منوعات

مقبرة فرعونية فخمة: زيارة لمقبرة الملك سبتاح

11 يناير 2024
11 يناير 2024

الأقصر "د.ب.ا": تشتهر مدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر، بمعالمها الأثرية التي تعود لآلاف السنين، والتي شيدها قدماء المصريين في شرق المدينة وغربها.

لكن منطقة وادي الملوك التي عُرفت قديما باسم "بيبان الملوك" والواقعة إلى الشمال من قمة جبل القرُنة في جبانة طيبة القديمة – التي دفن فيها ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات الفراعنة – والوقعة في البر الغربي لمدينة الأقصر، هي المنطقة الأثرية الأكثر شهرة، والأكثر جذباً للزوار من سياح العالم، والذين يفد مئات الآلاف منهم لزيارة مقابر تلك المنطقة في كل عام.

ويقول المرشد السياحي حجاج آمين، إن منطقة وادي الملوك الأثرية تكتسب أهميتها من احتوائها على عشرات من مقابر ملوك مصر القديمة، الذين اختاروا تلك البقعة الجبلية في جبانة عاصمتهم القديمة (طيبة) لينحتوا مقابرهم في صخورها، ومقدمة مقابر المنطقة الأكثر شهرة مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، والتي اعتبر اكتشافها على يد البريطاني هوارد كارتر في عام 1922 أهم كشف أثري في التاريخ.

لكن وبحسب قول "أمين" فإن زائر المنطقة سرعان ما يكتشف مقابر أخرى فريدة في عمارتها ورسومها وألوانها، فيجد نفسه يجول بين مقابر المنطقة على مدار ساعات طوال وربما لأيام، وذلك لاستكشاف قصص هؤلاء الملوك الذين ساهموا في نهضة مصر القديمة والتأسيس لحضارة إنسانية عظيمة سبقت الكثير من حضارات العالم بريادتها لمختلف العلوم والفنون.

ومن المقابر التي تتفرّد بها منطقة وادي الملوك، مقبرة الفرعون سبتاح، التي تحمل الرقم 47 وترجع لعصر الأسرة التاسعة عشرة في مصر القديمة.

وبحسب المصادر التاريخية، فإن صاحب هذه المقبرة هو أحد ملوك الأسرة الـ 19، وقد اعتلى عرش مصر حوالي عام ١٢٠٨ قبل الميلاد، وكان اسمه رمسيس - سبتاح، ولكن لأسباب غير معروفة غير اسمه إلى مرنبتاح - سبتاح.

وتعتبر مقبرته التي ظلت مومياؤه باقية بها حتى تم نقلها في عصر الأسرة الحادية والعشرين إلى مقبرة الملك أمنحتب الثاني مع بقية المومياوات الملكية التي عثر عليها هناك - تعتبر من أطول (١٠٥ متر) وأفخم المقابر الملكية، وقد اكتشفت هذه المقبرة بمعرفة عالم الآثار الإنجليزي إدوارد ايرتون في عام ۱۹۰۵.

ومقبرة الملك سبتاح محلاه برسوم زاهية خفيفة الروح متأنقة تعبر عن الأسلوب الفني الذي كان سائداً في عصر الرعامسة المتأخر، والذي كانت تغلب على ألوانه مسحة النضارة والنعومة، حيث احتفظت المقبرة بنفس الأسلوب البسيط الذي ساد في بداية عصر الأسرة التاسعة عشر، مثل مقبرة سيتي الأول وغيرها من مقابر تلك الفترة.

ويدخل الزائر إلى المقبرة من خلال درجات سلم منخفضة تؤدى إلى المدخل الذي يعلوه منظر للمعبودتين إيزيس ونفتيس تتعبدان لقرص الشمس الذي يشتمل على الجعل خبري والمعبود أتوم برأس الكبش.

ويشاهد الزائر على جانبي المدخل خراطيش الملك التي رُسمت بخط هيروغليفي دقيق متأنق وملونة بألوان زاهية. وبجانب هذه الخراطيش يوجد منظران جميلان للمعبودة "ماعت" ربة الحق والعدالة، أحدهما بجهة اليمين والآخر بجهة الشمال، ويمثلان هذه المعبودة وهي جاثية فوق سلة ذات ألوان بديعة تعبر عن علامة هيروغليفية تعني الشمول، ويشاهد الزائر ماعت في هذين المنظرين وهي ترفع ذراعيها وتعد جناحيها وكأنها تشير إلى الملك لكي يدخل قبره في سلام.

أما الممر الذي يلي مدخل المقبرة فقد زينته مناظر تعتبر غاية في الدقة والأناقة وبخاصة منظر الملك سبتاح على الحائط الأيسر وقد وقف - بملابسه الفضفاضة المزركشة - يتعبد للإله "رع. حور. أختى" معبود الشمس، ومن بعده قرص الشمس مشتملا على الجعران "خبري" والمعبود "اتوم" برأس الكبش، وتّزيّن بقية هذا الحائط والحائط الأيمن بالكامل نصوص هيروغليفية تعبر عن نشيد الشمس الذي يمجد الإله رع.

وعلى جدران المقبرة أيضاً، منظران للمعبود "أنوبيس" وهو يتعهد مومياء ممددة على سرير بعمليات التحنيط، فضلا عن وجود أبن آوى وهو الحيوان المقدس لأنوبيس من فوق ومن أسفل المنظرين، كما توجد عند نهاية الممر مناظر لـ "إيزيس" و"تفتيس" وأبناء حورس الأربعة، ثم مناظر من كتاب الموتى.

وأما سقف المقبرة فتزينه لوحة لطائر أنثى العقاب تنشر أجنحتها على مدى اتساع السقف، ومن فوق الأجنحة خراطيش الملك وألقابه مرسومة بتنسيق بديع.

وقد تهدمت أجزاء المقبرة الداخلية نتيجة لتعرضها لسيول غزيرة في العقود القديمة، وذلك كما تروي لنا كتب المصريات، وقد أدت تلك السيول إلى انهيار حوائط الأجزاء الداخلية بالمقبرة بما عليها من مناظر، إضافة إلى ما حملته تلك السيول معها من صخور وأحجار ملأت بعض أجزاء المقبرة بما فيها غرفة الدفن.

وكما يقول مدير منطقة وادي الملوك الأثرية، الأثري علي رضا، فقد تمكن مرممون آثاريون مصريون خلال مشروع ترميم سابق، من تنظيف المقبرة وإخلائها تماما من الرديم المتراكم بداخلها، ومعالجة وتأمين الممرات المنهارة وغرفة الدفن التي لا تزال تحتفظ بالتابوت الضخم المصنوع من الجرانيت الوردي على هيئة خرطوش الملك وغطائه على هيئة أدمية.

يُذكر أن جبانة طيبة القديمة التي تضم بين جنباتها منطقة وادي الملوك الغنية بمقابر ملوك مصر القديمة، ومن بينها مقبرة الملك سبتاح، تُعد واحدة من أغني مناطق مصر الأثرية، حيث تضمن الجبانة بجانب منطقة وادي الملوك مناطق أثرية عدة منها: وادي الملكات، ودير المدينة، وذراع أبوالنجا، والعساسيف وغير ذلك من المناطق التي يفد لها السياح من كل أرجاء العالم للتعرف لرؤية كنوزها والتعرف على معالم الحضارة المصرية القديمة.

ويقول علماء الآثار بأن تلك الجبانة الواقعة في البر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، تضم بين جنباتها مئات المقابر التي نحتت في باطن جبل القرنة، وخصصت لملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، بجانب عدد كبير من المعابد الجنائزية.