No Image
الاقتصادية

هل يستطيع الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إنقاذ أوروبا؟

25 نوفمبر 2022
25 نوفمبر 2022

- نصف مشروعات القطاع في العالم التي هي قيد التنفيذ الآن أو من المقترح إنشائها بحلول عام 2030 توجد في الولايات المتحدة

"شحنة واحدة من الغاز تدفئ مليون شخص في أوروبا لمدة شهر"، بابتسامة عريضة أكَّد ذلك موظف في شركة شينير انيرجي وهو يشير بيده إلى ناقلة غاز رأسية عند محطتها الضخمة الخاصة بتصدير الغاز المسال في ميناء كوربس كريستي بولاية تكساس الأمريكية.

استثمرت شينير وهي أكبر شركة لتصدير للغاز الطبيعي المسال في أمريكا (17) بليون دولار في هذه المنشأة، وفي أكتوبر أقامت حفلا بمناسبة الشروع في تنفيذ توسعة إضافية بتكلفة (8) بليون دولار، كما تصدِّر الشركة المزيد من الغاز الطبيعي المسال من منشأة أكبر تابعة لها في ولاية لويزيانا.

عندما تعهدت إدارة دونالد ترامب في عام 2019 بنشر "غاز الحرية في أرجاء العالم" بدا ذلك القول مجرد كلام حماسي، لكنه الآن يبدو لحنا عذبا خصوصا للآذان الأوروبية، فروسيا أوقفت الإمدادات ردا على العقوبات الغربية التي فرضت عليها بعد حربها على أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن الأسعار الحالية تراجعت عن ذروتها، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى الطقس المعتدل إلا أن البلدان الأوروبية تبحث عن سبل لإحلال الوقود الروسي، ويبدو أن "غاز الحرية" هو المطلوب بالضبط.

وفقا لحسابات وكالة معلومات الطاقة الأمريكية ارتفع حجم صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بنسبة (12%) في النصف الأول من عام 2022 على أساس سنوي إلى ما يساوي (57) بليون متر مكعب عند تحويله من سائل إلى غاز. ذهب ما يقارب من ثلثي هذه الصادرات إلى أوروبا ارتفاعا من حوالي ثلث إجمالي الصادرات الأمريكية في عام 2021 بأكمله.

لقد فاقت أمريكا كلا من أستراليا وقطر كأكبر بلد يصدر الغاز الطبيعي المسال في العالم، وتم الاتفاق على صفقة في مارس بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتصدير (50) بليون متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي المسال سنويا إلى أوروبا خلال هذا العقد. وفي السابع من نوفمبر ذكرت الصحيفة البريطانية " ديلي تليغراف" أن بريطانيا والولايات المتحدة على وشك إعلان صفقة غاز مسال ضخمة بعد انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ في مصر.

تلك هي مجرد البداية إذا لم يقف شيء في طريق أنصار الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، فتوبي رايس الرئيس التنفيذي لشركة "إي كيو تي" أكبر منتج للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة يريد من بلده زيادة الطاقة طاقتها التصديرية بحوالي أربعة أضعاف بحلول عام 2030 إلى 1.6 بليون متر مكعب في اليوم، وهو يعتقد أن الغاز الإضافي لن يقتصر على التخفيف من أزمة الطاقة، لكنه سيسهم في مكافحة التغير المناخي إذا استخدِم لإحلال المحطات التي تنتج الكهرباء في العالم الثالث بحرق الفحم الحجري الأكثر تلويثا للهواء.

سيكون تحويل أمريكا إلى قوة عظمى ودائمة لتصدير الغاز الطبيعي المسال أكثر صعوبة من زيادة صادراتها في هذا العام. والسؤال هو: هل يمكن أن يحدث ذلك؟

أمريكا لديها الكثير من الغاز، فوفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة ستدوم الاحتياطيات المعلومة والقابلة للاستخراج عند معدلات الإنتاج الحالية وباستخدام التقنيات الموجودة لقرن آخر، فهناك الكثير من الغاز الصخري في منطقة أبالاتشيا التي تحتضن أكبر حقلين للغاز في العالم من بينهما "مارسيلوس" وهو أكبر من عشرة حقول غاز تقليدية مجتمعة.

لدى شركات الغاز المسال الأمريكية طموحات كثيرة "تقَزِّم" حتى خطة قطر الرامية إلى زيادة طاقتها التصديرية بما يقارب من الثلثين في الأعوام الخمسة القادمة بتكلفة (50) بليونًا، فحوالي نصف مشروعات الغاز الطبيعي المسال في العالم التي هي قيد التنفيذ الآن أو من المقترح إنشائها بحلول عام 2030 توجد في الولايات المتحدة.

صناعة الغاز الطبيعي المسال، بمعاييرها الخاصة بتجنب المخاطر، تسعى إلى الابتكار بهمة ونشاط، فإحدى شركاتها وتدعى فينْشر جلوبال كانت الرائدة في استخدام معدات تسييل الغاز التي يتم تصنيعها في المصنع أولًا، ثم تشحن إلى موقع المشروع، وفي حوض السفن ليس بعيدا عن محطة شركة شينير لتحميل الغاز في كوربس كريستي تتولى شركة ناشئة اسمها "نيو فورتريس انيرجي" إنتاج وحدات سريعة الإنشاء لتسييل الغاز الطبيعي يمكن تركيبها على متن السفن أو الحفارات القديمة. وسيساعد ذلك على خفض الإنفاق الرأسمالي الضروري من بلايين الدولارات إلى ما بين (700 إلى 800) مليون دولار للوحدة.

يوضح رود كريستي أحد مسؤولي شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة أن تقنية وحدات التسييل هذه يمكنها تقليص الفترة الزمنية اللازمة للإنشاء في موقع المشروع بما يصل إلى عامين، وهذه الفترة في العادة تمتد إلى خمسة أعوام أو أكثر.

تكمل شركة فينْشَر جلوبال أولى منشآتها في وقت قياسي، وفي مايو تمكنت من تأمين تمويل جديد بقيمة (13) بليون دولار لبناء منشأة جديدة عملاقة في ولاية لويزيانا ستكون جاهزة لشحن الغاز بحلول عام 2024.

ويقول ويس ادينز الرئيس التنفيذي لشركة نيو فورتريس: إن شركته يمكنها إنشاء وتشغيل محطات أصغر لتحميل الغاز الطبيعي المسال "في نصف الوقت تقريبا وبثلثي تكلفة المحطة التقليدية تقريبا."

ولكي تترجم صناعة الغاز هذا المزيج الأمريكي الفعال المتمثل في موارد طبيعية وفيرة، وشركات قوية حالية، ورواد أعمال جسورين إلى قوة عظمى في تجارة الغاز الطبيعي المسال سيلزمها التغلب على ثلاثة عوائق.

أولها وقوف مركز المال والأعمال "وول ستريت" في وجه استخراج المزيد من الغاز من جوف الأرض، فالمستثمرون صدموا من دورة الازدهار والهبوط التي امتدت لعقد، وصرفت فيها شركات التنقيب عن الغاز الصخري أكثر من (150) بليون دولار من أموال التدفق النقدي الحر المتراكم في الفترة من (2011 إلى 2020). لقد ظلوا يحثون رؤساء شركات الطاقة على توزيع أرباح قياسية للمستثمرين بدلا من توظيفها في تكوين طاقة إنتاجية جديدة واستجاب لهم الرؤساء. فشركة بايونير للموارد الطبيعية وهي منتج كبير للغاز الصخري تعرض عائدا ربحيا بنسبة 12.4% مقابل 1.4% في العام الماضي. وضاعفت شركة أخرى هي تْشيسابيك إنيرجي تمويل برنامجها الخاص بإعادة شراء أسهمها، وسددت شركات الغاز الصخري ديونا بقيمة (26) بليون دولار، ولا يبدر عنها أي شيء يشير إلى تقليلها من هذا الانضباط الرأسمالي الجديد.

إذا ظلت أسعار الغاز مرتفعة قد يستحيل يوما ما مقاومة إغراء الحفر، لكن حتى يحدث ذلك سيلزم شركات الغاز الطبيعي المسال نقل الغاز من البئر إلى منشآت التسييل.

يعتقد مات بالمر المسؤول بشركة الأبحاث ستاندارد آند بورز جلوبال أن أمريكا يمكنها مضاعفة صادراتها من الغاز المسال في أواخر هذا العقد باستخدام خطوط أنابيبها الحالية، والاعتماد على الغاز المستخرج من حقول مثل تلك الموجودة في الحوض البيرمي في ولاية تكساس، والقريبة من منصات التصدير على خليج المكسيك. وسيتطلب التوسع بقدر أكبر في إنتاج الغاز المسال ضخ المزيد من الوقود إلى الجنوب من منطقة ابالاتشيا غير الساحلية. لقد تم وقف تنفيذ عدة مشروعات لإنشاء أنابيب الغاز منذ عام 2016 بسبب متاعب إجراءات الحصول على الرُّخَص ومعارضة الناشطين المعادين لها.

العائق الأخير مصدره أوروبا نفسها، فنظرا إلى أن مشروعات الغاز الطبيعي تنطوي على مخاطرة، كما أنها كثيفة رأس المال لن يقرض الدائنون البلايين لتمويلها ما لم يكن في مقدور المقترضين تقديم عقود طويلة الأجل تضمن تدفقات نقدية يمكنها خدمة الدين. المشترون من اليابان وجنوب أفريقيا يوقعون بكل سرور على مثل هذه العقود، وأحد أسباب ذلك الإجراءات التنظيمية التي تعد بتعويضهم إذا حدث هبوط فجائي في أسعار الغاز، لكن الطلب من آسيا وحدها ليس كافيا لتبرير النفقات الكبيرة على طاقة إنتاجية جديدة للغاز الطبيعي المسال في أمريكا.

على الرغم من مسارعة الاتحاد الأوروبي لإحلال الغاز الروسي المفقود أبرمت أربع شركات كهرباء فقط في أوروبا صفقات طويلة الأجل لشراء الغاز من المصدرين الأمريكيين هذا العام، بحسب ليزلي بالتي غوزمان رئيسة شركة الأبحاث غاز فيستا.

ويشعر آخرون بالقلق من أن سياسات المناخ الطموحة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي تنبئ باتخاذه إجراءات ضد استخدام الغاز في نهاية المطاف، فالغاز رغم كونه أنظف من أنواع الوقود الأحفوري إلا أنه يطلق الكربون في الهواء عند حرقه.

يقول خبير الطاقة ديفيد جولدوين: "لا أحد يعلم ماذا سيكون طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز بعد عام 2030." على خلاف آسيا، أسواق الطاقة الأوروبية المحررة تعرض المشترين لتقلبات الأسعار، ووسط مثل هذه البلبلة في الأسواق من الصعب لوم شركات الكهرباء في أوروبا على خشيتها من التوقيع على عقود يمتد أجلها إلى (20) عاما.

الغاز الطبيعي المسال الأمريكي يمكنه إنقاذ أوروبا، لكن لكي تتقدم شركات تصدير إضافية من شاكلة شينير ونيو فورتريس وفينْشر جلوبال للقيام بهذه المهمة يجب أن يوقع المزيد من الأوروبيين على عقود شراء الغاز.