أولا، ويحدد أهدافه ثانيا، وأن يكون انتقائيا في علاقاته وأولوياته، وأن يتوكل على الله فيما يعمل.

•برأيك .. ما الذي يجعل الرواية البحرينية تتراجع عن منصات الجوائز العربية، هل هو المستوى الإبداعـي أم حسابات الموقع الجغرافي؟!

في الحقيقة، لا أجد أن الرواية البحرينية متراجعة عن مثيلاتها العربية. علينا بمعرفة العامل البشري ومدى قوته. نحن شعب قليل العدد، ويمكننا أن نقرب عدد من يكتبون الرواية إلى أقل من مائة وهو رقم صغير جدا فيما يصل عدد المبدعين في بعض البلدان العربية إلى عشرات الآلاف. وكذلك، ومن خلال قراءاتي، أجد أن الرواية البحرينية تسير في الاتجاه الصحيح، وأن هناك مبدعين على الطريق، ونأمل للجميع خيرا.

•ثمة من يقول إن للخطاب النقدي العربي حسابات توازن بين الربح والخسارة، أليس هذا تعميم سلبي متشائم؟

النقد البناء موضوعي ولا يعتمد على الأهواء والأمزجة. النقد هو تمحيص المنتج الأدبي بشل كلي خال من الأهواء بمجرد أن يضع المبدع قلمه جانبا عن النص. النقد يكشف مواطن الجودة والرداءة في النص، ويخضعه لحكم بمعايير محددة، ويصنفه بحسب مميزاته. وأما إن كان السؤال يتحدث عن الأهواء أو القراءات، فإنها طبيعة بشرية، وأما النقد العربي فهو قائم على أسس علمية صحيحة ومتينة. علينا أن نفرق بين النقد كعلم إنساني وبين الذائقة والعلاقات الشخصية أو البينية.

أحمد المؤذن كاتب بحريني