وعدت الدول الغنية بدفع ثمن أزمة المناخ.. ولكن هل ستفعل ذلك فعلا؟

03 ديسمبر 2022
03 ديسمبر 2022

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

الشهر الماضي وبالهتافات الصاخبة من شرم الشيخ رحبت الجموع المشاركة بالإعلان عن مبادرة جديدة، مبادرة الصندوق العالمي للخسائر والأضرار، الذي يهدف إلى تصحيح الأخطاء التاريخية المتراكمة من خلال تعويض البلدان النامية المتضررة من سوء المناخ. وقد أعاد هذا الاعلان ذكريات ماضية من بينها 100 مليار جنيه إسترليني سنويا التي تم الاتفاق عليها في قمة كوبنهاجن للمناخ عام 2009 لمساعدة البلدان الفقيرة على التخفيف من آثار أزمة المناخ.

ولكن الصندوق المقترح لم يحقق المبلغ المطلوب حتى بعد مرور 13 عاما، بدأ الأمر منذ اقتراح الصندوق بالمديح والثناء، وتحول مع مرور الأعوام إلى مزاعم بالخيانة، وهذا السيناريو يعيد نفسه، المديح والثناء سيتحول قريبا إلى مزاعم بالخيانة، وسيتعين على رئيس مؤتمر كوب 28 في العام المقبل أن يقترح انشاء صندوق آخر بدون ممولين! وبعيدا عن صندوق الخسائر والأضرار الذي يضيق فجوة المصداقية في العمل المناخي، فمن المرجح ألا يسد أي شيء إذا فشلت الأموال في التدفق من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة.

لقد كان العقد الماضي تاريخا من الوعود التي قطعت ونكثت. قبل كوفيد، كانت تكلفة تمويل أهداف التنمية المستدامة 2.5 تريليون دولار سنويا. والآن، بعد كوفيد، ومع تصاعد تكاليف مكافحة الفيضانات والعواصف النارية والجفاف وعبء الديون على البلدان منخفضة الدخل بشكل كبير، أصبحت تكلفة تمويل أهداف التنمية المستدامة تبلغ 4 تريليونات دولار سنويا.

وتمثل أهداف التنمية المستدامة، التي تبلغ فعليا 179 مليار دولار فقط سنويا و130 مليار دولار معروضة بشكل رئيسي في هيئة قروض متعددة الأطراف، وتمثل أهداف التنمية المستدامة تعهدا آخر للمجتمع الدولي بالإجماع ولكنه غير ممول.

ومما زاد الوضع سوءًا أن ميزانية المساعدات الإنمائية البريطانية قد خفضت الآن من 0.7 % من دخلنا القومي إلى 0.5 % لسنوات قادمة، وبالفعل انخفضت مساهمتنا الإجمالية في تحقيق جميع أهدافنا المناخية والإنمائية من 16 مليار جنيه إسترليني الموعودة إلى 11.5 مليار جنيه إسترليني فقط.

ولكن هناك سبيل للمضي قدما إذا أردنا أن نحقق أهدافنا. ستكون هناك حاجة إلى حوالي 2 تريليون دولار (1.75 تريليون جنيه إسترليني) كل عام بحلول عام 2030 لمساعدة البلدان النامية على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. ويمكن دفع ثمن ذلك، إذا لزم الأمر، من خلال زيادة الضرائب العالمية مثل رسوم شركات الطيران التي ابتكرتها فرنسا والمملكة المتحدة.

وكما يوصي إعلان بريدجتاون الرائد، المستوحى من رئيسة وزراء بربادوس، ميا موتلي، فإن 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (الأموال الدولية الصادرة عن صندوق النقد الدولي) لابد وأن يعاد توزيعها فورا من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة، على أن يذهب نصفها لتمويل المشاريع الخضراء.

وينبغي لقمة الرئيس ماكرون بشأن تمويل المناخ في يونيو أن تلغي الديون غير القابلة للسداد للبلدان منخفضة الدخل مقابل أن تتخذ تلك البلدان إجراءات حازمة بشأن المناخ. وبالنسبة لأولئك الذين يستطيعون الدفع، ينبغي أن يكون سداد الديون متباينا في حالة وقوع الكوارث المناخية.

ولن تكون الأموال العامة كافية بطبيعة الكال، كما تدرك بريدجتاون، لذا فمن الأهمية بمكان أن يستخدم كل جنيه ودولار ويورو من المساعدات لتوليد مصادر أخرى للدعم. كانت تعبئة التمويل الخاص محور تقرير عام 2015 الصادر عن صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية.

واقترح التقرير أن تضع الحكومات الحوافز المناسبة لتشجيع التمويل الخاص على الاستثمار في انهيار المناخ والتنمية. والواقع أن احتياجات تمويل أهداف التنمية المستدامة يمكن تلبيتها إذا قمنا بتخصيص 1٪ فقط كل عام من الأصول المالية البالغة 400 تريليون دولار التي تحتفظ بها البنوك والمؤسسات الاستثمارية ويحتفظ بها مديرو الصناديق.

ولكن على الرغم من المليارات والتعهدات والنوايا الحسنة وسيل من البيانات الصحفية التي تنشر والمشاريع الاجتماعية والحكومية، إلا أن القليل جدا من الاستثمارات الخاصة لا تزال قائمة بالفعل، مما يؤدي إلى مزاعم بالغسيل الأخضر.

هناك تجربة رائدة من قبل رونالد كوهين، تجربة الاستثمار المؤثر، حيث يتم قياس نفقات الشركات، ليس فقط في المخاطر والمكافآت، ولكن في النتائج المفيدة اجتماعيا أيضا، ولديه القدرة على تمويل الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة والتخفيف والتكيف.

ولكن من شبه المؤكد أن هذا سوف يتطلب تشريعا للمحاسبة المقترنة بالتأثير، بحيث تقوم الشركات، إلى جانب الأرباح والخسائر، بتفصيل الفوائد الاجتماعية والبيئية في الوقت الفعلي لأنشطتها من الناحية النقدية.

ولكن كل هذا سوف يستغرق وقتا، وهناك حاجة ماسة إلى تمويل المناخ بشكل سريع. وينبغي أن تبدأ على الفور بتحويل البنك الدولي إلى بنك عالمي للمنافع العامة. والرابطة الدولية للتنمية هي ذراع البنك المكرس للبلدان الأقل دخلا.

من خلال الاقتراض على قوة القروض المسددة، يمكن جمع أكثر من 100 مليار دولار من رأس المال الإضافي. ومن شأن دمج ذلك مع مرفق البنك الذي يساعد البلدان متوسطة الدخل أن يضاعف القاعدة الرأسمالية للبنك أربع مرات.

بل إن المزيد من الأموال يمكن توليدها من خلال الاستخدام المبتكر للضمانات التي تقدمها أغنى البلدان إلى بنوك التنمية الإقليمية، ويخطط بنك التنمية الآسيوي بالفعل لتمويل مشاريع المناخ التي تضمن ضمانات من الحكومات الأوروبية.

وإذا تم تطبيق ذلك في جميع البنوك متعددة الأطراف، يمكن استخدام منح أولية بقيمة 10 مليارات دولار، بعضها يتم جمعه من -المحسنين- العالميين، يقابلها 60 مليار دولار من الضمانات، لجمع مبلغ ما يقارب مجموعه 270 مليار دولار لدعم الانتقال إلى صافي الصفر، وبشكل عام، يمكن لمؤسساتنا الإقليمية والدولية أن تستثمر قريبا ليس فقط المليارات ولكن تريليون دولار كل عام.

ويمكن ضمان الأموال على أساس مستدام إذا وافقت أغنى دول العالم على تقاسم العبء بشكل عادل، استنادا إلى قدرتها على الدفع. وفي حين أن هذا النموذج مثبت، استخدم في عام 1966 في محاولة للقضاء على الجدري، إلا أنه اليوم لا يتم جمع سوى 7 مليارات دولار من تمويل الأمم المتحدة (لحفظ السلام) ومليار دولار فقط من التمويل الصحي (لدفع 25٪ من ميزانية منظمة الصحة العالمية الحالية) من خلال صيغة تقاسم الأعباء. كل ما تبقى يأتي من خلال المرور حول (إناء التسول)!

وينبغي ألا يضطر العالم الذي يتصدى لتحد وجودي إلى الاعتماد على الأعمال الخيرية. وينبغي أن تكون خطة العمل الخاصة باتفاقية مؤتمر كوب 28 معتمدة على مساهمة المانحين في تمويل المناخ استنادا إلى قدرتهم على الدفع وفي حالة الخسائر والأضرار، واستنادا إلى المسؤولية التاريخية عن انبعاثات الغازات الدفيئة، يجب أن يشكل ذلك نقطة انطلاق للجولة التالية من تمويل المناخ.

إن التمويل الكافي لأهدافنا العالمية لأول مرة سيكون شيئا يدعو إلى البهجة حقا. لدينا الوسائل والدراية. وما نحتاج إليه الآن هو الإرادة السياسية.

• جوردون براون سفير منظمة الصحة العالمية لتمويل الصحة العالمية، ورئيس وزراء المملكة المتحدة من 2007 إلى 2010

• ترجمة خاصة لجريدة "عمان" نقلا عن الجارديان