منوعات

حملة لإنقاذ السلاحف البحرية في إندونيسيا من عادات الطهي والطقوس الدينية

27 يناير 2023
27 يناير 2023

سيرانجان (إندونيسيا) "د.ب.أ": تسبح سلحفاة بحرية كبيرة خضراء اللون، وهي تتمايل بلا كلل أو ملل، داخل حوض مكسو بالبلاط، وسبب تمايلها أنها فقدت زعنفة كان لا بد من بترها، بعد أن تعثرت داخل شبكة صيد، قبالة جزيرة بالي الإندونيسية.

وعلى الرغم من المظهر المثير للشفقة لهذا الكائن البحري، فإنه يعد من المحظوظين، حيث من المتوقع أن يتعافى قبل إعادته إلى مياه البحر، وبشكل يتمكن معه من مواجهة المخاطر المتعددة التي تنتظره هناك.

ويقول إيدي وايان الذي يعمل متطوعا بمحمية السلاحف ومركز التعليم، الكائنة في جزيرة سيرانجان منذ عام 2009، "السلاحف البحرية معرضة للإنفراض لأسباب عديدة مختلفة".

وأصيبت أنواع أخرى من السلاحف في بيئتها الطبيعية، بعد اصطدامها بأشياء من صنع الإنسان، مثل مراوح الزوارق وخطافات الصيد والشباك، وتم إنقاذ هذه الأنواع وهي ترقد الآن في خزانات مجاورة، كما ثبت أن تناول بعض أنواع السلاحف للمواد البلاستيكية يؤدي إلى نفوقها. ومن ناحية أخرى أدت تقاليد الطهي المحلية إلى استنزاف أنواع من السلاحف المتبقية.

وفي هذا الصدد يقول وايان، "يتم اصطياد السلاحف غالبا من أجل تناول لحومها، أحيانا على شكل حساء أو شيها بأسياخ، وأحيانا أخرى باستخدامها في طبق "لاوار" التقليدي، المعد من الخضروات والتوابل واللحم".

بالإضافة إلى ذلك تُستخدم الأصداف المرقطة، لنوع من السلاحف البحرية مهدد بالانقراض يسمى منقار البحر، في صناعة الحلي والنظارات الشمسية والآلات الموسيقية والأمشاط والأزرار وحافظات الهواتف الذكية.

ومع ذلك يتمثل التهديد الوجودي الأكثر شدة الذي يواجه السلاحف في بالي، في أنه يتم الاحتفال بها على أساس أنها تخضع لولاية الآلهة، ويمارس سكان الجزيرة من البشر شكلا خاصا بهم من الهندوسية، يتضمن إقامة طقوس خاصة، وتحتل السلاحف التي سكنت كوكب الأرض لمدة 150 مليون عام، مكانة محورية في الأساطير الهندوسية.

ويعني ذلك موتها من أجل الآلهة في الاحتفالات والطقوس، حيث يتم تقطيع أجزائها وهي حية، ويتم دفن أجزاء أجسامها في أساسات المعابد.

ولم تعد السلاحف تُسحب من البحر لاستخدامها في هذه الممارسات، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى مركز سيرانجان، المرتبط بالبر الرئيسي لجزيرة بالي عن طريق سد، وأصبحت هذه الحيوانات البحرية اليوم آمنة على الدوام تقريبا.

وصار من الممكن بشكل حاسم توعية السكان والسياح، بضرورة الحفاظ على هذه المخلوقات البحرية، وبينما يمكن من آن لآخر أن تقع بعض الحوادث للسلاحف بسبب مراوح الزوارق وخطافات الصيد، ولكن التطور الذي حدث هو أن الناس أصبحوا يعلمون الجهة التي يلجأون إليها طلبا للمساعدة لإنقاذها.

ويوضح وايان وهو ينظر بحب إلى "المريض" الذي يطل برأسه من المياه، "لدينا خط ساخن على مدار الـ 24 ساعة، يمكن للناس عن طريقه الاتصال بنا، وإخبارنا عن وجود سلاحف مصابة وأماكنها".

وكانت جزيرة سيرانجان حتى سنوات قليلة ماضية، مركزا لتجارة السلاحف بشكل غير مشروع، وقدم الطبيب البيطري إيدا باجوس وينديا أنديانا والذي يشتهر باسم جوس وين، مساهمة كبيرة في إنهاء هذا التقليد التراثي.

ومنذ أواخر التسعينيات من القرن العشرين، عمل جوس وين وهو محاضر في علوم الطب البيطري، لصالح فرع إندونيسيا من الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية، وقاد حملة حماية السلاحف البحرية، وإنهاء التجارة غير المشروعة فيها خاصة في بالي.

وتم تأسيس محمية ومركز سيرانجان لهذا الغرض عام 2006، ويقدم الرعاية لثلاثة أنواع من أنواع السلاحف السبع الباقية على قد الحياة، وهي السلاحف البحرية الخضراء، وسلاحف منقار الصقر البحرية، وسلاحف ريدلي الزيتونية.

ويقول جوس وين إن "مركز سيرانجان يوظف إمكانات التعليم والسياحة البيئية والحفاظ على الحياة البرية والأبحاث، مع تطوير الأعمال التجارية الصغيرة، لإعطاء السلاحف المهددة بالإنقراض فرصة أخرى للحياة في سيرانجان". وتم إنشاء فصول دراسية كاملة في هذه الجزيرة لتقديم مزيد من المعرفة بهذه الحيوانات البحرية، ويقدم جوس وين دورات تدريبية منتظمة، حول إدارة طرق حماية السلاحف البحرية.

وكانت النتيجة رائعة، فقد تراجعت التجارة غير المشروعة في السلاحف البحرية، إلى حد كبير في جزيرة بالي، ويعلم معظم سكان بالي الآن إنه لا ينبغي تناول السلاحف، وتحققت خطوة كبيرة للأمام، عندما تم تعديل الطقوس الدينية لتتكيف مع حماية السلاحف.

ويقدم مركز سيرانجان مجموعة من العينات، تخصص للاحتفالات الدينية بالتشاور مع الكهنة الهندوس، وأصبح كل شيء منظما بشكل صارم، مع كفالة عدم إلحاق الضرر بالسلاحف.

وخصص مركز سيرانجان الذي يتم تمويله عن طريق التبرعات، أيضا منطقة لبيض السلاحف التي يتم إنقاذها من الشواطىء، ويمكن في هذه المنطقة أن يفقس البيض بأمان، لتخرج منه السلاحف الصغيرة، ويتم إطلاقها في البحر بعد أيام قليلة.

ويقول وايان إنه يمكن للزوار التبرع بقليل من اليورو، "لتبني" بشكل رمزي سلحفاة خرجت حديثا من البيضة، وإطلاقها في البحر بعد ذلك، ويضيف "ومع ذلك لا يبقى على قيد الحياة منها إلا عددا قليلا، لأن هناك كثيرا من الأعداء الطبيعيين مثل الكائنات البحرية المفترسة".