No Image
منوعات

منتصر القفاش: الأزمات مهما كانت لا تمنع أبطالي من الاستمتاع بأيامهم!

04 أغسطس 2023
يرى أن مجموعته تشبه ألبوم صور:
04 أغسطس 2023

* استدعاء الذكريات ليس مرتبطاً دائماً بالحنين إلى الماضي

* ترتيب القصص من الأشياء التي أنشغل بها وقتاً طويلاً

* أهتم دائماً بالكتابة عن شخصيات تبدو عادية لكنها تملك حكاية غريبة

* وصولي إلى عامي الستين يذكرني بعظماء تدفقوا بالكتابة في نفس عمري

* قراءة محفوظ وساراماجو وكونديرا وأصلان يمنحني طاقة إيجابية

* ازددت حباً لشخصيات القصص واقتربت منها وتعرفت عليها أكثر أثناء الكتابة

* بداية النص هي ما يحدد إذا كان العمل سيمضي في طريق القصة أو الرواية

* الأصدقاء هم ونس الدنيا وظهوري على الفيسبوك معناه حاجتي إلى تواصل أكبر

يُعدُّ منتصر القفاش واحداً من أهم كتَّاب جيل التسعينيات في مصر، الجيل الذي أخذ على عاتقه مهمة تجديد الكتابة، وقد كان يُنظر إلى أبنائه حتى سنوات قريبة ماضية باعتبارهم شباباً، ولكنهم أصبحوا الآن على مشارف الستين من أعمارهم، وجاء بعدهم أكثر من جيل.. فكيف ينظر منتصر القفاش إلى لعبة الزمن هذه؟

يملك منتصر ثلاث روايات هي "تصريح بالغياب" و"أن ترى الآن" و"مسألة وقت"، وخمس مجموعات قصصية هي"نسيج الأسماء"، "السرائر"، "شخص غير مقصود"، "في مستوى النظر" وأخيراً "بصورة مفاجئة". وإن مالت الكفة قليلاً نحو القصة لكن لا يمكن اعتبار الميزان مختلاً عنده، فلا طغيان كامل لنوع على نوع آخر، وقد أحرز نجاحاً في الاثنين، وحصل على عدة جوائز عنهما، مثل جائزة ساويرس (مرتين) وجائزة الدولة التشجيعية.

في هذا الحوار يتحدث منتصر عن مجموعته الجديدة "بصورة مفاجئة" كما يتحدث عن علاقة "الكاتب والقارئ" المتبادلة، التي تجمعه بزوجته الشاعرة المصرية عبير عبد العزيز، وكذلك ما الذي منحته إليه الأبوة ككاتب وإنسان.

مجموعتك "بصورة مفاجئة" تستدعي ذكرياتٍ ويغلب عليها الحنينُ إلى زمن طفولة وصبا الرواي في معظم القصص، وهذا جعل معظم أحداثها تدور في الماضي، أما اللحظة الحاضرة فكانت هي اللحظة التي يظهرُ الراوي كبيراً ليعلِّق أو يتساءل.. ألم تقلقك فكرة سيطرة الزمن الماضي على القصص أثناء الكتابة؟

استدعاء الذكريات ليس مرتبطاً دائماً بالحنين إلى زمن مضى، بل الأهم أن تتضمن تلك الذكريات ما يستحق إعادة النظر فيه، وترتبط بأسئلة واحتياجات تخص اللحظة الحاضرة، ويمكن القول إذا جاز التعبير أن الماضي في القصص لم يمض بعد، لآنه لا تزال فيه لحظات أو تجارب تؤثر في الحاضر وتشتبك معه حتى الآن. والماضي قادر على مفاجأتنا بطرق أو بصور عديدة من خلال تكشُّف سرٍ ما يعيد إحياء حكاية ظننا أنها انتهت، أو في اكتمال حدث بعد مرور سنوات، أو تذكر لحظة عابرة لم نتوقف عندها من قبل وتشدنا إلى التفكير فيها وما تثيره من ذكريات ربما حدثت في أوقات متباينة.

لا يوجد صراع كبير في المجموعة، ولا توجد أزمات ضخمة، فالقصص تصطاد لحظات ممتعة من عالم الأبطال، الأب وخطاباته إلى أصدقائه وكذلك خطته الطفولية للنيل من منافسه على قلب امرأة، الجدة وأحلامها، ابن العم وأجندته، الجارة ولوحاتها، الصديق و"بنطلوناته القصيرة" أو سمِّها: المتآكلة، إلخ، هل انتبهت إلى عدم وجود الصراع وأنت تعيش عالم المجموعة؟

القصص التي أشرت إليها يعيش أبطالها صراعاتٍ لكن من دون أن يجعلونها تقصي أو تطمس جوانب شخصياتهم الأخرى، يخوضون صراعاتهم باعتبارها جزءاً من الحياة وليست كل ما فيها، الأزمات مهما كانت لا تمنعهم من الاستمتاع بأيامهم، في قصة "مشروع جريمة" مثلاً نتعرف على صراع الأب مع زميل استطاع الزواج من حبيبة القلب، لكننا في الوقت نفسه نتعرف على طقوس الأب في كتابة الرسائل ومسوداتها، وحبه للشعر ونظمه، وعلاقته مع الأصدقاء.

وربما ما يجمع أبطال القصص أن طريقتهم في خوض الصراع غير متوقعة أو غريبة لأنهم لم يختاروا بإرادتهم هذا الصراع بل أُرغموا عليه من دون أي استعداد، مثل بطل قصة "صديقي". وتكشف القصة الأولى "كان يا ما كان.. تلك الحرب" منذ البداية أن الصراعات في الكتاب لا تُحدث دوياً وانفجارات وأنها قد تكون مجرد "لعبة حرب" بين طفلين تترك أثراً في شخصية كل منهما، حيث يظلان يتصارعان حتى بعد سنوات على مرور الواقعة، من خلال حكيها بطريقتين مختلفتين.

بدأت بقصص قصيرة جداً، كأنها "الدوزنة" ثم كبرت القصص قليلاً كأن العزف بدأ.. ما تعليقك؟

أتفق مع رأيك، وأسعد به، لأن ترتيب القصص في الكتاب من الأشياء التي أنشغل بها وقتاً طويلاً، والترتيب من العوامل التي تحقق ما أحب أن أسميه الكتاب القصصي، بحيث يرى القارئ في النهاية – كما رأيت – أن هناك بناء يحكم الكتاب، وأن هناك إيقاعاً يتصاعد كلما تقدم في القراءة، فالقصص في بداية الكتاب تقدم عدداً من العناصر والثيمات التي تتسع بعد ذلك ويتم إظهار وجوه أخرى لها، وربما يتضح ذلك في قصة "من صندوق اللعب" المكونة من قصص قصيرة جداً تهيئ القارئ لشخصيات أو تجارب ستظهر فيما بعد، بالإضافة إلى تأكيدها على فكرة "اللعب" سواء في حياة الكبار أو الصغار التي تشمل الكتاب كله.

هل يمكن اعتبار هذه المجموعة أشبه بألبوم صور؟

ذكرني سؤالك بنهاية قصة "الملاكم"، حيث يرى الجد في المنام أن الملاكم يهديه ألبوم صور تجمعهما معاً داخل حلبة الملاكمة. ممكن رؤية المجموعة كأنها ألبوم صور من هذه الزاوية، فصورة أو صور الشخصية تقع في منطقة بين الحلم والواقع، بين ما كانت عليه الشخصية وما ظلت ترغب فيه وتتمناه، صور تم التقاطها في استديو تصوير تتخيله هذه الشخصيات.

رغم أن الأبطال في منتهى البساطة إلا أن كلاً منهم كانت لديه أسطورته الخاصة.. كيف حضَّرت لذلك؟

على مدار كتابتي انشغلت بالكتابة عن شخصيات تبدو بسيطة، عادية، لكنها تملك حكاية غريبة أو أسطورة تكبر وتتسع داخلها بمرور الأيام، والرهان دائماً في كتابة شخصية مثل هذه هو ضبط الإيقاع بين عاديتها التي تبدو عليها وحكايتها الغريبة بحيث لا يكون البُعدان منفصلين بل يتعايشان معاً ويفضي كل منهما إلى الآخر.

ما الذي جعل هذه المجموعة تتأخر حتى بلوغك الستين تقريباً؟ هل يحتاج الكاتب إلى زمن حتى يرى طفولته وصباه بشكل أفضل؟

في معظم مجموعاتي القصصية هناك قصص تحكي عن عالم الطفولة والصبا، فالمسألة لا ترتبط دائماً بمرور زمن طويل على هذه المرحلة بل بمجيء لحظة تظهر فيها ذكرى ما أو تفاصيل تنتمي إلى زمن مضى وتظل تلح عليَّ مهما كنت مشغولاً، إلحاح هذه الذكرى علامة على أن هناك حكاية ما حان وقت ظهورها، وستكشف عن نفسها أثناء الكتابة.

مثلاً، ذكرياتي عن الخطابات التي كتبها أبي ومسوداتها وكتابته خواطر وأبيات شعر وآيات قرآنية على ظهر أوراق نتيجة الحائط وبراعته في الخط العربي التي ظهرت في قصة "بصورة مفاجئة"، كانت محور قصص في كتابي الثاني "السرائر" الصادر منذ حوالي ثلاثين سنة، ويمكن أن تعاود لحظاتٌ من الماضي كتبتُها في بداياتي الظهور مرة أخرى في نص جديد كأن مرور الزمن أضاف إليها المزيد من التفاصيل أو وضعها في سياق مغاير، لكن قصة "جوهرة" في مجموعتي الجديدة شغلتني فكرتها منذ وقت بعيد من دون أن أعثر على مدخل إليها، وهي تدور حول الدرج السحري في المكتب الذي كان يكتب عليه أبي، وظل يدهشني وأنا صغير وأتخيل الأشياء التي كانت محفوظة فيه. وبعد سنوات طويلة كانت لحظة كتابتي الجمل الأولى في القصة أشبه بانفتاح الدرج السحري أخيرا من تلقاء نفسه وإظهاره ما كان مخبوءاً فيه.

وما الذي يعنيه لك اقترابك من الستين؟

أول شيء يخطر في بالي مبدعون أحبهم وكتبوا أعمالاً مهمة وربما أهم أعمالهم بعد الستين: نجيب محفوظ، ساراماجو، كونديرا، إبراهيم أصلان الذي تدفق في الكتابة في سنواته الأخيرة على غير عادته في معظم حياته. تذكر هؤلاء العظام يمثل طاقة إيجابية ويؤكد أن المهم القدرة على الإبداع في وقتك الحاضر والاستمتاع به بغض النظر عن العمر.

هل اعتمدتَ على ذاكرتك فقط؟ أم أنك لجأت إلى كلام مع أصدقاء أو أقارب لتتذكر بعض التفاصيل؟

ما إن تظهر ملامح الشخصية في القصة حتى تجذب معها تفاصيلها، بعض التفاصيل قد تكون مرتبطة بأحداث عشتها لكن معظمها يخص طبيعة الشخصية وعالمها الذي يتشكل خلال عملية الكتابة. القصص التي تحكي عن الجد أو الجدة في الكتاب بدأت بذكريات شخصية لديَّ، وبينما أكتبها شقت الشخصيتان مساراً مختلفا عن هذه الذكريات، كما لو أنهما اختارا حكي ما كان يمكن أن يحدث في حياتهما أو ما لم أعرفه عنهما.

هل تركت المجموعة لديك نوعاً من الشجن أو الأسى على زمن المحبِّين؟

ازددت حباً لشخصيات القصص، واقتربت منها وتعرفت عليها أكثر أثناء الكتابة، شخصية الخال في قصة "دور شطرنج" بدأت كتابتها ولا أملك سوى نسيانه مواضع الأشياء بعد وفاة زوجته، وتدريجياً تكشفت حكايته، وهو من أكثر الشخصيات التي أحبها في المجموعة وفاجأني تطورها والمسار الذي اتخذته في القصة. وأظن أن هناك شخصيات في الكتاب لم تنته حكاياتها معي وقد تعاود الظهور في عمل قادم.

هناك خيط يشد هذه المجموعة إلى مجموعتك "في مستوى النظر" خاصة في القصة الأخيرة "صوت ما" الذي يسمعُ فيه الراوي صوتاً غريباً من خلف الحوائط.. ما رأيك؟

يشترك الكتابان في أن كلاً منهما يدور في عالم واحد تشكله القصص. "في مستوى النظر" يحكي عن الطابق الأرضي وسكانه، و"بصورة مفاجئة" تدور في محيط عائلي بأسراره والعلاقات بين أفراده وما يمرون به من مفاجآت. كما يشتركان في حضور عالم الطفولة والصبا في كثير من قصصهما، وفي العلاقة بين عالمي الصغار والكبار، وفي غلبة الحكي بضمير المتكلم، وممكن أن أضيف ملاحظتك على أنها مشترك آخر بين الكتابين، فسكان الطابق الأرضي لهم خبرة خاصة مع الأصوات المختلفة الآتية من الشارع وتمثل ملمحاً أساسياً في حياتهم اليومية، وفي قصة "صوت ما" يمر الراوي بتجربة مع صوتٍ، على الرغم من أنه ينبعث في غرفة بشقة فكأنه يأتي من زمن ومكان بعيدين، وهذه القصة تأتي في نهاية الكتاب وتماثل قصة "المشي" في نهاية كتاب "في مستوى النظر" من حيث أن القصتين تجمعان خيوطاً ظهرت خلال القصص، وفي الوقت نفسه تطرحان احتمالات عديدة لنهاية الكتابين.

أيضاً هناك خيط يربط المجموعة بغالبية أعمالك حيث العلاقة بين قاطني البيت الواحد أو بين البيوت المختلفة، دعني أقولها بشكل آخر: إن هذا الخيط هو تأثير المكان القوي على الأشخاص.. ما رأيك؟

هذه ملحوظة مهمة، فالمكان لا يؤثر فقط على الأشخاص بل يمكن اعتباره شخصية رئيسية كما حدث في رواية "تصريح بالغياب"، فالمدرسة العسكرية التي قضى فيها الراوي فترة تجنيده هي بطل هذا العمل حيث تحدد مصائر من فيها وتهددهم في نفس الوقت، و"في مستوى النظر" يصير الطابق الأرضي المركز الذي تنطلق منه الحكايات والأحداث، والقادر على أن يشكل مشاعر وأفكار ساكنيه. وفي "بصورة مفاجئة" نجد الشقة على الرغم من محدوديتها تتسع من خلال حكايات من سكنوا فيها، بل يصير توزيع الغرف فيها محركاً أساسياً للأحداث، ففي قصة "وقائع العثور على اليوميات" نرى ابن العم الذي سُرقت يومياته وكيف أثَّر عليه كثيراً فكرة أن غرفته صارت الممر الرئيسي لأفراد الأسرة والضيوف نحو البلكونة الوحيدة في الشقة. إن من الأشياء التي تلهمني تلك المفارقة: مكان محدود المساحة لكنه غني بما يثيره من حكايات.

متى تجد نفسك مدفوعاً إلى كتابة قصة أو رواية؟

بداية النص هي التي تحدد إذا كان العمل سيمضي في طريق القصة أو الرواية. في رواية "أن ترى الآن" بدأت أكتب الفصل الأول متوقعاً أنه قصة قصيرة، لكن شخصية إبراهيم راحت تتفتح أثناء الكتابة وتكشف عن جوانب وأسئلة وعلاقات دفعتني إلى الاستمرار معها، والتعرف على عالمها الذي صار يتضح تدريجياً من مقطع إلى آخر، وربما هذه من أجمل لحظات الكتابة، حينما تجد الشخصية تصير أكبر مما تتوقع، كأنها كانت تنتظر أن تبدأ في كتابتها لتفاجئك بحكاياتها. وأحب أن أشير إلى أن شكل "الكتاب القصصي" سواء "في مستوى النظر" أو "بصورة مفاجئة" يقع في منطقة بين القصة والرواية، وله جماليات خاصة به تسمح بقراءة القصة على حدة وبإمكانية ترابط القصص مع بعضها البعض لتكون عالماً واحداً.

هل زوجتك الكاتبة عبير عبد العزيز هي أول قرائك؟

هي القارئة الأولى ليس للعمل بعد أن ينتهي فقط، بل أثناء الكتابة أيضاً، ففي أوقات كثيرة أصل إلى جزء في العمل وأشعر بقلق أو حيرة فأسارع إلى معرفة رأي عبير، وتفرق معي جداً الدردشة معها حول هذا الجزء. كما أننا نتبادل موقع القارئ الأول حينما تنتهي من كتابة قصيدة.

أعرف أن لديك صداقات عظيمة في الوسط الأدبي تجمعك بمي التلمساني ووائل فاروق وخيري دومة ووليد الخشاب وغيرهم.. ما الذي تعنيه بالنسبة إليك الصداقة؟

الأصدقاء هم ونس الدنيا، وحتى لو غبنا عن بعضنا فترة فإننا ما إن نلتقي حتى يتواصل بيننا الحوار كأنه لم ينقطع، وندخل في الموضوع من دون مقدمات ولا تمهيدات، بالإضافة إلى أننا نفهم بعضنا حتى من دون كلام. تجمعني معهم ذكريات تمثل أساساً من أسس حياتي وأثرت فيَّ إلى أبعد حد.

ظللتَ سنوات طويلة بعيداً ومنعزلاً عن كل شيء، ومنذ شهور قليلة فوجئنا بظهورك على الفيسبوك.. ما الذي يعنيه هذا التغيير؟

الرغبة في التواصل أكثر مع الأصدقاء، فظروف الحياة أو بُعد المسافات لا تسمح باللقاء المباشر معهم، وتستطيع أن تعتبر هذه الخطوة حسماً لتردد ربما طال كان سببه القلق من أن يحتل الفيسبوك الوقت ويشتت انتباهي، وحتى الآن استطعت أن أخصص وقتاً محدداً له، وأرجو أن أستمر في هذا.

أنت أب لصبا ويوسف.. ما تأثير الأبوة عليك؟

رغم أن صبا ويوسف أصبحا شابين الآن فإنني ما زلت أتعلم الأبوة وأتفهمها من موقف إلى آخر معهما. وإن كان هناك شيء أساسي أو بوصلة حاولت الاهتداء بها - في علاقتي معهما - فهي أن أتذكر الأشياء التي كنت أحبها وأكرهها في الكبار وأنا في عمرهما، وما الذي كنت أود أن ينتبهوا إليه ويفهموه، وقد ساعدني هذا كثيراً في علاقتي مع صبا ويوسف، وفي عدم تسرعي في اتخاذ قرار أو الإصرار عليه خاصة وهما صغيران.