منوعات

الفوضى الدرامية سببها منتجون لا يملكون الفكر ويتدخلون في أدق التفاصيل

24 يونيو 2022
الفنان محمد خير جراح لـ «عمان»:
24 يونيو 2022

المحطات بدأت تفرض شروطها وتتدخل في شكل المواضيع

الدراما السورية تعود عندما يعود المنتج والكاتب الحقيقي ولا يكرر الممثل نفسه

الإنتاجات العربية المشتركة وهم ودراما هجينة

العمل التاريخي وحده.. يتجاوز الحدود

أحد الفنانين المتميزين في الدراما السورية، ابن مدينة حلب الذي يحتفظ بلكنته الحلبية، وحضوره المحبب من خلال أدواره الخفيفة والفكاهية، برز في أدوار كثيرة ولعل أكثرها وصولا للجمهور شخصية «أبو بدر» في مسلسل «باب الحارة».

«عمان» حاورت الفنان محمد خير جراح ليتحدث عن تجربته الفنية وأدواره ولنتعرف على آرائه في بعض القضايا الفنية بكل صراحة.

قدمت أعمالا مسرحية وغنائية وبرامج تلفزيونية وإعلانات، إضافة للأعمال التلفزيونية والسينمائية، هل مطلوب من الفنان أن يكون في كل هذه المحافل وأين تجد نفسك أكثر تميزا؟

- فعلا أنا غنيت وعملت في المسرح وقدمت برامج تلفزيون ثقافية وترفيهية وللأطفال ومثلت، وأظن من حق الفنان أن يعمل كل هذه الأشياء، وإذا كان يمتلك المواهب والإمكانيات والمقومات فما الذي يمنعه..؟

عدد كبير من النجوم خاضوا هذه التجارب ولست وحدي، في سوريا وخارجها، ومع ذلك أجد نفسي كممثل أكثر من أي عمل آخر.

أحبك الجمهور في شخصية «أبو بدر» بـ«باب الحارة» مع أنك قدمت الكثير، أي الشخصيات أقرب إليك..؟

- كل الشخصيات قريبة من قلبي وأحبها، وكل شخصية منحتها اهتمامي ورسمت ملامحها وتعبت عليها وأخذت حصة جيدة مني ومن خصوصيتي، وأعتبرها مثل أولادي ولا يمكن التمايز بينها.

ما الشخصية التي حققت لك الشهرة أكثر، والعمل الأكثر أهمية...؟

- أكيد شخصية «أبو بدر» في باب الحارة، هذا المسلسل الذي حقق انتشارا واسعا على مساحة الوطن العربي وكل فئات الجمهور، واستطاع أن يوصلني كممثل للجمهور الذي حفظ تفاصيلها بعناية، واعتبرها شخصية مهمة ونتائجها لطيفة ومبهجة.

بالنسبة للعمل الذي أشعر أنه أكثر عمل متكامل ويعني لي الكثير، هو مسلسل «الخربة» الذي أخرجه الليث حجو عن نص للدكتور ممدوح حمادة عام 2011 ويعتبر من أهم الأعمال العربية الشعبية والكوميدية والسياسية الساخرة وتم العمل عليه بعناية كبيرة جدا.

كيف تتعاطى مع الشخصيات التي تمثلها..؟

- أتعاطى معها بناء على ماهو مكتوب، وضمن شروط الكاتب ورؤية المخرج، وبعدها تأتي تصوراتي وتفكيري فيها، وأبدأ البحث عن تفاصيلها وكيف يمكن بناؤها بطريقتي من خلال الشكل والكلام والحركات وتفاصيل صغيرة أخرى، ومن ثم يتم الاتفاق مع المخرج حولها، وبعد بناء التفاصيل وأثناء التصوير أقوم باستحضار كل تلك الأشياء، وهنا تبرز أدوات ومهارات الممثل، في مسلسلات الأجزاء قد تبدو الأمور بشكل آخر فأحيانا يتبدل المخرج ومواد العمل، ولكن أبقى حريصا على تفاصيل شخصيتي التي أقدمها حتى أحافظ على بصمتي الشخصية فيها.

كيف ترى واقع الدراما السورية والفورات الإنتاجية ...؟

- الحقيقة بعد النجاح والصعود العالي للدراما السورية على مساحة الوطن العربي تعرضت لانتكاسة لم نستطع الخروج منها رغم وجود بعض الأعمال التي حققت بعض النجاحات في هذا الوقت.

المشكلة تكمن أساسا في الإنتاج في حد ذاته، الإنتاج لدينا عبارة عن أناس دخلت على المهنة لا أعرف كيف ولا بأي طريقة، لا يوجد منهج واضح، يعني عبارة عن منتج لديه المال ربما يأتي به أحدهم ويقنعه أن هذه المهنة مربحة، وفي الحقيقة عدد كبير من هؤلاء لا يمتلكون الفكر والمعرفة والدراية الكاملة بعملية الإنتاج الفني، وبالتالي عندما يكون الإنتاج بهذه الشكل سوف يستخدمون أدوات غير صحيحة وغير عملية، ويصبح أي شخص يريد أن يدخل في هذه المجال، سواء كان كاتبا أو ممثلا أو مخرجا أو مصورا أو..، سوف يكون له ما يريد، ويصدق نفسه أنه أصبح مخرجا وكاتبا وممثلا، دون دراية ومهنية ودراسة علمية، وتصبح هذه صنعته، هذا ما يفعله الإنتاج السيئ.

بالإضافة للمسؤولية الحقيقية والإدارية والقانونية للجهات الوصائية على قطاع الإنتاج الدرامي بسوريا من وزارة الإعلام، إلى لجنة صناعة السينما والتلفزيون، إلى نقابة الفنانين، كلهم يتحملون مسؤولية كبيرة في هذا الفلتان والفوضى التي حدثت بعالم الإنتاج الدرامي والتلفزيوني، لا يجوز هذا أبدا، ولا يكفي أنك تحب عملا وتمارسه، حتى لو درس الممثل أو المخرج تكون دراسته بناء على الرغبة وليس على الإمكانية، الرغبة شيء والإمكانية شيء آخر، أنا أتمنى أن أكون لاعبا مثل «ميسي» ولكن لا أمتلك موهبته فكيف أصبح لاعبا مهاريا!!، ونفس الشيء ينطبق على المخرج والممثل.

المسؤول عن هذه الفوضى والفلتان الجهاتُ الإنتاجية والمنتجون غير المنضبطين وغير المقننين الذين سببوا وسيبقون مسببين لفترة طويلة في تهتك وضعف شكل الإنتاج السوري على وجه الخصوص بعد أن بدأوا التدخل بأدق التفاصيل بدءا من النص إلى اختيار الممثلين وأماكن التصوير إلى شكل الملابس إلى الموسيقى التصويرية إلى التيترات وغيرها الكثير. القصة مزعجة جدا ونتائجها ظهرت في تكرار الأعمال التي أصبحت متشابهة وبدون هوية ولمسات فنية، وبتقليد أعمى مع بعض التغييرات الطفيفة جدا التي لا تؤدي سوى لتغيير الشكل وتأتي بلا طعم ولا لون.

وهذا الكم من الأعمال هذا الموسم ألا يبشر بالخير...؟

- هي ليست بالكم الهائل، إنها بحدود 18 أو 20 مسلسلا تم إنتاجها هذا العام، وليس كما يُذكر، ولنفترض أنه تم إنتاج هذا الكم، فكم عمل منه تمت مشاهدته من قبل الجمهور ووصل إليه، وبالأخص خارج المساحة السورية التي يسعى لها الإنتاج السوري ليكون موجودًا لأن وجود شاشتي عرض في سوريا لا يغطي تكاليف الإنتاج، هناك عملان لاقيا مشاهدات عربية واسعة هما «كسر عظم» و«مع وقف التنفيذ» فقط.

الأعمال لم تعد تجد سوقا للعرض، المحطات الخارجية بدأت تفرض شروطها، بدأت تتغير ولها ظروفها، بدأت تتدخل في شكل المواضيع المطلوبة، وحتى المعلن بدأ يتدخل، حتى المنصات تتحكم بنوعية العمل..!

قبل الألفية الثانية كانت الأعمال في مصر وسوريا تُنتج وتَنتهي كاملة، ومن ثم يتم تسويقها. الآن المعادلة مقلوبة، وهناك استثناءات قليلة جدا، الغالبية تنتج وتتورط في الإنتاج ومن ثم تضطر لبيعه بثمن بخس فقط لأن بعض المحطات مضطرة لكي تعرض عمل.

العودة ليست صحية للدراما السورية، وستكون معافاة عندما يعود المنتج الحقيقي والكاتب الحقيقي، هناك غياب شبه كامل للكتاب الذين لهم وزن في الدراما، ودعني أقول لك إن غالبية الأعمال هي تجارب أولى أو مستنسخة..!

هذا السؤال وجهته لكثير من الفنانين حول مضمون الأعمال وتعاطيها مع السلبي في المجتمع السوري فقط، وأنت ماذا تقول...؟

- الدراما بشكل عام تقوم على التقاط الصراعات والتناقضات وتسلط الضوء على الأمور الإشكالية، دائما في صراع بين السلبي والإيجابي، لا يمكن أن تكون هناك دراما دون حبكة مثيرة وصراع بين الخير والشر، نعم يجب أن تكون هناك قصص الحب والخيانة، ولكن متى تصبح مثل هذه القصص مزعجة، عندما تتكرس وتتكرر، ولا يأتون بشيء جديد، وهذا يقودنا إلى عملية استنساخ أعمال البيئة الشامية، وما يحدث فيها.

التنويع في الأعمال الدرامية باعتقادي من مسؤولية الجهات أو الهيئات المشرفة على الإنتاج أو الرقابية التي يجب أن تنظم العملية الإنتاجية، قد تأتيها سبعة أو ثمانية أعمال بنفس الموسم وتتناول نفس الموضوع وتوافق للكل، ولا تعطيها الملاحظات حولها ولا تشير للتكرارات، ولا يتم التنسيق حتى بالنسبة لاختيار الممثلين، حينها نكون قد وقعنا في مصيبة كبيرة، لذلك هناك تشابه في أدوار الممثلين وفي أدائهم ويقع المتفرج في حيرة ويقول ألا يوجد غير هذه المواضيع و سوى هؤلاء الممثلين..؟

هل أنت راض عن مسيرتك الفنية حتى اليوم، وهل وصلت للهدف الذي تسعى إليه؟

- لا أعرف أن كنت راضيا أم لا، وهل حققت طموحي، والله لا أعرف، ما زلت اشتغل إلى أن أتوقف، هناك أعمال كثيرة كنت أتمنى أن أعملها ولم تتحقق، وبالنسبة لشخص مثلي وبإمكانياته الفنية والظروف التي مر بها اعتبرها إنجازات كثيرة وكبيرة بلا شك وفخور بها وسعيد، وهذا يعني إنني راض على ما قدمت وصابر أيضا.

هناك «شللية» في الوسط الفني، هل يجب أن يكون لدى الفنان شلة معينة كي يعمل، وما ضرر هذا الشيء على الفن؟

- الشللية في الدراما مثل أي شللية قد تحدث في فريق عمل يعمل مع بعضه البعض وتصبح الشللية مؤذية عندما تقوم بتشغيل أناس غير مؤهلين لهذا النشاط فقط لانتمائهم لهذه الشلة، أما إذا كانت الشلة تمتلك إمكانيات كبيرة ومواهب لا يمنع أن يعملوا مع بعضهم في الإنتاج والإخراج وغيرها من الأمور الفنية، وهذا شيء طبيعي وموجود بكل الدنيا وحتى في الأعمال الأجنبية هناك تكرار لطواقم العمل وهذا ليس غلطا.

الزخم الدرامي في رمضان، هل ينصف الأعمال ...؟

- ما نشاهده في شهر رمضان المبارك مرهق جدا، وحسب الإحصائيات المطروحة فقد تم عرض حوالي 175 عملا، قد يكون أكثر أو أقل قليلا، وموزعة على كافة شاشات الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، هذا شيء غير مريح نهائيا، ومهما حاولت كمتفرج لديك الوقت أن تشاهد وتتابع لن تستطيع أكثر من عملين أو ثلاثة وتكون في قمة التركيز فيها، ويمكن اعتبار هذا الزخم الدرامي جيدا عندما تجد أناسا لديهم رغبات بمتابعة نجم ما أو مخرج يحبون طريقة عملهما أو أدائهما، ولكن للأسف إن الدراما باتت اليوم تقتصر على نوع أو نوعين من الدراما الاجتماعية والكوميدية، ولايوجد تنوع كبير.

وأنا شخصيا تابعت عملين فقط في شهر رمضان سوريا ومصريا، ففي هذا الزخم تختفي المتعة ويختلط الحابل بالنابل.

موضة الدراما العربية المشتركة كيف تراها، هل تلامس الطموح من حيث المعالجة وطرح الموضوعات فيها؟

- الدراما العربية المشتركة حتى الآن السيطرة الواسعة فيها للإنتاج اللبناني، هناك محطة أو محطتان تنتجان هكذا أعمال مشتركة، في الحقيقة العمل شكله لبناني وغالبيته سوري، هل هذا اسمه دراما عربية مشتركة..؟ طبعا لا أبدا هذه دراما هجينة وليست عربية مشتركة، الدراما العربية المشتركة كانت تُعمل في السبعينات والثمانينات، مثل مسلسل «دليلة وزيبق» كان فيه ممثلون من سوريا والعراق والأردن والكويت، المسلسل العربي المشترك يكون فيه ممثلون من غالبية الدول، أما هذه الأشكال من الأعمال هي أشكال هجينة، حتى لو لم يصرح عن حقيقتها، يأتون بممثلين وبعض أدوات الإنتاج، وكانت سابقا يتم تصويرها في سورية، واليوم في لبنان حيث تُدار شركات الإنتاج هناك وبمواضيع تناسب ميول المحطات حصرا وشركات الإعلان المرتبطة بها المحطات التي تطلب هذه النوعية من الأعمال أو حتى على مستوى منصات المشاهدة الخاصة على الأنترنت، إنها نوع من أنواع الشغل، بعض الأحيان تكون موفقة عندما تكون قصيرة في بعض الأحيان يأتي التلميح لماذا هذا العمل موجود هنا؟، وأسئلة أخرى. هذه لا يحتاج مبررات، قد لا تشاهد عملا يعالج قضايا مهمة وإنما يقدم مواضيع تجذب الجمهور للمشاهدة أما من خلال الحكاية أو النجم في المسلسل. هذا مختصر الدراما العربية المشتركة حتى لو استطاعت أن تحقق مشاهدة وحضورا عربيا إلا أن هذا هو نوع المسلسلات فيها، كلامي ليس مذمة بل توصيف لها فقط.

الدراما الخليجية استطاعت أن تنافس في السنوات الأخيرة وقدمت أعمالا مهمة ومواضيع متميزة، ماذا تحكي لنا عنها؟

- لاشك أن الخليج أصبح ينتج مسلسلات بكم كبير، وخاصة أنه هو المساحة الأبرز والأهم بالنسبة للعارض العربي بشكل عام، كل الدول العربية التي تنتج، يهمها أن تعرض على بعض المحطات الخليجية، لأن المردودية كبيرة بسبب القوة المالية التي تمتلكها هذه التلفزيونات سواء كانت حكومية أو خاصة، وأسواقهم قوية.

من الطبيعي أن يزدهر الإنتاج الخليجي، شبابهم درسوا وتعلموا الإخراج والتمثيل وكل الأمور الفنية المتعلقة بالإنتاج، ولكن أين الإشكال هنا، الإنتاجات العربية بشكل عام وليس الخليجية، يوجد مسلسلان أو ثلاثة منها قد تعرض على كل الشاشات العربية قاطبة، إما يكون مصريا أو سوريا، في حين لاتشاهد باقي الإنتاجات العربية معروضة إلا في نطاق ضيق، مثلا المسلسل الخليجي لا يعرض في الجزائر أو تونس أو السودان، ولا تجد مسلسلا ليبيا يعرض في البحرين أو الأردن أو سوريا ومصر ولبنان.

وحده الإنتاج التاريخي العربي المشترك يتعدى الحدود بشكل واسع أيّا كانت جهة الإنتاج، لكن المسلسلات البيئية والاجتماعية أو الكوميدية لا أعتقد أنها قادرة على الانتشار أكثر وأوسع.

ماذا تقول عن هؤلاء:

المخرج المرحوم بسام الملا: قامة.

المخرج نجدت أنزور: مخرج الروائع.

الفنانة منى واصف: سنديانة شامية.

الفنان دريد لحام: يمثلنا جميعا.

الفنان أيمن زيدان: إمكانية تمثيلية وفكرية.

الفنان تيم حسن: موهبة استثنائية.

الفنان أيمن رضا: موهبة خارقة.

المنتج محمد قبنض: الله يهديه.

جيل الشباب من الممثلين: مبشرون، وأتمنى لهم التوفيق.