No Image
ثقافة

حين ينفر من جنبك الناس!

28 يوليو 2023
28 يوليو 2023

هل لديك فكرة أن السنوات الطويلة من التعارف والتواصل ما بينك وبين الآخرين من حولك، يمكن أن تنتهي فجأة بدون أي مقدمات أو أسباب حقيقية تعلل من خلالها اسباب الاختفاء لكثير من الاسماء، قد لا يصدق البعض نظرية تنافر الأقطاب المتشابهة سلوكيا وفكريا.

وقد يصدم بعض الناس من تصرفات الأسماء التي قدم لها الكثير من الود والاحترام والتقدير، بل ربما قد سعى بكل ما أوتي من قوة في إسعادها لسنوات طويلة، من المباح ان يتساءل الفرد منا بينه وبين نفسه، كيف يمكن للعقل أن يتقبل فكرة الانتهاء والغياب لأي سبب كان! تعلمنا في الحياة بأن النهايات الحقيقية بين الأصدقاء يكتبها الموت وحده، وليس لسبب دنوي آخر، فكل العوارض التي تحدث يمكننا تجاوزها، لكن غياب الموت لا يمكن لأي بشر أن يقف في طريقه، من اجل ان يبدأ حياة جديدة.

منذ أيام قليلة استرجعت كمّا هائلا من الأسماء التي افتقدت تواصلها الصوتي، وبقيت محفوظة في قائمة هاتفي، أسماء غابت عن مسامعي منذ فترة طويلة، وايضا غيابها واضحا عن مشهد الحضور والتواصل الانساني، حتى في المناسبات والأعياد، بعض الذين وصلتني رسائلهم، كان سببها هو أنني ضمن قائمة الرسائل الجماعية التي يرسلها بعض الاشخاص دفعة واحدة، فهي ليست لشخص بذاته، لكنها رسائل لكل زمان ومكان، ورسائل خاوية من أي مشاعر أو اختلاف ما بين شخص وآخر.

خلال مرحلة التقليب في الأسماء والأرقام الكثيرة، توقفت عند بعضها لبرهة من الوقت، تذكرت الأيام التي جمعتنا بهم والأماكن التي التقينا بها كثيرا وفي مناسبات مختلفة، تذكرت كمّا هائلا من الذكريات التي لا تنسى، أو التي لم تبرح أماكنها في ذاكرتي العتيقة حتى الأن، لكم أحسست بحزن عميق يتربص بي، فهو جفاء طويل ما بين الارواح واصحابها.

أحد الأصدقاء اشار لي بان اكون مبادرا في سؤالي عن اصدقاء الماضي، وفعليا اقتنعت بحديثه، وشرعت بالاتصال ببهم، بعضهم لم يجب على اتصالي فتوقعت بانه مشغول، لكن ظني قد خاب في ذلك، فقد مرة الايام ولم يعاود الاتصال، اما الصديق الذ رد على اتصالي اكد لي بان " مشاغل الدنيا" هي السبب.

ذات يوم اتصل بي صديق قديم، كان يعتقد بأنني لا زلت في مكان عملي، وبأن سنّ التقاعد لم أصل له بعد، أخبرته بأنني قد تركت مكاني منذ عدة أعوام بسبب المرض، لم يكلف نفسه في معرفة احولي، عندها أحسست بأنه يبحث عن الشخص الجديد الذي يشغر مكاني الآن، لان نبرة صوته تغيرت عندما علم بانني اصبحت خارج معترك العمل.

بعد أن اغلق الهاتف احسست بانه سيبدأ مجددا في مرحلة الغياب كغيره من الناس، وتساءلت مجددا، هل لهذه الدرجة اصبح التواصل سببه الحاجة ؟ العديد من الاصدقاء يؤمنون بنظرية "المصلحة"، ويدافعون عنها باستماته، فهم لا يدركون معنى العواطف خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالعمل.

إن حضور الأرقام والأسماء قد يكون مرتبطا برباط وثيقي بـ"الحاجة الدنيوية "، ومن بعدها تمزق الأوراق القديمة، وتمسح الأرقام مع اسماء اشخاص، ويعود البعض ليغني على مشاغل الدنيا كسبب غير منطقي لعدم تواصله، رغم أن الحكم التي حفظناها تدلنا بان "من يودك سوف يجد لك الوقت ليتواصل معك..ومن يشتاق إليك سيجد في الاتصال بك "، نحن من ننظم الوقت حسب حاجتنا، ونحن من نختار الأوقات المناسبة لنغذي صفحة الماضي من التواصل والتلاقي ما بيننا وبين أصحابنا القدامى والجدد.

لقد غير نص مكتوب الكثير من المفاهيم القديمة التي كنت أعتنق العمل بها تجاه الذين يظهرون في وقت الحاجة ويختفون عندما لا يحتاجون لي، فالنص يقول: " هناك أشخاص لا يتواصلون معي إلا عندما يكونون بحاجة لمساعدتي في أمر ما، هذا النوع من الأشخاص ليس بالضرورة سيء، كلُ ما في الأمرِ أنه لم يجد أحدًا غيري يظن به خيرًا، السيء فعلًا هو أنا - عندما يكون بمقدوري تقديم المساعدة له - ولكن لا أقدمها لمجرد أنه لم يذكرني إلا عند حاجته".

بعض الذين انصرفوا بعيدا عنا لم تعجبهم نصائحنا أو حديثنا الطويل عن مشقة الغياب، والبعض الآخر لم يعد لديه سبب مقنع ليتوقف قليلا عندما نريد أن نتحدث معه، لقد أصبحت الحياة مزدحمة مجالاتها، فلا وقت لديه ليتذكر من كان إلى جانبه.