عمان اليوم

مشروع مسح الثدييات البحرية.. يرسم خريطة علمية دقيقة للتنوع الأحيائي

13 نوفمبر 2025
رصد 4 أنواع من الدلافين في مياه محافظة مسندم
13 نوفمبر 2025

أنهت هيئة البيئة بمحافظة مسندم مشروع مسح أنواع الثدييات البحرية في شمال سلطنة عمان، الذي يعد واحدًا من أهم مشاريعها العلمية في مجال البحث والرصد البيئي البحري.

يهدف المشروع إلى إعداد قاعدة بيانات علمية دقيقة تسهم في تعزيز جهود حفظ وإدارة البيئة البحرية وتوثيق الأنواع والمواسم والمواقع التي تنتشر فيها هذه الكائنات الحساسة في سواحل محافظة مسندم ويمثّل هذا المشروع خطوة نوعية في بناء خريطة علمية وطنية للتنوع البحري في سلطنة عُمان ويسعى إلى تمكين الباحثين وصُنّاع القرار من فهم ديناميات النظام البيئي البحري واتخاذ القرارات المناسبة لحمايته وضمان استدامة موارده الطبيعية.

نتائج ميدانية ثرية

وتحدثت عايدة الجابرية مديرة المشروع عن نتائج المسوحات الميدانية فقالت: إن نتائج المسوحات الميدانية التي أُجريت خلال الأعوام 2023 و2024 والمرحلة الأولى من عام 2025 أسفرت عن تسجيل خمسة أنواع من الثدييات البحرية في مياه محافظة مسندم وشملت هذه الأنواع أربعة أنواع من الدلافين هي دولفين المحيط الهندي الأحدب والدولفين الدوار (سبينر) والدولفين العادي ذو المنقار الطويل والبقع الصفراء والدولفين قاروري الأنف بالإضافة إلى حوت برايدس الذي يُعد من الحيتان المتوسطة الحجم المنتشرة في المياه الدافئة وتُعد هذه النتائج مؤشرا مهما على غنى التنوع الأحيائي البحري في المحافظة ونجاح الجهود الوطنية في رصد الأنواع المهددة بالانقراض ودراسة سلوكها ومواقع تكاثرها وتغذيتها.

وأوضحت الجابرية بأن المرحلة الأخيرة من مشروع المسح قد اختتمت وشمل المشروع تنفيذ أعمال ميدانية دقيقة لرصد التنوع الأحياء الأحيائي البحري وتحديد مواقع انتشارها وبناء قاعدة بيانات متكاملة تسهم في حماية واستدامة البيئة البحرية.

شراكة ومسؤولية

وقالت المهندسة عايدة الجابرية مديرة المشروع بأنه إدراكًا من هيئة البيئة لأهمية البعد المجتمعي في حماية الحياة الفطرية حرصت على أن يتضمن المشروع فعاليات توعوية وتدريبية موجهة للفتيات والطلبة والمجتمع المحلي بهدف تعزيز الثقافة البيئية وترسيخ مفهوم المسؤولية المشتركة في صون الموارد الطبيعية حيث نظمت الهيئة العديد من الفعاليات التدريبية خاصة للفتيات والنساء ضمن أنشطة المشروع منها ورش فنية متنوعة حملت في طياتها رسائل بيئية مبتكرة وشملت الورش الرسم على الحقائب الصديقة للبيئة وتحويل عبوات الزيت إلى أعمال فنية تُجسّد أشكال الحيتان والدلافين إلى جانب صناعة ميداليات وأساور رمزية مستوحاة من البيئة البحرية مشيرةً إلى أن مثل هذه الفعاليات والبرامج تأتي ضمن خطة الهيئة الرامية إلى إشراك المرأة والفتيات في جهود التوعية البيئية وأن هذا المشروع لا يقتصر على البحث العلمي فقط بل يسعى إلى توسيع دائرة الوعي حول أهمية الثدييات البحرية ودورها في النظام البيئي وأن إقامة المعارض الفنية لمنتجات المشاركات المستوحاة من الحياة البحرية يعكس الوعي المتنامي بدور المرأة في حماية البيئة.

مشروع علمي

وحول عملية المسوحات ذكرت المهندسة نورة بنت عبدالله الشحية، عضو فريق المشروع أن عمليات المسح تُنفذ وفق منهجية علمية معتمدة حيث تُجرى المسوحات عبر خطوط طولية بطول (10) كيلومترات تفصل بينها مسافة (4) كيلومترات بمحاذاة حدود المتنزه الوطني، باستخدام قوارب تسير بسرعة (20) كيلومترًا في الساعة إلى جانب المسوحات الساحلية التي تغطي المناطق القريبة من اليابسة، وأضافت أن الفريق تمكن خلال أعمال المسح من رصد (46) مشاهدة للثدييات البحرية على امتداد (4195) كيلومترًا من المسار البحري بإجمالي (264) ساعة عمل ميداني وهو ما يعكس الجهد البحثي الكبير الذي بُذل في هذا المشروع العلمي.

تغيرات بيئية

وحول البيانات الفيزيائية والكيميائية للمشروع أوضح الشحية أن الفريق لا يكتفي بالرصد البصري بل يجمع كذلك البيانات الفيزيائية والكيميائية لمياه البحر في المواقع التي تُرصد فيها الكائنات وتشمل درجة الحرارة والملوحة والحموضة ومستوى الأكسجين المذاب والتوصيل الكهربائي والمواد الصلبة الذائبة باستخدام أجهزة دقيقة من نوع الملتي باراميتر (هانا) وتساعد هذه البيانات في تحليل سلوك الثدييات البحرية وفهم علاقتها بالتغيرات البيئية والحرارية في البحر وأشارت إلى أن دولفين المحيط الهندي الأحدب من الأنواع المهددة بالانقراض وفق تصنيف القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) ومن خلال هذه المسوحات ونتائجها تُمكّن الهيئة من تحديد مواقع انتشاره من خلال تنظيم أنشطة السياحة والصيد وحركة السفن في مناطق وجوده بما يسهم في حمايته من المخاطر.

غرس المفاهيم البيئية

وقالت أحلام المقبالية أخصائية توعية وإعلام في هيئة البيئة إن الهيئة تنفذ مجموعة من الأنشطة والحلقات التفاعلية لطلاب وطالبات مدارس محافظة مسندم خلال مسح المشروع بهدف غرس المفاهيم البيئية السليمة في نفوس الطلبة منذ الصغر منها التعريف بأنواع الثدييات البحرية وشرح مبسط لخصائصها وسلوكها وأهميتها البيئية إلى جانب رسائل توعوية تحث على عدم رمي المخلفات في البحر والحفاظ على نظافة الشواطئ بالإضافة إلى الأنشطة المبتكرة للأطفال بالإضافة إلى ألعاب تعليمية تفاعلية تجمع بين المتعة والمعرفة وكذلك التوضيح للطلاب على أماكن وجود الحيتان والدلافين والكنوز الطبيعية التي تزخر بها بيئة سلطنة عمان البحرية. وأكدت المقبالية بأن مثل هذه الأنشطة التفاعلية تُعدّ من أنجح الوسائل لترسيخ المفاهيم البيئية لدى الطلبة مشيرة إلى أن غرس القيم البيئية في سنّ مبكرة يسهم في إعداد جيل أكثر وعيًا ومسؤولية تجاه البيئة.

تنمية مستدامة

وأضافت المقبالية بأن مشروع مسح الثدييات البحرية أنموذج فريد في الدمج بين العلم والمجتمع إذ يجمع بين الدراسة الميدانية الدقيقة للأنواع والكائنات البحرية والبرامج التوعوية الهادفة التي تستهدف جميع فئات المجتمع من طلبة ونساء وصيادين وسكان محليين فالمشروع لا يقتصر على الرصد والتوثيق بل يتسع ليشمل تحليل السلوك البيئي والتغيرات المناخية وتأثير الأنشطة البشرية ما يجعله أحد المشاريع العلمية المهمة في خدمة أهداف التنمية المستدامة ولا سيما الهدف المتعلق بحماية الحياة تحت الماء مؤكدة بأن هيئة البيئة في بيانها بأن المشروع يأتي في إطار خطة إدارة المتنزه الوطني الطبيعي بمحافظة مسندم التي تهدف إلى تحقيق توازن بين الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الأحيائي كما يسهم في دعم جهود سلطنة عمان لتحقيق رؤية عُمان 2040 ومبادراتها المتعلقة بالحياد الصفري الكربوني وحماية المناخ.

حماية البيئة