المتحف الوطني يدشن "قاعة عُمان" بمتحف الإرميتاج في روسيا
((عمان)): تم مساء أمس تدشين قاعة عُمان بقصر الشتاء العريق في متحف الأرميتاج على هامش استضافة منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في روسيا بحضور سعادة السفير يوسف بن عيسى الزدجالي، سفير السلطنة لدى روسيا الاتحادية، والبروفيسور الدكتور ميخائيل بيتروفسكي، مدير عام متحف الإرميتاج وعضو مجلس أمناء المتحف الوطني، وبمشاركة سعادة جمال بن حسن الموسوي أمين عام المتحف الوطني عبر الرابط الافتراضي المباشر.
وجاء تدشين قاعة عمان في إطار التعاون الثنائي الوثيق بين المتحف الوطني ومتحف الإرميتاج في مدينة سانت بطرسبرج بروسيا الاتحادية، وفي سياق الدبلوماسية الثقافية التي ينتهجها المتحف الوطني، حيث يشهد المنتدى مشاركة دولية واسعة على أعلى المستويات.
وأبدى سعادة يوسف بن عيسى الزدجالي سفير السلطنة المعتمد لدى روسيا سروره بالمشاركة في افتتاح القاعة، مبينا أن هذه المبادرة التي ينظمها المتحف الوطني العماني بين أروقة أحد كبريات المتاحف الرائدة في العالم، تعد خطوة مثرية لما يحظى به الإرميتاج من سمعة وشهرة واسعتين بين رواد المتاحف لما يحتويه على لقى أثرية وتحف فنية تعكس الموروث الثقافي والتاريخي الإنساني سواء لروسيا أو مختلف شعوب العالم -ألا وهو متحف الأرميتاج الحكومي بمدينة سانت بطرسبورع.
وثمن الزدجالي التعاون المثمر مع روسيا الاتحادية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والعلمية والتعليمية، ومن بينها التعاون في مجال الثقافة والتراث والمتاحف، مضيفا أن افتتاح (قاعة عمان) تأتي ضمن هذا الإطار، وهو الفعالية الثانية التي تنظم في متحف الارميتاج خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث نظمت الفعالية الأولى تحت مسمى (يوم عُمان) بتاريخ 23 يوليو 2018، وكانت مكرسة للاحتفال بيوم النهضة المباركة، التي تشهدها السلطنة، وتمثل دليلا ثابتا على التعاون الوثيق والمكثف الذي يهدف في المقام الأول، لتعريف مواطني بلدينا الصديقين بمورثهما الإنساني والتاريخي والحضاري.
وتابع قائلا: إن معرض "عمان بلد اللبان"، الذي يشهده الأرميتاج، وتغطي معروضاته الأثرية فترة طويلة من تاريخ عمان تشمل الألفية الثالثة قبل الميلاد وحتى القرون الأولى ما بعد الميلاد، لا يخبرنا فقط عن المتحف الوطني العماني فحسب، بل عن عمان بأكملها، عن عمان الحضارة وإمبراطوريتها العظيمة، وعن بلد اللبان والعطور، وعن ازدهار التجارة، ويسلط معرض "عمان بلد اللبان" الضوء على مجموعة من اللقى الأثرية المنتقاة بعناية، وتحمل بعدا أثريا لعمان عبر العصور، حيث كانت القلب النابض لتجارة اللبان، وكانت أرض ملتقى للتجار من بلاد ما بين النهرين، ووادي السند، ومصر الفرعونية.
مؤكدا أن اللقى المعروضة في هذا المعرض تجسد التواصل العالمي منذ العصر البرونزي ما يوازي القرن الرابع قبل الميلاد، وحتى النشأة الأولى لحضارة مجان، التي اشتهرت في صهر النحاس وبناء السفن القوية المطلية بالقار، ما يوازي القرن الثاني قبل الميلاد. وهي تحكي مظاهر التبادل اللغوي والتبادل في العادات والتقاليد.
ويسعى المتحف الوطني من خلال تدشينه لركن السلطنة في روسيا للعمل بما جاء ضمن أهداف المتحف بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (62/2013م)، الصادر بتاريخ (20نوفمبر 2013م)، والتي من بينها: المشاركة في إبراز الموروث الحضاري والتاريخي والثقافي والعلمي للسلطنة على المستويات الإقليمية والدولية.
وتهدف المبادرة إلى إبراز الأبعاد الحضارية لعُمان وتجليات من تراثها الثقافي الفريد عبر العصور، لتعريف ملايين الزوار سنويًا بالسلطنة، وبناء سمعتها كوجهة متميزة للسياحة الثقافية. وتتمثل المبادرة في التوقيع على عقود إعارة لقى متحفية متوسطة الأمد - قابلة للتجديد - مع مجموعة منتقاة من المؤسسات المتحفية الرائدة والعريقة على مستوى العالم، لتخصيص قاعات أو أركان عرض متخصصة ضمن سياق قصة السرد المتحفي الثابت في هذه المتاحف تحمل اسم "عُمان".
قاعة عُمان بمتحف الإرميتاج وتسلط قاعة عُمان الضوء على مجموعة من اللقى الأثرية المنتقاة بعنايةٍ وتحمل بُعدًا تاريخيًا لعُمان عبر العصور، حيث كانت القلب النابض لطرق تجارة اللبان، والتي ازدهرت بدءًا منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، فكانت أرض اللبان ملتقىً للتجار من بلاد ما بين النهرين، ووادي السند، ومصر الفرعونية.
وساهمت التجارة الممتدة عبر الأزمنة بدور فاعل في صياغة أشكال اللقى الأثرية المكتشفة حديثًا في عُمان، والتي وفدت إلى عُمان إما بحرًا، أو برًا.
وتٌجسد الٌلقى المعروضة في هذه القاعة تواصل عُمان الخارجي منذ العصر البرونزي، وهو فترة النشأة الأولى لحضارة مجان التي اشتهرت بالبراعة في صهر النحاس وبناء السفن العابرة للبحار.
وتأخذنا هذه القاعة في رحلة زاخرة بالتنوع الكبير والثري الذي كانت تشهده الحياة في عُمان القديمة، وتصور اطلالة رائعة على تاريخ أرض رحبت بكل ود بالتجار والرحالة والمسافرين، حيث تنقسم القاعة إلى عدة أقسام وهي: قسم حضارة مجان، وقسم أرض اللبان، وقسم موقع سلوت.
ويتناول قسم حضارة مجان الحقبة ما بين (2500-2000 ق.م.)، حيث أظهرت الحفريات الأثرية في أقصى شرق عُمان بمواقع رأس الجنز ورأس الحد وجعلان ملامح جديدة لهذه الحضارة، إذ وجدت أمام خليج رأس الجنز قرية كبيرة، منازلها مبنية من الطوب اللبن، كان يقطنها المئات من السكان، توزعوا على شكل مجموعات عائلية كبيرة وبنمط عربي تقليدي.
وقد عثر في هذا الموقع الأثري على أقدم مبخرة (مجمر) في عُمان، كما أثبتت القطع التي اكتشفت في هذا الموقع، علاقة السكان بحضارات العالم القديم، حيث وجدت أوعية فخارية تعود لبلاد الرافدين، إضافة لجرار جلبت من وادي السند، وأوعية حجرية من إيران، ووجدت كذلك صناعات محلية بغرض التصدير، منها أوعية من الحجر الصابوني، وأصداف ولآلىء.
أما قسم أرض اللبان فيتناول تجارة اللبان الدولية منذ الألفية الثالثة ق.م.، حيث شملت كلًا من بلاد الرافدين، ووادي السند، ومصر الفرعونية، ولاحقًا حضارة الرومان، وبيزنطية، ومنها يأتي اهتمام الجانب الروسي بحضارة أرض اللبان، لارتباط اللبان بالطقوس الدينية والشعائرية الكنسية، والتي لا تزال حاضرة إلى هذا اليوم. وتأكيدًا على أهمية تجارة اللبان في صياغة الحضارة الإنسانية عبر التاريخ، فقد تم إدراج 4 مواقع أثرية تختص بتجارته في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وهي: مدينة البليد، ومدينة خور روري (سمهرم)، ومدينة شصر (أوبار)، ووادي دوكة.
بينما يتناول القسم الثالث والأخير موقع سلوت الأثري كونه معقلًا للوجود العربي الأصيل في عُمان، وذلك نتيجة الهجرات المتوالية لقبائل الأزد من اليمن خلال العصر الحديدي.
التعاون الثنائي
ويأتي التعاون بين المتحف الوطني ومتحف الإرميتاج بروسيا الاتحادية بدأ في عام (2014م) عندما تم قبول البروفيسور الدكتور ميخائيل بيتروفسكي - مدير عام متحف الإرميتاج، عضوا في مجلس أمناء المتحف الوطني، وفي عام 2015 تم التوقيع على مذكرة تفاهم في المجالات الثقافية والمتحفية بين الجانبين، وذلك في مراسم جرت بمتحف الإرميتاج، حيث قام متحف الارميتاج باستقبال عدد من موظفي المتحف الوطني للتدريب والتأهيل في مختلف المجالات المتحفية التخصصية، وذلك على عدة دفعات. وفي عام 2018، حلت مبادرة (يوم عُمان) في روسيا بالتعاون بين المتحف الوطني وبمشاركة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ووزارة التراث والثقافة (حينئذ)، ليكون متحف الإرميتاج أول محطة لهذه المبادرة الدولية. كما تم في عام 2019 استضافة مبادرة ومعرض (يوم الإرميتاج) في المتحف الوطني لتكون أول محطة عالمية لهذه المبادرة، وخلال هذا العام تم التوقيع على ثلاث اتفاقيات ثنائية، وهي: اتفاقية انشاء قاعة عُمان بمتحف الإرميتاج، واتفاقية تخصيص ركن الإرميتاج بالمتحف الوطني، واتفاقية لاستضافة معرض "الثقافة الإسلامية في روسيا" بالمتحف الوطني. ومن المؤمل تدشين ركن الإرميتاج بقاعة عُمان والعالم في المتحف الوطني، واستضافة معرض "الثقافة الإسلامية في روسيا" بنهاية العام الجاري.
ويجري العمل كذلك في سياق دعم جهود المتحف الوطني في حفظ وصون التراث الثقافي السوري المتضرر خلال سنوات الأزمة، من خلال استضافة خبراء الحفظ والصون من متحف الإرميتاج بمسقط، لغرض ترميم القطع التدمرية، والتي تعد جزءا من منظومة موقع تدمر الأثري، وهو موقع مقيد من قبل منظمة "اليونسكو".
الجدير بالذكر أن المتحف الوطني يعد الصرح الثقافي الأبرز في السلطنة، والمخصص لإبراز مكنونات التراث الثقافي لعُمان، منذ ظهور الأثر البشري في عُمان وإلى يومنا الحاضر؛ وقد أنشئ بموجب المرسوم السلطاني رقم (62 / 2013 م)، الصادر بتاريخ (١٦ من محرم سنة ١٤٣٥هـ)، الموافق (٢٠ من نوفمبر سنة ٢٠١٣م)؛ وبذلك أصبحت له الشخصية الاعتبارية؛ بما يتوافق، والتجارب، والمعايير العالمية المتعارف عليها في تصنيف المتاحف العريقة.
ويهدف المتحف إلى تحقيق رسالته التعليمية، والثقافية، والإنسانية، من خلال ترسيخ القيم العُمانية النبيلة، وتفعيل الانتماء، والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن، والمقيم، والزائر، من أجل عُمان، وتاريخها، وتراثها، وثقافتها، ومن خلال تنمية قدراتهم الإبداعية، والفكرية، ولاسيما في مجالات الحفاظ على الشواهد، والمقتنيات، وإبراز الأبعاد الحضارية لعُمان؛ وذلك بتوظيف واعتماد أفضل الممارسات والمعايير المتبعة في مجالات العلوم المتحفية.
ومن جهة أخرى يعد متحف الإرميتاج في مدينة سانت بطرسبرغ، روسيا الاتحادية، واحداً من أكبر المتاحف على مستوى العالم، إذ يحوي أكثر من ثلاثة ملايين تحفة فنية، وقد تأسس في عام (1764م) وبالتالي يعد واحدًا من أقدم المتاحف في العالم، واليوم يمتلك المتحف فروعًا دولية له في كل من مدينتي أمستردام وفيرارا، ويعد من أهم المعالم السياحية في روسيا.
ويتميز متحف الإرميتاج بضخامة مبانيه العشرة؛ إذ يعد قصر الشتاء والمباني التاريخية الأخرى التابعة للمتحف صروحًا تاريخية بحد ذاتها، وتتضمن مقتنيات المتحف أعمال فنية من شرق أوروبا، وروسيا، وحضارات الإغريق والرومان، وحضارات الشرق الأدنى والأقصى، وحضارات وسط آسيا، كما تتضمن مجموعة العملات نماذج منذ العصور القديمة وحتى العصور الحديثة، إضافة إلى وجود أسلحة من غرب أوروبا، والشرق الأوسط، وروسيا، والعديد من اللقى الأثرية.
