66
66
ولايات

سوق الصنصرة بنزوى.. علامة على المكان وتحولاته المستمرة

09 أبريل 2021
09 أبريل 2021

روح الشرق تفوح من بين جنباته -

كتب - هلال السليماني -

للأسواق العمانية التقليدية التي تدبّ فيها الحياة كل صباح حكايات تقرأها في وجوه الباعة والمرتادين لهذه الأسواق، حكاية الزمن ممزوجة برائحة الزعفران والهيل والقهوة ونكهة البهارات مع صوت الدلال وهو يمر في دروب السوق حاملا الخناجر والبنادق التقليدية والسيوف. مشاهد نسيها الزمن أو تناساها لكنها تتكرر هنا كل صباح في السوق الشرقي أو سوق «الصنصرة» الذي يعد واحدا من مكونات سوق ولاية نزوى بطابعه الشرقي المتميز في أسلوب البيع والشراء والعرض بل وفي نمط البناء ومواعيد الفتح والإغلاق التي لم تتغير رغم تحولات الزمن.

السوق بكل تفاصيله ذاكرة حية وشريان حياة للعديد من الأنشطة والفعاليات الاقتصادية التي تحدث كل يوم. وآثر العديد من المشتغلين بالتجارة الحفاظ على هذا الموروث وما يمثله من مصدر للرزق من خلال هذه الأسواق التقليدية. وبالتجوال في فضاء نزوى الواسع وسوقها الذي يضج بالحركة تحت حراسة القلعة الشهباء والجامع التقيت بأحمد بن عبد الله العامري هو وإخوانه وأبناؤه الذين يشتغلون في هذا السوق منذ أكثر من 25 عاما. استلم الراية عن أبيه وأورثها أبناءه في تعاقب واضح للأجيال.

والسوق الشرقي «الصنصرة» واحد من مكونات سوق نزوى مازال شاهدا حيا على نموذج الأسواق العمانية التقليدية بنمطها وأسلوبها وبتنوع البضاعة فيها وخاصة المنتجات المحلية كان ولا يزال منذ عشرات السنين يضج بالحركة تفتح بواباته في السابعة صباحا وتغلق في الثانية عشرة والربع لأداء صلاة الظهر ويعاد فتحها بعد صلاة العصر وتغلق عند أذان المغرب، نظام لم يتبدل منذ سنين يعرفه كل من يتردد على ولاية نزوى، إنها رحلة في المكان المعطر برائحة الزمن. الوجوه تبدلت كان هنا الحراصي الذي غادر الحياة مؤخرا والزكواني الأب هو الآخر تخلى عن مكانه والوالد عبدالله العامري وأخوه -رحمهم الله- رحلوا وبقي الأبناء والأحفاد ليكملوا المسيرة. التقيت بأحمد بن عبدالله العامري وابنه مصطفى كل في دكانه. أحمد تقاعد مبكرا وتفرغ للتجارة مع أبيه. تحدث أحمد قائلا: كنت مع والدي منذ الثمانينيات وأنا أساعده في البيع والشراء في هذا السوق، كنا نبيع كافة المنتجات المحلية كالسكر الأحمر المحلي والعسل والسمن العماني والتمور وغيرها من المحاصيل الزراعية التي تأتينا من ولايات المحافظة، ولدينا زبائن من الولايات القريبة ومن الشرقية والوسطى. يضيف أحمد العامري: تشرّبت التجارة منذ الصغر، فقد استهوتني كثيرا، وتقاعدت مبكرا من وظيفتي الحكومية في وزارة التجارة والصناعة (سابقا) في عام 1996 م وتفرغت للتجارة في هذا السوق بسبب تعلقي بالتجارة. يواصل العامري حديثه قائلا: السوق الشرقي لم ينل حظه من الترميم كباقي الأماكن في هذا السوق لكنه ظل محافظا على نمطه التقليدي في العمران وله مرتادوه من المواطنين العمانيين ومن السياح الأجانب الذين يبحثون عن مختلف أنواع المنتجات المحلية من العطور، كماء الورد الجبلي والزيوت العطرية كزيت الشوع وغيرها من المنتجات العمانية كالعسل والدبس والسمن والسكر الأحمر والتمور وغيرها.

وعن تطوير التجارة يتحدث ابنه مصطفى عن تجربته يقول بعد التخرج من الكلية التقنية بنزوى تخصص هندسة عام 2017م : آثرت العمل مع والدي في التجارة وفتحت لي محلا في هذا السوق بجانب والدي أبيع فيه مختلف أنواع العطور ومستخلصات الأعشاب وغيرها من الأدوات الزراعية.

يقول مصطفى: لم أبحث عن وظيفة خارج التجارة لأني وجدت نفسي في الأعمال الحرة وخاصة في هذا المكان من السوق، لدي زبائني الذين يترددون على المكان باستمرار. نفتح المحل كل صباح مع بداية النشاط والحركة ونبيع البهارات والعطور والأعشاب، تكثر الحركة أيام الإجازات وفي المواسم السياحية المعتادة في السلطنة وخاصة في فصل الشتاء لكن بسبب جائحة كورونا قل مرتادو السوق قليلا لكن المشتري العماني موجود ويعوض هذا الفاقد من البيع.

السوق علامة من علامات المكان كما هي الأسواق في الشرق، تتغير الأزمنة ولكن المكان يبقى علامة شاهدة على كل التحولات التي تجري. وتطور البضائع علامة أخرى على المتغيرات في متطلبات البشر.

وسوق «الصنصرة» باق هنا شاهدا صادقا وأمينا على كل المتغيرات التي حدثت من حوله.