1836962
1836962
عمان اليوم

العلاقات العمانية السعودية قاعدة للتعاون اللوجستي

05 ديسمبر 2021
تعظيم المصالح والمنافع المشتركة
05 ديسمبر 2021

تعمل سلطنة عُمان بجهود حثيثة لتعزيز مكانتها كوجهة استثمارية أكثر فاعلية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ورفع تصنيفها في المؤشرات العالمية الخاصة بسهولة الأعمال والتنويع الاقتصادي، وخلال الفترة الماضية أصدرت السلطنة العديد من القوانين والتشريعات لتوفير أرضية خصبة لإقامة مشاريع استثمارية متنوعة، كما أطلقت العديد من البرامج والمبادرات بهدف إيجاد بيئة استثمار تنافسية.

وكشف بيانات رسمية صادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في سلطنة عُمان إلى 16.33 مليار ريال عُماني بنهاية الربع الثاني لعام 2021م، وبنسبة 6.7 بالمائة مقارنة بـ 15.7 مليار ريال عُماني في الفترة نفسها من العام السابق، وبلغ حجم التدفقات في الاستثمار الأجنبي المباشر 1.3 مليار ريال عُماني.

وأكد رجال أعمال لـ«عمان» أن العلاقات العمانية السعودية تمضي قدمًا في تحقيق تقاربات ملموسة لتعظيم المصالح والمنافع المشتركة، وأن رؤية عُمان 2040 ورؤية المملكة 2030 تتبنيان تحولاً نوعياً للنموذج التنموي القائم على الدور المهيمن للحكومة والاستيراد للسلع والخدمات والأيدي العاملة غير الماهرة الرخيصة لتلبية الطلب المحلي إلى نموذج تنموي قائم على تعدد قاطرات التنمية قوامه الإنتاج والتصنيع المحلي وتعزيز الصادرات وتصميم نموذج تعاون دولي ذي قيمة مضافة.

وأشاروا إلى أن سلطنة عمان قطعت شوطًا مهمًا في تحسين بيئة الأعمال، وتسهيل الإجراءات لرفع جاهزيتها وتنافسيتها في مجال جذب الاستثمار وتوطين التكنولوجيا وزيادة الإنتاج المحلي ورفع وتيرة التصدير.

وخلال الفترة الماضية أطلقت السلطنة مبادرات مختلفة في قطاعات متنوعة، كما أنها مستمرة في إطلاق مبادرات في الفترة القادمة، بهدف إيجاد بيئة استثمار تنافسية وأكثر فاعلية، ومن بين المبادرات البرنامج الوطني لجلب الاستثمارات وتعزيز الصادرات، وتنظيم التجارة الإلكترونية ومشروع الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية وإعداد لائحة تنظيم رسوم عرض المنتجات العمانية في المجمعات التجارية، والحد من التجارة المستترة وتحديد الفرص الاستثمارية المرتبطة بالقيمة المحلية المضافة في الصناعات التحويلية، ودراسة وضع المنافسة في قطاع بيع التجزئة، وتطوير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار بما يتماشى مع التطورات في الأسواق المحلية والعالمية.

وخلال العام الجاري بدء تفعيل برنامج «إقامة مستثمر» إلكترونيًا عن طريق مركز خدمات الاستثمار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار. ويمنح البرنامج بموجبه المستثمرون الأجانب حق الإقامة الطويلة في السلطنة، وذلك في خطوة لتسهيل منح الإقامة للمستثمرين الراغبين بالاستثمار في السلطنة بحيث تبلغ مدة الإقامة 5 أو 10 سنوات قابلة للتجديد مع الالتزام بالإجراءات والضوابط المنظمة لذلك، إضافة إلى دعم الجهود التكاملية لتعزيز بيئة الاستثمار في السلطنة وجلب الاستثمارات النوعية وفق ضوابط واضحة.

ونجح جهاز الاستثمار العُماني للاستثمار خلال الفترة الماضية في تعزيز استثماراته الدولية عبر دخوله في 20 استثمارًا جديدًا بقطاعات متنوعة، أبرزها التعدين واللوجستيات والرعاية الصحية وتقنيات الفضاء؛ من أجل رفد محفظته الاستثمارية التي تتوزع على 36 دولة بالإضافة إلى السلطنة، وتمكّن الجهاز من إدارة استثماراته وتعزيزها، وتحقيق أرباح بالرغم من تأثيرات جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد العالمي.

اقتناص الفرص

وقال الدكتور يوسف بن حمد البلوشي أكاديمي وخبير اقتصادي: إن سلطنة عمان قطعت شوطًا مهمًا في تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات لرفع جاهزيتها وتنافسيتها في مجال جذب الاستثمار وتوطين التكنولوجيا وزيادة الإنتاج المحلي ورفع وتيرة التصدير. وذلك إيمانًا بأن الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية غيرت فكرة التنمية. فاليوم، يمكن للدول -أن أحسنت اقتناص الفرص التي تتيحها لها تلك التغيرات- أن تعتمد على رأس المال والتقنية والأسواق والأفكار وغيرها من دول أخرى، وذلك من خلال ما يسمى بالإدارة الذكية للموارد، حيث يمكن ذلك بالاستفادة من المزايا النسبية والأموال والمواد الخام اللازمة للإنتاج، ومن ثم الإنتاج المشترك نحو الأسواق العالمية من خلال سلاسل توريد تنافسية.

تقاربات ملموسة

وأوضح الدكتور يوسف البلوشي أن العلاقات العمانية السعودية تمضي قدمًا في تحقيق تقاربات ملموسة لتعظيم المصالح والمنافع المشتركة، فقد أفرزت محركات العولمة المرتبطة بالتقدم التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات، وعولمة عوامل الإنتاج وسلاسل التوريد العالمية قواعد ومبررات جعلت من التكامل الإقليمي وتقسيم العمل والتبادل بين بلدان منطقة جغرافية واحدة ضرورة لزيادة التكامل مع الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية وحركة تدفقاته المالية عبر الحدود تجنبًا لتهميشها اقتصاديًّا وضمانًا لتعزيز استفادتها من التطورات المواتية للعولمة، ودون الاستغناء بحال من الأحوال عن التنمية الاقتصادية الداخلية في كل دولة. وهي في الحالة العمانية السعودية مكفولة من خلال رؤية المملكة 2030 وعمان 2040 التي تتبنى جميعها تحولًا نوعيًا للنموذج التنموي القائم على الدور المهيمن للحكومة والاستيراد للسلع والخدمات والأيدي العاملة غير الماهرة الرخيصة لتلبية الطلب المحلي إلى نموذج تنموي قائم على تعدد قاطرات التنمية قوامه الإنتاج والتصنيع المحلي وتعزيز الصادرات وتصميم نموذج تعاون دولي ذي قيمة مضافة.

وأشار الدكتور والخبير الاقتصادي إلى أن الدولتين تمتلكان العديد من المزايا النسبية القابلة للتكامل أكثر من التنافس التي من شأنها تعزيز تنافسية المنتجات السعودية والعمانية في الأسواق العالمية، منها على سبيل المثال لا الحصر قطاع اللوجستيات الذي تمتلك فيه سلطنة عمان ميزة جغرافية وإطلالة على ممرات مائية واسعة قريبة من الأسواق الإفريقية والهندية والآسيوية، وهي ذاتها الأسواق التي تستهدفها المنتجات السعودية، حيث إن وجود ممر بري مباشر عن طريق منفذ الربع الخالي وأنبوب نفط لنقل حقل الشيبة وغوار عبر الأراضي العمانية سيعمل على تعزيز التنافسية من خلال تقليل تكلفة الشحن، والتأمين والمدد الزمنية التي يحتاجها للمرور من الممرات المائية الخطرة وغير المستقرة. وكذلك الحال فيما يتعلق بقطاع الثروة السمكية الذي تمتلك فيه عمان مخزونًا كبيرًا جدًا ومصائد مفتوحة مطلة على المحيط الهندي، وتحتاج السلطنة إلى شريك استراتيجي ليس لفتح الأسواق التي من بينها السوق السعودي ولكن شريك قادر على ضخ استثمارات مالية لرفع كفاءة وتعظيم الاستفادة من هذا المورد الطبيعي المتجدد وبما يتوافق مع مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أعلنت عنها المملكة. وكذلك في قطاع التعدين الذي تمتلك فيه السلطنة مزايا متعددة لبلد شاسع المساحة، ويمتلك مخزونات كبيرة عالية الجودة من المعادن المختلفة، وقطاع السياحة الذي تجتمع فيه تركيبة المجتمع المحافظ والآمن بين البلدين.

جسور التعاون

وأكد على أن التكامل تستوجب دورًا نشطًا للشركات العمانية والسعودية لمد جسور التعاون فيما بينهما لتأخذ دورها كلاعب فعلي في ميدان الاستثمار والإنتاج والتصدير والتشغيل، وهو ما ينسجم مع رؤية البلدين المستقبلية، حيث تمثل المصالح الاستراتيجية في القطاعات الاقتصادية مفصل نجاح العلاقات الدولية كما في تجربة دول أوروبا التي دام الوفاق والتعاون والوحدة بينها كنتيجة لبناء منظومة مصالح اقتصادية مشتركة.

وقال الخبير الاقتصادي: إن العلاقات والشراكات الاقتصادية الدولية خاصة بين دول الجوار مورد تعمل الدول على الاستفادة منه. وهناك العديد من الفرص للدول لتنمو وتزدهر متى أخذت بالأسباب ورفعت مستوى جاهزيتها لاقتناص الفرص، وذلك إيمانًا منها بأن التنمية لا تحدث تلقائيًا وإنما تحتاج إلى فهم أكثر عمقًا لمختلف المتغيرات الاقتصادية وجذور الترابط والتفاعل فيما بينها.

وأضاف الدكتور يوسف بن حمد البلوشي: إنه لا توجد وصفة سحرية معينة تجعل أي من البلدين مستعدًا لمواجهة تحديات المستقبل وإنما يعتمد ذلك على مدى الجاهزية والمعايير المسبقة لتحقيق التنمية المستدامة. ولذلك فإن أفضل طريقة للاستعداد أو صناعة المستقبل يتعين أن تكون من خلال غرس وتعزيز العديد من المبادئ التي تخدم مصلحة البلدين وفق نموذج عادل ومتكافئ. وبالمحصلة فإن الدولتين تمتلكان رصيدًا من البنية الأساسية والموارد الطبيعية والبشرية، وجاهزية مدعومة بإرادة سياسة تمكنهما من تحقيق النقلة النوعية المنشودة التي يرى الكثير من المحللين أنها ضرورية وحتمية، وهناك مساحة ضيقة -جدًا- لتسريع الخطى وتنفيذ إنجازات حقيقية في ميادين الإنتاج والتشغيل لتحقيق التحول المطلوب للوصول إلى المستقبل الذي نصبو إليه في البلدين، مردفًا أن المصالح الاستراتيجية في قطاعات الاستثمار والاقتصاد والتجارة والصناعة تمثل مفصل نجاح العلاقات الدولية، ولنا في الدول الأوروبية خير مثال بعد أن دام الوفاق والتعاون والوحدة بين دولها كنتيجة لبناء منظومة مصالح اقتصادية فيما بينها.

محفزات الاستثمار

وأعرب غانم بن ظاهر البطحري رئيس مجلس إدارة شركة البركة للخدمات النفطية عن تفاؤله للحراك الإيجابي تبذله الجهات المختصة من أجل تذليل العقبات التي تواجه المستثمرين المحليين والأجانب في السلطنة خصوصًا في ظل فرص استثمارية مؤاتيه في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية. وأكد غانم البطحري أن البيئة التشريعية مواتيه، حيث إن الإطار المؤسسي يعد من أهم ركائز الاقتصاد ومحفزات الاستثمار لما له من دور في تسهيل الإجراءات وتدفق الاستثمارات وإنجاز المشاريع وتسريع عملية التقاضي، وهي كلها عوامل تساعد في خلق بيئة استثمارية جاذبة، حيث عمدت سلطنة عمان خلال الأعوام السابقة لإصدارات العديد من القوانين في مساع منها لتعزيز البيئة الاستثمارية، منها على سبيل المثال قانون الاستثمار الأجنبي وقانون الإفلاس والتخصيص وقانون الشراكة بين القطاعين.

وأوضح البطحري أن برنامج إقامة مستثمر مهم جدًا، ويهدف إلى جذب أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين إلى السلطنة، وهو جزء من سلسلة برامج تنفذها السلطنة حاليًا بهدف تحسين بيئة الأعمال وتقديم المزيد من الحوافز للمستثمرين للعيش والاستقرار في السلطنة وهو ما يفتح آفاقًا أكبر للمزيد من المشاريع التي ستسهم بلا شك في جهود التنويع الاقتصادي التي تهدف لها رؤية عمان ٢٠٤٠.