العاصمة الروسية موسكو - رويترز
العاصمة الروسية موسكو - رويترز
الاقتصادية

الغرب يحوِّل المال إلى سلاح ضد روسيا

15 أبريل 2022
15 أبريل 2022

كان ذلك هو اليوم الثالث للحرب الأوكرانية وفي الطابق الثالث عشر لمبنى رئاسة المفوضية الأوروبية اصطدمت أورسولا فون دير لاين بعقبة.

قضت أورسولا، رئيسة المفوضية، يوم السبت بأكمله في إجراء اتصالات هاتفية بمكتبها في بروكسل بحثا عن إجماع وسط الحكومات الغربية حول حزمة العقوبات المالية والاقتصادية الأبعد تأثيرا والأشد قسوة على الإطلاق التي يُستَهدَف بها خصم ما. كان الاتفاق وشيكا. لكن في واشنطن لم تكن جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية قد استكملت بعد مراجعةَ تفاصيل الإجراء الأكثر إثارة وحساسية تجاه السوق. أي معاقبة البنك المركزي الروسي نفسه.

كانت الولايات المتحدة هي القوة التي تقف وراء الاتجاه إلى العقوبات. لكن في أثناء عكوف يلين على تفحُّص التفاصيل الدقيقة كان الأوروبيون القلقون من احتمال تسرب الخبر إلى روسيا متلهفين إلى إكمال الخطة بأسرع ما يمكن.

اتصلت فون دير لاين برئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي وطلبت منه تدارس التفاصيل مباشرة مع يلين. وبحلول المساء تم التوصل إلى اتفاق.

تسليح المال

يلين التي ترأّست في السابق بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي ودراغي الرئيس السابق بالبنك المركزي الأوروبي عايشا سلسلة من الأزمات المثيرة بدءا من الانهيار المالي في 2008-2009 وإلى أزمة اليورو. وخلال كل تلك الفترة أشاعا السكينة والاستقرار في الأسواق المالية المتوترة.

لكن في هذه الحالة الأخيرة كانت الخطة التي اتفقت عليها يلين مع دراغي لتجميد جزء كبير من احتياطيات موسكو من العملات الأجنبية البالغة 643 بليون دولار شيئا مختلفا جدا. فهما أعلنا "فعليا" حربا مالية على روسيا.

القصد المعلن من العقوبات إلحاق ضرر فادح باقتصاد روسيا. أو كما ذكر مسؤول أمريكي كبير لاحقا مساء ذلك اليوم (السبت) بعد الإعلان عن الإجراءات ستدفع العقوبات بالعملة الروسية "إلى هبوط حر".

هذا نوع جديد من الحروب. إنه تسليح الدولار الأمريكي والعملات الأوروبية الأخرى لمعاقبة الخصوم.

كانت هذه المقاربة للصراع تتشكل على مدى عقدين من الزمان. فمع ضجر الناخبين في الولايات المتحدة من التدخلات العسكرية وما يسمى بالحروب "التي لانهاية لها" سدَّت الحرب المالية الفجوة جزئيا. وفي غياب خيار عسكري أو دبلوماسي واضح صارت العقوبات (والعقوبات المالية على نحو مطرد) سياسة الأمن القومي المفضلة.

يقول خوان زاريت وهو مسؤول كبير سابقا بالبيت الأبيض ساهم في إعداد العقوبات المالية التي طورتها أمريكا على مدار العقدين الماضيين "هذه إستراتيجية صدمة وترويع قصوى." ويضيف أنها أشد ما يمكن تخيله في قسوتها ومدى تقويضها للنظام التجاري والمالي الروسي.

استخدام غربي متزايد للعقوبات

تسليح المال له دلالات عميقة لمستقبل السياسة والاقتصاد الدوليين. فالعديد من الافتراضات الأساسية بشأن حقبة ما بعد الحرب الباردة قُلِبَت رأسا على عقب. كانت العولمة تُروَّج في وقت ما بوصفها مانعا للصراع. فهي قد شكلت شبكة من الاعتماد المتبادل التي تقرِّب باستمرار بين الأعداء السابقين. لكنها بدلا عن ذلك صارت ميدانَ معركة جديدا.

تستمد العقوبات المالية نجاعتها من الحضور الكلي للدولار الأمريكي ( تواجده في كل مكان حول العالم- المترجم). فهو العملة الأكثر استخداما في المعاملات التجارية والمصرفية والتي كثيرا ما يكون أحد البنوك الأمريكية طرفا فيها. وأسواق رأس المال الأمريكية هي الأكثر عمقا في العالم. كما تشكل سندات الخزانة الأمريكية سياجا يعمل على حماية النظام المالي العالمي.

نتيجة لذلك من الصعب للمؤسسات المالية والبنوك المركزية بل حتى للعديد من الشركات العمل إذا حُرِمت من التعامل بالدولار الأمريكي والنظام المالي الأمريكي. وإذا أضفنا اليورو ثاني أكثر العملات التي تحتفظ بها البنوك المركزية في احتياطياتها من النقد الأجنبي والاسترليني ثم الين الياباني والفرنك السويسري ستكون العقوبات أشد ترويعا.

عاقبت الولايات المتحدة من قبل بنوك مركزية (في كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا). لكن هذه كانت معزولة إلى حد بعيد عن التجارة الدولية. أما العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي فتشكل سابقة يستخدم فيها هذا السلاح لأول مرة ضد اقتصاد كبير وكجزء من حرب تنخرط فيها إحدى القوى النووية الكبرى.

بالطبع هناك مخاطر ضخمة في مثل هذه المقاربة. فعقوبات البنك المركزي قد تثير رد فعل قوي وواسع النطاق ضد هيمنة الدولار في النظام المالي العالمي. في الأسابيع الخمسة التي أعقبت فرض الإجراءات العقابية أول مرة استعاد الروبل الكثير من أراضيه التي فقدها في البداية. ويدعي المسؤولون في موسكو أنهم سيجدون سُبُلا للالتفاف حول العقوبات.

لكن مهما كانت النتيجة، تشكِّل التحركات لتجميد احتياطيات روسيا تحولا تاريخيا في ممارسة السياسة الخارجية.

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب ألقاه في وارسو أواخر مارس "هذه العقوبات الاقتصادية نوع جديد من فن إدارة الاقتصاد له القدرة على إلحاق خسائر ينافس بها القوة العسكرية." فالإجراءات العقابية حسب بايدن "تُوهن قوة روسيا وقدرتها على إعادة تموين قواتها العسكرية وقدرتها على عرض القوة (نشر وإدامة قواتها خارج حدودها- المترجم)".

الشرطي المالي للعالم

مثلما هي الحال مع الكثير من الأشياء الأخرى في الحياة الأمريكية بدأ العهد الجديد للحرب المالية في الحادي عشر من سبتمبر. ففي أعقاب الهجمات الإرهابية عام 2001 غزت الولايات المتحدة أفغانستان واتجهت إلى العراق لإسقاط صدام حسين واستخدمت الطائرات المسيرة لقتل الإرهابيين المزعومين في ثلاث قارات . لكنها أيضا وبقدر أقل من الأضواء والضجيج طورت قدراتها لأداء دور الشرطي المالي للعالم.

خلال أسابيع من الهجمات على نيويورك والبنتاجون هدد جورج دبليو بوش"بتجريد الإرهابيين من التمويل." أيضا منح قانون"باتريوت" المثير للجدل وزارةَ الخزانة سلطة فصل أية مؤسسة مالية تتورط في غسيل الأموال عن النظام المالي للولايات المتحدة.

للصدفة كانت أوكرانيا أول بلد يتعرض للتهديد بموجب هذا القانون. فقد حذرت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2002 من مخاطر اختراق بنوكها بواسطة عصابات الجريمة الروسية المنظمة. وبعد وقت قصير من ذلك أجازت أوكرانيا قانونا جديدا لمنع غسيل الأموال.

كما تفاوض موظفو وزارة الخزانة أيضا للحصول على بيانات عن إرهابيين مشتبهين من نظام التراسل البلجيكي "سويفت" والذي هو بمثابة جهاز تحويل للمعاملات المالية الدولية. تلك كانت أول خطوة في شبكة استخبارية موسعة عن المال الذي يتحرك حول العالم. وسرعان ما تم تطبيق عدة الشغل (الإجراءات المالية) التي استخدمت لتعقب أموال القاعدة على هدف أكبر بكثير وهو إيران وبرنامجها النووي.

يتذكر ستيوارت ليفي الذي عين وكيلا أول بوزارة الخزانة لشؤون إرهاب والاستخبارات المالية أنه سمع بوش وهو يشكو من أن كل العقوبات التجارية التقليدية على إيران طبقت ولم تبق للولايات المتحدة رافعة نفوذ. يقول ليفي "جمعت فريقي وقلت له: لم نبدأ استخدام هذه الأدوات. دعونا نعطيه شيئا يمكن أن يستخدمه ضد إيران".

سعت الولايات المتحدة إلى الضغط على منافذ إيران إلى النظام المالي العالمي. وكام ليفي والمسؤولون الآخرون يزورون البنوك الأوروبية ويخطرونها في هدوء بالحسابات التي لها روابط بالنظام الإيراني. استاءت الحكومات الأوروبية من توجيه مسؤول أمريكي بنوكها بالكيفية التي تؤدي بها عملها. لكن لا أحد كان يريد أن يدخل في متاعب مع وزارة الخزانة الأمريكية.

في أثناء إدارة أوباما عندما كان البيت الأبيض يواجه ضغوطا لاتخاذ إجراء عسكري ضد منشآت إيران النووية فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بنك إيران المركزي. وكانت تلك هي المرحلة الأخيرة في حملة لخنق اقتصادها.

يحاجج ليفي أن العقوبات المالية لم تقتصر فقط على الضغط على إيران للتفاوض حول اتفاق عام 2015 بشأن برنامجها النووي بل أيضا مهدت السبيل للإجراء الذي اتخذ هذا العام ضد روسيا. ويقول إنهم فيما يتعلق بإيران كانوا يشقون طريقا غير ممهدة خطوة وراء خطوة. أما الآن ففي إمكانهم الانطلاق بسرعة بالغة.

ويعتقد ليفي أن استهداف البنك المركزي لبلد مثل روسيا أقوى خطوة يمكن اتخاذها في سياق عقوبات القطاع المالي. البنوك المركزية لا تقتصر فقط على طباعة النقود ومراقبة النظام المصرفي بل يمكنها أيضا تدبير حاجز وقائي حيوي للاقتصاد أثناء الأزمات وذلك بالدفاع عن العملة أو سداد قيمة الواردات الضرورية.

زادت احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية بعدما ضمت القرم في عام 2014 وسعت لتأمين نفسها ضد عقوبات أمريكية في المستقبل. هذا ما قاد إلى اكتسابها لقب "روسيا القلعة".

وكانت موجودات الصين الكبيرة من السندات الأمريكية تعتبر في وقت ما مصدرا محتملا للنفوذ الجيوسياسي. ففي عام 2009 تساءلت هيلري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها "كيف يمكنك أن تتعامل بخشونة مع مسؤول مصرفك؟"

لكن العقوبات الغربية على بنك روسيا المركزي قوضت قدرته على دعم الاقتصاد. فحسب "منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية" وهو مجموعة استشارية لأبحاث البنوك المركزية من المرجح أن حوالى ثلثي احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي قد تم تحييدها (لم تعد قابلة للاستخدام).

يقول مسؤول كبير عن السياسة الاقتصادية الأوروبية "الإجراء الذي يتخذ ضد البنك المركزي مثله مثل أن تكون لديك مدخرات للاستخدام في أوقات الطوارئ وعندما يطرأ طارئ يقول لك البنك لا يمكنك سحبها".

إحياء تحالف الأطلسي

هنالك مفارقة تكمن خلف حزمة العقوبات المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالقادة الأوروبيون أنفقوا معظم العقود الخمسة الماضية وهم ينتقدون النفوذ المغالي فيه للعملة الأمريكية.

من بين الملامح اللافتة للحرب في أوكرانيا الطريقة التي تعاونت بها أوروبا على نحو وثيق مع الولايات المتحدة. بدأ التخطيط للعقوبات في نوفمبر عندما التقطت الاستخبارات الغربية أدلة قوية أن قوات فلاديمير بوتين تحتشد على طول الحدود الأوكرانية.

طلب بايدن من وزيرة الخزانة يلين إعداد خطط لنوع الإجراءات التي يمكن اتخاذها ردا على الغزو. ومنذ تلك اللحظة بدأت الولايات المتحدة التنسيق مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وبلدان أخرى.

يقول مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الأمريكية أن كبار مسؤولي إدارة بايدن في الفترة بين ذلك الوقت والغزو في 24 فبراير أنفقوا ما بين 10 إلى 15 ساعة أسبوعيا في المتوسط في مكالمات هاتفية أو اجتماعات فيديو "آمنة" مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لتنسيق العقوبات.

في واشنطن قاد جهود التخطيط للعقوبات كل من داليب سينغ المسؤول الفيدرالي السابق الذي يشغل الآن منصب نائب مستشار الأمن القومي للاقتصاد الدولي بالبيت الأبيض ووالي أدَايَامو التنفيذي السابق بشركة بلاك روك ونائب وزيرة الخزانة حاليا. كان كلا الرجلين يعملان بإدارة أوباما عندما اختلفت الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية الرد على ضم روسيا شبه جزيرة القرم.

كما كان الاتحاد الأوروبي يأمل بشدة تجنب تكرار سابقة مربكة حدثت مؤخرا وتتعلق بعقوبات روسيا البيضاء التي اتضح ضعفها. لذلك وفي مفارقة للممارسات السابقة تم تنسيق جهود الاتحاد الأوروبي مباشرة من مكتب أورسولا فون دير لاين وعبر رئيس أركانها بيورن سايبرت.

يقول دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي أن دور سايبرت "كان مفتاحيا. فهو الوحيد الذي كان يتولى الإشراف من جانب الاتحاد الأوروبي وفي اتصال مستمر مع الولايات المتحدة حول العقوبات."

من جهة أخرى يقول أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية أن قرار ألمانيا بإلغاء مشروع خط أنابيب "نورد ستريم" بعد الغزو كان بالغ الأهمية في حسم تردد الأوروبيين. فقد شكل "إشارة مهمة جدا للأوروبيين الآخرين بوجوب التضحية بالأبقار المقدسة."

الشخصية المركزية الأخرى كانت وزيرة مالية كندا كريستيا فريلاند والتي تنحدر من أصل أوكراني. لقد ظلت على اتصال وثيق مع المسؤولين في كييف.

بعد ساعات قليلة من شروع الدبابات الروسية في دخول أوكرانيا أرسلت فريلاند اقتراحا مكتوبا إلى كل من وزارتي الخزانة والخارجية بالولايات المتحدة مع خطة محددة لمعاقبة البنك المركزي الروسي، حسبما ذكر مسؤول غربي.

في ذلك اليوم طرح جاستن ترودو رئيس وزراء كندا الفكرة في القمة الطارئة لمجموعة الـ7. وبعثت فريمان برسالة عاطفية إلى الجالية الأوكرانية في كندا جاء فيها "الآن حان وقت التذكر" وذلك قبل أن تلتفت إلى الأوكرانيين مذكرة إياهم بأن "أوكرانيا لم تمت بعد."

ربما لم يردع التهديد بإيذاء الاقتصاد بوتين عن الغزو. لكن يعتقد القادة الغربيون أن العقوبات المالية التي فرضت منذ الغزو دليل على انتعاش التحالف الأطلسي ودحض للفكرة التي ترى أن الأنظمة الديمقراطية بطيئة ومترددة.

يقول مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي "لم يكن لدينا أبدا طوال تاريخ الاتحاد الأوروبي مثل هذه الاتصالات الوثيقة مع الأمريكيين حول قضية أمنية كما الآن. هذا حقا شيء غير مسبوق."

دراغي يأخذ بزمام المبادرة

في النهاية كان التحرك ضد بنك روسيا المركزي ثمرة 72 ساعة من الدبلوماسية المكثفة.

كانت المشاعر هائجة مع ما يبدو على روسيا من عزم على احتلال أوكرانيا بسرعة. خاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قادة الاتحاد الأوروبي خلال مكالمة بالفيديو في 24 فبراير، وهو اليوم الذي بدا فيه الغزو، قائلا " قد لا أراكم مرة أخرى لأنني (الهدف) التالي في القائمة."

لم تشكل فكرة (معاقبة البنك المركزي الروسي) أولوية في تخطيط ما قبل الحرب الذي ركز أكثر على تحديد البنوك الروسية التي يلزم فصلها عن "سويفت." لكن شراسة غزو روسيا طرحت خيارات العقوبات الأشد قسوة.

يقول مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية "هَولُ غزوِ روسيا غير المقبول وغير المبرر وغير القانوني واستهداف المدنيين ذلك حقا ما حرَّر قدرتنا على اتخاذ المزيد من الإجراءات."

في أوروبا كان دراغي هو الذي دفع بفكرة معاقبة البنك المركزي للقمة الطارئة للاتحاد الأوروبي في ليلة الغزو. في الماضي كثيرا ما كانت إيطاليا وهي مستورد كبير للغاز الروسي مترددة بشأن العقوبات. لكن الزعيم الإيطالي حاجج أن مخزون روسيا من احتياطي النقد الأجنبي قد يتم استخدامه لامتصاص الصدمة الناجمة من العقوبات الأخرى، بحسب أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي. يقول هذا المسؤول "لمواجهة ذلك ... عليك تجميد (تلك) الأصول."

كانت طبيعة "الدقيقة الأخيرة" التي اتسمت بها المحادثات حاسمة في ضمان أخذ موسكو على حين غِرَّة. فإذا أتيح لها الوقت الكافي لكانت قد شرعت تحويل بعض احتياطياتها إلى عملات أخرى.

يقول مسؤول في الاتحاد الأوروبي نظرا إلى ورود تقارير أن موسكو بدأت في تقديم طلبات بهذا المعنى كان المطلوب أن تكون الإجراءات المطلوبة جاهزة عند افتتاح الأسواق يوم الاثنين كي لا تعالج البنوك أية تداولات. يضيف المسؤول "لقد باغتنا الروس. لم يفعلوا شيئا حتى فات الأوان."

من جانبه قال والي آديميو، نائب وزير الخزانة الأمريكية أنهم كانوا في وضع جعلهم يعلمون أن الروس لا يمكنهم ايجاد عملة أخرى قابلة للتحويل لاستخدامها في مسعى لتقويض لعقوبات.

فاجأت محادثات اللحظة الأخيرة هذه بعض الحلفاء الغربيين وأجبرتهم على المسارعة لتطبيق الإجراءات في الوقت المطلوب. في بريطانيا دفعت مسؤولي الخزانة إلى الانخراط في مساعٍ محمومة عند نهاية الأسبوع لاستكمال التفاصيل قبل افتتاح الأسواق في لندن عند الساعة السابعة صباحا يوم الاثنين. فقد تواصل وزير الخزانة ريشي سوناك عبر تطبيق واتساب بالمسؤولين طوال الليل وانتهت المهمة فقط عند الرابعة فجرا.

لا استراتيجية سياسة واضحة

مع ذلك إذا كان الرد الغربي يتحدد بالوحدة فهنالك مؤشرات على انقسامات محتملة خصوصا بالنظر إلى الدعاوى الجديدة حول جرائم حرب والتي قادت إلى مطالب بفرض المزيد من العقوبات.

لم تحدد الحكومات الغربية ما يلزم أن تفعله روسيا لرفع العقوبات تاركة بعض الأسئلة الشائكة عن الإستراتيجية السياسية لوقت لاحق. هل الهدف إيذاء روسيا في الأجل القصير لعرقلة مسار الحرب أم الاحتواء في الأجل الطويل؟

تحتاج العقوبات حتى عندما تنجح في التطبيق إلى وقت طويل لكي يكون لها تأثير. لكن الإحساس بالمعاناة الاقتصادية من الأزمة متفاوت. فأوروبا تلقت ضربة أكبر من الولايات المتحدة.

حتى الآن أوروبا مترددة في مقاطعة النفط والغاز بالنظر إلى اعتمادها الكبير على واردات الطاقة من روسيا. لكن منذ الكشف عن الأعمال الوحشية التي يُزعم ارتكابها بواسطة القوات الروسية في ضواحي كييف تم الإعلان عن جولة جديدة من العقوبات الأوروبية. ستشمل هذه العقوبات الأخيرة (أعلنت يوم الثلاثاء قبل الماضي) حظرا على واردات الفحم الحجري الروسية وفي مرحلة لاحقة ربما النفط أيضا. ومن المتوقع اتخاذ قرار من البلدان الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لاحقا هذا الأسبوع ( تاريخ نشر هذا التقرير 5 أبريل - المترجم).

العامل الآخر يتعلق بمدى قدرة الغرب على كسب منافسة "السرديات" حول العقوبات داخل روسيا وفي باقي العالم.

في حديث له أمام الكونجرس عام 2019 أقرَّ داليب سينغ مسؤول البيت الأبيض أن العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضمها القرم لم تكن بالفعالية المأمولة لنجاح الدعاية الروسية في إلقاء مسؤولية التسبب في المشاكل الاقتصادية على الغرب.

في الأسابيع والشهور القادمة سيحاول بوتين إقناع الشعب الروسي الذي سيتعرض إلى مشقة اقتصادية أنه الضحية وليس المعتدي.

وسيطرح للصين والهند والبرازيل والبلدان الأخرى التي قد تساعده على تفادي العقوبات الغربية سؤالا أعمق عن دور الدولار الأمريكي في اقتصاد العالم هو: هل لا يزال بإمكانكم الثقة بأمريكا؟