أشباه الموصلات.. صناعة الفرص لتوطين التقنيات ونمو الشركات الناشئة
- ضرورة التركيز على التدريب والبحث والتطوير
- يواكب اهتمام سلطنة عمان بهذه الصناعة التطورات التقنية العالمية والهدف هو اقتناص حصة من السوق الواعدة
- يشهد العالم طلبا كبيرا على الرقائق ومن المتوقع أن يتجاوز حجم الصناعة تريليون دولار بحلول 2030
- أهمية الاستفادة من الدروس التي تقدمها نماذج التجارب الناجحة في العالم
- على الدول والشركات والمصممين البدء بتحليل وتقييم توجهات الصناعة والسوق للتأكد من أنهم في أفضل وضع لجني الثمار
- ثلاثة محركات رئيسية للطلب هي السيارات (خاصة الكهربائية) وتخزين البيانات والمنتجات الإلكترونية
تضع سلطنة عمان قطاع الصناعة كركيزة أساسية لتحقيق عدد من المستهدفات الاستراتيجية للتنمية منها تعزيز التنويع الاقتصادي ودعم اقتصاد المعرفة والتوجه نحو توسعة الدور الذي تؤديه التقنيات الحديثة في قطاع الصناعة وغيره من القطاعات فضلا عن اهتمام كبير بتشجيع الشركات الناشئة التي تعتمد على المعرفة والابتكار، وضمن سبل تحقيق هذه المستهدفات يأتي اهتمام سلطنة عمان بصناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية للعمل على توطينها واقتناص حصة من سوق هذه الصناعة الواعدة ومواكبة التغيرات التقنية في العالم.
وفي هذا السياق، استضافت سلطنة عمان مؤخرا القمة العالمية لأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية لمناقشة الفرص الاستثمارية فـي قطاع تقنية المعلومات والاتصالات فـي سلطنة عُمان، وتحديات تصنيع أشباه الموصلات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما كانت من الخطوات المهمة على طريق توطين هذه الصناعة الاتفاقية التي تم توقيعها منتصف العام الماضي لتأسيس أول مشروع استثماري في سلطنة عُمان لتصميم وتصنيع أشباه الموصلات التي تدخل في صناعة الأجهزة التي ترتبط بشبكة المعلومات الدولية والأجهزة الإلكترونية المنزلية والمعدات والسيارات والطائرات والقطارات وغيرها من الأجهزة، ويعد المشروع ضمن الاستثمارات النوعية التي تعمل على تعزيز مكانة سلطنة عمان على خريطة الصناعات العالمية وتسهم في رفد القطاع الخاص بكوادر وطنية مؤهلة تلبي احتياجات الاستثمار.
يأتي ذلك في وقت يشهد العالم طلبا كبيرا على أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية ومن المتوقع أن يتزايد حجم هذه الصناعة من نحو 600 مليار دولار خلال العام الماضي إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقا لتوقعات الجمعية الأمريكية لأشباه الموصلات، كما تتوقع مؤسسة ماكينزي آند كو المتخصصة في استشارات قطاع الأعمال والشركات أن يرتفع الطلب على الرقائق وأشباه الموصلات خلال العقد المقبل وأن يكون حوالي 70 بالمائة من النمو في هذه الصناعة مدفوعا بثلاثة محركات رئيسية للطلب هي صناعة السيارات (خاصة السيارات الكهربائية) وتخزين البيانات، والمنتجات اللاسلكية والإلكترونية.
واحتلت صناعة أشباه الموصلات عناوين الأخبار خلال العامين الماضيين إذ أدى نقص الإمدادات إلى اختناقات في إنتاج كل شيء من السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر وسلط ذلك الضوء على مدى أهمية الرقائق الصغيرة في الأداء السلس للاقتصاد العالمي، مبرزا أن عالمنا أصبح قائما على أشباه الموصلات وأن الطلب سيزيد على الرقائق خلال العقد القادم، وأوصت ماكينزي آند كو الشركات المصنّعة بالاستعداد لهذا التوسع عبر التحليل العميق للوجهات التي سيزيد فيها الطلب وسيتجه إليها السوق وتحديد القطاعات والمنتجات التي ستدفع الطلب للنمو على المدى الطويل.
ومع تسارع تأثير التكنولوجيا الرقمية على الحياة والأعمال التجارية تتوقع شركة الاستشارات الدولية أن النمو السنوي الإجمالي للصناعة يمكن أن يكون بمتوسط من 6 بالمائة إلى 8 بالمائة سنويا حتى عام 2030 مما يعني صناعة تتجاوز قيمتها تريليون دولار بحلول نهاية العقد الحالي.
ويشهد العالم توجهات كبرى حاليا سيكون لها تأثير واسع في المستقبل ويشمل ذلك العمل عن بُعد، ونمو الذكاء الاصطناعي، والطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، ويجب على الدول المهتمة بدخول هذه الصناعة وكذلك الشركات المصنّعة والمصممين البدء منذ الآن بإجراء تقييم والتأكد من أنهم في أفضل وضع لجني الثمار، ويعني هذا لصناع القرار أنه من المؤكد أن النظرة المستقبلية لصناعة أشباه الموصلات تبدو مشرقة، على الرغم من التقلبات المحتملة على المدى القصير في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية في العالم بسبب التضخم وتبعات الحرب في أوكرانيا، ومع توقع استمرار النمو في صناعة أشباه الموصلات على المدى الطويل، ستكون مهمة قادة الصناعة التركيز بشكل استراتيجي على البحث والتطوير والمصانع وتحديد المصادر للمواد الخام، والاستفادة من الدروس التي تقدمها نماذج التجارب الناجحة في العالم لإطلاق العنان لمجالات الفرص.
وفي تقرير نشرته مؤخرا الجمعية الأمريكية لأشباه الموصلات حول توقعاتها للصناعة، أشارت الجمعية إلى أن الرياح المعاكسة للاقتصاد الكلي العالمي حاليا أوجدت تحديات كبيرة على المدى القصير لصناعة أشباه الموصلات، مما أدى إلى ضعف نمو الصناعة في عام 2022 مقارنة مع ما كان متوقعًا في السابق لكنها اعتبرت أن هذا الوضع متغير قصير الأجل لا يغير المحركات الهيكلية لنمو الصناعة التي من المتوقع أن تعيد تأكيد نفسها وتدفع النمو المستمر على المدى الطويل، حيث تستمر الرقائق في جعل العالم أكثر ذكاء، وكفاءة، وأفضل اتصالا.
وأكدت على أن صناعة أشباه الموصلات لها تاريخ طويل في الاستثمار بصفة كبيرة خلال دورات الهبوط الاقتصادي لتكون جاهزة للارتفاع الحتمي في الطلب بعد معاودة الاقتصاد العالمي للنمو، وتسهم الاستثمارات الجديدة في الدول في مزيد من إنتاج وابتكار أشباه الموصلات المحلية، مما سيساعد على تجنب النقص في الرقائق في المستقبل وضمان تلبية الصناعة للطلب المتزايد من قطاعات مثل صناعة السيارات وتخزين البيانات والاتصال اللاسلكي.
من جانب آخر، تناول موقع انفستمنت مونيتور -المتخصص في شؤون الاستثمار- عددا من المتغيرات المهمة التي تشهدها كبرى الدول الآسيوية المهيمنة على صناعة أشباه الموصلات والتي تتطلب انتباها لضرورة تنويع مصادر الصناعة والتركيز على العنصر البشري وتأهيل الكوادر الفنية المتخصصة في هذه الصناعة، وأشار إلى أنه في تايوان التي تعد أكبر مصنّع عالمي للرقائق على الإطلاق، تم رصد صعوبات متزايدة في إمدادات الطاقة والمياه سواء خلال العام الماضي أو على مدى السنوات الخمس الماضية، وهناك أيضا نقص في المهندسين حيث يتقاعد الجيل الأكبر سنًا ويحاول الجيل الأصغر إيجاد طرق لكسب المزيد من الدخل في البر الرئيسي في الصين، الذي يعاني بدوره من نقص حاد في مهندسي أشباه الموصلات، وفضلا عن ضرورة قيام الدول بالتأهيل المبكر للكوادر الفنية، هناك أهمية كبيرة أيضا للاهتمام بمصادر الخامات وتصنيعها خاصة السيليكون الذي يعد الشريان الحيوي لصناعة أشباه الموصلات وتعد الصين حاليا أكبر منتج له.
يذكر أن إحدى التبعات المهمة التي أدى إليها تفشي الجائحة في عام 2020 كان تسليط الضوء على الأهمية القصوى لصناعة أشباه الموصلات، حيث أدى تعرقل سلاسل الإمدادات وإغلاقات المصانع إلى نقص حاد في توفر أشباه الموصلات، وكشفت الأزمة عن مدى تغلغل هذه الصناعة في كافة مناحي الحياة للأفراد والشركات وأيضا عن تركز هذه الصناعة بصفة أساسية في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ التي تستحوذ على نحو ما قيمته 350 مليار دولار من هذه الصناعة وتليها الأمريكتان بقيمة 129 مليار دولار وأوروبا بـ47 مليار دولار، وفي آسيا تتركز الصناعة بصفة خاصة في تايوان والصين وكوريا الجنوبية.
