image8
image8
منوعات

هل سيعيد التنافس الدرامي مجد الكوميديا الخليجية ؟

21 يونيو 2021
مع غياب "كوميديا الموقف" وارتجال الفنان
21 يونيو 2021

المتتبع لخارطة الدراما الخليجية مؤخرا يجد أنها مالت كثيرا نحو الكوميديا، وأوشكت أن تخفي أثر ما سواها من ألوان العمل الدرامي، ورغم أننا لا يمكن أن نطلق أحكاما عامة على تلك الأعمال، إلا أننا يمكن أن نتلمس من خلال هذا الميلان الواضح هدفا قد لا يمكن إغفاله، وحكمة فنية هدفها المشاهد دون سواه.

ولعلّ الهدف الأول والأساسي هو الرغبة في استعادة مجد الكوميديا الدرامية، والتي كانت وهجا في سبعينيات وثمانينيات وحتى بداية تسعينيات القرن الماضي، والسير على نهج تلك المرحلة هو دون شك سبيل نحو النجاح، مهما اختلفنا على المضمون والمحتوى.

يأخذنا سياق الحديث للعودة إلى الإرشيف، حيث فترة الازدهار في الدراما الكوميدية، والتي كان يقودها الفنان الراحل "عبدالحسين عبد الرضا"، الذي رحل تاركا نجوم الفن في هذه المرحلة يتحاربون أيهم يتولى عرش الكوميديا من بعده، ورغم كثرة المحاولات إلا أنها لن تبلغ مقام عبدالحسين، فقد قاد الدراما الكوميدية الخليجية بحنكة، واجتمع مع كبار الفنانين ليخرج بتلك الأعمال التي تخلد في ذاكرة كل متابع للدراما الخليجية، ولعلّ أول وأبرز تلك الأعمال "درب الزلق"، الذي أنتج في عام ١٩٧٧م، وشارك في بطولته إلى جانب عبدالحسين عبدالرضا كل من: خالد النفيسي، وسعد الفرج، وعبدالعزيز النمش، وعلي المفيدي، وهو المسلسل الذي حقق نجاحا باهرا، واستولى على اهتمام المشاهد الخليجي والعربي نتيجة التلقائية والعفوية التي كانت في معظم مشاهد العمل، الذي قال عنه نجومه إن أغلب الحوارات فيه ما هي إلا وليدة الموقف، لم يحتوِ السيناريو على كل تلك الحوارات التي عرضت في العمل، كما اعتمد المخرج على تصوير المشهد مرة واحدة فقط دون إعادة، وهو ما يتضح عدم قدرة الممثلين أحيانا على حجب الضحكة أو الابتسامة الحقيقية في المشهد.

وتتالت إنجازات عبدالحسين عبدالرضا بعدد من الأعمال برز منها مسلسل "درس خصوصي" من إنتاج عام ١٩٨١م، شاركه البطولة كل من سعاد عبدالله وحياة الفهد، ومريم الصالح، وإبراهيم الصلال.

وفي مقابل نجاحات عبدالحسين، أصبح صوت الكوميديا عاليا في تلك الفترة، فاختار غانم الصالح، وسعاد عبدالله، وحياة الفهد، أن يدخلوا في السباق أيضا، وقدموا مسلسل "خرج ولم يعد" الذي أنتج عام، " ١٩٨٢

ومن تلك الأعمال الخالدة في إرشيف الكوميديا "خالتي قماشة" وهي أيضا تعاون الثلاثة في مسلسل خرج ولم يعد، إضافة إلى مشاركة كل من خالد النفيسي، وعلي المفيدي، ومريم الصالح، ومريم الغضبان وآخرون، ليستمر بذلك درب النجاح الكوميدي بالتقاء "سعاد وحياة" على بطولة درامية كوميدية جديدة، لإثبات أن الاجتماع لا يولد إلا إبداعا، وهو ما جعل ذائقة الجمهور الخليجي تطرب وتتشوق لكل جديد مع هؤلاء النجوم، ومن ضمن أعمال "سعاد وحياة وغانم"، رقية وسبيكة في ١٩٨٦، ومسلسل على الدنيا السلام في ١٩٨٧م.

ونحو طريق الكوميديا عاد عبدالحسين عبدالرضا للشاشة الكوميدية بعد توقف، ليقدم بداية التسعينيات مسلسل "قاصد الخير" ليخلف بعفويته وخفة دمه وأسلوبه المرتجل المعتاد حصارا عنيفا على عرش الكوميديا بدوره "بو ردح"، ورغم الظهور المميز للفنان محمد المنصور في سليمان الطيب عام ١٩٩٣، واجتماعه مع توأمي الفن الخليجي "حياة وسعاد"، إلا أن ذلك لم يوقف عبدالحسين من الظهور لاحقا في أعمال كوميدية، ويترك لمسته المميزة للفن الكوميدي عبر الشاشات في مسلسل "زمان الإسكافي/١٩٩٨"، ومسلسل "سوق المقاصيص/ ٢٠٠٠"، ومسلسل "الحيالة/ ٢٠٠٣".

ومن الأعمال الكوميدية التي تحسب للنجاحات الخليجية في الدراما الكوميدية سلسلة أجزاء المسلسل السعودي "طاش ما طاش"، الذي أسس نقلة نوعية لظهور نجوم المملكة العربية السعودية منذ انطلاقه في عام ١٩٩٣م، بقيادة النجمين عبدالله السدحان وناصر القصبي، والمخرج الذي رحل مؤخرا عبدالخالق الغانم، واستمر هذا العمل حتى جزئه الثامن عشر في ٢٠١١م، يناقش قضايا المجتمع السعودي بقالب فكاهي.

ومع افتراق كبار فناني الكوميديا الخليجية، وغياب الآخر عن الساحة، مالت الدراما الخليجية للتراجيديا، وبرزت الأخيرة على الكوميديا، كونها الأقرب للواقع، وبقيت الكوميديا رهن إشارة الخشبة السمراء، وقلما كانت الأعمال الرمضانية تشهد تقديم الكوميديا البحتة في مضمونها.

مؤخرا أصبح للكوميديا صوت "طارق العلي"، وحضور " حسن البلام"، ووجود "عبدالناصر درويش"، في محاولات جادة لإعادة وهج زمن الكوميديا الدرامية الناجحة، ويبدو أن الجمهور الخليجي فعلا يبحث عن هذا اللون مهما اختلفت سماته عن السابق، ولكن العمل الذي يعالج القضايا بطريقة كوميدية أقرب للمشاهد من ذلك الذي يعالجها بالدراما التراجيدية الواقعية.

ومما لا يمكن نكرانه حقيقة أن أعمال رمضان الماضي كان معظمها كوميديا، وشارك في بطولتها ابرز نجوم الساحة الخليجية، فيها ظهور مميز للفنان عبدالرحمن العقل، وعودة داوود حسين للكوميديا بعد توقف، وبطولة مطلقة لنجمي "طاش ما طاش" عبدالله السدحان وناصر القصبي، وأعمال أخرى مالت للكوميديا رغم قضاياها الاجتماعية، وهو ما جعل اتجاها جديدا يختاره بعض نجوم الخليج للعمل الدرامي.

ورغم أن سرد تاريخ الدراما الكوميدية في الخليج يحتاج إلى تفاصيل أكبر، إلا أنها لمسات خفيفة لذاكرة المتابعين، نحو استعادة تاريخ وهاج، لا يمكن مقارنته بما يعرض اليوم، فهناك وفرة في الإنتاج وضعف في المحتوى وقلة في المضمون، فمعظمها يعتمد على المفارقة، ويغفل عن تحقيق كوميديا الموقف، وقد تحتاج الكوميديا كسابق عهدها اجتماع عدد أكبر من النجوم في عمل واحد، فالكوميديا لا يمكن أن تتحقق إن حكرت على وجه واحد في العمل، وتسيد المواقف والمشاهد في المسلسل لا يعني بأنك حققت الرسالة الدرامية، بل هو حب ظهور على حساب الآخر، والكوميديا -بالذات- تحتاج توافقا وتفاهما بين طاقم العمل لتخرج بكل عفوية للمشاهد، وتلامس فيه بتلقائيتها ذائقة المشاهد.