No Image
رأي عُمان

عُمان والسعودية.. تاريخ عريق ومستقبل واعد

12 سبتمبر 2023
12 سبتمبر 2023

لا تحبذ شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، ولا حتى قادتها، تبرير العلاقات المتينة والاستثنائية التي تربط بين دولهم. إن الأمر بالنسبة لهم مطابق لجوهر العلاقة بين الأشقاء، فليس من المنطق أن تسأل شقيقا عن سبب حبه لشقيقه، وليس مطلوب من الأشقاء أن يبرر كل منهم سبب أو حجم علاقته بالآخر، فالأصل المنطقي أن تكون العلاقة قوية، وقوية جدا وقادرة على الاستمرار والصمود في وجه كل الأزمات. هذا هو أقرب توصيف للعلاقة الأخوية التي تربط، على سبيل المثال، بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، سواء كانت تلك العلاقة على مستوى القيادتين أم على مستوى الشعبين الشقيقين.

لكن ماذا لو نظرنا للمسألة من زاوية أخرى، وهي الزاوية التي يُنظر منها لمسار العلاقات بين الدول بشكل مطلق دون النظر إلى جانب «الإخاء» الذي نعتد به كثيرا في منطقتنا العربية والخليجية بشكل خاص.. إنها زاوية تستحق أيضا أن ننظر منها، حيث يمكن أن نكتشف أشياء أخرى تضاف إلى أسباب العلاقة الاستثنائية المنطقية.

تشكّل العلاقات الثنائية بين الدول، وبشكل خاص في منطقة ملتهبة مثل منطقة الشرق الأوسط، سببا مهما من أسباب الاستقرار الإقليمي والازدهار الاقتصادي والقدرة على التبادل الثقافي، وبالتالي التأثير والتأثر في مسارات التقدم نحو المستقبل. لقد كانت العلاقات المستقرة بين عُمان والسعودية، باعتبارهما قوتين كبيرتين في المنطقة، سببا مهما من أسباب استقرار منطقة الخليج العربي وبالتالي منطقة الشرق الأوسط، ولا يخفى على أي متأمل في خارطة منطقة الشرق الأوسط عبر التاريخ الأهمية الكبيرة للدولتين على كل المستويات وفي مقدمتها المستوى الجيوسياسي والاقتصادي، إضافة إلى مساهمة كل من البلدين في الحضارة العربية والإنسانية. ولذلك كانت قيادات البلدين، على الدوام، تحرص على تطوير العلاقات من أجل الوصول إلى تحقيق فوائد ثنائية مباشرة وتحقيق الاستقرار والنمو على نطاق أوسع في منطقة الشرق الأوسط.

لقد كان الشرق الأوسط، على مدى العقود الماضية، بمثابة «مرجل» ضخم مضطرب على كل المستويات، ومليء بالصراعات، ومحط أطماع القوى الكبرى في العالم، وقد ساهمت سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية في العمل معا من أجل استقرار المنطقة عبر العمل الفردي أو الجماعي وعبر الحفاظ على الكثير من القيم السياسية المتراكمة في البناء السياسي والحضاري لدى البلدين. وتملك سلطنة عمان تاريخا طويلا من العمل السياسي والخبرة الدبلوماسية في إخماد الحرائق السياسية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، إضافة إلى ذلك فإن المملكة العربية السعودية باعتبارها قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط فإنها عملت مع سلطنة عمان على تحقيق الهدف نفسه منذ سنوات طويلة. وتستطيع الدولتان اليوم أن تقوما بعمل مشترك هدفه إرساء المزيد من الاستقرار على منطقة الشرق الأوسط إذا ما نظرنا إلى المشهد بمساحة أوسع بكثير من مساحة العلاقات الثنائية المتطورة بين البلدين.. وهذا الدور لا تكمن أهميته فقط في مسيرة البلدين، إنه مهم جدا للمنطقة والعالم.

وموضوع العلاقات الثنائية بين البلدين لا يقل، بطبيعة الحال، أهمية عمّا يقوم به البلدان فيما يخص الجانب الإقليمي. ولا يخفى أن العلاقات الاقتصادية بين عُمان والسعودية آخذة في التطور وبشكل متسارع. وقد عُرف عن المملكة العربية السعودية جديتها الكبيرة فيما يخص الاستثمارات الاقتصادية فلديها استثمارات اقتصادية كبيرة في الكثير من دول العالم وملتزمة بتطويرها وتوسيعها والحفاظ على استقرارها. ولذلك يسعى البلدان الشقيقان إلى مواءمة الرؤى حول خططهما التنموية وإطلاق مشاريع استثمارية مشتركة واستثنائية من شأنها أن تغير المشهد في منطقة الخليج العربي، وبشكل خاص فيما يخص التكنولوجيا والطاقة المتجددة.

ولا يخفى أن المملكة العربية السعودية تشهد في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان تغيرات جذرية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي رسخ مكانة المملكة باعتبارها قوة إقليمية صاعدة، كما رسخ حضورها في المشهد العالمي باعتبارها قوة اقتصادية مؤثرة في مجال إنتاج الطاقة إضافة إلى الكثير من المشاريع الاستثمارية التي من المنتظر أن تنقل المملكة العربية السعودية نقلات نوعية نحو المستقبل.

ورغم كل هذه المبررات الاستراتيجية التي نفهم من خلالها سر العلاقات بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية إلا أن السر الأخوي يبقى هو الأقوى والذي لا يمكن أن يتزعزع أبدا.