منوعات

من منزل متواضع.. إلى متحف يروي الماضي العريق ويستثير الذكريات

24 سبتمبر 2021
سجلت حضورها محليا وخارجيا.. وتأمل برعاية الجهات المعنية
24 سبتمبر 2021

صلالة - بخيت الشحري

متحف كنوز ظفار للتراث هو نتاج الشغف بجمع التراث وما يستخدمه الإنسان في مراحل حياته المختلفة مع تطوره الحضاري من أدوات ومقتنيات وأزياء مر عليها الزمن وهو بحد ذاته خصلة وفاء لمراحل حياة الإنسان ولابد لنا أن نقف على تلك الأطلال والمآثر لحظات من التأمل واستذكار ماض عشناه بأحلامه وآلامه وآماله وبكل ما فيه، نعيش فيه ذكريات منقوشة في خلجات النفس، فقد تذكرك تلك الأشياء القديمة وانت تتجول في ذلك المتحف بأشخاص أو أمكنة أو أزمنة أو بالثلاثة معاً.

شعور جميل ينتابك حين تسرح بك الذاكرة إلى زمن بعيد وإلى لحظات بعينها وانت ترى تلك الأدوات التي كانت جزءاً من حياتك اليومية مما يدل على طبيعة الإنسان وشغفه بالحياة والذكريات ويقينه بأن كل لحظة من عمر الإنسان لها ذكرى ومهما كانت تلك الذكرى فيها لحظات من الفرح والبهجة إلا أن استذكارها بعد سنين طويلة يصاحبه حنين وشجن ومسحة حزن على تلك الأيام التي مضت، وكما قيل «الذكريات صدى السنين الحاكي».

حسنة بنت سعيد الحريزية صاحبة المتحف الخاص الموزع على ثلاث غرف في بيتها بمنطقة عوقد بولاية صلالة والذي أسمته «كنوز ظفار للتراث» هي من أولئك الذين عشقوا التراث العماني وأدواته وجمعوه واحتفظوا به ليتحفونا به لنقف على ماضينا وماضي الآباء والأجداد بطريقة مشاهدة الماضي واستحضاره من خلال تلك الأشياء الأثرية، فقد جمعت بين غرف منزلها كل ما هو قديم وعتيق واحتفظت بجزء كبير من الأشياء القديمة التي كان يستخدمها الإنسان العماني قديماً والتي أصبحت الآن مجرد أدوات للعرض، وللوهلة الأولى حين تدخل إلى بيت حسنة الحريزية المتواضع تشعر أنك عدت إلى زمن قديم فبحسب عمرك تجد شيئا من طفولتك وذكرياتك بين تلك التحف وتجد أشياء لم تراها قط تستخدم ولكن قد تكون سمعت عنها من كبار السن أو قرأت عنها في مؤلفات تعنى بما هو تراثي وقديم، وعلى سبيل المثال كنت قد سمعت مقطع أغنية من قديم الفنان الراحل «أبوبكر بلفقيه» يقول فيها «بسري على ضوء الكواكب ماني على ضوء الاتاريك» وكنت أتخيل ما هي أشكال «الاتاريك» وأي نوع من المصابيح هي، حتى وجدته في متحف حسنة الحريزية ووجدت إلى جانبه المصابيح التي كانت تستخدم قديماً مثل المسرجة والفانوس وغيرها الكثير من الأمثلة لأشياء كنا نسمع عنها قديماً ولكن لا نعرف أشكالها.

وكما استطاعت أن تقوم بعمل تصاميم تحاكي بعض الأشياء القديمة مثل البيوت الريفية القديمة والتي تبنى من البيئة المحلية ومجسم هذا البيت الريفي تجده في الحوش الخارجي للبيت، وكما تجد قارب صيد قديم وأبواب ونوافذ البيوت القديمة وكذلك قامت بتصميم مجسم محاكاة لمزرعة قديمة يوجد بها بئر مياه وأدوات استخراج الماء وشجرة نارجيل بجانبها مسجد تراثي صنعته من حبات الخرز تعكس لك جانب من مشاهد الحياة القديمة التي كانت في فترة ما قبل عهد النهضة في ظفار.

من حرفية ..

إلى صاحبة متحف تراثي

حسنة بنت سعيد الحريزية تحدثت لجريدة (عمان) عن مشوراها في جمع هذه التحف القيمة ورحلتها من امرأة حرفية تعمل في صنع البخور والمجامر والميداليات المطرزة بالخرز إلى امرأة جامعة وحافظة للتراث العماني وتمتلك متحفا خاصا في بيتها أصبح مقصدا للزوار والباحثين والمهتمين بالتراث المادي من داخل السلطنة وخارجها.

وحول بداية هذا المشوار قالت الحريزية: «احترفت في البداية حرفة صناعة البخور والعطور والخياطة ولم تكن هذه الحرفة بعيدة عن التراث فهي صناعة قديمة في ظفار والتي تشتهر بأجود أنواع اللبان والبخور الظفاري المعروف، وكانت البداية في هذه الحرفة للاكتفاء الذاتي فقط ولكن تطورت فيما بعد لتسويق منتجاتي عبر مشاركتي في فعاليات مهرجان صلالة السياحي منذ انطلاقته الأولى ومع مرور الأيام وجدت نفسي أميل لكل ما هو تراثي وقديم وأحب الاحتفاظ به وتحول هذه الشعور إلى شغف وعشق، فعزمت على تأسيس متحف خاص أجمع فيه كل ما هو قديم وتراثي من مختلف البيئات في محافظة ظفار (الساحلية، الحضرية، الريفية، البدوية) وبدأت أجمع تلك المواد التراثية سواء من مقتنياتي الخاصة أو عبر الشراء أو الإهداء من قبل بعض الناس الذين شعروا بمدى اهتمامي بجمع الموروث فأهدوني كثيرا من القطع التراثية لتكون ضمن متحفي الخاص الذي أعمل على تأسيسه وكانت البداية تحت مسمى (أحلام المزيونة) ليتطور فيما بعد إلى (متحف كنوز ظفار للتراث) بمسماه الحالي لما يشمل من مقتنيات تراثية خاصة بمختلف البيئات بمحافظة ظفار.

محتويات المتحف

وأوضحت حسنة الحريزية قائلة إن متحفها الخاص يتكون من مختلف الأدوات التي كانت تستخدم في ظفار قديماً والمصنوعة من السعفيات والجلود والفخاريات والفضيات والحلي والأزياء التي كانت تلبس في ظفار قديماً وتطورها مع الزمن وكل ما يستخدم في زينة المرأة قديماً مثل المكحلة والميل وكذلك أواني الطبخ وأدوات الإنارة القديمة والخشبيات مثل المناديس والأبواب والأقفال القديمة والنوافذ الخشبية والنقود والأسلحة القديمة مثل البنادق والخناجر والسكاكين والسيوف وما يصاحبها من محازم، وكذلك يحتوي المتحف على بعض المقتنيات القديمة والتي لم تعد تستخدم حالياً في البيوت مثل الهواتف المنزلية القديمة والمسجلات وأجهزة تشغيل الأسطوانات القديمة وغيرها الكثير من المقتنيات الأثرية والتي لا يسعنا حصرها الآن.

مقتنيات أخرى

وبعد تجوالنا بين تلك الكنوز التراثية التي يفوح منها عبق الماضي وحضارته، قالت لنا حسنة الحريزية: «إن ما رأيتموه ليس كل ما أملك بل ما يزال لدي الكثير من المقتنيات الأثرية في ولاية المزيونة، كنت قد عملت على نقل جزء منها هناك ليكون معلماً في ولاية المزيونة، في بادية ظفار تظهر الموروثات الخاصة بالبيئة البدوية وقد استأجرت لها مكانا لأعرض فيه تلك التحف الأثرية من اجل المساهمة في الترويج السياحي لولاية المزيونة وخاصة في فصل الشتاء لما تزخر به الولاية من مقومات سياحية».

ليست للبيع

وقد طرحنا عليها سؤالاً هل ممكن أن تستفيدي من هذه المقتنيات وبيعها في حال وجدتي من يرغب في شرائها وكانت إجابتها سريعة: «مستحيل أنا أبيع أي قطعة من هذا المتحف وكل قطعة هنا هي جزء من جسدي فهل هناك من يبيع قطعة من جسده!»

وأضافت حسنة الحريزية: «مع مرور الأيام أصبحت أشعر بالمسؤولية تجاه هذا المتحف أكثر من كونه مجرد مقتنيات قديمة جمعتها وذلك بسبب الاهتمام الكبير الذي لمسته من زوار المتحف من خلال مشاركاتي في مختلف المهرجانات داخل السلطنة وخارجها ومن باب شعوري بالوطنية والانتماء لهذا الوطن وأصبحت اشعر بالفخر حينما أرى الزوار من داخل السلطنة وخارجها يأتون ويسألون عن بيتي للاطلاع على محتويات هذا المتحف وكنت أسعد كثيراً بكلمات الإطراء والثناء وشعورهم بقيمة الجهد المبذول في عمل هذا المتحف وكذلك الجهد الذي ابذله في نقل جزء منه في مشاركاتي داخل السلطنة وخارجها والجميل أن متحف حسنة الحريزية أصبح مقصداً للباحثين في الموروثات القديمة حيث استقبل الكثير من الزيارات العلمية سواء من طلاب الكليات والمدارس أو المهتمين للاطلاع على مقتنيات المتحف».

أمنية ومقترح وكلمة شكر

وأخيراً قالت حسنة الحريزية إنها تتمنى من الجهات المعنية الاهتمام بالمتاحف الخاصة وجعلها جزءًا من استراتيجيتها السياحية والتراثية وان لا تبقى هذا المتاحف حبيسة البيوت، وقالت قد طالبت عدة مرات واقترحت على بعض الجهات المعنية أن يكون هناك متحف وطني في ولاية صلالة ويتكون من قاعات لكل صاحب متحف خاص قاعة يعرض فيها مقتنياته ويكون هذا المتحف متاح للزوار والمهتمين وتحت رعاية حكومية للاعتناء بهذه المقتنيات الأثرية التي تعكس حياة الإنسان العماني قديما وأدواته التي يستخدمها في مختلف مراحله التاريخية والذي يجسد أصالة الإنسان العماني الثقافية والتراثية وسوف يساهم هذا الإجراء في حفظ وصون تلك الكنوز الأثرية وان تكون رافداً مهماً في تعزيز السياحة التراثية وان توفر مردودا ماديا من خلال التذاكر على السياح ويمكن استثناء الطلاب والباحثين من هذه الرسوم.

وكما أود أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير عبر جريدة عمان لكل وسائل الإعلام التي تهتم بالموروثات العمانية وتنقلها للجمهور عبر مختلف الوسائل وكذلك الشكر لكل الجهات المعنية وكل من وقف بجانبي وساندني في هذا المشروع.