الاقتصادية

الاقتصاد العالمي.. اختبارات صعبة في 2023

12 يناير 2023
مع استمرار رفع الفائدة والحرب في أوكرانيا
12 يناير 2023

تعلم العالم دروسا مهمة من الأزمات السابقة وفرض معايير صارمة للمصارف قللت من المخاطر النظامية

يظل السؤال الجوهري هو ما إذا كان هناك نقاط ضعف خفية في القطاع المالي قد تتكشف مع استمرار التضخم وزيادة الفائدة

إذا كان هناك ركود بدون أزمة مالية فهناك فرصة جيدة لأن يكون الانكماش المقبل أكثر اعتدالًا من المتوقع

مصدر القلق على المدى القصير انه مع ضخامة الاقتصاد الصيني فان أي تباطؤ قد يكون له تأثير وخيم عالميا

احتمالات تجنب ركود في الولايات المتحدة واردة لكن النمو سيكون ضعيفا مقارنة مع العام الماضي

القارة الأوروبية تضررت من تبعات الحرب في اوكرانيا .. والاقتصاد الألماني لم يسجل نمو

تقرير - أمل رجب

مر الاقتصاد العالمي بالعديد من الأزمات الصعبة خلال عام 2022 وكان من المؤمل أن يشهد العام الجاري تراجعا في الضغوط التي صاحبت ازمة الطاقة وصعود معدلات التضخم واستمرار التبعات الاقتصادية للجائحة، لكن مع بداية العام الجديد مازالت التحذيرات تتصاعد من قبل المؤسسات الدولية المعنية بالشأن الاقتصادي محذرة من أن الاقتصاد العالمي قد يكون مقبلا على عام أشد صعوبة في ظل زيادة حجم الديون لدى العديد من الدول واستمرار رفع الفائدة المصرفية وما تشهده كبرى الاقتصاديات العالمية من تباطوء أو تراجع في معدلات النمو ويشمل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين، ويعد هذا التراجع المتزامن في هذه الاقتصاديات الكبري، التي هي بمثابة المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي، حدثا غير مسبوق قد يؤدي لضغوط واسعة على وضع اقتصادي عالمي هش مازال يعاني حتى الآن من تأثيرات ممتدة لتفشي الجائحة والحرب في اوكرانيا.

وخلال الأيام الأخيرة خفض البنك الدولي، توقعاته للنمو لعام 2023 إلى مستويات قريبة من الركود للعديد من الدول، في ظل تزايد تأثير رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة واستمرار الحرب في أوكرانيا، وكان صندوق النقد الدولي قد قام سابقا بخفض النمو العالمي المتوقع الى 2.7 بالمائة هذا العام من 3.2 بالمائة في عام 2022، مشيرا إلى أن ثلث الاقتصاد العالمي قد يدخل في حالة ركود، وأنه حتى بالنسبة للدول التي لن تقع في فخ الركود فعليها ان تستعد لتبعات التطورات السلبية العالمية.

وخلال العقد الماضي، كانت الصين خارج سياق المعدلات السائدة للنمو العالمي، وحقق النمو الاقتصادي طفرات كبيرة، مع إنجازات في التنمية الخضراء والمبتكرة وتحسين مستويات المعيشة الذي كان له انعكاسات إيجابية على ارتفاع معدلات الانفاق الاستهلاكي وإكساب النمو زخما واسعا، ورغم تبعات الجائحة، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 8.1 بالمائة على أساس سنوي خلال عام 2021، مسجلا ما يقرب من ضعف ما كان عليه في عام 2012.

واستمر النمو في الصين خلال العام الماضي، لكن تباطأت معدلاته في ظل الجائحة، وتبدأ الصين هذا العام وسط محاولات مستميتة لإعادة الأوضاع لطبيعتها واحتواء تفشي الوباء بعد 3 أعوام من الالتزام بسياسة صفر كوفيد والتي لم يعد بالامكان الاستمرار فيها للأبد خاصة في ظل الاحتجاجات التي اتسعت اعتراضا على القيود المتواصلة منذ تفشي الوباء في 2020، وبدأت الصين نهاية العام الماضي في رفع هذه القيود لكن من المتوقع ان الانتعاش سيكون غير منتظم ومؤلم خاصة خلال بداية العام، فيما يرتبط الوضع في نهاية العام بمدى القدرة على احتواء الوباء وتقليص التأثيرات الإجتماعية والصحية والاقتصادية.

على المدى المتوسط، يعد تراجع حدة الوباء معززا لمعدلات النمو في الصين نفسها وكذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل، لكن يظل مصدر القلق على المدى القصير انه مع ضخامة الاقتصاد الصيني، فان أي تباطؤ في الصين قد يكون له تأثير وخيم على الصعيد العالمي وقد أدت عمليات الإغلاق منذ تفشي الجائحة وسياسة صفر كوفيد بالفعل إلى إضعاف ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشكل كبير في عام 2022 وعالميا أدى ذلك إلى تعطيل سلاسل التوريد وإلحاق الضرر بتدفق التجارة والاستثمار، وأعلن الرئيس الصيني شي جين بينج مؤخرا إنه يتوقع نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.4 بالمائة على الأقل في 2022، وهو رقم يفوق ما يتوقعه العديد من الاقتصاديين ولكنه أيضا أقل بكثير من معدل النمو الذي حققته الصين في عام 2021.

وفي الولايات المتحدة، مر الاقتصاد الأمريكي، بربعين متتاليين من الانكماش في النصف الأول من العام الماضي وهناك توقعات بإمكانية معاودته للنمو رغم تأثيرات ارتفاع معدلات الفائدة إلى مستويات تاريخية لكبح التضخم، وبينما تؤكد الإدارة الأمريكية على ان احتمالات تجنب الركود في الولايات المتحدة واردة لكن النمو سيكون بمعدلات ضعيفة مقارنة مع العام الماضي، ويعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية هو الأكبر في العالم ويتصدر اقتصادات مجموعة العشرين بحجم 25 تريليون دولار، يليه الصين بحجم اقتصاد 18.3 تريليون دولار، ثم اليابان بحجم ناتج إجمالي يبلغ 4.3 تريليون دولار، أما الاقتصاد الألماني فهو الأكبر أوروبيا وجاء رابعا بمجموعة العشرين بحجم 4 تريليونات دولار، وتأتي بعد ذلك الهند بحجم اقتصاد 3.47 تريليون دولار.

من جانب آخر، يبدو الوضع الاقتصادي أكثر سوءا في القارة الاوروبية التي تضررت بشدة من تبعات الحرب في اوكرانيا، وحقق اقتصاد منطقة اليورو نموا بنسبة 0.3 بالمائة في الربع الثالث من العام الماضي، مدعوما بزيادة الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي، وفقاً لتقديرات وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي "يوروستات" وأشارت إلى أن النمو الفصلي في منطقة اليورو تباطأ من 0.8 بالمائة في الربع الثاني من عام 2022، لكنه كان أقوى من التقديرات السابقة للوكالة، وداخل الكتلة الأوروبية لا يزال النمو متفاوتا، مع تسجيل أسبانيا نموا قويا بنسبة 1.1 بالمائة، وإيطاليا 1 بالمائة وفرنسا 0.5 بالمائة، في حين لم يسجل الاقتصاد الألماني أي نمو وفقا ليوروستات.

ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصاد منطقة اليورو في عام 2023 بمعدل نصف بالمائة غير أن بعض خبراء الاقتصاد يعتبرون ان هناك احتمالات لحالة من الركود الطويل في أوروبا .

وبالتالي، ربما للمرة الأولى منذ عقود سيشهد الاقتصاد العالمي اثنين من أسوأ التأثيرات السلبية وهما التراجع الاقتصادي في كافة مناطق النمو التي تمثل محركا للاقتصاد العالمي وتحقيق الصين معدل نمو مقارب للمعدل العالمي بعد ان اعتادت تسجيل معدلات نمو قياسية خلال العقد الماضي، ويرى كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين سابقا في صندوق النقد الدولي أن هناك العديد من المخاطر الماثلة في المشهد الاقتصادي العالمي سواء في القطاعات المالية أو في المركز المالي للدول التي تعاني من ارتفاع معدلات الدين، مرجحا ان الاقتصاد العالمي سيواجه اختبارات تحمل ضخمة في عام 2023 مع استمرار ارتفاع التضخم وانتهاء عصر أسعار الفائدة شديدة الانخفاض معتبرا ان حقيقة أن العالم لم يشهد أزمة مالية شاملة في عام 2022 يعد معجزة صغيرة بالنظر إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، ناهيك عن الزيادة الهائلة في المخاطر الجيوسياسية. ومع ارتفاع الديون العامة والخاصة إلى مستويات قياسية خلال حقبة معدلات الفائدة المنخفضة للغاية في العقد الماضي، سيكون من الصعب احتواء أزمة في اقتصادات متقدمة منها على سبيل المثال اليابان أو إيطاليا.

وصحيح أن العالم تعلم دروسا مهمة من الأزمات المالية السابقة وفرضت الجهات المعنية معايير تنظيمية صارمة قللت من المخاطر النظامية التي تتعرض لها القطاعات المصرفية، لكن من وجهة نظر روجوف فذلك لم يؤد إلا إلى انتقال المخاطر إلى مكان آخر في النظام المالي، فعلى سبيل المثال يضع ارتفاع أسعار الفائدة ضغوطا هائلة على شركات الأسهم الخاصة التي اقترضت بكثافة لشراء العقارات. والآن، مع احتمالات هبوط في أسعار العقارات السكنية والتجارية فقد تنهار بعض هذه الشركات ويمكن أن تكون البنوك التي قدمت الكثير من التمويل لشراء العقارات الخاصة في مأزق، أيضا فيما يتعلق بملف الديون العامة، فقد انتهت حقبة الاقتراض الرخيص، وفي دول مثل اليابان فإن ما يقرب من نصف الدين الحكومي الذي اشتراه القطاع الخاص هو فعليا في شكل سندات قصيرة الأجل، وبينما يمكن التحكم في زيادة سعر الفائدة بنسبة 2 بالمائة في بيئة النمو الاقتصادي المرتفع، لكن من المرجح أن تنخفض آفاق النمو في اليابان مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل، ويعني هذا انه يكاد يكون من المؤكد أن الدين الحكومي الهائل لليابان يقيد خيارات صانعي السياسة لإدارة النمو طويل الأجل.

ويظل السؤال الجوهري الذي يحدد المسار الفعلي للاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة هو ما إذا كانت هناك نقاط ضعف خفية في القطاع المالي ستتكشف مع استمرار التضخم في الارتفاع والزيادات المتواصلة في أسعار الفائدة الحقيقية، وإذا كان هناك ركود عالمي بدون أزمة مالية فهناك فرصة جيدة لأن يكون الانكماش الاقتصادي المقبل أكثر اعتدالًا من المتوقع.