عمان اليوم

جهود حثيثة للارتقاء بمستوى الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة

27 ديسمبر 2025
27 ديسمبر 2025

يحظى الأشخاص ذوو الإعاقة في سلطنة عُمان باهتمام خاص باعتبارهم جزءًا مهمًا من نسيج المجتمع وركنًا أساسيًا في تعزيز العدالة وتكافؤ الفرص، وحتى منتصف عام 2025 بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة 70667 شخصًا، يشكل الذكور منهم 42189 بنسبة 60%، و28478 من الإناث بنسبة 40%.

وخلال السنوات الماضية تعاملت اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان مع عشرات البلاغات التي تناولت حقوق هذه الفئة في مجالات متعددة، أبرزها الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية والتعليم وتوفير المسكن الملائم وفرص العمل، فقد سُجلت شكاوى في جانب الرعاية الصحية وأخرى تتعلق بالدعم الاجتماعي، إضافة إلى طلبات مرتبطة بالتعليم واحتياجات للسكن الملائم، وكذلك بلاغات خاصة بالعمل. كما تنوعت الحالات بحسب نوع الإعاقة بدءًا من الإعاقات الحركية ثم الذهنية فالبصرية والسمعية، وصولًا إلى الإعاقات المتعددة، التي شكلت جميعها محاور رئيسية في الجهود المبذولة لتعزيز حقوق هذه الفئة.

وتعكس هذه الأرقام ما تقوم به اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان من دور محوري في استقبال البلاغات والشكاوى ومتابعتها والتنسيق مع مختلف الجهات والمؤسسات لضمان توفير الدعم في كافة الجوانب، وتمكينهم من الوصول إلى كافة الخدمات التي يحتاجونها. ومن النماذج التي تم التعامل معها خلال الفترة الأخيرة تمكين طفل من متلازمة داون للالتحاق بالجمعية المختصة بنوع إعاقته، ومساعدة أم عاملة على الانتقال إلى مدرسة قريبة من منزلها مراعاة لظروف ابنها من ذوي الإعاقة الحركية، إضافة إلى دعم طفل يعاني من اضطراب جيني عبر توفير أجهزة طبية ورعاية منزلية ضرورية.

مبادئ الكرامة

كما أن صدور قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بموجب المرسوم السلطاني رقم (2025/92) يُعد نقلة نوعية في مسار ترسيخ حقوق الإنسان في سلطنة عُمان، ولا سيما ما يتعلق بالفئات الأولى بالرعاية، بالإضافة إلى تعزيز مبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة وعدم التمييز بين أفراد المجتمع كافة. وجاء منسجمًا مع أحكام النظام الأساسي للدولة، ومتوافقًا مع التزامات سلطنة عُمان الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومع المعايير والممارسات الفضلى الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة. كما تضمن أحكامًا عملية تُسهّل إنفاذ الحقوق، مثل إنشاء السجل الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة، وإصدار بطاقة رسمية لهم، وإلزام الجهات المعنية بتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة، ومترجمي لغة الإشارة، وإتاحة الخدمات إلكترونيًا بطريقة برايل، والالتزام بالتصميم الشامل في المباني والطرق والمرافق العامة، وتخصيص نسبة للتوظيف في القطاعين العام والخاص، إلى جانب الإعفاءات والرسوم والتسهيلات المالية للمؤسسات العاملة في مجال الإعاقة.

وانطلاقًا من اختصاصاتها المقررة بموجب المرسوم المنظم لعملها، تؤكد اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان أنها تعمل على متابعة تنفيذ أحكام هذا القانون من قبل الجهات المعنية، ورصد الالتزام بتقديم خدمات الرعاية والتأهيل والدمج، كما تؤكد استمرارها في تلقي البلاغات والشكاوى المتعلقة بأي انتهاكات أو عوائق تحول دون تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بحقوقهم. كما تعمل على إبراز هذا التطور التشريعي في تقاريرها ومشاركاتها الإقليمية والدولية، ولا سيما في إطار آليات الأمم المتحدة والاستعراض الدوري الشامل، بما يعكس تقدم سلطنة عُمان في الوفاء بالتزاماتها الحقوقية، ويُظهر مواءمة القانون الجديد مع المعايير الدولية ذات الصلة. وتؤكد اللجنة استعدادها التام للتعاون مع جميع المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص لإنفاذ أحكام القانون وتحويلها إلى واقع ملموس يُيسّر الحياة اليومية للأشخاص ذوي الإعاقة، ويعزز مشاركتهم الكاملة والمتكافئة في المجتمع.

فرص التأهيل

وفي السياق ذاته، أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنها تدرك الواجب المنوط بها تجاه الأشخاص من ذوي الإعاقة إيمانًا بدورهم الفاعل كجزء لا يُستهان به من رأس المال البشري للدولة، إلى جانب أهمية تمكينهم من خلال تقديم فرص التوظيف والتأهيل للجنسين، وفق ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ليصبحوا شركاء حقيقيين في التنمية، من خلال السعي لدمجهم في سوق العمل وتمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا، بما يتناسب مع طبيعة إعاقتهم وما يملكونه من قدرات ومؤهلات.

وتقوم الوزارة بتدريب وتأهيل هذه الفئة بعد شغل الوظيفة وفق منهجية علمية تشمل المهارات العلمية والملكات الفكرية وتنمية روح الإبداع لديهم، ليكونوا قادرين على التكيّف مع المهنة ومتقنين للمهام الوظيفية المرتبطة بها، إلى جانب تأهيل عدد من الوعاظ والمرشدات الدينيات من خلال الدورات التدريبية التي تسهم في إيجاد متخصصين أكثر قدرة على التعامل مع الإعاقات المختلفة، وتهدف إلى تحقيق أكبر قدر من التأثير الإيجابي في التواصل مع ذوي الإعاقة. ومن هذه الدورات، دورات لغة الإشارة بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم وشؤون البلاط السلطاني. كما تحرص على تقديم جميع التسهيلات لذوي الإعاقة في مشروعاتها المختلفة، وفي مقدمتها المساجد، وجميع ما يتصل بها من خدمات؛ للتسهيل عليهم في الوصول إلى المساجد والجوامع ليؤدوا عباداتهم دون مشقة أو عناء، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات ضمن الاشتراطات الفنية العامة للمساجد، والتي شملت إنشاء مدخل ودورة مياه خاصة لذوي الإعاقة وكبار السن في المساجد والجوامع، وأن تُنفذ الممرات بشكل سهل وميسر للصعود والنزول ومتناسبة مع الكراسي المتحركة عند مدخلي مسجد الرجال ومصلى النساء، مع تخصيص عدد من مواقف المركبات لهم.

خدمات نوعية

وأطلقت الوزارة السهم الوقفي للأطفال من ذوي الإعاقة الذي سيسهم في تقديم خدمات نوعية تلبي متطلباتهم، وتضمن دمجهم بصورة فاعلة في المجتمع، إضافة إلى توفير الخدمات التي تعينهم على الانخراط في وسطهم الاجتماعي بسهولة ويسر؛ إيمانًا بدورهم الفاعل كجزء لا يُستهان به من رأس المال البشري للدولة، وتوفير الغطاء القانوني الذي يضمن استمرارية تقديم الخدمات الضرورية لهم من أدوات ومعدات تعويضية وبرامج تعليمية وتأهيلية وتدريبية وعلاجية.

كما أن هناك العديد من المشاريع والبرامج المقدمة كبرنامج «ساين بوك» لفئة الإعاقات السمعية؛ حيث يتيح البرنامج للأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية الاستفادة من البرامج والخدمات التي تقدمها الوزارة، وذلك عبر الترجمة الفورية والتواصل المباشر بين الوزارة والأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، مما يمكنهم من فهم معاني القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وشرح الفتاوى بأسهل الطرق وأيسرها، بالإضافة إلى ما تطرحه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من تعاميم وتعليمات وإجراءات في مختلف الجوانب.

ويوجد مشروع طباعة المصحف الشريف بطريقة برايل للمكفوفين والمكفوفات (مصحف مسقط)، ووضع الصندوق الوقفي لمصحف مسقط ضمن أهدافه إصدار هذا المصحف الشريف وتوفيره لهذه الفئة المهمة من المجتمع العُماني، إكمالًا لأهداف الصندوق في رعاية المصحف الشريف والعناية به وتوفيره لكافة الفئات العمرية والخاصة في المجتمع. ويتيح هذا الإصدار الفرصة لما يزيد على 26 ألف كفيف وكفيفة للاحتفاظ بنسخة من المصحف الشريف لتلاوته وتدبره ودراسته وتعلم أحكامه، إذ كان في السابق يصعب الحصول عليه وتوفيره مع كلفته المرتفعة وندرة توفره في السوق المحلي من جهة رسمية.

كما تتيح الوزارة الفرصة لذوي الإعاقة لتأدية فريضة الحج، مسخرةً جميع الوسائل المتاحة في بعثة الحج العُمانية لخدمتهم، مع استعدادها لتذليل الصعاب التي قد تعترض أداءهم لشعائر الحج، مشيرة إلى قيام الوزارة بتطوير النظام الإلكتروني لتسجيل حجاج سلطنة عُمان بما يحقق المرونة والسهولة، والسماح من خلال النظام بتسجيل مرافق لكبار السن وذوي الإعاقة البصرية والحركية.

خدمات شاملة

وتولي وزارة التنمية الاجتماعية اهتمامًا بالغًا بدعم وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة؛ حيث شهد العام الجاري تدشين أربع ورش محمية إنتاجية في كل من ولايات نزوى والمضيبي والرستاق وصلالة، تستهدف 236 مستفيدًا من ذوي الإعاقات البسيطة والمتوسطة المنتسبين لمراكز الوفاء، بهدف تأهيلهم مهنيًا وتمكينهم اقتصاديًا وتعزيز دمجهم في المجتمع وسوق العمل. وبهدف تعزيز دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، تم تخريج الدفعة الثانية من مبادرة «كن معنا لأجلهم» بواقع 60 خريجًا وخريجة، تم توظيف 30 منهم، وذلك ضمن جهود تطوير مهارات الأشخاص ذوي الإعاقة وتهيئتهم للانخراط في سوق العمل.

وفي إطار الدمج المجتمعي، أطلقت وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع مكتب محافظ جنوب الباطنة مبادرة «جنوب الباطنة صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة»، الهادفة إلى تحسين البنية الأساسية والمرافق العامة والخدمات الرقمية لتلائم احتياجات هذه الفئة، إلى جانب إطلاق برنامج الدبلوم المهني في اضطراب طيف التوحد، الذي يستهدف تدريب 47 من خريجي التربية الخاصة الباحثين عن عمل، لرفد سوق العمل بكفاءات مؤهلة وقادرة على تقديم خدمات نوعية.

كما تولي الوزارة اهتمامًا خاصًا ببرامج الرعاية والتأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال مراكز الوفاء لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تُعنى بتقديم خدمات شاملة في العلاج الطبيعي والوظيفي والنطق، والتأهيل المهني، والإرشاد النفسي والسلوكي، والتربية الخاصة. وتستقبل هذه المراكز الأشخاص ذوي الإعاقة من مختلف أنواع الإعاقات. وقد بلغ عدد الملتحقين في المراكز الحكومية والخاصة والأهلية حتى نهاية النصف الأول من عام 2025م نحو 4020 مستفيدًا، موزعين على 41 مركزًا حكوميًا في مختلف محافظات سلطنة عُمان، فيما بلغ عدد المستفيدين الملتحقين بمراكز التأهيل الخاصة 4478 مستفيدًا موزعين في 72 مركزًا تأهيليًا خاصًا، و662 مستفيدًا موزعين في 11 مركزًا تأهيليًا أهليًا، تقدم جميعها خدمات الرعاية والتأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة وتسهم في دعم جهود الوزارة نحو تمكينهم ودمجهم في المجتمع.

وبلغ عدد المستفيدين من الأجهزة التعويضية والخدمات المساندة خلال النصف الأول من عام 2025م نحو 4282 مستفيدًا، في حين بلغ عدد الأشخاص الذين صدرت لهم بطاقة شخص ذي إعاقة خلال الفترة نفسها 2633 فردًا، ليصل إجمالي الحاصلين على البطاقة إلى 68071 شخصًا، بما يعكس اتساع نطاق الخدمات وتطور منظومة الدعم.