الفيلة من أبرز الثديات التي تعيش حياة اجتماعية.
الفيلة من أبرز الثديات التي تعيش حياة اجتماعية.
منوعات

دراسة جديدة تكشف أن الحياة في جماعات تطيل عمر الثدييات

08 فبراير 2023
08 فبراير 2023

سان فرانسيسكو - "د.ب.أ": تختلف أعمار الثدييات باختلاف فصائلها، ففي حين أن بعض أنواع الجرذان أو الخلدان لا تعيش أكثر من 14 شهرا، تجد أن فصيلة الحيتان مقوسة الرأس تظل تمخر عباب المياه في القطب الشمالي لأكثر من قرنين من الزمان، ولكن طول عمر الثدييات ليست له صلة في حقيقة الأمر بأحجامها، فالدببة البنية التي تزن 250 رطلا على سبيل المثال لا تزيد أعمارها بأي حال من الأحوال عن أربعين عاما، في حين أن الخفافيش من فصيلة "برانت" التي لا تزيد أحجامها عن حجم قبضة يد الانسان يمكن أن تعيش حتى 41 عاما.

غير أن العلم أزاح النقاب عن عامل آخر قد يفسر أسباب طول أعمار فصائل معينة من الثدييات دون غيرها، ألا وهو طبيعة الحياة الاجتماعية لهذه الكائنات، فقد قام فريق بحثي من الأكاديمية الصينية لعلوم الحيوان بتحليل نمط حياة وأعمار قرابة ألف فصيلة ثديية، وتوصل إلى أن الفصائل التي تعيش في جماعات مثل الأفيال وقردة الليمور تعيش لفترات أطول مقارنة بالحيوانات التي تعيش فرادى مثل النمور وبعض أنواع السناجب.

وفي إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية "نيتشر كوميونيكيشن"، عكف الباحثون على دراسة بعض الحيوانات التي تتميز بأعمارها الطويلة مثل "فأر الخلد العاري" الذي يمكن أن يعيش حتى 31 عاما. ومن المعروف أن هذه الفصيلة من الفئران تعيش حياة اجتماعية مركبة، حيث ترأس كل جماعة منها فأر أنثى وتضم مجموعة من الفئران الشغالة التي تعيش سويا في شبكة من الانفاق تحت الارض.

كما توصل فريق الدراسة إلى أن بعض الحيوانات، مثل قردة البابون، يمكن أن تعيش أطول من أقرانها في نفس الفصيلة إذا كانت تعيش وسط جماعات أكبر أو تجمعها روابط اجتماعية أوثق.

وبحسب الموقع الإلكتروني الأمريكي "ساينتفيك أمريكان" المتخصص في الأبحاث العلمية، قام الفريق البحثي بتقسيم 974 فصيلة حيوانية إلى ثلاث فئات، وهي الحيوانات التي تعيش بمفردها، والتي تعيش في زوجين، ثم التي تعيش في جماعات أكبر. وتوصل إلى أنه فيما يتعلق بطول العمر، فكلما كان الحيوان يعيش ضمن قطيع، كلما كان أطول عمرا، وأن الحيوانات التي تعيش في زوجين اثنين مثل قردة الجيبون تعيش أطول من الحيوانات الفردية مثل خنازير الأرض، وأن الحيوانات التي تعيش في قطعان ضخمة مثل الأفيال هي الأطول عمرا بشكل عام.

وأكد الباحثون أن هذه القاعدة تسري أيضا عند مقارنة فصائل مختلفة من الثدييات من نفس الحجم، فالخلدان الشمالية قصير الذنب تزن تقريبا نفس وزن خفاش الحذوة الكبير، غير أن الخلدان التي تعيش بمفردها لا تتجاوز أعمارها عامين، في حين أن تلك الخفافيش يمكن أن تصل أعمارها إلى ثلاثين عاما.

غير أن الباحث تشومينج تشو من الأكاديمية الصينية يقول إن هناك بعض الاستثناءات لهذه القاعدة مثل قردة الأورانجوتان (إنسان الغاب) التي تعيش في جزيرة سومطرة بإندونيسيا، فهذه القردة يمكن أن تصل أعمارها إلى ستين عاما رغم أنها تعيش وحيدة، كما أن بعض الجرذان مثل الفأر النرويجي وفئران شينشيلا تتراوح أعمارها ما بين عامين إلى أربعة أعوام في المتوسط رغم أنها تعيش في جماعات كبيرة. ولكن أغلب الثديات التي خضعت لهذه الدراسة أثبتت بالفعل أن التواصل مع ابناء الفصيلة والروابط الاجتماعية الوثيقة تقترن على الأرجح بطول العمر.

ومن جانبها، تقول برندا برادلي الباحثة في مجال الأنثروبولوجيا الحيوية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية والمتخصصة في مجال الصفات الوراثية للرئيسيات إن هذه الدراسة الجديدة تساعد في بلورة الصلة بين طول الأعمار والروابط الاجتماعية.

ويرى الباحث تشومينج تشو أن هذه الظاهرة يمكن أن تكون مرتبطة بعملية النشوء والارتقاء لعدة أسباب. فالعلماء يعتقدون أن الثدييات التي تعيش في مجموعات تكون أقل عرضة للافتراس أو الموت جوعا مقارنة بالثدييات التي تعيش بمفردها، وبالتالي، فبدلا من الاندفاع للتكاثر بغرض الحفاظ على النوع، فإنها تعيش حياة أهدأ وتستثمر مزيدا من الوقت في توثيق علاقاتها الاجتماعية التي تستفيد منها في وقت لاحق، وبالتالي، فإن الروابط الاجتماعية القوية والمستقرة بين أفراد الفصيلة الواحدة لها القدرة على إطالة العمر".

وفي محاولة لتحديد الجينات التي ربما يكون لها دور في الربط بين طول العمر والعلاقات الاجتماعية لدى الثدييات، قام الفريق البحثي بتشريح 300 عينة من أمخاخ 94 فصيلة ثديية مختلفة تتراوح أعمارها ما بين ثلاثة أعوام مثل حيوان الخلد الصيني وأكثر من 122 عاما مثل البشر، حيث قاموا بتجميد هذه العينات بواسطة النيتروجين السائل وفحصها تحت المجهر بالتفصيل.

ونجح الباحثون في تحديد 31 صفة وراثية ترتبط بشكل مشترك بكل من طول العمر والعلاقات الاجتماعية، وتتعلق جميع هذه الصفات بتحسين الاستجابة المناعية وضبط هرمونات الجسم، وقد أثبت العلماء بالفعل أهمية المناعة في الجماعات الأكبر عددا، نظرا لأن الطفيليات والمكروبات تتفشى في أوساطها بشكل أسرع، كما أن الهرمونات لها دور مهم في الأنشطة الاجتماعية بين جماعات الثدييات، حيث تعزز عمليات التزاوج وتربية الصغار على سبيل المثال.

ويؤكد الباحث دانيال بلومشتاين المتخصص في مجال العلوم الحيوية بجامعة كاليفورنيا الأمريكية أن "الشيء الرائع بشأن هذه الدراسة ليس فقط الجينات الخاصة بالمناعة، بل الجينات التي تفسر العلاقات الاجتماعية بين الثدييات"، ويرى بلومشتاين أن الاستمرار في إزاحة النقاب عن الآليات الوراثية التي تربط بين طول العمر والروابط الاجتماعية سوف يساعد العلماء في فهم كيفية تطور هذه الصفات الوراثية لدى الخفافيش والحيتان وجميع الثدييات التي تتباين في أحجامها وأعمارها بين هاتين الفصيلتين.