نوافذ: تاريخ الطباعة والمطبوعات العُمانية

06 نوفمبر 2021
06 نوفمبر 2021

عام 1895 دخلتْ أول مطبعة إلى عُمان وهي مطبعة الإرسالية الأمريكية بمسقط، لكنها لم تدم أكثر من سنتين، إذْ أقدمتْ عام 1897 على خطوة نستطيع وصفها بـ"الانتحارية" حين نشرت كتابًا للقس الأمريكي Rev. Rouse عنوانه "المسيح أو محمد؛ بأيِّهما نثق؟"، وطبعتْ منه ستمائة نسخة. فقد أثار هذا الأمر حنق العُمانيين وغضبهم، إلى درجة دفعتْ السلطان فيصل بن تركي أن يطلب من القنصل الأمريكي منع توزيع الكتاب ومصادرة النسخ المتبقية منه وحرقها.

ترِد هذه الحكاية وحكايات أخرى لا تقل عنها تشويقًا في الكتاب المهم "تاريخ الطباعة والمطبوعات العُمانية خلال قرن من الزمن" الصادر عن "مركز ذاكرة عُمان" عام 2015 للباحث العُماني المُجِدّ سلطان بن مبارك الشيباني؛ الذي قدم فيه دراسة شاملة لتاريخ الطباعة في عُمان خلال مائة عام، ابتدأها بالعام 1878م الذي هو تاريخ طباعة أول كتاب عُماني في أوروبا (كتاب "تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار"، لزاهر بن سعيد النخلي، الذي طُبِع في لندن بإشراف الصحفي لويس صابُنجي)، وختمها بالعام 1977 الذي صدر فيه أول كتاب مطبوع عن وزارة التراث القومي، معتبرًا الباحث صدور هذا الكتاب نقلة نوعية في تاريخ الطباعة العُمانية، "إذ تتابعتْ فيما بعد مطبوعات التراث العُماني الصادرة عن الوزارة" التي ظلت –أي الوزارة- "عنوانًا للمطبوعات العُمانية فترة من الزمن".

بين ذينك العامين رصد الشيباني باستفاضة المطبوعات العُمانية في كافة أنحاء العالم، مبتدئًا بأوروبا ودور المستشرقين في طباعة العديد من الكتب العُمانية، ومن هؤلاء ذَكَر الباحثُ المستشرقين الألمان: فريتز كرنكو، وهنري فوستنفلد، وهاينريش توربكه وبرنهارت مورتس، وهيدفيج كلاين، والمستشرقَيْن الإنجليزيَيْن وليم رايت، وجورج بيرسي بادجر، والفرنسي جبرييل فيرّان، مارَا على المطبوعات العُمانية في مصر، وبلاد الشام، والمغرب، والجزيرة العربية واليابان والهند وشرق آسيا، مُسمِّيًا الكتب العُمانية التي طُبِعتْ، والمطابع التي أسهمت في نشرها، والشخصيات التي أشرفت على تحقيقها وتصحيحها، وأولئك الذين مولوا طباعتها وتوزيعها، دون أن يغفل التعريج على المطابع العُمانية التي احتضنتْها مسقط قديما (كمطبعة الإرسالية الآنف ذكرها)، أو حديثًا كمطابع "مزون" و"العقيدة" و"الألوان الحديثة" و"المطابع العالمية"، إضافة إلى المطابع التي اضطلعت بطباعة الكتب العُمانية في زنجبار كـ"النجاح" و"الفلق" و"جازيت الشانبة" و"النهضة"، و"مونجوزي"، وطبعًا رائدة هذه المطابع كلها؛ المطبعة السلطانية في زنجبار.

هذه المطبعة الأخيرة يسرد الباحث قصة إنشائها، وهي أنها "كانت إحدى ثمرات سياحة سلطان زنجبار برغش بن سعيد بن سلطان في أوروبا ومصر سنة 1877م، فإنه رأى ما عليه المطابع في بلاد مصر والشام فعزم على إدخالها في بلاده"، لذلك "ابتاع مطبعة مجهّزة بكل اللوازم من مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت، واستقدم لها عُمّالا لبنانيين من عُمّالهم لأجل إدارتها وتشغيلها، وكلف بعض مشايخ العلم المعتنين بالتراث بعملية الإشراف على الطباعة، ومراجعة الكتب وتصحيحها"، وقد ظلت هذه المطبعة قائمة في عهد سلاطين زنجبار الذين جاؤوا بعد برغش حتى نهاية الحكم العُماني لزنجبار سنة 1964م.

في الجزء الأخير من الكتاب خصص المؤلف بابًا لجهود الأفراد في طباعة الكتب، خاصًّا بالذكر الشيخ سالم بن حمود الرواحي، الذي يُلفت النظر فيما سرده عنه الشيباني أنه لم يكن مؤلفَ كتب أو صاحبَ مطبعة، لكنه مع ذلك سخر أمواله لدعم مسيرة الحركة العلمية في زنجبار وعُمان بتمويله طباعة عشرات الكتب العُمانية، وقد حذا أولاده حذوه من بعده. وإذا كان الباحث قد تعمّد تخصيص هذا الباب ليحفِّز أثرياء هذا الزمان على دعم الثقافة ونشر الكتب، كما يقول، فإننا نشد على يديه في ذلك، دون أن يعني هذا إنكار أن عددًا من هؤلاء، يضطلعون بالفعل بدور مهم في دعم الثقافة العُمانية، منهم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي الذي طُبِع كتاب "تاريخ الطباعة والمطبوعات العُمانية عبر قرن من الزمن" بدعم منه، فظهر في إخراج أنيق، وبتجليد فاخر، وورق مصقول، وصور ملونة للشخصيات وأغلفة الكتب والمطابع الوارد ذكرها في هذا الكتاب، وهو ما أضفى على جمال المضمون جمالَ الشكل أيضا.