عمان اليوم

التفكك الأسري.. خطر داهم وعبء مجتمعي

30 يونيو 2022
المشرع العماني وضع قوانين تحفظ كيان الأسرة
30 يونيو 2022

تعد الأسرة نواة المجتمع الأولى وتمثل قيم الترابط والتراحم والتآلف، والمنبع الأساسي لتكوين شخصية الطفل وتوجيهه وغرس العادات التي تناسب المجتمع.

فالتفكك الأسري هو وجود حالة من الخلل الوظيفي داخل الأسرة نتيجة لخلافات الوالدين أو تخلي أحد الوالدين عن الأدوار الرئيسية داخل الأسرة مما يؤدي إلى انحراف سلوكي يهدد الأسرة والمجتمع.

يسلط هذا الاستطلاع الضوء على أسباب ومظاهر وآثار التفكك الأسري، ومخاطره والقوانين والتشريعات التي ضمنها المشرع العماني لضمان كيان الأسرة والتعاليم الدينية لمعالجة الخلافات الأسرية ..

يرى ماجد الشرياني، اختصاصي نفسي تربوي، أن من أسباب التفكك الأسري هو عدم توفير احتياجات الأسرة، وردود الفعل السلبية المنعكسة على الأبناء، وعدم الاهتمام والوعي والمتابعة الأسرية، والإدمان والتأثر بمواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حب السيطرة وانعدام الأمان والثقة ، أما المظاهر فتتمثل في الإهمال والعدوانية والغيرة وعدم تقبل الآخر. وللتفكك الأسري مظاهر مختلفة منها غياب أخلاقيات المجتمع بسبب ما ينشأ عليه الفرد والسلوكيات الدخيلة، كما أنه يكثر غياب الشغف والأخلاق المهنية التي تخدم الفرد والمجتمع إضافة إلى كثرة الطلاق. كما ينشأ عن الأسر المتفككة أطفال مشتتون لا يحصلون على قدر كاف من الرعاية مما يؤثر على صحتهم النفسية والجسمية وعلى صفاتهم واندماجهم وسلوكياتهم مع المجتمع.

ويمكن الوقاية والحد من التفكك الأسري باستشارة المختصين والتثقيف المستمر وتقوية الروح الإيمانية والمجادلة والحوار بالتي هي أحسن والتقرب من الأبناء والاستماع لهم والتشبع بالحب من الذات أولا ثم البحث عن المعرفة واكتشاف الخطأ لإيجاد حلول تعالج المشكلة بدلا من زيادتها.

وترى فاطمة العبرية - أخصائية نفسية - أن إحدى أسباب تفكك الأسرة في المجتمع هي عدم توافق الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق وتشتت الأبناء وعدم توافق القيم التعليمية وغيرها من المبادئ والعادات الاجتماعية، ومنها ما يعود إلى أسباب نفسية وهو العنف وهناك أنواع للعنف جسدية ولفظية فرُبما تتلقى المرأة العنف من زوجها أو يتلقى الأطفال العنف من والديهما فيؤدي ذلك إلى عدم الانتماء للأسرة واعتياد الكذب وبذلك يكون غياب العاطفة في الأسرة.

وأخرى اقتصادية وهي عدم المقدرة على تلبية حاجات أفراد العائلة ومواجهة صعوبة في إدارة الموازنة المالية مما يؤدي إلى لجوء أحد أفراد العائلة إلى محفزات غير مناسبة لكسب المال مثل المخدرات وما شابهها ودخول أحد أفراد العائلة إلى السجن.

أما الدكتور حمد السناوي، رئيس قسم الطب النفسي والسلوكي، واستشاري أول طب سلوكي بمستشفى جامعة السلطان قابوس، يرى أنه من أسباب التفكك الأسري عدم التوافق بين الزوجين حيث يقوم الأهل باختيار الزوجة لابنهم دون اقتناعه بأنها شريكة الحياة المناسبة، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة وأيضا انشغال أحد الوالدين بالعمل والعلاقات الاجتماعية التي تستهلك وقت الجميع وعدم استثمار الوقت مع الأسرة والانشغال بالأصدقاء والرحلات المتكررة على حساب وقت الأسرة، والأفكار غير المنطقية عن الزواج والتي تتأثر بالمسلسلات والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تبالغ في إظهار الرومانسية.

وقد ظهرت في سلطنة عمان حالات الطلاق خاصة في أولى سنوات الزواج وكذلك بعض الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال التي تشير إلى عدم اهتمام الوالدين بتربية الأطفال.

قوانين وتشريعات

وعن الأنظمة والقوانين التي تحفظ كيان الأسرة يرى وليد الحراصي - محامي ومستشار قانوني - أن القوانين والأنظمة الدولية والمحلية كفلت وضمنت حقوق وكيان الأسرة من جميع الجوانب، والمشرع العماني وضع مجموعة من القوانين والتشريعات لضمان كيان وحقوق الأسرة كما جاء في النظام الأساسي وكذلك قانون الأحوال الشخصية وقانون الجزاء العماني، ونصت المادة (15) من النظام الأساسي للدولة في المبادئ الاجتماعية: «الأسرة أساس المجتمع، وينظم القانون وسائل حمايتها، والحفاظ على كيانها الشرعي، وتـقـوية أواصرها وقيمها، ورعاية أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتـنمية ملكاتهم وقدراتهم».

فالمشرع العماني أولى الأسرة اهتماما عظيما كونها أساس المجتمع، والبوتقة الأولى التي يتخرج منها شباب عمان، فحرص على أن تكون لتلك الأسرة الحصانة المناسبة التي تحافظ على أعمدتها باقية صلبة في وجه أي خطر محدق، من خلال تعزيز العلاقة بين الزوجين وتقوية أواصر المحبة والتفاهم بين الطرفين حيث نظم هذه العلاقة عن طريق قانون الأحوال الشخصية العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 32 / 97 الذي جاء ينظم الحقوق والواجبات بين الأزواج. وحتى يوازي المشرع الكفة بين الطرفين فقد أوجب على الزوج واجبات وأعطاه بعض الحقوق كما أوجب على الزوجة واجبات وكفل لها بعض الحقوق التي من شأنها أن تجعل الحياة بينهما تنشأ وفق معايير نبيلة دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما حماية المشرع العماني لكيان تلك الأسرة إلا تنفيذ للمبادئ السامية التي نصت عليها النصوص الشرعية، وتأكيد على أن للأسرة أهمية عظيمة في بناء نهضة عمان المباركة.

أسس وقواعد دينية

ويؤكد الإمام والخطيب إبراهيم السعيدي، أن الإسلام أحاط الأسرة بأسس وقواعد تحفظ الأسرة من التفكك، فمتى ما التزم الزوجان بهذه الأسس كانت أبعد ما تكون عن كل ما يؤدي للتفكك، ومن هذه الأسس إنه سمى الزواج (ميثاقا غليظا) فمتى ما أدرك ذلك المقبلان على الزواج كانا أبعد ما يكون عن كل ما يشين العلاقة الأسرية.

وأرشد الإسلام إلى طريقة اختيار كل من الزوجين لشريكه ، فمتى توفرت كل الشروط المذكورة في الحديث من الجمال والمال والحب والنسب فيها ونعمت، فالأساس الدين.

وأيضا بين لنا الإسلام أن كلا من الزوجين له حق على الآخر، فمتى ما أدى كل الطرفين ما عليه، كانت حياتهما مطمئنة ومستقرة وابتعد عن التفكك الأسري. والمقصد من الزواج في الإسلام هو السكينة بحيث يسكن كل منهما للآخر وتتحقق بينهما الرحمة والمودة، فمتى ما تحقق ذلك كانت الأسرة بعيدة عن المشكلات التي تؤدي للتفكك وإلى فساد العلاقات. خلاصة القول أن الأسرة هي الأساس فقوة المجتمع من قوتها، فإذا ساد التفكك الأسري زاد التخبط في المجتمع، لأن التفكك يعطل الطاقات البشرية عن الإنتاج والرقي ثم يدفعها إلى التخريب وارتكاب الجرائم وإشاعة الخوف في المجتمع، وكل هذا يعرقل مسيرة التطور في المجتمع وينشر التخلف وفقد الدافعية نحو التجديد والتميز. ومن هنا وجب الحفاظ على الأسرة ومنعها من التفكك بشتى التعاليم والأدوات الممكنة ومنها التمسك بتعاليم الإسلام الحميدة، وزيادة توعية المجتمع بأساليب المحافظة على تماسك الأسرة وتعزيز دعم إنشاء مراكز الرعاية الأسرية.