دلشاد.. والدراما العمانية

02 أبريل 2023
02 أبريل 2023

في كل شهر رمضان المبارك يحدث الجدل الكبير تجاه الدراما العمانية التي ينتظرها الكثير من أفراد المجتمع المتعطشين لكل جديد كون الدراما العمانية من المفترض أن تلامس قضاياهم أو رغبتهم برؤية عمل رفيع ينافس الأعمال الخليجية.

أنا هنا لست ناقدا فنيا لأستطيع أن أضع رأيا فنيا تجاه مسلسل «منا وفينا» والذي عملت على إنتاجه وزارة الإعلام هذا العام بوجود مجموعة من الممثلين الكبار الذين عرفناهم منذ أن كنا صغارا ونحن نتسمر أمام ذلك التلفزيون العتيق في حارتنا.

كانت الفضائيات لا توجد لدينا وكل ما يبثه تلفزيون سلطنة عمان بالنسبة لنا رائع للغاية كونه عالمنا الذي من خلاله خرجنا من حدود حارتنا إلى عالم آخر من القصص والحكايات والمسلسلات والرسوم المتحركة والمسرحيات.

أتذكر جيدا كيف كنا نجلس جميعنا كعائلة لمشاهدة مسلسل سعيد وسعيدة المحلي أو الشايب خلف، أو مسلسل أحلام أبو الهنا السوري الذي كان من بطولة دريد لحام أو بطولات روح الصفدي في صحرائه.

هنا العديد من الأعمال والمسلسلات التي كانت تشدنا كثيرا، حتى شاهدنا مسلسل عمان في التاريخ، وذلك المسلسل العماني الذي أحبه جدا ( دروب )..

ولكن لماذا نرى اليوم كل هذا النقد على الأعمال العمانية التي تم عرضها آخر 6 سنوات؟!

هل كانت المقارنات بيننا وبين الآخرين لها دور في ذلك وبالأخص اتجاه النص والإخراج الذي يراوح نفسه بسبب وجود نفس المخرج تقريبا في كل عام من شهر رمضان؟!

أليس من الطبيعي جدا حينما تستقطب الوجوه نفسها والمخرج نفسه ستجد أن المحصلة بالتجديد بطيئة للغاية؟!

فالمخرج مثلا له النظرة نفسها والرؤية نفسها في كل عام لدرجة أنك لو أتيت بحلقات من العام المنصرم ومزجتها بعشوائية في عمل هذا العام ستتفاجأ بتناسق الحلقات مع بعضها ولن تشعر بربكة كبيرة في اختلاف نفس النسق بالتمثيل والتصوير وأسلوب الفنان الذي لا يشعرك بالصدمة والتجديد.

نعم الجهد كبير لإخراج هذا العمل، ومثلما قال الفنان صالح زعل قبل أيام في تصريحه لإذاعة الوصال بأن العالم من حولنا يصرف الملايين من الريالات من أجل مسلسلاتهم، ونحن فقط مسلسل واحد في رمضان وتطالبون بوقفه؟!

استهجان الفنان صالح زعل ليس مستغربا، فهو في الأخير أحد أبطال العمل ومن حقه الطبيعي أن يدافع عن مبدأ استمرارية إنتاج المسلسلات العمانية.

ولكن أتذكر هنا كذلك وقبل عدة سنوات مقابلة مع الإعلامي المخضرم أ. محمد المرجبي في إذاعة سلطنة عمان حينما تم سؤاله عن حال الدراما العمانية فقال بأننا وجب علينا أن نتوقف ولو لخمس سنوات ولكن خلال هذه السنوات وجب علينا تنفيذ عمل عماني قوي للغاية يليق وينافس الأعمال العربية.

وهنا أتفق تماما مع المرجبي كونه لا يبحث عن الكم بل عن النوع الذي يجب أن يمثل الدراما العمانية نصا وإخراجا وتمثيلا.

وأما من ناحية النص فلدينا كتاب رائعون للغاية، ولأضرب لكم هنا مثال نص رواية دلشاد التي كتبتها الروائية العمانية بشرى خلفان، هذه الرواية التي دخلت تنافس في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر2022م، وفازت بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الثامنة لأنها رواية رائعة في الموضوع وجمالية النص وهي تصف لك تلك المشاهد والأحداث المتعلقة بشخصيات الرواية التي عاشت في حارات مدينة مسقط القديمة وكيف كانت هي الحياة الاجتماعية السائدة في تلك الفترة من تاريخ عمان وكيف أن تقلبات القدر غيرت من حياة الشخصيات المشار إليها في الرواية كل على حدة رغم ترابطهم في السرد بشكل رشيق ومبهر.

لقد أصبحت رواية دلشاد التي تمثل بواقعية حياة العمانيين في الزمان التي تشير إليه من أشهر الروايات المتداولة على مستوى الخليج والوطن العربي، وقد وصلت حسبما أذكر للطبعة السابعة نتيجة نفاد الطبعات السابقة للإقبال الكبير عليها.

هنا تجدون نصا عميقا وقويا لكاتبة عمانية أصبح لها شأن عربي في مجال الرواية وبكل قوة، وهنا أستطيع أن أقول لكم لو تخيلنا فرضا أن رواية دلشاد أصبحت مشروعا وطنيا تتبناه وزارة الإعلام كمثال لإنتاج مسلسل ضخم يحاكي واقع الرواية وبالتعاون مع الخبرات الفنية التي سنستفيد منها في الإخراج والتنفيذ، بعدما نتريث مثلما قال المرجبي لنحاول صناعة مسلسل عماني يحمل نصا قويا نشتغل عليه بكل هدوء واحتراف لخرجنا بعمل يليق تماما بتطلعاتنا.

هنا أضرب لكم مثالا حيا لقوة النصوص التي توجد بيننا ولم تستثمر حتى الآن بعمل بصري مدهش، لأننا ما زلنا ندور حول نفس الكتاب والمخرجين والممثلين مع إضافة بعض الوجوه التي اشتهرت في وسائل التواصل الاجتماعي!

أن تعمل بهدوء وتروٍ لتصنع عملا تجابه به الأعمال العربية أفضل بكثير من الاستعجال في كل عام لإنتاج مسلسل لرمضان يقول أصحابه انتظروا الحلقات القادمة ليصبح أقوى!

وسؤالي المنطقي لماذا لا يبدأ العمل قويا أصلا؟!

لماذا ننتظر حلقات وحلقات؟!

ما المانع من أن نبدأ بقوة ودهشة؟!

نصر البوسعيدي كاتب عماني