No Image
منوعات

دور مسرح العرائس المصري في تكوين مؤثرات الفرجة عربيًا وإفريقيًا

03 أغسطس 2023
03 أغسطس 2023

القاهرة «د.ب.ا»: ذكرت دراسة جزائرية حديثة، أن تاريخ مسرح العرائس في مصر، يُعد منظومة فنية للفرجة والتكوين الجمالي للعرض، كما يملك امتدادا بالمعتقدات الذهنية الفرعونية المتجذرة في العمق التاريخي للأمم بمحافلها الكوميدية والتراجيدية الحبلى بالصور والرسومات المحفورة في ذاكرة الشعوب، وارتبط وجودها عبر حقبة الفاطميين والمماليك.

واستعرضت الدراسة تأثير مسرح العرائس المصري في تكوين مؤثرات الفرجة ببلدان العالم العربي وقارة إفريقيا.

وتدلنا الدراسة التي أعدتها الباحثة والأكاديمية الجزائرية الدكتورة زينب لوت، وحملت عنوان: «أثر مسرح العرائس المصري في تكوين مؤثرات الفرجة في العالم العربي والإفريقي»، ونشرت ضمن برنامج النشر العلمي للمؤتمرات العلمية بأكاديمية الفنون بالقاهرة، أن مسرح العرائس المصري تعددت مسمياته، التي من بينها مسرح الكراكيز، والأراجوز، وقرقوش، وهو في كل مسمياته مثل حالة من الترفيه والتفاعل الكبير تشكل من خلالها الفلكلور المصري العريق.

وكما تقول الدراسة، فإن المسرح التمثيلي الخاص بالدمى أو العرائس ينبعث في التاريخ المصري، وله جذوره الممتدة حتى العصور الفرعونية، عبر صور «عرائس أوزوريس» وأن أهمية الدمى عميقة عمق التاريخ الإنساني.

وأشارت الدراسة إلى أنه في عام 1957، قررت مصر إحياء ذلك التراث الفني ذي الجذور التاريخية، وأقامت «مسرح عرائس مصر» في ذلك العام، وتولى الإشراف عليه الفنان أحمد عامر رائد ذلك الفن بالبلاد، وتم إنشاء فرقة المسرح الشعبي للقيام بإحياء فن العرائس، وربطت إعادة إحياء هذا الفن بأهداف تربوية وتعليمية وفنية وتراثية وتعدد الغايات جسد أهمية بالغة في انتشاره وتطوره عبر الاستفادة من التجارب الغربية والعربية.

ووفقاً للدراسة، فقد صنعت تشيكوسلوفاكيا 10 «دمى» من الكاوتشوك والماريونيت تدعيما لمسرح العرائس في مصر، كما سعت إدارته لتوجيه دعوة نحو اليابان والصين وروسيا حتى تتبادل الخبرات والمعارف نحو مستجدات هذا الفن، وقد ساهم مجيء مسرح العرائس الرومانية (ساندريكا) إلى القاهرة 1957م، في تطوير التّجربة المصرية والتّأثير في جمالياته الأدائية وتنويع موضوعاته.

وبحسب دراسة الباحثة والأكاديمية الجزائرية الدكتورة زينب لوت، فقد تطور مسرح العرائس في مصر، مُختمراً مع التّجارب الغربية لتطوير تقنيات العرض ودراسة أهدافه وغاياته.

وأكدت الدراسة على أن العروض الشعبية تمارس نشاطاً واسعا في مصر، وقد حقق الأراجوز انتشاراً واسعا وشعبية في أوساط الجمهور الذي يتأثر بطريقة العرض المسلية والمواضيع التي تلامس حياتهم وبيئتهم بأشكال بسيطة مؤثرة.

وناقشت الدراسة التكوين الفني لمسرح العرائس في مصر، وأثره على مكونات المسرح العالمي للدمى، وكيف أن تطوير هذا الفن اشترط الاستعانة بتقنيات حديثة ومعاصرة كانت ضرورية من أجل تطويره وتقديم عروضٍ تهتم بالجوانب الفولكلورية من جهة، والاجتماعية الترفيهية والتعليمية التربوية من جهة ثانية.

وبيّنت الدراسة أن مسرح العرائس اتسم بالتميز من حيث التجربة والدقة في انتقاء المواضيع، مع مراعاة الفروق العمرية، كما اهتم بالجانب التعليمي بشكل واضح في العديد من المدارس المسرحية عبر العالم، إضافة إلى المزج بين الأفكار والمرجعيات في الأدب الفولكلوري واستخدامه الجمالي ضمن العروض، لأنه الأقرب شعبية إلى الفهم وصولاً إلى الترفيه والتسلية التي تمارسُ سلطة تمرير الخطابات وترسيخ القيم شأن الوسائل المهمة فنياً، وما اكتسبه المصريون من معارف نتيجة انفتاحهم على التجارب الدولية في هذا المجال، حيث كان من نتاج كل ذلك وصول فن العرائس المصري إلى العالمية.

ولفتت الدراسة إلى أن مسرح العرائس المصري استفاد من العادات والتقاليد الشعبية، التي تتناسب والإبداع المسرحي الذي يناشد ذهنية الشعوب ومرجعياتهم الفكرية لتمرير رسالة ذات أهداف تلامسُ المعرفة والتوجيه والإصلاح وبناء الشخصية السوية وإدماجهم بأهمية الوطن والأخلاق، والفرجة الترفيهية التي تخفف أعباء الواقع وتلطف خشونته بالتسلية ومحاكاة الجمهور من خلال تجاربهم في الحياة التي تحمل مقصدية وهدفا وتراعي مستوياتهم.

ونوّهت الدراسة إلى أن فن العرائس والقراقوز والدمى وخيال الظل، انتشرت في الساحات والفضاء الخاص للعرض، وكانت تقدم في الحواري والمولد والأرياف والساحات الشعبية، والاحتفالات بأشكالها المتعددة ومواضيعها المتنوعة مثل «عرائس الريف» بنموذج ريفي يرسم الحياة في القرية وتنخفض فيها المستويات اللغوية حسب الطبيعة المنتسبة إليها وعرض «حمار شهاب الدين» و«الفيل نونو الغلباوي» و«أوبريت المعدية»، و«دقي يامزيكة» وغيرها من العروض على سبيل الإشادة لا الحصر تعد حصادا فنيا مهما في مكونات المشهد المسرحي للعرائس في مصر الذي ذاع صيته بين البلدان العربية والغربية بخصوصيته الفولكلورية والتعليمية وأدواته.

وتتعدد العرائس في أشكالها وطرائق صنعها ومهارات تحريكها وتصميمها بين النوع والأداء، وخلق التنوع والتمايز بين الأشكال وطريقة الاستعمال بُعداً رمزياً لمسرحيات (الماريونيت) أو العرائـس التـي تحـركـها الأسلاك، ومسرحيات عرائس اليد أو القراقوز حسب منطق النص والحكاية المستخدمة لأفق التلقي ومكانه وزمانه وهدفه التعليمي والترفيهي معاً، وأخذت عروض مسرح العرائس، حيزاً كبيرا من اهتماماتهم وأضحت تقاليد لمواسم الأعياد والمناسبات والاحتفالات، تتابعها نسبة واسعة من الناس متأثرين بالحوار العامي القريب من خطاباتهم وأساليب تفكيرهم.

وبحسب محاور الدراسة، فقد كان لمسرح العرائس أثره التربوي والنفسي والتثقيفي، في مصر والعالم العربي والعالم الغربي أيضا، واهتم بالطفل كونه اللبنة الأولى للمجتمع وعاملا مهما في توازن شخصية الأطفال ونموهم نمواً يحفظ الرؤية المستقبلية لشخصيات سليمة تنشأ على الأخلاق والقيم، وذلك من خلال نقل المشاهد إلى عوالم جديدة تفصله عن الواقع، وتنقله نحو جمالية المتعة والفرجة والتسلية التي من خلالها يتم تمرير خطابات متعددة تساهم في فعل التعلم، وتنمي السلوك السوي والمتنامي عند الطفل، وبهذا فقد لعبت عروض مسرح العرائس المصري، أو مسرح الدمى، دورا مهما في ترسيخ القيم المثلى، كما أبرزت الجانب السلوكي ونمذجة المجتمع من خلال الكوميديا.

ولا يتوقف مفهوم العرائس بالتسلية الفنية أو المهارات التعليمية للمعرفة بل يتجدد نشاطه نحو الفضائل الصحية للأكل وانتقاء ما يتناسب وحياة الطفل، ويصبح الغذاء والنظافة ووسائل الحياة الصحية من الأولويات الضرورية للنشاط الفني لمسرح الدمى، كما أن العرائس بنماذجها التمثيلية وحركاتها المثيرة لاهتمامات الطفل، تدعم نفسية الطفل وتدفعه نحو الاستقرار وتجاوز مشكلاته وصعوبات التأقلم مع واقعه حيث تقرب المفاهيم وتبسط التعامل والتعايش مع الآخرين وتقاسم مواطن السعادة والفرح والتسامح.