الدقم.. مستقبل عُمان الواعد
على أن هذه النظرة لم تكن يومًا نظرة محلية، فالاستثمار في الدقم أو الحصول على امتيازات الخدمات التي تقدمها أصبحت مطلبًا عالميًا نظرًا للموقع الاستراتيجي للدقم التي لم تكن قبل عقد ونصف عقد من الزمن إلا قرية صغيرة للصيادين محاصرة بين الصحراء وبحر العرب، قبل أن تتحول اليوم إلى منطقة مضيئة وساحة تنافس اقتصادي على المستوى العالمي. ومن بين أهم معالم المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم يبدو ميناء الدقم وهو الميناء الوحيد في سلطنة عمان الذي يقع في منطقة حرة الأمر الذي يعطي الميناء الكثير من الامتيازات التي يمكن أن يقدمها للمستثمرين الراغبين في جني الحوافز التشغيلية والمالية التي تقدمها الحكومة الساعية لجعل الميناء مركزًا جديدًا من مراكز النمو الاقتصادي في السلطنة.
وينتظر الميناء، الذي يضم أحد أكبر الأحواض الجافة في العالم، الافتتاح الرسمي خلال الأيام القادمة رغم أن الميناء عمليًا قد بدأ في أداء أدواره منذ فترة زمنية. ويُشغل الميناء عبر شركة ميناء الدقم وهي شركة مشتركة بالمناصفة بين حكومة سلطنة عمان ممثلة في مجموعة «أسياد» التي تملك 50% من الشركة وبين التحالف البلجيكي المكون من ميناء «أنتويرب» الدولي ومجموعة «ديمي» تحت مسمى «كونسورتيوم ميناء أنتويرب» بنسبة 50% وتتمثل أهمية هذه الشركة في الاستفادة من الخبرات الواسعة لميناء «أنتويرب» الدولي باعتباره ثاني أكبر ميناء في أوروبا، واهتمامات مجموعة «ديمي» المتنوعة في مجالات الحفر والتعميق البحري والهندسة البحرية وتطوير الموانئ بالإضافة إلى الطاقة المتجددة. وللميناء إمكانيات كبيرة أخذها من قربه من مناطق امتياز ومشروعات النفط والغاز وكذلك التعدين في السلطنة، إضافة إلى أنه في مواجهة بحر العرب الذي يملك ثروة سمكية هائلة ومتنوعة الأمر الذي يعطيه ميزة التكامل مع المنطقة الصناعية الخاصة بالدقم بحيث تستوطن في تلك المنطقة الكثير من الصناعات السمكية وكذلك مشروعات الاستزراع السمكي الذي بدأت بالفعل في المنطقة. وتخطو السلطنة بمشروع الدقم ميناء والمنطقة الصناعية خطوات كبيرة جدًا نحو المستقبل المعتمد على التنوع الاقتصادي الذي لا يضع الاعتماد على الوقود الأحفوري في مقدمة روافع مصادر الدخل القادمة، وإنما تضع في الاعتبار الاعتماد على المشروعات «الخضراء» القادرة على امتلاك صفة الاستدامة والتي تستطيع أيضًا أن تحقق المعادلة من حيث الأثر الكربوني. وهذه خطوة واثقة في طريق المستقبل وفي طريق فلسفة التحول من الاعتماد على المصادر المتغيرة إلى المصادر الثابتة والمتواكبة مع خطط العالم الحديث.
