Untitled-1
Untitled-1
عمان اليوم

«المسكيت».. سرطان أخضر يهدد التنوع الحيوي في سلطنة عمان

04 ديسمبر 2021
أكثر من 27 مليون شجرة تستهلك 4 ـ 6 مليارات لتر من المياه شهريا
04 ديسمبر 2021

المسكيت أو الغاف البحري خطر يهدد التنوع الحيوي في سلطنة عمان، إذ يقضي هذا السرطان الأخضر على الأشجار المحلية ويستهلك 4 ـ 6 مليارات لتر شهرياً من المياه في الشهر الواحد، وتزحف المسكيت بنسبة 5% سنوياً وتتسبب في انحسار ما نسبته 5% من الغطاء النباتي وتصل جذورها السطحية إلى 500 متر وعمق 60 متراً وتشكل المسكيت كارثة بيئية كلما زاد انتشارها في البلاد إذ من المتوقع أن تجتاح الجبال خلال السنوات العشر المقبلة إذا لم تكثف الجهود الحكومية لاقتلاعها وإزالته بمستوى يفوق نسبة نموها سنوياً.

وقال الباحث البيئي محمد بن مبارك عكعاك لـ»عمان»: إن المسكيت أو الغاف البحري (Prosopis juliflora) الخطر الحقيقي الذي يهدد التنوع الحيوي في سلطنة عمان لربما لم نجد تسمية تتناسب مع هذه الشجرة أفضل من السرطان الأخضر، حيث إنها شجرة دائمة الخضرة قليلة المتطلبات، يمكن أن تنمو وتتكاثر بسهولة في الأماكن الجافة والقاحلة والغابات الكثيفة والمراعي والأراضي الزراعية، لكنها تتشابه مع السرطان في الاجتياح الشامل للأنواع النباتية الأخرى، تصل هذه الشجرة إلى مرحلة البلوغ عادة خلال سنتين إلى ثلاث سنوات، في المواقع جيدة التغذية مثل البقعة المتأثرة بأمطار الخريف في ظفار، إلا أنها قد تتأخر قليلاً في الوصول إلى مرحلة البلوغ في المواقع الجافة، وبعد البلوغ تبدأ بإنتاج عدد كثيف من القرون يحتوي كل قرن على بذور تتراوح بين «8 ـ 30» بذرة .. مضيفاً: يعتقد البعض أن هذه الشجرة تعيش على الساحل فقط وأنها ربما لا يمكن أن تصل إلى الجبل أو الارتفاعات العليا، كما يعتقد البعض أنها لا يمكن أن تنتشر في الجبل وكل ذلك معلومات خاطئة تماماً، فقط وصلت الشجرة إلى جبجات على ارتفاع أكثر من 900 متر عن سطح البحر، كما تستقر في مستوى أمطار من 100 ملم إلى 1500 ملم حتى في الارتفاعات العالية التي تصل إلى 1900 متر، وتعتبر درجة الحرارة المثالية لها من 20 درجة إلى 30 درجة ولكنها أيضاً تعيش في درجة حرارة أكثر من 50 درجة، فقط أثناء درجات الحرارة المنخفضة أقل من 20 درجة يحدث لها نوع من التحكم ويمكن أن تموت الشتلات عند درجات الحرارة المنخفضة، وهنا تكمن خطورة هذه الشجرة، إذ أن الظروف في البقعة المتأثرة بالخريف في محافظة ظفار تتناسب تماماً مع متطلبات شجرة المسكيت.

وأشار إلى أنه بناء على تقديرات وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تصل أعداد أشجار المسكيت بين 25 مليون و28 مليون شجرة وتستهلك أشجار المسكيت بحسب بعض الدراسات من لتر إلى 36 لترا يومياً بمتوسط 7 لترات يومياً مما يصـل إلى أربعة مليارات لتر شهريا في الحد الأدنى وفي الأعلى إلى ستة مليارات لتر شهرياً بخسائر مادية تصل إلى مليوني ريال عماني شهرياً، كما ذكر تقرير لوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه أن المسيكت يزيد بنسبة 5% سنوياً، وذكر في تقرير عن خطة التنمية في المنطقة الجنوبية عام 1989 أن الغطاء الشجري في البقعة المتأثرة بالخريف في محافظة ظفار ينخفض بنسبة 5% سنوياً، ونتيجة لذلك يحدث الإحلال بالأنواع الغازية (المسكيت مثلاً) بدل الأنواع المحلية بالتدريج، حيث يركز المسكيت الآن على السهل الذي انتهى منه الغطاء الشجري بنسبة تصل إلى أكثر من 95%، والآن على التلال القريبة من السفوح شديدة الانحدار ويزحف بشكل سنوي مستمر، وستتضاعف أشجار المسكيت في الأماكن الحساسة بالتنوع الحيوي بشكل كثيف مما يصعب أكثر من مكافحته ويضاعف تكلفة المكافحة بما يصل إلى مائة ضعف، ومن أبرز مواطن قوة شجرة المسكيت جذورها السطحية التي تنتشر على مسافة قد تصل إلى 500 متر وعمق 60 متراً وتشكل كارثة بيئية كلما زاد انتشارها في البلاد إذ من المتوقع أن تتضاعف أعدادها في الجبال خلال السنوات العشر المقبلة إذا لم تكثف الجهود الحكومية لاقتلاعها وإزالتها بمستوى يفوق نسبة نموها سنوياً.

الأرجمون المكسيكي

وأشار إلى أن من النباتات الغازية (الأرجمون المكسيكي) وثبت وجودها في السلطنة بكتاب صدر عام 1977م إذ يشير الكتاب إلى أنها عشبة ضارة وكانت تستوطن أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي منذ فترة طويلة وانتشرت في أجزاء كثيرة من العالم القديم وبدأت في الانتشار بجنوب الجزيرة العربية، وهذا النوع مع التغييرات المناخية بدأ يكتسب قوة أكبر إذ تطلق هذه النبتة الواحدة آلاف البذور خلال دور حياة النبتة الواحدة فتنتج ما بين 60 ـ 90 كبسولة، وكل كبسولة تحتوي ما بين 300 ـ 400 بذرة، ويبلغ عدد البذور التي تنتجها كل نبتة ما بين 18 ـ 36 ألف بذرة، وإذا ما تعرضت أزهارها إلى الرذاذ أو المياه تموت الزهرة خاصة أيام الخريف في المحافظة، إلا أن الرذاذ لم يعد كما هو في السابق، كما أن الأمطار التي تهطل في الشهور الأخرى أسهمت في توسع هذه النبتة بأودية محافظة ظفار الشمالية والجنوبية.

وبالعودة إلى المسكيت أضاف: أن المسكيت تمتص كل المغذيات وتسهم الحيوانات في نشر المسكيت إذ أكلت بذورها إذ أنها لا تهضم في المعدة وإنما ترتفع نسبة الإنبات إلى 90% بعد خروجها مع روث الحيوانات وللمسكيت تأثيرات سلبية على التنوع الحيوي إذ تنتج بذوراً مرتين في العام الواحد وتنتشر في محافظة ظفار في الجانب الشرقي الذي يتأثر بالخريف من المغسيل إلى مرباط .. مضيفاً: أن وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه أصدرت قراراً رقم 5/2017 بإزالة أشجار المسكيت مستهدفة أماكن البؤر لهذه الشجرة لكن لم تستهدف المناطق ذات التنوع الحيوي في السلطنة ومن المتوقع أن تجتاج الجبال خلال السنوات المقبلة.

وأكد أن معظم المبيدات الزراعية للتعامل مع المسكيت ممنوعة في السلطنة ربما لأسباب صحية والمتطوعون يعتمدون في إزالة المسكيت على القطع والحرق، والتعامل مع الأشجار الغازية كتعامل مع الحريق تتم محاصرتها من الأطراف إلى الداخل وليس من البؤرة نفسها لمنع انتشارها إذ يجب اقتلاع المسكيت بأكثر من الأشجار المتوقع نموها سنوياً من هذه الشجرة لتغيير منحى الصعود لها إلى الانحدار.

متطوعون في حمرين

وقال علي بن سهيل بن سالم المعشني أحد المتطوعين لمكافحة شجرة المسكيت في محافظة ظفار لأكثر من 20 عاماً: إن المسكيت أو الغاف البحري كما يطلق عليها هي من الأشجار الغازية وتعتبر جديدة في السلطنة إذ ظهرت قبل 35 عاماً وكان الناس سابقاً فرحين بهذا الشجرة المخضرة طوال العام، وتم جلب المسكيت إلى الكثير من دول العالم كنبات زينة كونها لا تحتاج إلى عناية أو ماء وهذا نتيجة جهل بمخاطر هذه الشجرة، وبدأت المسكيت تنتشر كالسرطان في مختلف محافظات السلطنة في السنوات الأخيرة، وتتغذى كل الحيوانات على ثمار المسكيت مما يسهم في انتشارها وتوسعها في البلاد، ومع دخول بذور المسكيت في جوف الحيوانات تسهم عملية الهضم في إزالة الطبقة الجيلاتينية التي تغطي البذور إذ عندما تخرج البذور مع روث الحيوانات تكون أكثر قابلة للانتشار.

وأشار إلى أن وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه قامت بحملة مكافحة انتشار أشجار المسكيت في السلطنة لكن للأسف في فترات متقطعة، كما أن بعض بذور المسكيت تأتي من خارج السلطنة في جوف الحيوانات المستوردة من اليمن إذ يحمل روث هذه الحيوانات بذور المسكيت، وكان من الواجب على وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تشديد الحجر لهذه الحيوانات المستوردة، ونتمنى أن تكون مكافحة المسكيت بقدر الخطورة التي تشكلها هذه الشجرة على الغطاء النباتي في سلطنة عمان وربما بالجهود الحالية لن نستطيع أن نقضي على المسكيت، والمسؤولية على عاتق الجميع وليست وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه فقط بل تشمل هيئة البيئة والبلديات بمختلف محافظات السلطنة إذ تنتشر المسكيت أيضاً في المحميات الطبيعية، وبعض المزارع، وأيضاً المواقع الأثرية.

وأضاف: منذ نحو عام كامل ونحن نتواصل مع العديد من الجهات لدعم هذه الجهود لمكافحة إزالة المسكيت إلا أننا لم نحصل عليه، رغم أننا للأسف رصدنا أشجار المسكيت التي تصل أعمارها بعض إلى 30 عاماً .. مضيفاً: نحرق المسكيت لمكافحة انتشاره في المناطق الوعرة، كما نستخدم المواد الحامضة كـ»التيزاب» للقضاء على الأشجار الأصغر من المسكيت، وأثبتت هذه الحلول كفاءاتها، ورغم حاجتنا إلى متطوعين إلا أننا لم نتمكن من الحصول على متطوعين، وأعتب على الشباب عدم مشاركتهم في مثل هذه الأعمال التطوعية التي تصب في حماية الغطاء النباتي من المسكيت والخطر لا يستهان به بيئياً، ورسالتنا للشباب استشعار هذه المسؤولية لحماية البيئة.