No Image
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

17 أبريل 2023
17 أبريل 2023

ـ ما صحة الرواية الواردة في تشريع الأذان برؤيا رآها الصحابة؟

بدء تشريع الأذان كان بتواطئ رؤى من بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد رأى عبدالله بن زيد في المنام بقوله «بينما كنت نائما، رأيت فيما يرى النائم رجلا عليه بردان أخضران، وفي يده ناقوس، فقلت يا عبدالله اتبيعه لي، فقال: ما حاجتك إليه، فقلت: أنادي به الناس للصلاة، فقال ألا أدلك على ما هو خير لك، يقول فأخذني وعلمني الأذان، ثم أخذ به إلى مكان آخر، وقال تعال أعلمك الإقامة فعلمه الإقامة، وعندما أصبح أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما رآه، فقال -عليه الصلاة والسلام- إنها رؤيا حق، فقال: قم ولقنه بلالا فإنه أندى صوتا منك، يقول فأخذت بلالا فلقنته، فسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النداء الذي كان عبدالله بن زيد يلقنه لبلال، فخرج يجر رداءه مسرعا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثلما رأى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلله الحمد.

هذه أشهر الروايات التي تحضرني الآن فيما يتعلق ببدء تشريع الأذان. أشكل عند البعض أن هذا كان في السنة الأولى للهجرة، وأنه ورد في بعض الروايات أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يجتمعون فيتحينون وقت الصلاة، فتشاوروا فقال بعضهم نتخذ ناقوسا كالنصارى، وقال بعضهم نتخذ بوقا كاليهود فقال عمر بن الخطاب فلم لا ننادي بالصلاة، فالجمع بين الروايات هو أن النداء للصلاة هو أن ينادى بأمر الصلاة كقول «الصلاة جامعة» أو أن يقول «إلى الصلاة» أو غير ذلك لا بألفاظ الأذان، هذا يرفع الإشكال الذي يتوهمه البعض من التعارض بين هذه الرواية والروايات الواردة في رؤيا عبدالله بن زيد وسيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهما، ولعله كان ذلك على إثر هذا الحديث الذي دار بين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحصلت لهما هذه الرؤى فأخبرا بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا إشكال في ذلك فهذه رؤيا صالحة، والرؤيا الصالحة جزء من 46 جزءا من النبوة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رآها أكثر من صحابي وأخبر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستحسنها وأقرهم عليها، وأمرهم بتعليمها لبلال، لتكون هي النداء للصلاة.

والشيخ القطب حسبما أذكر في شرح النيل، ذكر أنه في بعض الروايات أن عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء سمع النداء للصلاة لكن يقول بأن ذلك لا يلزم منه أن تشريع الأذان كان في رحلة الإسراء، وإنما كان بهذه الطريقة، فبدء تشريع الأذان كان على هذا النحو، وهذه الروايات وردت في جملة من السنن والمسانيد وتلقاها أهل العلم بالقبول، ولا أحفظ فيها مطعنا، والله تعالى أعلم.

ـ ما الفرق بين المؤمن والمسلم؟ وبين الكافر والمشرك؟

في المعنى اللغوي الإيمان يتجه إلى معنى التصديق، والإسلام يتجه إلى معنى الانقياد والاستسلام، هذا المعنى اللغوي ملحوظ في المعنى الاصطلاحي الشرعي، المؤمن الأصل فيه أنه ينصرف إلى التصديق بأركان الإيمان من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين والقدر خيره وشره أنه من الله تبارك وتعالى، وهذه الجوانب الإيمانية التي على المكلف أن يستصحبها عقيدة راسخة في نفسه، وأما الإسلام فهو ما يظهر عليه، هي الأركان العملية القولية الفعلية، التي تترجم ذلك الإيمان الواقع المستقر في القلب، والإيمان إذا وقر في القلب صدقه العمل، والاستعمال في كتاب الله عز وجل، إذا افترقا فإنهما يجتمعان في المعنى، فالمؤمن هو المؤمن الحق، قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» إلى آخر الصفات العملية التي وصفهم الله تعالى بها، لكن إن اجتمعا قال تعالى: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» فإن اجتمعا فإنهما يفترقان في المعنى، يعني أنه يلحظ في كل منهما المعنى الأصلي، فيلحظ في معنى الإيمان جانب التصديق، ويلحظ في معنى الإسلام جانب الاستسلام والانقياد هذا باختصار شديد.

أما فيما يتعلق بالشرك والكفر، فالشرك ينصرف إلى شرك الجحود، وهو أن يجحد الله تبارك وتعالى، وشرك التسوية، وهو أن يجعل معه جل وعلا شريكا، هذا هو الأصل في الشرك، وشرك الجحود يمكن أن يكون ظاهرا ويمكن أن يكون خفيا، فالشرك الخفي هو النفاق العقدي، فمن يضمر الشرك ويظهر الانقياد والاستسلام فهذا يسمى نفاقا عقديا، ومنهم من يقول هو كفر عقدي، والقلة تقول هو شرك خفي، أما الكفر فيأتي بمعنى الجحود، ويأتي بمعنى عدم الشكر، لأن الأصل في الشكر هو التغطية والستر، فيأتي بمعنى كفر النعمة الذي هو كفر الجحود وعدم أداء حق الله تبارك وتعالى المنعم، ومنه قوله تبارك وتعالى: «لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ» والله تعالى أعلم.