أوروبا تسير نائمة إلى حرب عالمية أخرى

09 أبريل 2022
09 أبريل 2022

ترجمة أحمد شافعي -

أكثر من مائة عام مضت على الحرب العالمية الأولى وها هم زعماء أوروبا يسيرون نياما إلى حرب شاملة جديدة.

لقد اعتقدت الحكومات الأوروبية في عام 1914 أن الحرب سوف تستمر لثلاثة أسابيع، فاستمرت لأربع سنوات وأسفرت عن وفاة أكثر من عشرين مليون شخص. وها نحن نرى اللامبالاة نفسها في حرب أوكرانيا.

الرأي السائد هو أن المعتدي لا بد أن يعاقب بالتحطيم والإذلال. قديما كانت القوة المهزومة هي ألمانيا. وشعرت بعض الأصوات المعارضة، مثل جون مينارد كينز، أن إذلال ألمانيا سوف يكون كارثة.

لكن تحذيراتهم لم تلق آذانا مصغية. وبعد إحدى وعشرين سنة كانت أوروبا قد رجعت مرة ثانية إلى حرب دامت ست سنوات وأسفرت عن مصرع سبعين مليون نفس.

والتاريخ لا يكرر نفسه، ولا يبدو أنه يعلمنا أي شيء، لكنه يكشف عن تماثلات واختلافات.

لقد كانت الأعوام المائة السابقة على الحرب العالمية الأولى فترة سلام نسبي لأوروبا، لم ينشب فيها من حروب إلا ما كان قصير العمر.

وكان السبب في هذا هو مؤتمر فيينا (1814-1815) الذي جمع المنتصرين والمهزومين في الحروب النابليونية ليؤسس سلاما دائما. كان رئيس المؤتمر هو كليمنس فون مترنيش الذي ضمن أن تدفع القوة المهزومة (وهي فرنسا) ثمن أفعالها بخسائر في الأرض، لكنه ضمن أيضا أن توقع معاهدة مع النمسا وإنجلترا وبروسيا وروسيا لضمان السلام بكرامة.

مفاوضات أو هزيمة تامة

في حين أن الحروب النابليونية جرت بين قوى أوروبية، فإن الحرب الراهنة تجري بين قوة أوروبية هي روسيا وقوة غير أوروبية هي الولايات المتحدة. فهي حرب بالوكالة، يستعمل فيها كلا الطرفين بلدا ثالثا (هو أوكرانيا) لتحقيق أهداف جيوستراتيجية تتجاوز البلد المعني والقارة التي ينتمي إليها.

روسيا في حرب مع أوكرانيا لأنها في حرب مع حلف شمال الأطلنطي الذي تقوده الولايات المتحدة.

ولقد كان الناتو ولم يزل في خدمة مصالح الولايات المتحدة الجيوستراتيجية.

لقد كانت روسيا ذات يوم نصيرا راسخا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي اليوم تضحي على نحو غير شرعي بهذه المبادئ نفسها بسبب مخاوفها الأمنية، بعدما عجزت عن تحقيق اعتراف بهذه المخاوف من خلال الطرق السلمية، وبدافع من حنين غير خفي إلى الماضي الإمبراطوري.

من جانبها، تسعى الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة الأولى إلى تعميق هزيمة روسيا، أي الهزيمة التي ربما كانت في واقع الأمر هزيمة ذاتية ألحقتها روسيا بنفسها أكثر مما ألحقها بها أي تفوق من خصم لها.

هدف حرب أوكرانيا، من منظور الناتو، هو إلحاق هزيمة سافرة بروسيا، ويفضل أن تفضي هذه الهزيمة إلى تغيير النظام الحاكم في موسكو. ومدة الحرب تعتمد على هذا الهدف.

ولكن، أي حافز يدفع روسيا الآن إلى إنهاء الحرب لو أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن يسمح لنفسه بأن يقول إن العقوبات المفروضة على روسيا سوف تستمر مهما يكن موقف روسيا؟ هل سيكون كافيا أن يطاح بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين (مثلما كان الحال مع نابليون سنة 1915)، أم أن حقيقة الأمر هي أن بلاد الناتو مصرة على الإطاحة بروسيا نفسها لكي يتسنى إيقاف توسع الصين؟

لقد حدث تغيير نظام أيضا عند إذلال ألمانيا سنة 1918، لكن الأمر كله أفضى إلى أدولف هتلر وإلى حرب أكثر دمارا من سابقتها.

من الممكن أن تتأسس العظمة السياسية للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إما على أساس الاعتراف به وطنيا شجاعا يدافع عن بلده أمام الغازي حتى آخر نقطة دم، أو بالاعتراف به وطنيا شجاعا نجح في مواجهة الوفيات الوشيكة للكثير جدا من الأبرياء وقوة عسكرية غير متكافئة أن يجند دعم حلفائه من أجل التفاوض بضراوة لضمان سلام كريم.

وتأسيس العظمة حاليا على الخيار الأول قد لا يكون له علاقة تذكر بما يفضله الرئيس زيلينسكي شخصيا.

أين أوروبا؟

خلال حربي القرن العشرين العالميتين، كانت أوروبا تزعم أنها مركز العالم. ولذلك نخلع على تينك الحربين صفة العالمية. كان أكثر من أربعة ملايين من القوات الأوروبية في واقع الأمر أفارقة وآسيويين. وكان آلاف مؤلفة من وفيات غير الأوربيين ثمنا دفعه أهالي مستعمرات نائية تابعة للبلاد المتحاربة، وتضحية قدمتها هذه البلاد في حرب لا تعنيها.

الآن، أوروبا لا تعدو ركنا صغيرا من العالم، وسوف تجعلها حرب أوكرانيا أصغر وأصغر.

على مدار قرون، كانت أوروبا محض طرف غربي لأوروآسيا، أي لمساحة ضخمة من اليابسة تمتد من الصين إلى شبه الجزيرة الأيبيرية شهدت تبادل المعرفة والمنتجات والاختراعات العلمية والثقافات.

كثير مما نسب لاحقا إلى الاستثنائية الأوروبية (من الثورة العلمية في القرن السادس عشر إلى الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر) لا يمكن فهمه، ولا كان من الممكن حدوثه، دون تلك التبادلات التي وقعت على مدار قرون سابقة.

حرب أوكرانيا ـ وبخاصة في حال استمرارها لوقت طويل للغاية ـ لا تنطوي فقط على مخاطرة بتر قوة من قوى أوروبا التاريخية (أي روسيا)، وإنما تمتد إلى عزلها عن بقية العالم، وعن الصين بخاصة.

إن العالم أضخم كثيرا مما ترونه من خلال عدسات أوروبا وأمريكا الشمالية. والأوربيون إذ ينظرون عبر هذه العدسات لم يشعروا قط بمثل هذه القوة ومثل هذا القرب من شريكهم الأكبر ومثل هذه الثقة في وقوفهم في جانب الفائزين في التاريخ، في الوقت الذي يدار فيه الكوكب بأكمله وفقا لقواعد «النظام الليبرالي»، ليشعر العالم أخيرا أنه بلغ من القوة ما يجعله يتقدم عما قريب ليغزو الصين ـ أو يحيدها على أقل تقدير ـ بعد انتهائه من تحطيم شريك الصين الأساسي وهو روسيا.

في المقابل، وبالنظر من عدسات غير أوروبية، تبدو أوروبا والولايات المتحدة واقفتين في غطرسة، لكنهما واقفتان في عزلة، قد تكونان قادرتين على الفوز في معركة واحدة، لكنهما في طريقهما إلى هزيمة منكرة في حرب التاريخ.

إن كثيرا من الدول أعضاء الولايات المتحدة ممن صوتوا (مصيبين) ضد غزو أوكرانيا غير الشرعي قد فعلت ذلك بناء على تجربتها التاريخية التي تألفت من تعرضها للغزو، لا من روسيا وإنما من الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا وإسرائيل.

لكن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في بلاد قررت ألا تنضم إلى العقوبات المفروضة على روسيا. ولم يكن الجهل هو الذي أملى هذا القرار عليها وإنما التحوط.

فكيف لهم أن يثقوا في بلاد اخترعت نظام سويفت ـ لتحويل الأموال بهدف حماية المعاملات الاقتصادية من التدخل السياسي ـ ثم أخرجت من هذا النظام بلدا بناء على أسباب سياسية؟

بلاد تسلب لنفسها سلطة مصادرة الاحتياطات المالية واحتياطات الذهب الخاصة بأمم ذات سيادة مثل أفغانستان وفنزويلا ثم روسيا حاليا؟

بلاد تطنطن بحرية التعبير باعتبارها قيمة إنسانية مقدسة، لكنها تلجأ إلى الرقابة في اللحظة التي تفضحها فيها حرية التعبير؟

بلاد يفترض أن تعتز بالديمقراطية ثم لا تتردد في ترتيب انقلاب حينما تنتهي انتخابات إلى ما ليس في مصلحتها؟

بلاد يصبح «الدكتاتور» نيكولاس مادورو في نظرها شريكا تجاريا بين عشية وضحاها لأن الظروف تغيرت؟

إنه عالم لم يعد مكانا للبراءة ـ لو أنه كان كذلك أصلا.

بوفينتورا دي سوسا سانتوس أستاذ فخري لعلم الاجتماع في جامعة كويمبرا في البرتغال.

** مترجم عن موقع آسيا تايمز