الاقتصادية

أزمة الطاقة - هل ستدمِّر الصناعة الأوروبية؟

28 أكتوبر 2022
28 أكتوبر 2022

فيما تستعد مؤسسات الأعمال الأوروبية لمواجهة نقص إمدادات الطاقة يحصل العمال في أحد المصانع بجنوب شرق فرنسا على خزانة ملابس شتوية جديدة. فمجموعة سان- جوبان الفرنسية لمواد البناء طلبت توريد معاطف وقفازات أكثر دفئا للعاملين في مستودعها بمدينة شامبيري على مرتفعات الألب بعدما وافقوا على تقليل التدفئة خلال هذا الشتاء. ففي سبيل خفض استهلاك الغاز ستكون درجة الحرارة المطلوبة قريبا من 8 درجات مئوية بدلا عن 15 درجة مئوية وهي المستوى المعتاد للتدفئة.

يقول بينوا ديريبارن مسئول الأداء الصناعي بالشركة "سيكون العمل داخل المستودع مثل خارجه تماما. لذلك يلزمنا تزويد العاملين بمستلزمات العمل في العراء".

35 مليون وظيفة صناعية

خَفضُ منظمِ الحرارة (الثيرموستات) ليس مجرد توفير للتكلفة بالنسبة للعديد من الشركات الصناعية في أوروبا فيما هي تعد العدة لشتاء قاسٍ. فمع ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة بعد الأزمة بين روسيا لأوكرانيا أصبح ذلك مسألة بقاء.

توظف القاعدة الصناعية في أوروبا 35 مليون شخص أو 15% تقريبا من السكان العاملين. وحذر كبار الصناعيين في الكتلة الأوروبية هذا الشهر من أثرٍ اقتصادي محتملٍ ومدمرٍ لأزمة الطاقة.

جاء في رسالة من الطاولة المستديرة الأوروبية للصناعة إلى أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية وشارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي "أسعار الطاقة المتصاعدة تعجل في الوقت الحالي بتدهور مقلق في تنافسية مستهلكي الطاقة في القطاع الصناعي الأوروبي".

وباعتقاد باعثي الرسالة بدون وضع سقف أسعار للشركات التي تستخدم الطاقة بكثافة "سيكون الضرر غير قابل للإصلاح".

ظاهريا، لم تُبدِ الشركات الصناعية الأوروبية تأثرا بذلك. فهي تتحدث عن إجراءات تطبقها للاقتصاد في استهلاك الطاقة وعن تكاليف أخرى تقلص هذا الاستهلاك. وفي حين تتطلع بعض الشركات إلى اللجوء للفحم وموارد الوقود الأحفوري الأخرى خلال فترة الشتاء تتحدث أخرى في تفاؤل عن الثورة الخضراء التي تدفع إليها الأزمة.

خفض الإنتاج واستهلاك الطاقة

لكن هنالك دلائل على أن الشركات الكبرى تخفض الإنتاج في بعض الصناعات بسبب النقص في الطاقة حتى قبل حلول الشتاء. ويحذر المسؤولون في مختلف الصناعات بدءا من صناعة المواد الكيماوية وإلى الأسمدة والسيراميك من مخاطر فقدانها حصصا سوقية دائمة واحتمال اضطرارها إلى نقل بعض انتاجها إلى أجزاء أخرى من العالم بها موارد طاقة أرخص وأكثر موثوقية.

واقع الحال، أجراس الإنذار تُقرَع في أوساط ساسة أوروبا. يقول اليكساندر دي كرو رئيس وزراء بلجيكا "نحن نخاطر بتفكيك واسع النطاق للصناعة في القارة الأوروبية".

في الأثناء تتسابق الشركات في قطاعات تمتد من الصلب إلى المواد الكيماوية ومن السيراميك إلى صناعة الورق ومن المخصبات إلى صناعة السيارات لخفض الاستهلاك وذلك في مسعى منها لتقليص تكاليف الطاقة الباهظة وأيضا استعدادا لشح الغاز خلال الشتاء إذا فرضت الحكومات تقنين (ترشيد) استهلاكه.

تجد شركات عديدة طرائق بارعة لخفض استخدام الطاقة. فمثلا رينو الفرنسية لصناعة السيارات تقلل وقت الحفاظ على سخونة الطلاء. هذه العملية تستهلك ما يصل إلى 40% من طلبها على الغاز. مثل هذه الابتكارات تعِد بتحسين أداء المصانع والعمليات الصناعية في المستقبل. لكن على الشركات أولا اجتياز فترة الشتاء.

أولئك الذين يمكنهم أن يفعلوا ذلك رفعوا الأسعار. فشركة لانكسيس التي تتخذ مقرها في كولونيا وتنتج الكيماويات الأساسية والمكونات النشطة لسوق المستحضرات الصيدلانية زادت من أسعارها الأساسية بنسبة 35% عندما بدأت تكاليف الطاقة في الارتفاع.

لكن الزيادات في الأسعار لن تعالج مشكلة النقص في إمدادات الغاز. فشركة دي إس سميث لصناعة الورق ومواد التغليف أمرت مصانعها بخفض الاستهلاك بنسبة 15%. وهو خفض طوعي اتفقت بشأنه الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في شهر يوليو. والآلات التي تظل قيد التشغيل بين فترات الإنتاج سيتم الآن إغلاقها وستنخفض درجة الحرارة. يقول مايلز روبيرتس الرئيس التنفيذي للشركة: "إذا فعلنا أشياء من هذا القبيل وخفضنا منظم الحرارة من 20 درجة مئوية إلى 18.5 درجة مئوية سنقلل من استهلاك الغاز بقدر مؤثر".

طلبت شركة فاليو الفرنسية المورِّدة لمستلزمات صناعة السيارات من شركات هذا القطاع خفض استهلاك الطاقة بنسبة 20% من خلال اتخاذ إجراءات مثل وقف الإنتاج في أيام نهاية الأسبوع وخفض درجات الحرارة خلال الأسبوع.

وتقول شركة سولفاي البلجيكية للكيماويات أنها تُعِدّ مصانعها للعمل بكميات من الغاز أقل بحوالي 30% من استهلاكها المعهود واستخدام طاقة بديلة وغلايات متحركة تستخدم وقود الديزل.

الغاز أهم مصدر للطاقة بالنسبة للشركات الصناعية في أوروبا. لكنه أيضا مادة أولية مهمة تستخدم في صناعات المواد الكيماوية والأسمدة. تستهلك الصناعة في مجموعها ما بين 27- 28% من إجمالي إمدادات الكتلة الأوروبية من الغاز، وفقا لأنوك أونوري نائبة مدير برنامج أبحاث الغاز بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة.

لكن ليس من السهل خفض الوقود اللازم للعديد من العمليات الصناعية. فحوالي 60% من الاستهلاك الصناعي للغاز يستخدم للعمليات التي تتطلب حرارة تصل إلى 500 درجة مئوية أو أكثر مثل عمليات صناعة الزجاج والأسمنت والسيراميك. تقول أونوري: "بالنسبة للعمليات التي تحتاج إلى حرارة أقل هنالك المزيد من الخيارات لاستخدام الطاقة المتجددة ومضخات الحرارة".

عودة إلى الوقود الأحفوري

لذلك السبب تتجه بعض الشركات إلى الوقود الأحفوري مع ما ينطوي عليه هذا من انتكاسة محتملة لخطط الاتحاد الأوروبي في الانتقال الأخضر. فشركة باير للمواد الصيدلانية والتقنية الحيوية أعلنت في 2019 عن خطط للتحول التام إلى الطاقة المتجددة. لكنها الآن أعادت تنشيط استخدام الفحم الحجري تحسبا لعجزها عن الوفاء باحتياجات التسخين اللازمة للعمليات الإنتاجية. وشركة فولكسواجن تدير محطات الكهرباء التابعة لها في أكبر مصانعها في فولفسبورغ بالفحم الحجري خلال شتاء هذا العام والعام القادم بدلا عن الانتقال إلى الغاز الذي يشكل جزءا من جهودها للتخلص من انبعاثات الكربون.

حتى العمليات الصناعية التي تحتاج إلى درجات حرارة أقل تندُر البدائل المتاحة لها على غير العادة في الوقت الحاضر. فالجفاف في الصيف استنزف طاقة التوليد الكهرومائي. والمفاعلات النووية الشائخة في فرنسا غير قادرة على مقابلة الطلب بسبب تطاول أمد إغلاقاتها ومتطلبات الصيانة.

لذلك قررت بعض الصناعات التي تواجه الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة وتراخي طلب المستهلكين أن خفض الإنتاج هو ببساطة أفضل وسيلة أمامها.

يقدر المحللون ببنك الاستثمار جيفريز أن ما يقرب من 10% من طاقة إنتاج خام الصلب في أوروبا معطلة (غير مستخدمة) في الشهور الأخيرة. وتتوقع أرسيلور ميتال أكبر شركات صناعة الصلب في أوروبا أن يكون إنتاجها من عملياتها الأوروبية أقل بنسبة 15% في ربع العام الحالي مقارنة بالعام الماضي بعد خفض إنتاجها.

تذكر مجموعة يوروميتوكس التي تمثل منتجي المعادن في أوروبا أن كل مصاهر الزنك في الاتحاد الأوروبي لزمها تقليص أو حتى وقف عملياتها تماما فيما فقدت بلدان الاتحاد 50% من إنتاج الألومنيوم الأولي. كما تم تجميد إنتاج 27% من السليكون وسبائك الحديد و40% من الأفران.

أيضا تضرر قطاع الأسمدة الذي يعتمد على الغاز كمادة خام لإنتاج الأمونيا. فقد تعطلت 70% من طاقة الإنتاج، بحسب رابطة منتجي الأسمدة في أوروبا. ويقدر بنك جولدمان ساكس أن 40% من صناعة الكيماويات الأوروبية "يمكن أن تخضع للترشيد الدائم" ما لم يتم احتواء أسعار الطاقة.

تقول مجموعة الصناعات الكيماوية الألمانية كوفيسترو في بيان: "مع الارتفاع السريع في أسعار الطاقة نحن نراجع باستمرار مستويات إنتاجنا في أرجاء أوروبا".

نفس الحكاية تتكرر في صناعات المواد البلاستيكية والسيراميك والصناعات الأخرى التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز، حسب تقديرات روديوم للاستشارات.

تشكل خمس صناعات فقط 81% تقريبا من الطلب الصناعي على الغاز في قطاعات المواد الكيماوية والمعادن الأساسية مثل الصلب والحديد والمعادن غير الفلزية مثل الأسمنت والزجاج والتكرير والورق والطباعة. في بعض هذه القطاعات الإغلاقات المؤقتة ليست مكلفة فقط ولكن غالبا تكاد تكون مستحيلة بدون أن تحدث تلفا دائما في المعدات.

يعتقد بينوا ديريبارن مسؤول شركة سان جوبان بمحدودية خفض الطاقة في مصانع الشركة الخاصة بإنتاج الزجاج التي يجب إبقاء أفرانها مشتعلة باستمرار منعا لتصلب الزجاج". ويضيف: "أنت لا يمكنك خفض الإنتاج بنسبة 30% لأن ذلك يعني إغلاق المصنع والإغلاق سيتلف المصنع وستحتاج إلى ما بين 6 أشهر وسنة كاملة لاستئناف الإنتاج".

لزم شركة آرك انترناشونال لصناعة الزجاج أن تفعل ذلك بالضبط. هي في العادة تحتاج إلى إشعال الأفران في مصنعها شمال فرنسا طوال اليوم (24 ساعة). وتستهلك الأفران بذلك نصف الطاقة التي يستخدمها المصنع. والآن أوقفت الشركة اثنين من أفرانها التسعة ومددت فترة الصيانة لفرنين آخرين بعد ارتفاع فاتورة الغاز بما يقرب من أربعة أضعافها هذا العام.

يقول نيكولاس هودلر الرئيس التنفيذي للشركة إنها تأثرت أيضا بتراجع فجائي في الطلب على بعض منتجاتها. نتيجة لذلك تقرر تسريح ثلث عامليها مؤقتا لمدة يومين في الأسبوع.

تثير الإغلاقات الواسعة النطاق المخاوف من فتح الأزمة الباب لمنافسين من مناطق تنخفض فيها تكاليف الطاقة. يقول جيوفاني سافوراني رئيس الرابطة التجارية لصناعة السيراميك الإيطالية "خفض الصادرات أو وقفها ولو مؤقتا يخاطر بتحوله إلى خسارة دائمة للحصة السوقية."

يشكو أصحاب الصناعة الأوروبية منذ فترة طويلة من الوضع التنافسي غير المواتي الذي تفرضه سوق الطاقة المتشظية في الاتحاد الأوروبي. فخلال فترة العشرة سنوات السابقة لعام 2020 كانت أسعار الغاز في المتوسط أعلى بضعفين أو ثلاثة أضعاف أسعارها في الولايات المتحدة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. اتسعت هذه الفجوة إلى عشرة أضعاف منذ شروع روسيا في خفض إمداداتها. يقول جاكوب هانسن المدير العام لرابطة منتجي الأسمدة في أوروبا "يمكنكم استيراد السماد بنصف القيمة التي يمكننا إنتاجه بها".

يشير المجلس الأوروبي للصناعات الكيماوية إلى أن أوروبا منذ مارس في هذا العام صارت مستوردا صاف للمواد الكيماوية بالحجم والقيمة لأول مرة. يقول ماركو مينسينك المدير العام للمجلس " هذا مقلق حقا. أسعارنا باهظة جدا عالميا بسبب تكاليف الطاقة". وتلجأ بعض الشركات إلى استخدام مصانعها الأقل تكلفة خارج أوروبا حتى لا تخلي الساحة للمنافسين.

تقول إلهام قدري الرئيس التنفيذي لمجموعة الصناعات الكيماوية البلجيكية سولفاي: "إذا دعت الحاجة قد تزيد المجموعة منتجاتها التي تتطلب استخداما كثيفا للطاقة في بلدان تنخفض فيها التكلفة." وتضيف: "نحن ندرس كيفية تخصيص الأولويات لمنتجاتنا. نحن شركة عالمية ويمكننا استخدام أصولنا خارج أوروبا للتعويض عن أي خفض في حجم الإنتاج في القارة."

نقل الإنتاج من أوروبا

يقول أحد المسؤولين في صناعة الصلب الإيطالية إن اقتران ارتفاع تكاليف الطاقة بضريبة الكربون في أوروبا يفرض إعادة التفكير في موقع إنتاج الصلب الذي يبلغ سعره 800 يورو للطن. يقول المسؤول: "تكلفة سعر الغاز المستخدم في إنتاج الصلب كانت حوالي 40 يورو للطن وارتفعت الآن إلى 400 يورو للطن. إذا أضفنا ضريبة الكربون ستصل التكلفة الإجمالية للطاقة المستهلكة إلى 600 يورو للطن. لذلك من المعقول تماما أن ننقل الإنتاج" إلى آسيا.

تتطلع شركتا التغليف سمورفيت كابا و"دي إس سميث" إلى مصانعها في أمريكا الشمالية لتزويدها بإمدادات الورق. يقول روبيرتس الرئيس التنفيذي لشركة دي إس سميث: "ما نجلبه من الولايات المتحدة أكثر مما كان في الماضي. لتصنيع الورق أنت تستخدم الكثير من الطاقة. في الولايات المتحدة الطاقة وفيرة جدا وتكاليف الطاقة أقل بقدر كبير".

يحذر الخبراء بأنه كلما طال أمد اضطرار الشركات إلى نقل الإنتاج من أوروبا كلما ازدادت مخاطر عدم عودة الإنتاج إليها مطلقا. وتعتقد أونوري نائبة مدير أبحاث الغاز معهد أكسفورد لدراسات الطاقة أن ذلك حدث من قبل.

تقول: "عندما كانت أسعار الغاز الأوروبية في مستويات مرتفعة نسبيا في الفترة بين 2010 و2014 شهدنا نقل الإنتاج إلى مناطق الأسعار فيها أكثر انخفاضا مثل الشرق الأوسط وشمال أفريفيا والولايات المتحدة. ولم يعد الطلب الصناعي على الغاز (في أوروبا) إطلاقا إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية."

يقول ماتياس بيرنينجر أحد كبار مسؤولي شركة باير: "عندما تتخذ قرارات الاستثمار ... يصعب أن تطلب من الشركات العودة. إذا لزمنا الاستثمار في مكان جديد ستترتب عن ذلك عواقب تستمر لعقود".

ويشير تريفور هاوزر من شركة روديوم إلى أن منتجي السلع التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة ولديها هوامش أرباح أقل كالأسمدة مثلا يمكن أن يكونوا من بين أول الضحايا. يقول "اقتصاديات إنتاج الأسمدة التي ترتكز على الغاز الطبيعي في أوروبا ستكون هزيلة لفترة طويلة".

التهديد أشدُّ خصوصا في وسط وشرق أوروبا حيث ظلت بلدان عديدة تعتمد كثيرا على الغاز الروسي. من إجمالي إنتاج أوروبا من الأسمدة الذي يبلغ 45 مليون طن سنويا تنتج بولندا لوحدها 6 ملايين طن، بحسب مصادر هذه الصناعة. وكل مصانعها الخمسة متوقفة عن الإنتاج في الوقت الحاضر. إلى ذلك هنالك طاقة إنتاجية مجمدة بحجم 3 مليون طن في المجر ورومانيا وكرواتيا. وفي شرقي أوروبا حوالي 20% من الطاقة الإنتاجية معطلة أيضا.

شركة صناعة الأسمدة المجرية "نايتروجين موفيك" من بين الشركات التي قلصت إنتاجها. ويحذر أحد كبار المسئولين بالشركة من أن عواقب خفض الإنتاج في هذا الشتاء التي قد تكون مدمرة. يقول " إذا لم ننتج هذا الصيف لن يتراكم المخزون. حول أوروبا لا توجد إمدادات الأسمدة التي يجب أن تكون متاحة في الربيع عندما يبدأ الطلب في الارتفاع."

أثر الإغلاقات الدائم حول أوروبا لن يكون معلوما لعدة أشهر. لكن شركات الشق الأدنى في سلسلة القيمة بدأت تشعر بالقلق من الانخفاض في إنتاج المواد الكيماوية والصلب والمنتجات الأساسية الأخرة البالغة الأهمية لعملياتها التصنيعية.

بدأت شركات من شاكلة فولفو وباير في تخزين قطع الغيار والمواد تحوطا من حدوث مشاكل للموردين. يقول ماتياس بيرنينجر "همنا الرئيسي ليس سعر الطاقة ولكن توافر المدخلات التي يمكننا تحويلها إلى منتجات صيدلانية."

مستقبل صناعة الكيماويات التي تعتمد على الغاز في أوروبا وخصوصا في المصنع الرئيسي لشركة بي أية أس أف (باسف) في لودفيغهافن وهو أكبر مصنع متكامل للمنتجات الكيماوية في العالم يثير قلقا عميقا لدى بعض الصناعيين. منشأة لودفيغهافن مورِّد رئيسي لمُصَنِّعي كل شيء من السيارات وإلى معجون الأسنان. وهي محرك الصناعة الكيماوية في ألمانيا. يقول مينسينك المسؤول بالمجلس الأوروبي للصناعات الكيميائية "إذا انهارت صناعة الكيماويات في ألمانيا بعد ثلاثة أسابيع من ذلك ستكون هنالك مشكلة لكل سلسلة توريد في أوروبا."

هيمنة ألمانيا على سلسلة التوريد من خلال شركات صناعية عملاقة مثل "بي أيه إس اف" يعني حتى الشركات التي توجد في بلدان أخرى تتأثر باحتمال ترشيد استهلاك الغاز في ألمانيا. يقول بينوا ديريبارن "إذا لم يكن بمقدور ألمانيا توفير الإمدادات ستنشأ عن ذلك تداعيات في كل أرجاء أوروبا".

الشركات الألمانية التي تنتج 27% من مبيعات المنتجات الصناعية بحساب القيمة على خط المواجهة. في بداية هذا العام حصلت ألمانيا على أكثر من 50% من وارداتها من الغاز من روسيا وتشكل احتياجات الصناعة ما يزيد عن ثلث الطلب الإجمالي.

200 بليون يورو

مؤخرا كشفت الحكومة الألمانية عن حزمة دعم بقيمة 200 بليون يورو للتعويض عن ارتفاع تكاليف الطاقة للعائلات والشركات. لكن الشركات الصناعية الألمانية مثل مجموعة إنتاج الصلب " تيسين كروب" لا تستبعد اللجوء إلى إجراء قاس إذا استمرت الأزمة.

نقلت مجموعة "تيسين كروب" عملياتها الإنتاجية من اثنين من مصانعها إلى مصنعها الرئيسي في ديوسبورغ وهو أقل اعتمادا على الغاز الطبيعي ويستخدم شبكة طاقة خاصة بالمجموعة. تقول تيسين كروب إنها مستعدة أيضا لإغلاق مصانع منفردة إذا استمرت فواتير الطاقة في الارتفاع. وتعتقد أن "تكاليف الغاز والكهرباء... تشكل تهديدا وجوديا للصناعات التي تستخدم الطاقة بكثافة مثل صناعة الصلب".

ربما ليس لدى البلدان الأخرى الثقل الصناعي لألمانيا لكن اقتصاداتها (وتوظيف عمالتها) أكثر اعتمادا على التصنيع. فحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لدى بولندا وجمهورية شيكيا وسلوفاكيا والنمسا وسلوفينيا والسويد وفنلندا وشمالي إيطاليا أعلى حصص توظيف في القطاعات الأكثر اعتمادا على الغاز. تندفع كل هذه البلدان لتقديم الدعم لصناعاتها ولمواطنيها مع اشتداد برودة الطقس وارتفاع الطلب على الطاقة. لكن شركات عديدة ترنو ببصرها إلى ما وراء شتاء هذا العام وتتوقع أوضاعا أشد قسوة في الشتاء الذي يليه.

يقول مسؤول شركة نيتروجينموفيك المجرية " في عام 2022 كانت تتوافر كميات بالغة الأهمية من الغاز من المصادر الروسية. وإذا اختفت كلها سترتسم صورة تدعو إلى التشاؤم عن الشتاء التالي (2023-2024). نعم تزداد نسبة المصادر الجديدة للغاز. لكن البنية التحتية اللازمة لها أبعد من أن تفي بالغرض".

من جانبه، يعتقد هودلر الرئيس التنفيذي لشركة آرك انترناشونال أن مجال زيادة الأسعار في العام القادم محدود أيضا. ويضيف قائلا "السؤال الحقيقي هو هل سنشهد في عام 2023 زيادة كبيرة في تكاليف الطاقة؟ لن يكون بمقدورنا تمرير كل هذه التكاليف الإضافية إلى الزبائن بدون أن نشهد تأثيرا مهما على الحجم".

لكن هنالك أولئك الذين يعتقدون أن الأزمة سيترتب عنها تشكل قاعدة صناعية أقوى وأكثر اخضرارا (أقل اعتمادا على الوقود الأحفوري). وذكرت شركات مثل سان جوبان وسولفاي وسمورفيت كابا لصحيفة الفاينانشال تايمز أنها ستسرِّع تنفيذ خطط تحول إلى الموارد المتجددة كانت جاهزة قبل غزو روسيا.

يقول توني سمورفيت الرئيس التنفيذي لشركة سمورفيت كابا للتغليف: إن شركته "تنفق ثلاثة أضعاف ما كان يلزمها إنفاقه" وفقا للخطط السابقة. لذلك هنالك أسباب للتفاؤل. فذلك، يقول سمورفيت" سيسرِّع الثورة الخضراء. قبل خمسين عاما لم تكن هنالك خيارات للطاقة الخضراء. لكنها توجد الآن. أعتقد أن ذلك سيجعل أوروبا خضراء جدا".

الترجمة عن الفاينانشال تايمز