عمان اليوم

سعيد بن محسن الخروصي: لعدم وجود النقود وحاجة الناس للطعام كان نظام مقايضة السلع موجود في سوق ستال

07 مايو 2021
07 مايو 2021

ـ ميشان رمان الجبل الأخضر يبادل بميشان من التمر

شخصيّة اليوم أدركت جزءا من معاناة المجتمع قبل عام السبعين وأدركت الراحة والأمان لما بعد السبعين بعد أن تولى السلطان قابوس -طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في البلاد حيث ستجد في تقاسيم وجهه الفرح والسرور والانشراح إنه/ سعيد بن محسن بن عمران بن يونس الخروصي التقيته في منزله وكان حوارا ثريّا معه خاصة فيما يتعلق بأسلوب التعليم سابقا في المدارس القديمة، ومع معلمي القرآن الكريم فلديه استذكار كامل ووصف دقيق لحال المدرسة ومعلم القرآن وكيفية التدرج في أسلوب التعليم قديما، وهي القاعدة التي تجعل الطلاب يتميزون في جودة قراءتهم للقرآن الكريم القراءة الصحيحة السليمة آنذاك ولنبدأ الحديث أولا عن سيرته يقول: ولدت في قرية ستال بمحلة (الخبب) وتربيت في كنف والدي وجدي ولدي إخوة (سالم، ومحمد) وأنا أكبرهم، تعلمت القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة مع المعلم/ سليمان بن سعيد بن علي الخروصي وكانت الدراسة عنده بالمجان حيث يوجد للمدرسة (وقف).

وكان المعلم يكافئ من هذا الوقف نظير تعليمه لأبناء القرية ويصل عدد الدارسين عنده لنحو 60 طالبا وطالبة واستمر تعليمي معه عشر سنوات منذ أن كان عمري ثماني سنوات وأنهيت الدراسة وعمري 18 عاما، وكان التعليم ساعتين في اليوم تبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى التاسعة صباحا، أما عن طريقة التعليم معه فيقول في البداية يعلم الطلاب كيفيه الاغتسال وهذه أول خطوة ثم يطلب من كل مبتدئ في الدراسة قراءة قصار السور ثم يبدأ تعليمنا أداء الصلوات الخمس المفروضة ثم كتابة الحروف الأبجدية وكانت تبدأ بهذه الكلمات (أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ ) والهدف من هذا هو أن يعرف الطالب ربط الحروف بالكلمات بعدها يعلم أسماء أيام الأسبوع وأسماء الأشهر العربية ثم يواصل التدرج في التدريس، فبعد أن نعرف كل ما ذكرته يبدأ تعليمنا الحروف بالتشكيل بعدها يبدأ تعليم القرآن بالكتابة في الألواح لقصار السور مع التشكيل ثم بعد هذه المرحلة وبعد أن يتعود الطالب على القراءة بالحروف وبالتشكيل السليم يطلب منهم إحضار مصحف لتبدأ تعليمهم قراءة القرآن وخلال قراءة الطالب في المصحف إذا أخطأ في كلمة يطلب منه إعادة القراءة وان لم يعرفها سيأمره بتهجئة كل حرف وهو يقرأ حتي تستقيم قراءته فيستمر ولا يمكن أن ينقله إلى صفحة أخرى إلا بعد أن يضمن أن قراءته في الصفحة السابقة سليمة ولو بقي فيها وقتا طويلا وهكذا يظل يتابع قراءته حتى نهاية المصحف الشريف وهنا يكون قد ختم القرآن أي انهي معرفته بالقراءة فيطلب المعلم أن نجرد (أي يعيد قراءته أكثر من أحيانا يصل إلى عشر مرات).

ويسترسل الخروصي: بعد هذا يقوم ولي أمر الطلب بدعوة المعلم وجيرانه إلى وجبة غداء احتفالا بمناسبة ختم القرآن وهي عادة درجت واستمرت فترة طويلة بحيث تقام وليمة ولا ينتهي الأمر لطالب العلم عند هذا فبعد ختم القرآن يواصل الدراسة في تعلم كتاب تلقين الصبيان بالشرح الوافي عن كل فصوله لما يتعلق بأركان الإسلام وأركان الإيمان وما يجب أن يتعلمه المسلم في الغسل والصلاة والصيام والزكاة وكل الفرائض والسنن والرواتب وغيرها وبعد هذه المرحلة يطلب المعلم إحضار قلم ودفتر فيكتب له نظيره (النظيرة يقصد بها المسودة) وذلك كبداية لتعليمه الخط فيكتب له مسودة ويحاول الطالب أن يقلد المعلم فيعيد ما يكتبه ويكرر ذلك حتى يعتاد على الكتابة ويجيد الخط إلى هنا يواصل الحديث فيقول بعد أن تعلمت مع المعلم / سليمان انتقلت مع فضيلة الشيخ / عبدالله بن الإمام سالم الخروصي، والأستاذ / ربيعة بن أسد الكندي حيث كان الشيخ/ عبدالله قاضيا وكان يقوم بعمله والى جانب توليه القضاء كان (رحمه الله) يعلم في بيته، والأستاذ ربيعة (رحمه الله ) كان يسكن قرية الهجار ويأتِ لتعليم أبناء قرية ستال ومن يرغب من بقية القرى فتعلمت معه علوم النحو لمدة ستة أشهر وكان يعلم كل طالب بقرش (فرنس واحد).

بعدها قمت بمساعدة جدي عمران بن يونس في الزراعة فكنت أعمل كل أشكال العمل المتعلقة بالنخيل وبالمزروعات الأخرى والبقوليّات فكنا نحل ونجز ألقت ( نحل إي نزيل الحشائش وننقي الأرض منها، ونجز أي نستخدم المجز لقطع القت أو الأعلاف الأخرى) وكنت انقل القت إلى سوق العوابي وأبيع المن الواحد بخمس بيسات، وفي كل مرة كنت احمل على الحمار عشرين من (المن يساوي أربعة كيلو جرامات) أي أنني كنت أنقل 80 كيلو جراما، ما يعني أن الحمولة قيمتها مائة بيسة فقط أي اقل من (قرش) فالقرش = 120 بيسة من هنا ندرك الحاجة الكبيرة التي كانت تعتري الناس فكنت أتحرك من ستال بعد صلاة الفجر مشيّا وأعود عند العصر، ولكن ما كان لنا خيار آخر فلا يوجد أعمال أخرى ونحن لدينا أسرة ويجب أن نجلب مصدر الرزق الحلال لأسرتنا.

رغم كل تلك المتاعب والصعوبة يضيف قائلا: كان البيدار (البيدار من يقوم على أعمال الزراعة مع أحد أرباب الأموال) يعمل طوال أيام السنة يقوم بري الزراعة كلها وينبت النخيل ويحدرهن ويشرطهن ويخرفهن ويجدهن وفي النهاية يعطى العشر أي من كل عشر نخلات له نخلة واحدة يحصد تمرها لأولاده وكان الغذاء قليل بل ربما يكون معدوما لدى بعض الأسر والعيش (الأرز) توجد منه نوعية واحدة فقط يسمى عيش (جرده) وقليل من يحصل عليه ومعظم الناس يأكلون البقوليات أو البر والذرة يطحنوها ليتناولها خبزا والعامل كان يعمل أكثر من خمس ساعات في اليوم بمبلغ / 12 بيسة ما عدا الصانع فيعطى نصف قرش وهو الأكثر حظا.

ولعدم وجود النقود كان نظام المقايضة أي المبادلة بالسلع موجود في سوق ستال فكان أهالي الجبل الأخضر يجلبون فاكهة البوت الجبلي في مياشين فيقايضون ميشان البوت الواحد بشيء من الأطعمة وميشان فاكهة الرمان يقايض بميشان من التمر وكان سوق ستال من الأسواق النشطة خلال تلك الفترة أما الآن فالاعتماد على الأسواق المجاورة كسوق الرستاق.

يعود سعيد بن محسن الخروصي (أبو إبراهيم) للحديث عن مشوار حياته يقول بعد تولي السلطان قابوس -طيب الله ثراه- الحكم كانت توجد فرص عمل ففي عام 1972م التحقت بعمل في شركة (تاول) ثم عملت في الشركة التي قامت ببناء قصر العلم كنت مساعدا لكهربائي يقوم بتركيب أجهزة التكييف اشتغلت لفترة قصيرة ثم رجعت إلى قرية ستال لرعاية جدي، لكن لم أكن استطيع الزواج لاستقر فزوجني -رحمه الله- على نفقته ثم بعد فترة وبعد تغيير الأوضاع إلى الأفضل ووجدت الأعمال أمرني بنفسه للبحث عن عمل فالتحقت بالجيش السلطاني عام 1974م، وكان التدريب في صحار ثم استقر عملي في صور واذكر أنني أخذت أجازة واستغرقت في الطريق تسع ساعات لأنها لم تكن مرصوفة في ذلك الوقت وكنت من الرستاق إلى ستال امشي ففي الليل لا أجد سيارات. ثم استقلت من الجيش والتحقت بالعمل في وزارة الصحة بوظيفة كاتب سجلات بمستشفى الرحمة وفي عام 1982م وبعد افتتاح مستشفى وادي بني خروص نقلت للعمل فيه فكانت بالنسبة لي نعمة كبيرة فالمستشفى يقع في نفس مقر سكني فارتحت من مشوار الطريق وفي عام 1996م أخذت تقاعدا مبكرا فانتقلت للسكن في العوابي مركز الولاية واشتغلت في فلج العوابي ثم في إحدى المكتبات.

وأخيرا يعرج بنا سعيد الخروصي في حديثه الشيق إلى شهر رمضان المبارك وما عليه الآن يقول: كنا في ستال نجتمع في عريش اللثبة ويفطر أهالي المحلة جميعا ثم نعود للمنازل فنتناول الطعام مع الأسرة ثم نعود للمسجد لصلاة التراويح وبعدها نجتمع للرمس مع الجيران في عريش التركبة لمدة ساعة تقريبا، ثم يعود كل إلى بيته وهكذا يتكرر الحال كل يوم وكنا في يوم العيد نذهب للمصلى مجموعات حيث ننظم مسابقات للرماية وبعد أداء الصلاة نعود بالأهازيج والرزحات التقليدية ثم نستمع إلى العازي وهو إيذان بانتهاء الرزحة أما الآن ولظروف الجائحة فإنني أصلي مع أسرتي في البيت، ولكن ولو لم تكن الجائحة فان أحوال الناس تغيرت في رمضان وغيره فلم يعد التواصل كما كان، وسعة صدور الناس اختلفت ففي الماضي إن اختلف اثنان ساعات وتعود أحوالهم طبيعية أما اليوم فإن اخطأ احد على آخر تقع بينهم الضغينة والشحناء ويفترقان ولا يصطلحان فالقلوب ضاقت مع أن الحياة جميلة وميسرة ونعيش في أوقات طيبة متوفر فيها الأمن والأمان والحياة الكريمة واختتم الخروصي حديثه قائلا: الحمد لله رب العالمين أحفظ بعض أجزاء القران الكريم وأختم مرة واحدة في الشهر خلال العام، وفي رمضان ثلاث مرات كما أني مواظب على قراءة سور المنجيات وعند وجود الفراغ اقرأ كتب الفتاوى وجوهر النظام وبهجة الأنوار ومدارك الكمال والدلائل في اللوازم والوسائل وينصح الخروصي الناس بتقوى الله سبحانه وتعالى وبكثرة التواصل بينهم راجيّا أن لا تلهيهم وسائل التواصل الحديثة عن سابق الوصل في قديم العهد.