No Image
منوعات

مقابر بني حسن الأثرية ... بيوت الأبدية

31 مارس 2023
31 مارس 2023

القاهرة «د.ب.أ»: منذ قيام الرحالة والجيولوجي والمستكشف الفرنسي فريدريك كايو (1869 - 1787)، بنقل مناظر مقابر منطقة بني حسن الأثرية في محافظة المنيا بصعيد مصر، وحتى اليوم، تحظى مقابر تلك المنطقة باهتمام كبير من قبل الآثاريين المصريين وعلماء المصريات الأجانب، الذين حرصوا على زيارة المنطقة ودراسة آثارها التي تُعد سجلا غنيا يوثق الكثير من تفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة.

وإذا كان الفرنسي فريدريك كايو، من أوائل من زاروا المنطقة، وكتب عنها ونقل مناظرها في كتابه (Recherches sur les Arts et Métiers) – فقد تبعه في زيارة المنطقة كثيرون بينهم جان فرنسوا شامبليون، الذي زار مقابر بني حسن في عام 1828.

وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، إن منطقة بني حسن في محافظة المنيا هي «من المناطق الأثرية المهمة جدا»، وأن المجلس الأعلى للآثار المصرية، يحرص على القيام بأعمال ترميم وتقوية حماية دائمة لمقابر المنطقة بشكل دوري، بجانب تطوير المنطقة المحيطة بها.

ولفت «وزيري» في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إلى أن كل أرض مصر لم تبُحْ بكل أسرارها بعد»، وأن الحفائر الأثرية منتشرة في شتى المناطق، إضافة إلى أعمال الترميم والحماية التي لا تتوقف في كل المناطق الأثرية بالبلاد بما في ذلك منطقة بني حسن.

وتصف وزارة السياحة والآثار المصرية، منطقة بني حسن بأنها تضم مقابر الدولة الوسطى «الأكثر إثارة للإعجاب»، وأن مقابر المنطقة «من أفضل المناطق المحفوظة حتى اليوم».

ووفقا لمقدمة كتاب «مقابر بني حسن في مصر الوسطى»، لعالم الآثار المصري الدكتور عبد الغفار شديد، فإن «جداريات مقابر أمراء الإقليم في بنى حسن في حقبة الدولة الوسطى تُعتبر من أثمن كنوز الفن المصري».

وقد أعطى الدكتور عبد الفتاح شديد صورا ومعلومات قيمة عن مقابر بني حسن وتاريخها، وتحليلاً لما احتوت عليه من فنون العمارة والتصوير الجداري.

وتجمع المصادر التاريخية على أن مقابر بني حسن من أهم المناطق الأثرية في مصر، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتتبع حاليا مركز أبي قرقاص في محافظة المنيا، وتقع المنطقة على بُعد قرابة 277 كم من جنوب العاصمة القاهرة.

وتنقسم مقابر بني حسن إلى جبانة سفلية، وتقع على منحدرات الجبال، وتضم 800 مقبرة بينها الكثير مما يُطلق عليه المقابر البئرية (آبار)، وهي مخصصة لموظفين من عصر الانتقال الأول (حوالي 2181-2055 قبل الميلاد) والدولة الوسطى (حوالي 2055-1650قبل الميلاد)، بجانب مقابر تابعة لأواخر عصر الدولة القديمة (حوالي 2345-2181 قبل الميلاد) مثل مقبرة إيبي. بينما تضمّ الجبانة العلوية 39 مقبرة جرى نحتها في الصخر، وقد زُينت جدران 12 من هذه المقابر بمشاهد تصور تفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة، بجانب أعمال الزراعة والحرف والمهن المختلفة، وبعض الأنشطة مثل الصيد والألعاب الرياضية.

وقد جاءت مقابر الجبانة العلوية لتكون بمثابة شاهد على المهارة العالية التي تميّز بها المصري القديم في مجال العمارة، والقدرة على نحت تلك المقابر بدقة عالية مستخدما أدوات بسيطة.

ويصف الآثاريون وعلماء المصريات، تلك المقابر في منطقة بني حسن، بأنها أماكن للراحة الأبدية للموظفين المحليين والموظفين والأتباع، وكانت جزءا من الإقليم السادس عشر من أقاليم مصر العليا، وذلك قبل آلاف السنين.

طرز معمارية متنوعة

وفي تقديمه لكتاب «مقابر بني حسن: الصورة والدلالة»، والصادر عن مركز تسجيل الآثار المصرية، يقول وزير الآثار المصري الأسبق، الدكتور محمد إبراهيم علي، إن مقابر منطقة حسن أخذت اسمها من اسم قبيلة عربية هي «أبناء حسن»، أو «أولاد حسن»، والتي أتت وقطنت المنطقة في نهاية القرن الثامن عشر.

وأضاف أن مقابر بني حسن تميزت بتنوع عمارتها، حيث احتوت على ثلاثة طرز معمارية: الأول مقابر متعددة الحجرات بلا أعمدة، وهي الأكثر عددا في المنطقة.

والثاني مقابر ذات أعمدة على شكل الحزم النباتية وتيجان على شكل زهرة اللوتس وتتكون هذه المقابر من صالة كبيرة مستطيلة الشكل يقع محورها الطويل في عمق الجبل. وينقسم الجزء الداخلي من الصالة إلى رواقين أو ثلاثة يفصلها صف من الأعمدة على شكل الحزم النباتية المضلعة.

والثالث المقابر المكونة من رواق يتقدمه عمودان من النوع ذي الأضلاع محاطان بحائطين منقورين في الصخر.

مناظر ونقوش

وبحسب المصادر التاريخية وكتب علماء المصريات، فإن مقابر بني حسن المنقوشة تحتوي على زخارف معمارية وأخرى نباتية، ومناظر مرسومة فوق كساء خفيف من الجبس الجيد.

وقد رتبت المناظر في صفوف ومستويات أفقية بعضها فوق بعض، ولكن غالبا ما تقطع الأشكال الآدمية الضخمة المرسومة استمراريتها. وعند توزيع المناظر فوق الجدران، كان الفنان غالبا ما يرسم مناظر الصحراء قرب السقف أو أعلى الجدار. ومناظر الحياة والصيد في النيل على القاعدة أسفل الجدار، بينما يرسم مناظر الزراعة وأنشطة الحياة اليومية الجارية على النهر بينها.

وتصور المناظر التي تُزين جدران مقابر منطقة بني حسن، صاحب المقبرة تارة بين ممتلكاته، وتارة في المنزل مع زوجته وعائلته، وتارة وهو يصطاد الحيوانات في الصحاري والبراري، وكذلك وهو يصطاد الطيور والأسماك، كما صورته وهو يرتدي ملابسه العسكرية ويحارب الأعداء باستخدام القوس أو السهم أو المقلاع أو الرمح وغيرها من الأسلحة التي عرفها قدماء المصريين.

آثار عظيمة

وتؤكد سجلات منطقة بني حسن الكثير من المستكشفين والعلماء والآثاريين الذين وفدوا من بلدان أوروبا، واستقروا لفترات طويلة بالمنطقة بهدف دراسة آثارها، وتوثيق عمارتها ونقوشها، وقد أكد كل من عمل في المنطقة من هؤلاء المستكشفين والعلماء والآثاريين الذين يتوافدون على المنطقة منذ قرابة 200 عام مضت وحتى اليوم، على أهمية المنطقة وآثارها العظيمة.

ومنذ زيارة الرحالة والجيولوجي والمستكشف الفرنسي فريدريك كايو (1869 - 1787)، للمنطقة، مرورا بزيارة البعثة الفرنسية الإيطالية التي كان على رأسها، شامبليون، وروسلليني، والتي عملت بالمنطقة في الفترة من عام ١٩٧٢م وحتى عام 1830، وعالم المصريات الألماني ريتشارد ليبيوس الذي وصل إلى بني حسن في شهر أغسطس من عام ١٨٤٣، وغير ذلك من رؤساء وأعضاء البعثات الأثرية التي عملت بالمنطقة، ظلت تلك البعثات وأعضاؤها من المستكشفين والعلماء والآثاريين، يعملون على تسجيل وتوثيق ودراسة آثار المنطقة ونقوش مقابرها، وتخطيطها وأنماط عمارتها، حيث جرى النشر العلمي لكل ما أنجزوه من دراسات وأعمال تسجيل وتوثيق في مجلدات ضخمة بقيت مرجعا لكل الباحثين.

كما اسهم للمجلس الأعلى للآثار المصرية، بجهوده في أعمال التسجيل لكل آثار منطقة بني حسن ومقابرها المدهشة، وفي هذا الإطار قام مركز تسجيل الآثار المصرية في عام 2012، بإصدار كتاب «مقابر بني حسن: الصورة والدلالة»، والذي يعد بحسب المجلس الأعلى للآثار المصرية، أول مرجع يصدر عن آثار تلك المنطقة باللغة العربية، حيث احتوى الكتاب - الذي انجز بمعرفة فريق من الآثاريين والخبراء المصريين - على مقدمة عن مجموعة المقابر الصخرية بالمنطقة، من حيث التاريخ والجغرافيا، إضافة إلى السمات المعمارية لتلك المقابر، وشرح لاثنتي عشرة مقبرة جرى ترتيبها تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث، مع مجموعة من الصور والرسوم التوضيحية، وثبت بمجموعة المراجع العلمية التي سبق وتناولت تأريخ المنطقة وآثارها.