منوعات

المسجد الكبير في تومبوكتو.. إشعاع إسلامي وتحفة معمارية

30 يوليو 2021
30 يوليو 2021

تومبوكتو، العُمانية: يمثّل «المسجد الكبير» في مدينة تومبوكتو شمال مالي، والذي يُسمّى أيضًا «مسجد جينغارايبر الكبير»، تحفة معمارية لا تزال تُبهِر العقول رغم مرور سبعة قرون على بنائها ورغم كونها شُيّدت من الطين وليس من الخرسانة. وبالإضافة إلى دوره الديني والثقافي، يُشكِّل وجهة سياحية مقصودة في هذا البلد المسلم الواقع في إفريقيا الغربية. وتتواتر الروايات التاريخية على أنّ هذا المسجد المُصَنّف في التراث العالمي لليونيسكو، تم بناؤه في الفترة ما بين 1325 و1327 من التاريخ الميلادي حينما كان حاكم تلك البلاد الإمبراطور «كانكان موسى».

وجرت أعمال البناء تحت إشراف المهندس المعماري الأندلسي الأصل أبو إسحاق الساحلي الذي جلبه الإمبراطور في طريق عودته من الحج. وتقول المصادر: إنّ هذا المهندس البارع تلقّى مقابل تصميمه للمبنى المتشعب أجرًا قدره 12 ألف مثقال (أي حوالي 200 كيلوجرام) من دقيق الذهب الخالص وكان المعدن الأصفر (الذهب). ويعدّ «مسجد جينغارايبر الكبير» أضخم مسجد في تومبوكتو بل وفي إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء في تلك الحقبة، حيث يمكنه استيعاب 12 ألف مصلٍّ في صلاة الجمعة منها ألفان في الداخل والبقية في الباحة. ومن الناحية الفنية، تم تشييد هذا الصرح من الطين المحلي الممزوج بالقش؛ لأن المواد الصلبة وخاصة الحجارة، لم تكن متوفرة في تلك الصحاري الرملية. وجرى تدعيم سقفه بالأخشاب المقطوعة من النخل، وفقًا لنمط معماري سوداني صِرف ضَمَنَ القدرة الفائقة على الصمود حتى اليوم في وجه عوامل التآكل مثل الشمس والرياح وحتى في وجه الحروب. وتعلو مئذنتان اثنتان المسجد الذي يتضمّن 25 صفًا من السواري الطينية السميكة، بالإضافة إلى عدد كبير من الفوهات الصغيرة المتناثرة في السقف؛ بهدف توفير الإنارة انطلاقًا من أشعة الشمس وتأمين دخول الهواء الكافي إلى مختلف أجزاء المبنى، مع قابلية الإغلاق عند الحاجة كحالات التساقطات المطرية أو العواصف الرملية العاتية. وبفضل مواد البناء المُستخدمة وبالذات الطين، كان الجو داخل المسجد يتّسم دائمًا باللطف رغم الحرارة القاسية في الخارج. ونظرًا للحجم الكبير للمسجد، كانت عمليات صيانته وترميم ما تهالك منه تتطلب جهودًا جبّارة ومنتظمة حرص جميع سكان المدينة على الاشتراك فيها في إطار موسم سنوي عادةً ما يكون بعد نهاية الأمطار. وضمّ «مسجد جينغارايبر الكبير» جامعة لتدريس طلبة العلم توافد إليها الأساتذة والتلاميذ من كل حدب وصوب وبحسب بعض الروايات، فقد كانت هذه الجامعة تتسع لأكثر من 20 ألف طالب وكان أساتذتها من مختلف التخصصات- سواء كانت فقهًا أو فتوى أو قضاءً أو لغة أو ترجمة أو طِبًا أو هندسة أو فلكًا- يتقاضون أجورًا سخية من الإمبراطور. كما احتوى المسجد على واحدة من أكبر وأغنى المكتبات في شبه المنطقة بما فيها من مراجع بلغ عددها مئات الآلاف من مختلف التخصصات وهو ما منح «تومبوكتو» صيتها الذائع كمركز إشعاع إسلامي متميّز. ومع كل العناية المولاة لـ «مسجد جينغارايبر الكبير» على مرّ العصور وحتى اليوم، إلا أنّه لم يسلم من التهالك بفعل العوامل الطبيعية أو البشرية المتضافرة. وقد تمّ تسجيله منذ العام 1989 في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، واستفاد بعد سبع سنوات من ذلك التاريخ، من تمويل مقدَّم من طرف صندوق التراث العالمي لليونيسكو ضمن مشروع يحمل اسم «المحافظة على مساجد تومبوكتو».