مزارعو أرياف ظفار: الزراعة الموسمية تؤمّن كميات كبيرة من الحبوب الغذائية لسكان الجبل والمدن
- تبدأ الزراعة من أواخر شهر يونيو قبل نزول المطر.. وموسم هذا العام مبشر بإنتاج وفير
تعتبر الزراعة الموسمية في جبال وأرياف محافظة ظفار والتي كان يمارسها أهالي المنطقة منذ القدم من أهم مصادر الدخل السنوي للفرد وموردا مهما من موارد الرزق للمجتمع المحلي. حيث مرت على البلد مراحل صعبة جدا من حيث عدم توفر المواد الأساسية للغذاء. لذا لعبت الزراعة الموسمية رغم بساطة الأدوات الدور الأهم في تأمين كميات كبيرة من الحبوب الغذائية لسكان الجبل والمدن. والمعلوم أن المناطق الريفية الممتدة من جبل سمحان شرقا إلى ضلكوت غربا تزاول هذه المهنة من خلال استغلال مساحات كبيرة قد تصل بعضها إلى الآلاف من الأمتار المربعة تبدأ هذه الزراعة عادة من أواخر شهر يونيو ويسبق ذلك تهيئة الأرض من حيث التخلص من بقايا الحشائش وذلك عن طريق الإزالة والحرق ثم الحرث وإضافة السماد الطبيعي حسب نوعية الأرض ثم الحفر لنثر البذور وتغطيتها وذلك قبل نزول المطر. وتسمى هذه الأرض المخصصة للزراعة مشديدة وباللهجة المحلية (مشنو) ويستمر تعهد المزروعات طيلة أشهر الخريف وذلك بمكافحة الحشرات والتخلص من النباتات الدخيلة على المشديدة وهذا يتطلب جهدا كبيرا ومثابرة منقطعة النظير. والصعوبة تكمن في طبيعة المناخ الذي يتعرض له المزارع حيث يكون عرضة للبرد والجوع بسبب غزارة الأمطار وقلة الطعام وما يواجهه من لسعات الحشرات الضارة كالبعوض والذباب وما شابه والمؤذية كالديدان التي تهاجم المزروعات بالإضافة إلى الأخطار الأخرى كلدغ الثعابين القاتلة والعقارب السامة بل والسباع والذئاب أحيانا. ونظرا لبعد الموقع أحيانا عن أماكن السكنى يضطر المزارع للبقاء عند مرزعته لأيام تزيد وتنقص بحسب ظروف كل شخص. إن ما يقوم به هؤلاء الناس من أعمال من شأنها تأمين أبسط سبل العيش الكريم لأسرهم وإيمانهم الجازم واعتقادهم الحازم بأن الدين والعرف يحتمان عليهم تحمل المسؤولية وبذل كل ما بوسعهم لاستمرار الحياة لهم ولمن حولهم. وفي موسم الربيع وهو وقت الحصاد يفرح المزارع بمحاصيله ويراوده الفخر والاعتزاز بما حقق مما يدفعه للتفكر في مضاعفة الجهد مجددا وعدم الركون إلى الكسل والاستسلام للظروف. وبعد الجز وتنقية الثمار يتم جمعها وتنظيفها ثم توزيعها غالبا على ثلاثة أقسام. القسم الأول يذهب للأهل من أجل الاستهلاك وتصريفه بحيث يقسط لعام كامل إن أمكن. والقسم الثاني يخزن في أماكن تحفظه من الخراب لتتم إعادته إلى الأرض كبذور. أما القسم الثالث فيكون منه للبيع والصدقة والإهداء مما يجلب المحبة وصدق الإخاء والتكافل الاجتماعي في أحلك الظروف وأصعبها.
- العمل دون كلل أو ملل
إن المتمرس بمهنة الزراعة لا يعرف الكلل أو الملل ولا سبيل للتقاعس وشعاره «عجز لاشين فقر ذ عنوت». وهذا مثل محلي يضرب للذين يفوتون فرص العمل ويعني ترك القيام بالعمل ولو لوقت قصير يتسبب في فقر سنة كاملة. حيث من فاته موسم الخريف فقد ارتضى لنفسه الفقر والعوز وبالتالي يكون عالة على مجتمعه.
ولقد كانت المحاصيل الزراعية التي يتم حصادها في منتصف شهر أكتوبر من كل عام من مزارع المواطنين في أرياف محافظة ظفار تغطي الاحتياجات المهمة لأهالي الجبل والمدن على حد سواء. وإنه لمن المؤسف جدا انحسار هذه الزراعة تزامنا مع الطفرة النفطية. وكان من الواجب على المواطن استغلال نمو البلد وتنوع أدوات الزراعة ووسائلها في تطوير وتوسيع تلك المهنة كما لا شك أن الدولة يقع على عاتقها مسؤولية مماثلة إن لم تكن أكبر وذلك من خلال تشجيع وتنظيم ودعم هذه المهنة التي من شأنها المساهمة المباشرة في التقليل من الباحثين عن العمل ورفد الاقتصاد المحلي بمنتوجات محلية مضمونة الجودة وسهلة النقل إذ سيكون تحت رعايتها (الدولة) وفي دائرتها الضبطية.
حول أهمية الزراعة الموسمية في أرياف محافظة ظفار أجرت ( عمان الاقتصادي ) لقاءات مع بعض المزارعين في المنطقة الغربية من محافظة ظفار بولايتي ضلكوت ورخيوت.
- آراء المزارعين
في البداية تحدث سالم بن سعيد العامري من منطقة ديم بنيابة خضرفي بولاية ضلكوت فقد بدأ حديثه بتعريف الزراعة الموسمية فقال: هي زراعة الأرض في موسم الخريف، حيث يتم حرث الأرض وتهيئتها لإنبات الزرع التي يتمثل في زراعة حبوب للوبيا ( الدجر) والذرة الحمراء والذرة الصفراء والخيار المحلي. من خلال إقامة حوش من الأحجار أو أغصان الأشجار التي تمنع دخول الحيوانات إلى هذا الموقع المزروع حتى تكون الزراعة في مأمن من الحيوانات.
وقال سالم العامري: في أواخر الصيف يبدأ المزارع بتنظيف الأرض داخل الحوش كاملاً من الأحجار ومن الحشائش غير المرغوب فيها وتهيئتها للزراعة وبعد هطول الأمطار بأسبوع تقريبا تكون الأرض مهيأة للزرع يبدأ المزارعون بنثر الحبوب في المزرعة، بعدها ينتظرون شهرا كاملا، ثم يتم تنظيف المزرعة من الحشائش النابتة حتى لا تؤثر على المحاصيل الزراعية. وبعد شهرين أول ما ينضج من المحصول هو الخيار ويأخذه الناس كمبشر ببداية الصرب ويلية (الدجر) في بدايته يكون أخضر اللون ويفضلونه للأكل عادةً أخضر ثم يتحول لونه إلى أصفر يابس بعد انتهاء موسم الخريف وهنا (يأتي دور المزارعين في عملية الجز) الدجر وتجميعه في موقع نظيف ويضربونه بالعصا ليتم فصل البذرة عن القشور ويتم تنظيفه جيداً وبعدها يعبأ في الجواني للبيع بحسب وزن الجونية حيث تكون قيمة الجونية الواحدة تتراوح ما بين ١٨٠ أو ٢٠٠ ريال بوزن 35 كليو جراما، وأيضا تعبأ في علب بلاستكية سعة كل واحدة تتراوح ما بين خمسة إلى ستة لترات وتتفاوت القيمة من شخص إلى آخر. وأضاف المزارع سالم بن سعيد العامري فقال: وأخيراً يأتي دور محصول الذرة وهو أصعب محصول ويتأخر عن باقي المحاصيل قليلاً في عملية قطعه ما بين أسبوع أو أكثر بعد ذلك يوضع لأكثر من عشرة أيام في الشمس لتجفيفه وبعدها تضرب بالعصا لإخراج الحب منها ويتم تنظيفها جيداً وهذا التنظيف يحتاج إلى مجهود كبير جداً وبعد عملية التنظيف يتم تجميعها في الجواني أو العلب البلاستكية بأحجام مختلفة وتعرض للبيع، وتختلف قيمة جونية الذرة عن الدجر تصل قيمتها الى١٦٠ريالا وأكثر.
أما المزارع أحمد بن سعيد رعفيت تحدث عن الزراعة الموسمية في الماضي والحاضر فقال. كانت الزراعة الموسمية في الماضي تغطي مصاريف المواطن هو وأفراد أسرته حيث كان الاعتماد الكلي على الزراعة الموسمية، وكان الإنتاج يفيض وبكميات كبيرة حيث يتم تسويقه إلى المدن على ظهور الجمال. وكانت الزراعة الموسمية في جبال ظفار المصدر الأساسي في تأمين الغذاء في تلك الفترة. وأما الآن وبعد توفر الوسائل البديلة أصبح المواطن يتجه نحو العمل الوظيفي بالإضافة إلى مجالات أخرى لكسب الرزق. وهذه العوامل جعلت المواطن الريفي يتقاعس ويترك أرضه ويهمل زراعته الموسمية.
وعن محصول هذا العام قال أحمد رعفيت. الحمد لله الإنتاج هذا العام يبشر بالخير حيث حصدنا أكثر من ( ٩) جوانٍ من الذرة الحمراء ذات وزن ٣٨ كيلو جراما و(١١) علبة بلاستكية سعة ٦ لترات. حيث يصل قيمة الجونية من الذرة الحمراء حوالي ١٦٠ ريالا عمانيا. وفي نهاية حديثه قال احمد بن سعيد رعفيت. أود أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى جميع المزارعين في أرياف محافظة ظفار الذين ما زالوا متمسكين بهذه المهنة الموسمية رغم مشقتها البالغة وأحثهم على بذل المزيد من الجهد والعمل وعدم إهمالهم الأرض التي كانت مصدر رزقهم هم وأفراد أسرتهم في الماضي رغم المتاعب التي يواجهونها أثناء الزراعة.
- موسم الخريف
من جانبه تحدث أحمد بن سعيد باقي من ولاية رخيوت فقال: نحرص دائما على زراعة موقع قديم يسمى مشديد كان سابقا يحرث لزراعة بعض الحبوب كالذرة واللوبيا (الدجر) وتبدأ زراعة هذه المحاصيل مع بداية موسم الخريف فلكيا ويتغذى ذلك على رذاذ المطر طوال فترة الخريف. ومع نهاية شهر سبتمبر تجنى هذه المحاصيل خاصة اللوبيا، أما الذرة فتتأخر بعد ذلك بشهر تقريبا أي نهاية أكتوبر ويعتمد ذلك على طبيعة وجو المنطقة ومنذ ثلاث سنوات قمنا بتأهيل مشديد قديم كان يستخدم سابقا لزراعة مثل هذه الحبوب وحاولنا أن نهيئ المكان لزراعة الذرة وجزء منه اللوبيا ( الدجر ) ولله الحمد نجني منه ثمارا بكميات كبيرة وحسب ما نزرع ويعتمد ذلك على المساحة المزروعة، مؤكدا بأن نوعية التربة في مناطق الجبل خصبة لزراعة الكثير من المحاصيل سواء كانت حبوبا أو فاكهة لذلك نشجع على الحفاظ على هذه المحاصيل التي تكاد أن تنقرض من بعض المناطق بسبب عدم الاهتمام بها علما بأن هذه المحاصيل كانت مصدرا للعيش والحياة سابقا قبل النهضة المباركة ومع بداية النهضة. إضافة إلى أنها مصدر دخل آخر للكثير من الأسر والأفراد الذين يحرصون على زراعة مشاديد وبمساحات كبيرة يرفدون من خلالها السوق المحلي الموسمي، أحيانا تصل قيمة الكيلو من محصول الذرة إلى ٤ ريالات عمانية وجونية اللوبيا بوزن ٣٥ كيلوجراما إلى ١٨٠ ريالا عمانيا. لذلك نجد أن هناك قيمة جيدة لهذا المحصول .
