" السيكل" ذو الفائدة والمقاهي العمانية الطابع
" السيكل كله فايدة" هذه العبارة سمعتها في الراديو من لسان طالب بكلية الطب بجامعة السلطان قابوس، وسبب اللقاء معه ذهابه إلى الجامعة بدراجة هوائية.
تخلى الشاب عن خجله وقرر أن يقود الدراجة بحرية، كانت البداية مع بشائر الفجر الأولى لأن عدد المارين يكون أقل، ولكن مع تقدم الوقت صار الأمر معتادا أن يرى الناس شابا (يخوض الهواء) بدراجته الهوائية، حرا طليقا وسط حصار الزحمة. بل فوق ذلك وجد مشجعين، و(مغردين) ثم لقاء إذاعيا، أبان فيه عن ذكاء وقاد وروح متفائلة.
ربما سنشهد في غضون أيام مقبلة قافلة من سائقي الدراجات الهوائية يجوبون الشوارع بحرية، بل منهم من سيذهب - ولم لا- إلى عمله بهذه الواسطة التنقلية الرشيقة.
يمكنك الآن أن تتجول في شوارع الخوض والحيل لترى مقاهي عمانية، يقوم بالخدمة فيها شباب وهم من يديرونها. مثلا مقهى اسمه "ماي سبيس" اعتدت أن أرتاده، وهو مثال لمقاه عديدة أصبحت تدار بأياد عمانية وبعقل عماني أيضا. مثلا هناك مطعم اسمه "الغنائم" يقدم وجبات ثقيلة وخفيفة، الجميل أن ما يقدمه من غذاء يشرف عليه أصحابه بأنفسهم، هم كذلك من يقدمون الصحون ويرفعونها بعد انتهاء الطعام. يشرفون كذلك على أناقته ونظافته الواضحة، فتجده في أوقات الإجازات مزدحما، بل عليك أن تنتظر دورك جالسا.
وبالنسبة للمقاهي التي تقدم القهوة والشاي بأنواعهما و(قبائلها البرازيلية والتركية والسيلانية) هي كذلك تصنع حتى الكيك ضمن مواصفات خاصة. مثلا في مقهى " ماي سبيس" - سالف الذكر - يصنعون بأنفسهم كيكا يطلقون عليه "كيتو" مصنوع من طحين أسمر، وهناك آخر مصنوع من التمر العماني. يراعون بالتالي في صناعتهم الخاصة للحلويات الشروط الصحية. كما أن هذا المقهى يزخر بالرواد وتوجد به مكتبة تجد فيها روايات حديثة ومعاجم إلى جانب مجلدات في التراث العربي الأدبي. ستجد كذلك أن الذي يقدم لك القهوة شاب عماني ، وهو أحد ملاك المقهى وشركائه، يرتدي لباسا عصريا، وبذلك يكون الشباب قد تجاوزوا خجلهم وتخلو عن العادة السيئة بالاعتماد على الوافد في كل صغيرة كبيرة، وهو ما كان يحدث - للأسف - في الأعوام بل والعقود السابقة. بينما هذه الظاهرة في أن يعتمد العماني على نفسه في كل شيء ولا يخجل من ممارسة عمله الشريف، يترك انطباعا جميلا مفاده أن الشاب العماني لا علاقة له بما سمي بالنفور الخليجي من الأعمال البسيطة، فطالما أنه من يمتلك المكان فلماذا لا يقوم بنفسه بخدمة زبائنه وخلق تواصل طبيعي معهم. هناك كذلك بعض المقاهي التي بدأت تنتشر وهي تشغل الطلبة فيها بأوقات مستقطعة، وهذا أمر حميد تجده منتشرا في الدول المتقدمة كثيرا، بأن يعتمد الطالب قدر الإمكان على نفسه في تدبر مصروف جيبه حتى يتخرج ويدخل سوق العمل، ويكون بذلك قد جرب مجموعة من الأعمال كما أنه اكتسب خبرات عديدة في الحياة وكسر حدود الخجل من العمل البسيط واليدوي بأنواعه .
منذ أيام قرأت كتاب " قهوة في كل لقاء" وهو من إصدار دار نثر العمانية. كتاب ممتع لأنه يتجول عبر كتابه تجربة المقاهي وقد ساهم فيه كتاب عمانيين وعرب، بل إن أحد كتابه كان سبق وأن عمل نادلا في مقهى عماني يطلق عليه " هوم لند" موجود حتى الآن في منطقة المعبيلة الثامنة وبه كذلك مكتبة متجددة.
هناك ذاكرة طويلة للمقاهي وروادها، شخصيا من محبي المقاهي، سواء في الخوض والحيل أو في المركز التجاري الكبير في المعبيلة، ولكني لم أجد شبابا عمانيين يعملون فيه إلا في هذه الفترة، حيث إن الشاب العماني ونظرا لثقافته وتربيته يهتم كثيرا بنظافة المكان بكل تفاصيله، وأصبحت أراقبهم من بعيد وهم ينظفون بدقة كل شيء بل ويحرصون على أن يكون المكان ناصعا وأنيقا وفي جميع الأوقات. يفتحون المقاهي في الصباح الباكر ويغلقونها قبل منتصف الليل بنصف ساعة تقريبا. لذلك يظل الجالس وهو يقضي معظم مشاغله في هدوء وعزلة، خاصة إذا كان يقرأ كتابا أو يعالج أمرا مكتبيا يخصه، كما أن العديد من الطلبة يأتون لكي ينجزوا فروضهم. المقاهي كذلك تكون مكانا مثاليا للقاءات الأصدقاء وتبادل الأحاديث وللعزلة والتأمل .
.
