الاقتصادية

خبراء يشيدون بتقدم جهود سلطنة عمان نحو الاستقرار المالي وتعزيز النمو

18 أكتوبر 2022
أكدوا أن تنويع مصادر الدخل أهم الأولويات
18 أكتوبر 2022

استمرار تحفيز الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات ضرورة لتقليص تبعات الركود العالمي المحتمل -

د. محمد الوردي: التذبذب المستمر للنفط يتطلب مواصلة ضبط الإنفاق وتنويع روافد الموازنة -

أيمن الشنفري:الخطط الحكومية لخفض الدين يتم حصاد ثمارها حاليا -

علي الرئيسي: لا بد من اهتمام كبير بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأنها عمود الاقتصادات العالمية -

حققت جهود سلطنة عمان نجاحا ملموسا نحو الاستقرار المالي ودعم النمو في ظل تسارع وتيرة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وطرح العديد من المبادرات والخطط لتحفيز الاقتصاد وضبط المالية العامة، مما أسفر عن تعافي الناتج المحلي الإجمالي من تبعات الجائحة واتجاهه للنمو بنسبة 3% في العام الماضي ثم إلى نحو 3.9% بنهاية النصف الأول من هذا العام، كما تشير التوقعات إلى مزيد من ارتفاع النمو خلال الفترة المقبلة.

وعلى صعيد الوضع المالي، انخفض الدين العام إلى نحو 62.9% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي مع توقعات بتراجعه إلى حوالي 47% نهاية العام الحالي، ووجدت هذه الجهود في الجانبين المالي والاقتصادي دعمًا من ارتفاع أسعار النفط والغاز الذي أسهم في تعزيز النمو وتحقيق فائض مالي في الميزانية العامة يقدر بأكثر من مليار ريال عماني بنهاية الربع الثالث.

وكانت تلك النتائج المثمرة محل تقدير من قبل وكالات التصنيف العالمية التي رفعت تصنيفها الائتماني لسلطنة عمان، مما يؤكد نجاعة الإجراءات والخطط المتبعة.

وأكد خبراء اقتصاديون استطلعت «عمان» آراءهم على أهمية مواصلة سلطنة عمان جهود تحقيق الاستدامة المالية في الفترة المقبلة لتقليص المخاطر التي قد تنتج عن أي ركود اقتصادي عالمي متوقع، وارتفاع مستويات التضخم.

ودعوا الحكومة إلى تنويع مصادر الدخل في موازنة 2023 وعدم الاعتماد على النفط وحده، وتعزيز جذب الاستثمارات، والاستمرار في خطط الضبط المالي وترشيد الإنفاق، إضافة إلى تحفيز الاقتصاد ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من كافة النواحي.

وأوضح الدكتور محمد بن حميد الوردي، خبير اقتصادي أن الحكومة تمكنت من معالجة العجز في الموازنة العامة للدولة وخفض المديونية بفضل خطة التوازن المالي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات أسهمت في تحقيق فائض مالي بنهاية الربع الثالث من العام يقدر بأكثر من مليار ريال عماني، كما أسهمت في تراجع الدين العام إلى 18.4 مليار ريال عماني وهو ما يشكل 50% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن التوقعات تشير إلى انخفاض الدين العام إلى قرابة 47% نهاية العام، وذلك حسب وكالات التصنيف الائتماني المختلفة.

وأرجع الوردي أسباب تحقيق الموازنة العامة لسلطنة عمان فوائض مالية إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، بسبب العوامل الجيوسياسية أبرزها الحرب الروسية-الأوكرانية، مشيرًا إلى أن العائدات النفطية ارتفعت 50% في الأشهر الثمانية الأولى، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إضافة إلى مواصلة سلطنة عمان سياسات وخطط التوازن المالي الداعية إلى ضبط الإنفاق وخفض العجز في الموازنة. كما أسهمت هذه الإجراءات والخطط في تحسين التصنيف الائتماني والنظرة المستقبلية لسلطنة عمان من سلبية إلى مستقرة وأخيرًا إيجابية.

وتحدث الوردي عن عدة تحديات قد تواجه سلطنة عمان لتحقيق الاستدامة المالية على المدى المتوسط منها وجود مؤشرات لركود اقتصادي عالمي في الفترة المقبلة، الأمر الذي يؤثر على النمو الاقتصادي وتراجع الطلب على النفط، حيث توقعت وكالة ستاندرز أند بوردز أن تبلغ أسعار النفط في 2023 قرابة 85 دولارًا على أن تنخفض إلى 55 دولارًا في 2024 مما يشكل خطرًا على الوضع المالي في سلطنة عمان.

وقال: إن العوائد النفطية شكّلت 75% من الإيرادات الكلية هذا العام، كما تشير التوقعات في هذا الجانب إلى أن تحقق سلطنة عمان نموا في هذا العام 3.9% على أن تنخفض في العام المقبل إلى 2.2%، مما يحتّم الاستمرار في ضبط الإنفاق والعمل على تنويع مصادر الدخل في موازنة 2023 للتغلب على أي عجوزات في الموازنة العامة، وخدمة الدين العام من خلال تحفيز الاقتصاد ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال التسهيلات المختلفة.

أما التحدي الثاني على حسب توقعات الوردي فهو الارتفاع في أسعار الفائدة، حيث تعمل أغلب البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم مما سيؤثر على خدمة الدين العام لسلطنة عمان الذي يبلغ حجمه 18 مليار ريال عماني في الوقت الحالي.

التكامل الاقتصادي

وأوضح أيمن بن أحمد الشنفري، رئيس الجمعية العمانية للأوراق المالية أن الخطط الحكومية وجهود المؤسسات الأخرى لخفض الدين العام لسلطنة عمان يتم حصاد ثمارها في هذه الفترة، فنجد أن الموازنة العامة حققت فائضا ماليا بنهاية الربع الثالث من العام يقدر بمليار و90 مليون ريال عماني، مقابل تسجيل عجز خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وقال الشنفري: إن الجهود وحزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مثل تنشيط وتحفيز الاقتصاد الوطني، وتشجيع الاستثمارات الجديدة ومساندة المشروعات القائمة، نتج عنها تحسن وتعافي الاقتصاد ومعاودته للنمو خلال العام الجاري، مع توقعات باستمرار النمو خلال السنوات المقبلة بالرغم من توقع احتمالية ظهور ركود اقتصادي لبعض الاقتصادات العالمية.

وأضاف: إن تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عمان وتحولها تدريجيًا من سلبية إلى مستقرة ثم إيجابية يؤكد وجود تراجع ملموس في ضغوطات السيولة النقدية، واحتياجات التمويل الخارجي نظرًا للاستمرار في تنفيذ الخطة المالية متوسطة المدى وارتفاع أسعار النفط، الذي ساهم بدوره في تحسين الأداء المالي وانخفاض معدل الدين العام الذي شجع على استقطاب استثمارات ورؤوس أموال جديدة من الداخل والخارج تدعم الاقتصاد المحلي.

وأوضح الشنفري أن الحكومة تقوم حاليا باستكمال الإجراءات التشريعية اللازمة لتشجيع الاستثمار، وتحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل، وزيادة الإنتاج وتحفيز القطاع الخاص، والتوجه نحو تقـديـم خـدمـات أفضـل تواكب التطورات، وتحقق الصالح العام وضرورة التنسيق وضمان التكامل بـيـن وحدات الجهاز الإداري للدولة إضافة إلى تسريع التحول الإلكتروني والربط مع المحافظات؛ لتبسيط الإجراءات وتسهيل المعاملات وتطوير الخدمات الحكومية وتحسين مستوى جودتها، ومعالجة التحديات القائمة.

وتوقع الشنفري استمرار نمو الاقتصاد في الفترة المقبلة الأمر الذي يسهم في تحقيق «رؤية 2040»، داعيًا الحكومة إلى التوجه نحو تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط وحده كونه قطاعًا يتأثر سريعًا بحدوث الأزمات العالمية والتغيرات الجيوسياسية، إضافة إلى استقطاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الداخلية والخارجية، والاستمرار في خطط إجراءات الضبط المالي التي أقرتها الحكومة، وتقليل قروض التمويل الخارجية، ودفع الفائض من الميزانية لسداد الدين العام مشيرًا إلى أن هذه العوامل مجتمعة تساعد سلطنة عمان في الوقوف على أرضية صلبة تمكنها من التكامل الاقتصادي وإيجاد بيئة خصبة للاستثمار لتحقيق استدامة مالية تتماشى مع أهداف «رؤية عمان 2040».

خطوات فاعلة

وقال علي بن حمدان الرئيسي، خبير اقتصادي: إن الاستدامة المالية مهمة جدًا لتحسين التصنيف الائتماني والقدرة على الاقتراض في حدود أسعار فائدة مقبولة، كما أن الاستدامة المالية تسهم في الحفاظ على سعر صرف العملة المحلية إضافة إلى بقاء العجز المالي، وعجز ميزان المدفوعات والدين العام في الحدود المقبولة دوليًا. وأوضح الرئيسي أن الخطوات التي تمت في السنوات الماضية للسيطرة على العجز المالي وتحول عجز ميزان المدفوعات إلى فائض وخفض المديونية الخارجية يساهم في تحسين التصنيف الائتماني وجذب الاستثمارات، مشيرًا إلى أن ثقة المستثمرين في السياسات الحكومية مهمة جدًا لأن الاقتصاد بحاجة للاستثمارات الأجنبية للنمو وإيجاد فرص عمل للمواطنين.

وتحدث الرئيسي عن التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني لاستمرار سلطنة عمان في الاستدامة المالية في ظل احتمالية وجود ركود في الاقتصاد العالمي، وتذبذب أسعار النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد الوطني، موضحًا أن قطاع النفط يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي، و60% من الإيرادات السلعية، و75٪ من الإيرادات الحكومية. وقال: إن خفض الإنفاق العام سيحسّن من الوضع المالي ولكن في المقابل سيؤثر على معدلات النمو الاقتصادي وتوسعه، ولذلك على الحكومة في الفترة المقبلة التركيز على تنويع مصادر الدخل، وتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، إضافة إلى معالجة آثار جائحة كورونا. ودعا الرئيسي الحكومة إلى الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من كافة النواحي، خاصة من الناحية التمويلية، إذ تعد هذه المؤسسات عمود الاقتصادات العالمية وتسهم بشكل كبير في إيجاد فرص عمل، إضافة إلى حماية الشرائح المتوسطة والمستحقة للدعم من آثار التضخم المستورد.