No Image
عمان اليوم

موسم الحضور في مجتمع البدو العماني .. تقليد عتيق تتوارثه الأجيال !

18 يونيو 2021
عادة اجتماعية سنوية لسكان ولايتي محوت والدقم بمحافظة الوسطى
18 يونيو 2021

فوائد اقتصادية ملموسة تتحقق من قدوم الحضّار إلى المدن

يرتبط البدو ارتباطًا وثيقا بالقبيلة ، وسننها وأعرافها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية

استطلاع وتصوير: ناصر الخصيبي وخالد الجنيبي

ينفرد موقع السلطنة الجغرافي بتفاوت طبيعتها وتنوع مناخها مما أدى إلى تعدد البيئات وأنماط المعيشة فيها. حيث يؤدي ذلك إلى عدم إمكانية البقاء البقاء بتلك المناطق والتنقل منها من بعض قاطنيها ، لأنها لا تسمح لهم بالعيش فيها واستثمارها واستغلال خاماتها في فترة زمنية محددة سواء بسبب تقلبات الطقس أو اضمحلال الموارد الاقتصادية ، بها مما يؤدي إلى الترحال أو ما تسمى بالهجرة الموسمية من منطقة إلى أخرى ، وسواء كان هذا الانتقال فرديّا أو جماعيّا فإن هذه العادة يلتزم بها السكان البدو في العديد من ولايات السلطنة .

وبدو ولايتي الدقم ومحوت بمحافظة الوسطى يعدون من أبرز البدو الذي يلتزمون بعادة الحضور إذ تعتبر ولاية أدم وبلدة سناو بولاية المضيبي من أبرز الولايات التي تستقطب أعدادًا من سكان الدقم ومحوت بمحافظة الوسطى والتي يتأثر طقسها بالرياح الموسمية القادمة من بحر العرب والمحملة بالرياح في موسم الصيف غالبًا ، مما يدفع سكان هذه القرى بالترحال لفترة زمنية تمتد حتى ثلاثة أشهر ابتداء من شهر يونيو وحتى نهاية شهر أغسطس من كل عام.

تباشير القيظ !

ومع بدء موسم تباشير القيظ في معظم محافظات السلطنة الشمالية ، بداية موسم كل صيف يستعد الأهالي للانتقال بشكل كامل مع مستلزماتهم المنزلية متعددة الأغراض ، وهو موسم يطلق عند البدو موسم " الحضور" وعادة يبدأ بعد انتهاء الطلبة من الموسم الدراسي حيث يحضر أهالي القرى الساحلية المطلة على بحر العرب ، والأسر القاطنة في الأودية والرمال والصحاري بولايات محافظة الوسطى للتصييف بين واحات النخيل بولاية أدم وبلدة سناو ، وهي عادة اجتماعية جميلة قديمة تمتد إلى مئات السنين يختلط فيها سكان هذه الولايات بالولايات الأخرى مشكلين مجتمعا متماسكا متعدد الثقافات والعادات كما تسهم هذه العادة ، في تقوية أواصر المحبة والتكافل والتعارف فيما بينهم، حيث تنشط بشكل ملحوظ الحركة التجارية والاقتصادية في الأسواق والمحلات التجارية خلال موسم الحضور من خلال توفير وبيع أهالي ولايات محافظة الوسطى الثروة الحيوانية من إبل وأغنام وكافة أنواع الثروة السمكية في هذه الأسواق ، وشراء التمور والرطب وبعض المستلزمات الضرورية لعائلاتهم.

لقاءات وتجارب !

وللاستطلاع عن هذه العادة الاجتماعية الفريدة من نوعها في السلطنة إن كانت لنا وقفات تضيء بعض العلامات الاستفهامية عن هذه الهجرة الصيفية، حيث التقينا مع عدد من الأهالي للتحدث حول الحضور ، وأهمية موسم الحضور للاطلاع على تجاربهم خلال موسم الصيف وهو موسم القيظ.

يقول علي بن عليّ بن سالم المحاربي من ولاية محوت وأحد القاطنين في بلدة سناو فترة القيظ : إن الطبيعة البدوية لا تتقيد بالمعيشة في منطقة واحدة ، فأينما وجد الماء والمرعى تشد الرحال إليها وهذا ما وجدناه قديما ، ومن عاداتنا في التنقل عادة الحضور إلى أماكن وجود متطلباتنا واحتياجاتنا وخاصة في فصل الصيف، أما وسائل الترحال في القديم كانت الجمال والإبل أما الآن وتماشيًا مع التقنيات العصرية ومع وسائل النقل الحديثة نقوم باستخدام السيارات وخاصة ذات الدفع الرباعي.

ويقول ماجد بن باروت الجنيبي من سكان ولاية الدقم والقاطنين هذا الصيف بولاية أدم : تعتبر عادة الحضور هي تجسيد سنوي عن رحلة القيظ ، وهي من العادات القديمة لسكان ولايات الوسطى إلى ولاية المضيبي وولاية أدم ، والهدف من هذه الرحلة حضور موسم القيظ ، ومن ثم أخذ المواد الغذائية الأساسية كالتمر والأرز وغيرها ونظرا لشح توافرها في ذلك الزمان ، في أماكن سكنهمَ وفي هذه الرحلة السنوية لها فوائد مشتركة للطرفين حيث كان الحضّار من أهالي الدقم ومحوت ، يجلبون معهم الأسماك المجففة والمواشي وبعض المنتوجات والأعمال الحرفية يتم بيعها والشراء بمبالغها المستلزمات والاحتياجات المختلفة كاستطناء نخيل التمر أثناء تواجدهم بموسم القيظ ، وبعد عودتهم من الموسم يحملون بعض احتياجاتهم منها التمور.

مضيفا : إن الحاجة في السابق كانت ملحة لتوفير المواد الغذائية ، ما الآن أصبحت عادة اعتاد عليها أصحاب المناطق الساحلية والقاطنين في الأودية للقرب من الأسواق الكبيرة وكذلك لارتباط مجموعة كبيرة منهم بالمكان نتيجة شراء مزارع وبيوت في آدم والمضيبي، وقد نتج عن هذه الرحلة وجود روابط اجتماعية بين الجميع ومازالت العادة محل اهتمام.

أسباب الترحال !

ويواصل عوض بن راشد الجنيبي حديثه عن أسباب الترحال قائلا: هي رحلة سنوية موسمية عرفها الأجداد قديمًا حيث يقوم بها معظم أهالي قرى وولايات محافظة الوسطى متوجهين إلى محافظتي الداخلية أو الشرقية شمال غالبًا رغم أن الطقس في معظم ولايات محافظة الوسطى يتميز خلال شهر يونيو وحتى نهاية أغسطس بطقس صيفي رائع حيث لا مجال لاستخدام المكيفات هناك خلال تلك الفترة في الوقت الذي فيه قد ترتفع فيه درجات الحرارة في بعض ولايات السلطنة الأخرى ، ولكن لكون البدوي مصدر رزقه: الإبل والماشية وخوفا من تقلبات الرياح القارسة فإنه يبحث عن مصدر ومورد رزقه في منطقة أخرى، وقدومنا إلى ولاية أدم ما هو إلا للبحث عن مورد الرزق وهروبًا عن التقلبات المناخية حيث يقوم البدوي بجني ثمار النخيل بجميع أنواعها وجمعها ليقتات بها في فصل الشتاء وتوفير الأعلاف الحيوانية وحملها إلى المناطق التي يقطن بها.

إرث الولايات الساحلية !

يتحدث محمد بن حميد الحكماني من ولاية محوت بأن موسم الحضور يعتبر من الإرث لأصحاب الولايات الساحلية بمحافظة الوسطى وخاصة ولاية محوت ، حيث اعتاد الناس على هذه العادة من زمن قديم يعود لما قبل السبعينيات وذلك لأن موسم الحضور والتنقل من ولاية محوت إلى سناو بولاية المضيبي ، وولاية أدم لأخذ قسط من الراحة بسبب عناء السفر من جزيرة محوت التي تعتبر ميناء ومرسى في ذلك الوقت للسفن التي تبحر من محوت إلى زنجبار والسواحل والمكلا وعدن لتبادل التجارة وبسبب وجود الرياح الموسمية وكذلك تعتبر فرصة جيدة للتعارف مع المجتمع في المضيبي وأدم والتزود بالتمور الذي يعد من الأمور الأساسية في هذه العادة الطيبة ناهيك عن انتعاش التجارة والحركة بين هذه الولايات في هذا الموسم.

الحياة البدوية اليومية

يسرد لنا سالم بن سعيد الجنيبي عن الحياة البدوية اليومية قائلا: أن اليوم يبدأ بالنشاط والحيوية وذلك بحلب الإبل وإطعامها ورعي الماشية في المناطق الصحراوية التي يبسط وينتشر بها المرعى لتقتات به وأيضا جني وجمع ثمار النخيل لاستعماله اليومي ولكي يحمله عائدا به من رحلته الصيفية.

وحول العادات والتقاليد يحدثنا الجنيبي أنه ما زال أبناء البادية متمسكين بعاداتهم ومحافظين على تقاليدهم ، التي توارثوها وقيمهم المتأصلة مع الاعتزاز بالأخلاق المرتبطة بالبادية وتاريخها القديم.

روافد وتعاون اقتصادي

وأوضح حمد بن سالم بن سيف المحروقي من أبناء ولاية أدم ان الحواضر البدوية المبنية بسعف النخيل بدات تتلاشى لاستبدالها بالمباني الحديثة ، فكان قديما عندما تقترب إلى إحدى الحواضر البدوية في الولاية تجد حفاوة اللقاء وسعة الصدر ، حيث تدنو منهم وكأنك تنتمي لتلك القبيلة التي يربط بينهم الترابط الأسري وامتزاج الصفات والشمائل الحميدة فتقعد معهم بعد مناشدتك أو تبادلك عن العلوم والأخبار التي قدمت بها، بعدها تحتسي فنجانا من القهوة العمانية محلاة بالرطب أو التمر ، وما أن تشرع معهم بالحديث إلا و أهل الحاضرة يأتون إليك داعينك أن تلتمس منهم كرم الضيافة وحسن الاستقبال والإيثار والأخلاق النبيلة حيث يرتبط البدو ارتباطًا وثيقا بالقبيلة ، وسننها وأعرافها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ويشتهر البدو بالترابط الأسري الوثيق بالاحترام المتبادل بين بعضهم البعض وبتعاونهم الوثيق فيما بينهم .

ضروريات الحياة !

ويتحدث عبدالله بن سالم الهاشمي من أبناء ولاية أدم قائلا: لقد دأبت الحكومة بمساعي شتى لكي تحظى الحياة البدوية بالكثير من الخدمات والمشاريع اللازمة رغم صعوبة التضاريس ، أو صعوبة معيشتهم الحياتية التي يغلب عليها الترحال من مكان إلى آخر بحثا عن موردهم ومصدر رزقهم فقد قامت الحكومة بتوفير البنى الأساسية لهم مثل: التعليم والصحة والماء والكهرباء وغيرها من الخدمات حيث حظيت البادية بمختلف الخدمات التي وصلت المناطق البدوية متحدية كل العوائق والصعوبات .

وقد تحقق لهم ما يصبون إليه من ضروريات الحياة ، وغيرها من الخدمات الحكومية التي غطت أرجاء هذا الوطن ، مضيفا أن عادة الحضور هجرة موسمية من منطقة إلى أخرى، فردية وجماعية، ابتداءً من شهر يونيو وحتى نهاية شهر أغسطس من كل عام ويأتي قدوم أهل البادية للولايات والمدن ، ليس لنقص أو قلة الخدمات في مناطقهم ولكنها أصبحت عادة مجتمعية لديهم للتنقل والتنوع وكذلك من ضمن الأسباب لقدومهم وجود ما يسمى موسم القيظ، وهو بداية مواسم الرطب بالإضافة إلى قضاء إجازتهم في المدن مضيفا أن هناك فوائد كثيرة لأبناء المدينة أو الولاية لقدوم الحضّار حيث تصبح هناك قوة شرائية بالولاية وكذلك يقوم الحضّار بالبحث عن منازل للاستئجار لذلك ينتعش هنا قطاع العقارات في تأجير المنازل والشقق ، كما يصبح هناك زيادة دخل لأصحاب المحلات التجارية مما يعود بالنفع لأهل الولاية كما يستفيد أهل الولاية من أهل البادية الحضّار بشراء الأضاحي منهم مثل: الماعز والجمال وغيرها. لذلك نرى أن هناك انتعاش وتبادل منافع بين أهل البادية وأهل الحضر خلال هذه الفترة والتي تعود بالفائدة للجميع في تحقيق ألفة ومحبة وتعايش مجتمعي وتعارف يتم من خلاله تحقيق الاستقرار والمصالح المشتركة للطرفين.