هل انتهى عهد ازدهار السيارة؟
في رواية الخيال العلمي الساخرة «دليل المسافر إلى المجرَّة» يتأمل مؤلفها دوجلاس آدمز طبيعة السفر (الفوضوية) ويقول عن الطرق الالتفافية: إنها مسارات «تسمح لبعض الناس بالانطلاق من «النقطة أ إلى النقطة ب» بسرعة بالغة ولآخرين بالانطلاق من «النقطة ب إلى النقطة أ» بسرعة بالغة أيضا» أما أولئك الذين يوجدون في النقطة «ج» على الطريق الالتفافي نفسه بين النقطتين «أ - ب» فكثيرا ما يتمنون من الناس (الذين يمرون بهم جيئة وذهابا من «النقطة أ إلى ب» أو العكس) أن يقرروا مرة واحدة وإلى الأبد أين يريدون أن يكونوا بالضبط.» انتبه آدمز لهذه (الملحوظة المرحة) إلى شيء مهم. فالبشر ينفقون الكثير من الوقت والمال والطاقة في التجول من مكان إلى آخر داخل السيارات. فالأمريكي في المتوسط يجلس خلف مقود السيارة لما يقرب من الساعة في اليوم أو ما يساوي أسبوعين كاملين في السنة ويقطع خلالها حوالي 11500 ميل (18500 كيلومتر). الطريقة التي ننتقل بها من مكان إلى آخر (بالسيارة أو الدراجة أو مشيا على الأقدام أو بوسائل النقل العام) تحدد الشكل الذي تبدو عليه منازلنا ومدننا. عندما تدركون ذلك لن يدهشكم أن المدن الأمريكية تنحو إلى التمدد وتخصيص مساحات كثيرة بها للطرق ومواقف السيارات. في اليابان يقود الناس السيارات لمسافات أقصر إلى حد بعيد، ففي المتوسط يقطع الياباني حوالي 3500 كيلومتر في العام بالقطار (هذا الرقم لا يشمل التنقل بواسطة أنظمة قطار الأنفاق وما شابهها داخل المدن). وفي المدن اليابانية تتجمع ناطحات السحاب حول محطات السكك الحديد. يعتقد البعض أن حقبة السيارات التقليدية تصل إلى نهايتها، ويَعِد رواد الأعمال بأن السيارات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية وأشكال جديدة من وسائل التنقل الصغيرة كالدراجات ستغيِّر عما قريب حتى الأماكن الأكثر اعتمادا على السيارة مثل منطقة «حزام الشمس» في الولايات المتحدة.
ها هنا خمسة كتب توضح لماذا ننتقل كثيرا من مكان إلى آخر على النحو الذي نفعله الآن؟ وما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل؟ الكتاب الأول تحت عنوان «الشارع الذكي: نشوء المدن وسقوط السيارات» تأليف صمويل سام شوارتز. في أعوام السبعينيات والثمانينيات كان سام شوارتز يعمل في إدارة النقل بمدينة نيويورك تايمز وتدرَّج مترقِّيا من وظيفة متواضعة إلى مفوض المرور بالمدينة، أثناء شغله ذلك المنصب صاغ شوارتز مصطلح الاختناق أو الانسداد المروري (gridlock) الذي منحه لقب «جريدلوك سام.» هذا الكتاب في جزء منه مذكرات، يأخذ شوارتز القارئ في رحلة عبر قصة حياته بداية من أيام طفولته في خمسينيات القرن الماضي التي أحزنه أثناءها انتقال أصدقائه وفريق البيسبول الذي يفضله «بروكلين دودجرز» لأمكنة تحبّذ قيادة السيارات، كما تطرق إلى فترة عمله في منصب رفيع بحكومة نيويورك حيث سعى إلى الحث على التخلي عن استخدام السيارة. في تلك الوظيفة سرَّب شوارتز معلومات لجماعات حماية البيئة وأغلق طرقا أمام السيارات دون أن يخطر أي أحد قبل القيام بذلك. كتاب «الشارع الذكي» أيضا يجادل بأن الأهمية الاقتصادية للمدن والعادات المتغيرة للشباب ستقلل من اعتماد أمريكا على السيارات الخاصة ويعتقد أن هذا شيء جيد، وفي كتاب لاحق بعنوان «لا أحد خلف المقوَد» يتطرق شوارتز إلى ما يمكن أن تعنيه السيارات ذاتية القيادة في نهاية المطاف للمدن وكيف أن المسؤولين بحاجة إلى التخطيط لذلك، وإذا لم يفعلوا شيئا سيكون هنالك اختناق (انسداد) مروري من نوع آخر.
الكتاب الثاني تحت عنوان «الانطلاق قُدُما: السباق من أجل ابتكار السيارة ذاتية القيادة» بقلم الَيكْس ديفيز. يبدأ هذا الكتاب بحكاية منافسة نظمتها وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (داربا) قبل حوالي 20 عاما تقريبا، فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وفيما كانت القوات المسلحة الأمريكية تحارب في الشرق الأوسط أبدى القادة العسكريون في الولايات المتحدة اهتماما بفكرة السيارات ذاتية القيادة، وفي عام 2004 عرضت الوكالة جائزة بقيمة مليون دولار للفائز في سباق عبر الصحراء الغربية من بارستو في ولاية كاليفورنيا إلى بريم في ولاية نيفادا لمسافة 132 ميلا (212 كيلومتر) الفكرة وراء السباق، كما كتب ديفيز، كانت « إذا أمكن لسيارة (ذاتية القيادة) عبور صحراء موهافي سيكون بمقدورها العمل في أفغانستان والعراق».
على أية حال في تلك السنة لم تقترب ولا سيارة واحدة من إكمال ذلك التحدي، لكن في العام التالي دخل السباق 200 فريق تقريبا، وأكملت خمس فرق السباق، حقق فريق سيارة «ستانلي» من جامعة ستانفورد ذلك في أقل قليلا من 7 ساعات، ومنذ تلك اللحظة بدأ «السباق» من أجل تصميم سيارة ذاتية القيادة حقا. قراءة كتاب ديفيز ضرورية لفهم صعوبة ابتكار سيارة بلا سائق (يمكنها التعامل مع الحركة المرورية بسهولة مثل البشر)، كما يجادل الكتاب بطريقة مقنعة أن ذلك سيحدث. «الفردوس المُسَفْلَت والمرصوف: كيف تفسر مواقف السيارات في العالم» هذا هو عنوان الكتاب الثالث من تأليف هنري جرابار، إحدى المشكلات التي تفرضها السيارات في العالم الغني حيث تشكل هناك وسيلة النقل المفترضة هي مكان إيقافها، ويوضح هنري جرابار كيف أخذت المدن الأمريكية الشكل الذي تبدو عليه بمساحاتها الكبيرة المخصصة لمواقف السيارات، ويشرح كيف قادت القوانين التي تتطلب من الشركات والمطورين العقاريين توفير مواقف مجانية كافية إلى تشييد مواقف للسيارات تفيض كثيرا عن الحاجة مما جعل من الصعب (على الناس) التفكير في استخدام وسائل النقل الأخرى. إنه يتكئ على عمل دونالد شوب وهو أكاديمي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس سعى في همّة للكشف عن اللامعقولية الاقتصادية للمواقف المجانية، كما أورد جرابار في الكتاب الكثير من التفاصيل الإنسانية المرحة التي تجعل مادته الفنية مفهومة للقارئ. العيب الوحيد في الكتاب عنوانه الجانبي «كيف تفسر مواقف السيارات العالم» في الحقيقة هو يكرس ثلاث صفحات فقط للبلدان الأخرى بخلاف أمريكا.
الكتاب الرابع «التصدي (لمشكلات) الحركة المرورية: فجر عصر السيارة في المدينة الأمريكية» من تأليف بيتر نورتون. هنالك تاريخ شعبي للسيارة يشير إلى أن هنري فورد اخترع السيارة «موديل تي» واشتراها عماله ثم سرعان ما تخلى الجميع بكل سرور عن المركبات التي تجرها الخيول ببطئها ومرآها الذي لا يسر العين ودخلوا في جوف «آلات معدنية جديدة براقة ومحرِّرة.» يكشف تاريخ بيتر نورتون أن انتشار استخدام السيارات كان محفوفا بالمصاعب وسياسيا في أوائل عشرينيات القرن الماضي امتلأت شوارع المدن بالمزيد من السيارات الأكثر سرعة. وكانت تُعد على نطاق واسع «لُعَبا» للأثرياء تقتل مئات الأطفال في حوادث مرورية. وفي مدن مثل سانت لويس شُيِّدت صروح لضحايا حوادث الطرق وقاد محتجون مواكب تدعو إلى فرض قواعد صارمة على السائقين، ويوضح نورتون الكيفية التي هزمت بها الجهود المنظمة لصانعي السيارات وبائعيها ومالكيها تلك القيود المبكرة، لقد ابتكروا مصطلحات من شاكلة «العبور الخاطئ للطريق» للادعاء بأن وفيات المشاة في الحوادث المرورية سببها تجرّؤهم على عبور الطريق. هذه المماحكات مؤشر على التحديات التي سيتوجب على بائعي السيارات ذاتية القيادة التعامل معها في مواجهة رأي عام معادٍ لاستخدامها. يوضح نورتون كيف تم التغلب على مثل هذه التحديات في الماضي والجوانب السلبية لذلك؟
الكتاب الخامس من تأليف بيتر ووكر وعنوانه «كيف يمكن للدراجات إنقاذ العالم.» في هذا الكتاب يوضح ووكر وهو صحفي بالجارديان البريطانية كيف يمكن لقيادة الدراجة تحسين التنقل بشكل جذري إلى جانب تحقيقها المزيد من الفوائد الأخرى. يترافع ووكر عن الدراجة ويشرح، مستخدما تقارير من مدن مثل كوبنهاجن وأوترخت، كيف أن دفع المزيد من الناس لاستخدام الدراجات سيطيل الحياة ويجعلها أكثر متعة، فهي ستقلل من عدد الوفيات في حوادث السيارات ومن كمية الدخان الضبابي الناتج من فحم عوادم السيارات والذي يسمم رئات الناس، كما ستقلل أيضا من الوفيات التي يسببها نمط الحياة الجلوسي، وتزايد استخدام الدراجة يقلل أيضا من الاختناقات المرورية. لكن من الصعب بلوغ ذلك، فحسب ووكر سيحتاج العالم إلى عدد أقل من سائقي الدراجات ممن يرتدون ملابس «الليكرا» من أمثاله الذين يعدون قيادة الدراجة هُويَّة لهم، بل العالم بحاجة إلى عدد أكبر من الناس العاديين الذين «ببساطة» يستخدمون الدراجة بين الفينة والأخرى للذهاب إلى مكان ما. ويكتب ووكر «تصوير قيادة الدراجة كهواية دع عنك طرحها كرياضة متطرفة لن يجعلها أبدا جذابة سوى لعدد قليل من الناس».