مرور نصف قرن على إنقاذ آثار النوبة وأبوسمبل جنوبي مصر
تتزامن هذه الأيام مرور نصف قرن من الزمان على المشروع الدولي، الذي أطلقته منظمة اليونسكو لإنقاذ معابد أبوسمبل جنوبي مصر من الغرق.
وتكتسب ذكرى انقاذ آثار أبوسمبل أهمية خاصة لدى العالم أجمع، حيث يرى كثيرون أن نجاح مبادرة اليونسكو لإنقاذ آثار وتراث تلك المدينة الضاربة في أعماق التاريخ، فتحت الباب واسعا أمام أطلاق مبادرات لإنقاذ آثار مدن أخرى حول العالم.
وبحسب (د ب أ) فقد أعلنت مصر ومنظمة اليونسكو عن إقامة احتفالات محلية ودولية إحياء لتلك المناسبة، وتستمر خلال الربع الأخير من العام الجاري، وحتى العام المقبل 2019.
وأبوسمبل الواقعة جنوبي مدينة أسوان، كان بها معبدان منحوتان في الصخر بالجبل الرملي الغربي، وشيدهما الملك رمسيس الثاني.
وأما المعبد الكبير الذي خصص لعبادة إله الشمس “ رع . حور . أختي “ فقد تزينت واجهته بأربعة تماثيل ضخمة للملك وهو في وضع الجلوس.
وقد صور على جدران بهو الأعمدة في المعبد الكبير، تفاصيل معركة قادش التي انتصر فيها الملك رمسيس الثاني، على الحيثيين، والتي انتهت بتوقيع معاهدة سلام هي الأولى في التاريخ، بجانب مناظر دينية وحياتية وحربية رائعة.
أما المعبد الصغير فقد أقامه الملك رمسيس الثاني تكريما لزوجته نفرتاري “ جميلة الجميلات “ وقد تزينت واجهة ذلك المعبد بستة تماثيل ضخمة، وقد جرى تكريس المعبد لعبادة الربة حتحور.
وعند إقامة السد العالي في جنوبي مصر، تعرض المعبدين الكبير والصغير لخطر الغرق، فجرى نقلهما لحمايتهما إلى منطقة مرتفعة فى مشروع هو الأضخم من نوعه فى العالم.
وقد بنى رمسيس الثاني معبدي أبوسمبل، من خلال رؤية هندسية تحمل دلالات دينية عميقة، ورمزية قومية، تؤرخ لبطولات الملك رمسيس الثاني، ومنجزاته في شتى مناحي الحياة.
وكان المستكشف الإيطالي، جوفاني باتيستا بيلزونى، قد قام في العام 1817، بإزاحة الأتربة عن معبد ابوسمبل الكبير وكان أول من دخل المعبد، وذلك خلال ثلاث رحلات استكشافية قام بها على ضفاف نهر النيل بمصر في الفترة ما بين عامي 1815 و1819 ميلادية.
إنقاذ 22 أثرا :
وبدأت الدعوة لإنقاذ معابد أبوسمبل، في عام 1961، حين وجه الإيطالي فيتورينو فيرونيزى، المدير العام لمنظمة اليونسكو آنذاك، بإطلاق حملة عالمية لإنقاذ المعبدين الشهيرين من الغرق في مياه النيل.حيث جرى عقد مؤتمر بمشاركة ثلاثة عشر دولة، اتفق مندوبوها على الإسراع فى إنقاذ آثار ابوسمبل، وشملت الحملة انقاذ 22 أثراً ومعلما من آثار النوبة في جنوب مصر، في أكبر مشروع استهدف إنقاذ آثار مهددة فى التاريخ.
وقد قامت فكرة إنقاذ معابد أبوسمبل على تقطيع آثار المعبدين إلى عدد من الكتل وترقيمها ثم إعادة بنائها مرة أخرى في مكان مرتفع وآمن بعيدا عن المياه .
وقد ارتبطت الكثير من الأسماء الدولية بمشروع إنقاذ معبدي ابوسمبل وآثار النوبة، وبخاصة بعض الشخصيات الإيطالية، مثل الإيطالي فيتورينو فيرونيزى، المدير العام لمنظمة اليونسكو، وصاحب مبادرة انقاذ آثار ابوسمبل والنوبة، والطبوغرافي الإيطالي ، انجلو بيريكولي ، وشركة ساليني ايمبر يجيلو الإيطالية التي أوكل لها مهمة تقطيع الآثار التي جرى نقلها لموقع آمن لحمايتها من الغرق في النوبة وأبوسمبل، حيث استعانت الشركة بخبراء من محاجر مدينة كارارا ، الذين يعرفون بخبرتهم الكبيرة فى ذلك المجال.
لكن أكثر ما أدهش العالم، بالنسبة لمشروع نقل وإنقاذ معبدي أبوسمبل، هو أن عملية النقل تمت برغم صعوبتها، بدقة هندسية عالية، ساهمت فى استمرار حدوث ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، داخل قدس أقداس أبوسمبل، كما كان يجري في الموقع الأصلي للمعبدين.
ولا يزال العالم يتابع حتى اليوم، طقوس تعامد الشمس على معابد أبوسمبل، في شهري أكتوبر وفبراير من كل عام.
ولا تقتصر اهمية أبوسمبل على وجود المعبدين الشهيرين اللذين شيدهما الملك رمسيس الثاني، وأنقذتهما منظمة اليونسكو من الغرق، إذ تحتوى ابوسمبل على مواقع تاريخية مهمة ، مثل وادى النبطة الذى عثر به على أول ساعة حجرية وأول بوصلة عبر التاريخ القديم، ومعالم أخرى كشفت عن الكثير من أسرار الفلك والتقويم ومعرفة الجهات الأربع وغيرها مما تفردت مصر القديمة من علوم الفلك والهندسة..
