No Image
منوعات

ذكريات الشهر الفضيل.. محمد الغملاسي: وقع كسوف للشمس وتبعه غيم ومطر وأظلم النهار فظن الناس الشمس قد غربت

27 مارس 2023
كنا نستخدم الأواني الفخارية لتبريد الماء.. ونعرف وقت السحور من صياح الديكة
27 مارس 2023

ذكريات الشهر الفضيل في البيئات العمانية تختلف باختلاف المناطق، فنجد الذين يعملون في البحر تكون ذكرياتهم لصيقة بالبحر والصيد، بينما الأشخاص الذين يكونون في المناطق السهلية والجبلية تختلف ذكرياتهم باختلاف الأعمال التي يزاولونها لجلب الرزق، وقد تتداخل هذه البيئات فنجد الذين يعملون في البحر توجد عندهم مواسم يذهبون فيها إلى المناطق السهلية المزروعة، وهذا ما حكاه لنا الوالد محمد بن مبارك الغملاسي من سكان منطقة الردة بولاية صحم، الذي أبحر بنا في ذكرياته عن الماضي ليسرد لنا بعضا من تلك الذكريات ويقارنها بالحاضر مسترسلا في حواره معنا بروائع القصص.

في بداية حديثه تحدث عن الخيارات التي تنعم بها البلاد وارتباطهم بها منذ القديم، وذلك من خلال الزراعة وصيد الأسماك فقال: من هذه الخيرات عشنا وعاش أباؤنا كذلك كنا ننتج من المزارع التمور والمانجو والليمون وعندنا في ولاية صحم واحد من أهم موانئ سلطنة عمان في تصدير الليمون إلى الخارج.

ويضيف "صارعنا البحر بكل أهواله للحصول على لقمة العيش الكريم كنا ننتظر المواسم الخاصة بصيد الأسماك الساحلية عن طريق "الضغوة" وهي من طرق الصيد التقليدية التي تعتمد على سواعد الرجال لجر الشباب من الساحل.

مما أذكره أن ببلدتنا الردة يوجد ثلاث شباك ويشتغل فيها مجموعة من الناس واحدة عند والدي مبارك بن محمد الغملاسي، وأخرى عند الحاج علي بن حامد والثالثة عند الحاج سعيد بن سليمان البريكي رحمهم الله جميعاً ورغم وجود المنافسة بينهم إلا أن القلوب كانت صافية، فكل النواخذة والبحارة يتساعدون فيما بينهم.

وبين الغملاسي أن "الضغوة" يبدأ بدخول موسم القيض والذي ينتقل فيه الأهالي من البيئة البحرية إلى المزارع، وهذا الموسم يمتد إلى 100 يوم، وبالتالي يكون العمل مستمرا خلال هذه الفترة ليصل إلى ساعات متأخرة من الليل، وبعد ختام الموسم تبدأ قسمة المحصول بين البحارة والنواخذة، ومما أذكره في إحدى السنوات كان الصيد وفيراً جداً وكان المردود كبيرا، وصل إلى 30 ألف قرش فرنس علما بأن القرش يساوي آنذاك 120 بيسة سوداء، وبالمقابل صادفتنا بعض السنوات العجاف التي كان فيها نصيب البحار طول الموسم بلغ 7 بيسات فقط. وكان هذا الموسم يصادف أيام رمضان، فكانت توجد به بعض الصعوبات، ولكن الله يلطف بعباده وتتيسر أمورهم.

وعن رمضان قال الوالد محمد الغملاسي في الزمان الأول كانت الثقافة قليلة لدى الناس وكذلك كثرة اشتغال الناس وخاصة فئة الشباب، صاحب البحر يعمل في قاربه وصاحب المزرعة في مزرعته والمتعارف عليه أن الكبار هم من يصوم أذكر أني بدأت صوم رمضان بعدما تجاوزت من العمر 16 عاما وكان رمضان الأول لي في الصيام في فصل الشتاء وهذا بالطبع ساعدني كثيرا في تحمل الجوع والعطش كون الجو كان باردا والنهار قصيرا.

وأما عن رؤية هلال شهر رمضان، ومعرفة دخول الشهر، والمكان الذي يجتمعون فيه لرؤية الهلال قال: هناك أشخاص معنا يعرف عنهم قوة النظر ففي ليلة التاسع والعشرين من شعبان يجتمع هؤلاء الأشخاص في مكان معروف على شاطئ البحر بحيث تكون جهة طلوع الهلال واضحة وفي تلك الليلة تؤخر صلاة المغرب حتى يتسنى رؤية الهلال، وعند مشاهدة الهلال يستبشر الناس بمقدم الشهر الكريم ونجلس في انتظار التأكيد الرسمي عن طريق سماع مدفع صحار ليعلن دخول شهر رمضان.

وفي إحدى السنوات تحرى الناس هلال شهر شوال ليلة 29 رمضان فتعذرت الرؤية بسبب الغيم وبالتالي أصبح الناس صائمين تمام الشهر، وفي وقت الضحى إذا بنا نسمع المنادي ينادي بصوت عالٍ أفطروا اليوم عيد ففطر الجميع.

وفي الماضي كانت الحياة في رمضان عادية بحيث يقوم الناس بأعمالهم مثل باقي أيام السنة وبالنسبة لقراء القرآن أكثر وأنسب الأوقات تكون بعد صلاة التراويح لخلو ذلك الوقت من الأعمال وكنا ندرس مع المعلمة "سليمة" رحمة الله عليها حيث كانت تدرس جميع أبناء البلد ذكورا وإناثا.

أما عن الوجبات الرمضانية القديمة فيذكر لنا أن أغلب الوجبات تعتمد على المنتجات المحلية: فتوجد القروص، وشوربة حب البر المزروع محلياً، والعصيدة، والهريس، والثريد، وكان من العادة المتعارف عليها أن كل جار يوزع على جيرانه من إفطاره بحيث تتكامل المائدة أما بالنسبة للسحور فمعظم الأيام يكون وجبة مكونة من عيش وحليب أو لبن.

ويتابع الغملاسي حديثه عن المواقف الصعبة التي واجهته في تلك الأيام، فبين أن شهر رمضان مر علينا في مواسم مختلفة سواء الصيف في ارتفاع الحرارة والعطش الشديد أو في الشتاء حيث البرد الشديد والعواصف والأمطار، وأما عن كيفية الحصول على الماء البارد في فصل الصيف أوضح بأن الكهرباء لم تكن قد وصلت إلى القرية فكان الناس يستخدمون الأواني الفخارية لتبريد الماء مثل الخرس والجحلة وغيرها من الأواني.

وأوضح أنه في الماضي لم تكن هناك ساعات لمعرفة وقت الإفطار والسحور؟ وكان الاعتماد لمعرفة الوقت للإفطار والسحور على مغيب الشمس ودخول الظلام وبالنسبة للسحور يعتمد على صوت الديكة، وأذكر من المواقف التي لا يمكنني نسيانها أنه وقع كسوف للشمس وتبعه غيم ومطر فأصبح النهار مظلما فأذن المؤذن لصلاة المغرب وأفطر الناس وبعد نصف ساعة انقشع الغيم وطلعت الشمس فأمسك الناس عن الطعام والشراب.

وفي البلد لم يكن إلا مسجد واحد يتم رفع الأذان فيه بدون مكبرات صوت ولكن أهل البلد جميعهم يسمعون الأذان نظرا للهدوء السائد وعدم وجود الضوضاء مثل السيارات وغيرها.

وكان الأهالي لا يمكون الشيء الكثير إلا أن الرحمة بينهم وروابط الأخوة والتكافل هي السائدة، بحيث يحنو الكبير على الصغير والغني على الفقير، وكانوا يجتمعون على مائدة الإفطار، وكانوا يصلون صلاة التراويح في مسجد القرية.

وفيما يخص ملابس العيد أشار إلى أنه لم تكن هناك محلات للخياطة مثل ما نراه اليوم فكانت النساء هن من يقمن بخياطة ملابس الرجال والأطفال بالإضافة لملابسهن الخاصة سواء للعيد أو باقي الأيام كما تقوم بعض النساء بخياطة الملابس في المناسبات مثل الأعياد لأبناء الفقراء والمحتاجين بحيث يتحقق التكافل الاجتماعي ويعم الفرح على الجميع.