No Image
منوعات

تطور الذائقة الموسيقية العمانية لتلائم حياة الأجيال الجديدة

07 يوليو 2023
كيف تشكّل الموسيقى والأغاني ذاكرتنا وثقافتنا؟
07 يوليو 2023

تعد الأغاني والموسيقى من أكثر العناصر التي تشكل ذاكرة الأجيال، لما تحمله في طياتها من ذكريات وتجارب ومشاعر ترتبط بالحياة والثقافة والتاريخ، فقد استخدم الإنسان الموسيقى على مر العصور للتعبير عن مشاعره وأفكاره وتجاربه ، وعليه تعدّ الأغاني عنصرًا أساسيًا في حياة الناس وتترك بذلك أثرًا كبيرًا في ذاكرتهم.ويتم من خلال الأغاني توثيق أهم الأحداث التاريخية والسياسية والاجتماعية، وكذلك تنقل الأغاني معاني وأفكارا ومواقف ترتبط بالثقافة والتقاليد والموروثات الشعبية؛ وبالتالي تصبح الأغاني والموسيقى تحكي قصصًا عن الأبطال والحب والحرية والتحديات.

وبالإضافة إلى ذلك، تُسهم الأغاني والموسيقى في تشكيل ذاكرة الأجيال، حيث يتم توارث الأغاني من جيل إلى آخر، ويتم إعادة تجديد الأغاني وتحديثها لتناسب ذوق الأجيال الجديدة. ومن خلال ذلك، تحفظ الأغاني ذكريات الأجداد والماضي، وتتم إعادة إحيائها في الحاضر لتصبح جزءا من ذاكرة الأجيال المقبلة.

ويهدف هذا الاستطلاع لمعرفة الدور الثقافي والسياسي الذي يرتبط بالموسيقى والأغاني، ودورها في تشكيل ذكرياتنا.

الذكريات الأولى

تعلّق الهنوف الفارسية الحاصلة على المركز الثاني في مهرجان الشروق لإبداعات طلاب الإعلام فئة البرنامج التلفزيوني بعنوان «الأغنية السياسية في الوطن العربي» أن جيل التسعينات بأكمله ارتبطت ذاكرته الموسيقية بقناة الأطفال سبيستون، من خلال شارات الرسوم المتحركة وفي الفواصل الغنائية التعليمية التي كانت تبثها القناة، وفي مرحلة لاحقة دخلت أشرطة الأناشيد التي تحمل الطابع الإنساني والتعليمي، بعدها جاءت القنوات الفضائية التي تبث الأناشيد الموجهة للأطفال مثل (طيور الجنة) و(كراميش) و(سناء) حيث كان الارتباط بأناشيدها وموسيقاها شائعًا جدًا في تلك الفترة. أما لاحقًا بدأت تتشكل ذائقتها الموسيقية الخاصة حيث كانت تستمع إلى عبدالحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم.

الموسيقى والهوية الثقافية

وتقول آلاء الرواحية الباحثة في الموسيقى العمانية: « كل شيء غير مادي يرتبط بالإنسان له دور كبير في تعزيز انتمائه للمكان الذي يعيش فيه، وإن وجود نشيد وطني للدول هو أكبر دليل على أهمية الموسيقى في صنع الهوية الثقافية للمجتمعات».

أما رحمة الكلبانية رئيسة قسم الإحصاء والمعلومات بعمادة شؤون الطلبة بجامعة السلطان قابوس فتعلق بأن الموسيقى دخلت منذ بداية حياة الإنسان في جميع مجالات حياته، فنجد الطقوس الدينية مشتملة على بعض المزامير والطبول، ونجد الموسيقى في مواسم من الزراعة والحصاد، ونجدها في حالات الفرح والحزن وحتى مراسم الدفن في العديد من الثقافات. وبالتالي تشكل الموسيقى جزءًا من ثقافة المجتمع اللامادية.

وتسترسل رحمة الكلبانية قائلة: الموسيقى ليست العامل الوحيد في تشكيل الذاكرة الجمعية والهوية الثقافية لكنها عامل مؤثر بلا شك، حيث نجد المجتمعات تتفاخر بذاكرتها الجماعية ووحدتها الاجتماعية والمتشكل جزء منها على شكل موسيقى نشاهدها في المتاحف الوطنية . ويمكن أن يكون في الموسيقى ما يوحّد أفراد المجتمع ويثير حماستهم تجاه قضاياهم، حيث نجد الكثير من الموسيقى والأغنيات الشعبية التي انتشرت في فترات زمنية حساسة من الذاكرة الجماعية للمجتمعات.

الموسيقى وتشكيل المواقف السياسية والاجتماعية

وعن دور الموسيقى والأغاني في تشكيل المواقف السياسية والاجتماعية فتعلّق رحمة الكلبانية أن الموسيقى أداة تعبير لأفراد المجتمع عن أفكارهم ومعتقداتهم ورغباتهم وسلوكهم الاجتماعي، وعلى إثرها أنتج الإنسان أنواعا موسيقية مختلفة على مر تاريخ الفنون، وهي أداة لتجييش المشاعر ودفعها باتجاه سلوكيات معينة قد تكون لها آثار إيجابية أو سلبية. ومع ذلك لا يمكن الجزم بدور الموسيقى المباشر في تشكيل المواقف السياسية، بل يتوقع أن يكون تأثيرها في توجيه المشاعر الفردية والجماعية لأفراد المجتمع نحو الموقف السياسي المعتمد من قبلهم، فتجدهم يهتفون بأنواع موسيقية تثير الحماسة تجاه القضايا السياسية والاجتماعية لمجتمعهم، أي هي وسيلة للتعبير عن الموقف السياسي وليس تشكيله.

أما سالم الرحبي فيضيف بأنه عندما نتكلم عن موسيقى تشكل الموقف السياسي فنحن لا نتحدث بالضرورة عن ذلك النوع من الفن الذي يقدم نفسه كمعارضة سياسية صارخة، إنما نشير إلى الفن الذي يقف من مجمل الأحداث والتغيرات العامة موقفا تعبيريا، لا أكثر.

ويسرد سالم أنه يعود بين الفترة والأخرى إلى سماع أوبريت «صوت النهضة» الذي تحدثَ عن مقدم القائد الواعد ثم تفرع لينشد عن التلميذ والمرأة والفلاح والعمال وتراث الأجداد في لوحات متعددة وحينها يجد أنه أمام حقبة كاملة من تاريخنا الوطني والسياسي في نشيد ملحمي أضحى اليوم من بواعث «النوستالجيا العمانية»، لكنه كان في حينه أكثر من مجرد عمل موسيقي وطني. والشعور ذاته يراوده حين يستمع أغنية عام الشبيبة العماني (1983) والتي لا يعرف الكثير من العمانيين أن مُلحنها هو الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، ويقول الرحبي «إنني أتحدث عن موسيقى جاءت لتموسِق الخطاب السياسي للدولة الجديدة في مرحلة حاسمة».

اختلاف التفضيلات الموسيقية

تعلّق الهنوف الفارسية أن الموسيقى تتغير مع مرور الزمن وهنالك الكثير من الشواهد التاريخية والمواد النظرية التي تحدثت عن تطور الأغنية عبر الزمن فكل أغنية تتناسب مع زمانها ومع إنسان ذلك الزمان وأن الأجيال تختلف في تفضيلاتها بالطبع، فالجيل الحالي يميل للموسيقى الأكثر بساطة والأكثر سرعة على عكس الأجيال القديمة التي تقف عند النوتة الموسيقية وتربط طول المقطوعة ومدى تعقيدها بكفاءة صانعها من عدمه.

ويضيف سالم الرحبي أن الزمن هو المختبر الحقيقي لأي عمل فني، أما الخلود الفني الذي يؤرق أي مبدع طموح فلا يعني مطلقا أن موسيقى أو اللوحة أو القصيدة ستقهر الزمن. أما الموضة فهي ليست مسألة سلبية دائما، سواء في الفن أو في الفكر والمعتقدات، فكثير من التيارات الفكرية التي صاغت معالم الفكر في عالمنا المعاصر ظهرت وتلاشت كموضة. أما في الموسيقى تحديدا والفن عموما، فالموضة ضرورية لإنعاش حياتنا الفنية والثقافية.