الاقتصادية

كتاب "رؤية عُمان 2040.. ضغوط الأسئلة واستحقاقات الأجوبة".. إبحار اقتصادي مالي اجتماعي

26 فبراير 2022
يُقدم وصفات عبور للمرحلة المُقبلة
26 فبراير 2022

يُبحر كتاب "رؤية عُمان 2040.. ضُغوط الأسئلة واستحقاقات الأجوبة"، في جوانب مالية واقتصادية والاجتماعية، مرتبطة نوعًا ما بالسياسة، وبطريقة سهلة سلسة، تفهمها كل فئات المُجتمع.

الكتاب من تأليف الدكتور يوسف بن حمد البلوشي خبير اقتصادي، ويُسلط الضوء على "رؤية عمان 2040" بشكل عام، ما لها وما عليها، إيجابياتها وسلبياتها، والضرورات التي تؤكد أهمية إطلاقها، كونها باتت محطة مُهمة لإحداث تغييرات ملموسة.. فـ"الرؤية" -حسب رأي الكاتب- هي الصورة الذهنية التي يود الجميع أن يرى بها سلطنة عُمان في المُستقبل، وهي بمثابة بوصلة ودليل استرشاد وخريطة طريق.

ويُقارن البلوشي ما بين "رؤية 2020"، و"رؤية 2040"، بالقول إن الأولى اختصت ببناء الإنسان العُماني، وتزويده بالعلم والمهارات، ومُقومات الدولة العصرية، بينما تُركز الثانية على الإنتاج والتنافُسية والإدارة المُثلى، ويتساءل "هل نستطيع تحقيق الطموح المنشود في "الرؤية"؟، التي تستهدف الوصول إلى مصاف الدول المُتقدمة، وتحقيق قفزات تنموية، وتحولات مهمة على مختلف الأصعدة.

ويتطرق الكتاب، بطريقة بسيطة، إلى نظريات اقتصادية وحلول مالية لما قد تُواجهه عُمان، خصوصًا خلال الفترة المُقبلة، والتي يترتب على المعنيين في الحكومة النظر إليها بكل جدية وواقعية، بعيدًا عن أي مُجاملات أو مُحاباة، لأي طرف كان.

كما يُسلط الكاتب الضوء على التاريخ الاقتصادي لسلطنة عُمان، غير هاضم لحق أي مرحلة سابقة مرّت فيها البلاد، ويُعرّج بطريقة مُشوّقة على جوانب المرحلة المُقبلة، بما تتضمنه من سلبيات وإيجابيات. الكتاب من خلال فصول خمسة، يمزج بطريقة شفافة واضحة ما بين مرحلتين، سابقة بما تضمنته من مثالب، أو إيجابيات يستطيع صانع القرار البناء عليها والمضي قدمًا لاستكمال ما تم بناؤه أو وضعه من خطط.

ويُشير البلوشي، في كتابه الذي يتضمن 208 صفحات، إلى تخوفه من عدم الإقدام على حلول اقتصادية ومالية، أو حتى التأخر في ذلك، لما يترتب على ذلك من نتائج عكسية، سيدفع ثمنها المواطن العُماني ومن قبله الوطن. في حين يتطرق إلى عناصر النجاح الأهم التي تستند إليها سلطنة عمان، والتي يُجملها بالتسلح بالإيمان، والرغبة بالنهوض، في حين تتمثل عناصر وصفة النجاح بالموارد البشرية والمؤسسات الراسخة، فضلا عما تزخر به البلاد من موارد طبيعية، وبُنى تحتية، ومكانة مرموقة بين الأمم، تُمكنها من الدخول في شراكات استراتيجية تجذب من خلالها رؤوس الأموال والتكنولوجيا والأسواق.

ويُسلط الكتاب الضوء على ضرورة الاهتمام ببيئة الأعمال، والتركيز على تحسين سوق العمل، بهدف جعله جاذبًا للمواهب العالمية، مع أهمية زيادة مشاركة العنصر النسائي في سوق العمل، إضافة لإشراك الشباب في صياغة السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية.

ويتطرق الكتاب إلى السلبيات التي يغرق بها المُجتمع العُماني، من قبيل استيراد العديد من السلع والخدمات، وأيد عاملة وافدة مُتدنية المهارة، فضلًا عن أن تركيبة دورة الأنشطة التجارية تمتاز بقصور تأثير مُضاعف الإنفاق، لارتفاع التسربات الاقتصادية المُتمثلة بحجم التحويلات المالية إلى الخارج، ناهيك عن الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتصاعد مُستويات الدين العام.

كما يُشير الكتاب إلى احتياجات الناس الاقتصادية والمعيشية، التي لن تستطع الحكومة تلبيتها، في حال بقيت السياسات القائمة على ما هي عليه، بلا أي تعديل أو تجويد.. فضلا عن أنه يدق ناقوس الخطر، جراء خسائر وكُلف ستترتب على كاهل الدولة، في حال لم تُقدم على حلول اقتصادية، يضعها مختصون، من رجال أعمال ومال.

البلوشي يخرج بالعديد من النتائج، بعض تلك النتائج مُرتبط بشكل وثيق بالمواطن العماني نفسه وعدم مُبالاته، فالمواطن يتوجب عليه الأخذ بالأسباب، والولوج بكل قوة وجرأة إلى العالم الجديد، والقول بأن الأمور صعبة ومستحيلة التطبيق، فذلك نوع من أنواع التشاؤم، غير مقبول في الفترتين الحالية والمُقبلة.

ويُقدم الكاتب نصائح، بُغية النهوض بالاقتصادي العماني، ومُواكبة التطورات والتكنولوجيا التي وصلت إليها دول العالم المُتحضر، منها ضرورة البدء بإصلاحات اقتصادية ومالية شاملة لكل أذرع الدولة المُختلفة، وبناء استراتيجيات قابلة للتنفيذ، تعود بالنفع على الجميع، سواء أكان مواطنا أم قطاعا عاما أم قطاعا خاصا.

ويُسلط الضوء على ضرورة الإسراع في حسن استغلال الموارد التي تتمتع بها سلطنة عُمان، واستثمار مساحة التطور القائمة، من خلال رفع مُعدلات الكفاءة في أنماط الاستهلاك، وتطوير الأداء، والحد من الهدر في استهلاك الغذاء والماء والكهرباء والطاقة.

ويُجمل البلوشي التشوهات، التي ستعوق تحقيق طموحات "رؤية عُمان 2040"، في تركيبة سوق العمل، إذ إن 85 بالمائة من موظفي القطاع الخاص هم من الأيدي العاملة الوافدة، إنتاجية العمال في السالب، المهارة مُتدنية للغاية، فـ91 بالمائة من العمال الوافدين في القطاع الخاص، تحمل مؤهل ثانوية عامة وما دون، تركز 76 بالمائة من الأيدي العاملة الوافدة في ثلاث جنسيات آسيوية (بنغلاديش والهند وباكستان)، مُساهمة المرأة في سوق العمل مُتدنية بشكل كبير، الامتيازات الممنوحة والاستقرار الوظيفي في الحكومة وشركاتها تُعتبر أكثر جاذبية من القطاع الخاص.

ولمُواجهة المشاكل والمُعوقات، يُقدم الكاتب حلولا، تتمثل بمُطالبة الجهاز الحُكومي، بمختلف أذرعه، بالتحول التدريجي، وكذلك القطاع الخاص مُطالب أيضًا بتبنّي أدوار تُمكنه من تغيير النموذج القائم على التجارة والاستيراد، إلى نموذج قائم على الإنتاج والتصنيع والتصدير، كما أن أفراد المجتمع العُماني مُطالبون بتحول أكبر، وتبنّي قيم وثقافات وأدوار جديدة، في حين يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني مسؤولية تقديم المُقترحات، والمُساهمة في بلورة السياسات، في المجالات كافة.

ويُقدم البلوشي وصفة العبور إلى المُستقبل، تتضمن حلولا جديدة لرفد الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنويع والاستدامة المالية، إضافة إلى إيجاد فرص عمل مُنتجة ومُجزية لأبناء سلطنة عُمان.. كما أن وصفة العبور يجب أن تقوم على التحول المبني على الاندماج والتعاون الدولي، والتركيز أكثر على زيادة الاستثمار الأجنبي في البلاد.

كما يؤكد أن تفعيل أسس الحوكمة، يتطلب رغبة جادة، وتنازلات على مُختلف المستويات، والقبول بالمُحاسبة، ومُبادرات مؤسسية في سبيل تحقيق تنمية شاملة ومُستدامة للجميع، يُسهم فيها الكل، بُغية الخروج من وضع اقتصادي يعتمد فقط على النفط، الذي لا نتحكم بأسعاره ولا كمياته.. مُستقبل اقتصادي أكثر تنوعًا، مكفولٌ بمبادئ الحوكمة القائمة على العدل والمساواة والحرية والمُحاسبة والتقييم.

دوليًا، يُشيد الكتاب بإدارة الدول المُتقدمة لملف الاقتصاد، مع ما رافقه من توظيف للتكنولوجيا والتطبيقات الذكية، وما حققته من نجاح، وفي الوقت نفسه لم يُنكر ما حققته سلطنة عمان في سابق الأيام، لا بل على العكس يُطالب بضرورة البناء عليه، باعتبار لبنة أساسية، يستطيع صانع القرار البناء عليها.

وقدّم الكتاب مدحًا للدبلوماسية العُمانية، وتميزها في بناء علاقات مع معظم دول العالم، مقترحًا استغلالها بطريقة أكثر فائدة لسلطنة عُمان ومواطنيها، في سبيل جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. ويؤكد الدكتور يوسف البلوشي أن المرحلة المُقبلة، هي مرحلة التحول في النموذج على ثلاثة مستويات رئيسة، هي: الإنتاج والتمويل وتحمل التكلفة، الأمر الذي يتطلب الشراكة بين أطراف العلاقة الثلاثة: المُجتمع أو الأفراد، شركات القطاع الخاص، الحكومة.