"البيئة": تقنيات متقدمة وحلول مبتكرة لمكافحة التلوث البحري
كتبت – مُزنة الفهدية
تواجه سلطنة عمان واقعًا بيئيًا مُقلقًا يتمثل في التلوث البحري؛ حيث تتعدد مصادره بين تسربات النفط من حركة السفن، والتصريفات الصناعية، ومياه الصرف الصحي، إلى النفايات البلاستيكية. في هذا السياق، نسعى إلى معرفة مدى تأثير هذه الملوثات على جودة المياه والحياة البحرية، والعواقب السلبية على النظام البيئي والتوازن البيولوجي.
وتؤكد هيئة البيئة على أنها تتبنى مشاريع رصد واستشعار متقدمة، وحلول مبتكرة لمعالجة المياه والتلوث النفطي، وإطلاق برامج لإعادة تأهيل الشعاب المرجانية واستزراع المانجروف، كما تعمل على تشجيع البحث العلمي والابتكار في مجالات الاقتصاد الأزرق والاستدامة البيئية بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة
وقال عصام بن سعيد البوصي- رئيس مركز محميات الأخوار: "إن المصادر الرئيسة للتلوث البحري في سلطنة عمان تتمثل في تسربات النفط الناتجة عن حركة السفن والناقلات في الممرات البحرية، والتصريفات الصناعية الصادرة عن المنشآت الساحلية والموانئ، إضافة إلى مياه الصرف الصحي غير المعالجة، والنفايات البلاستيكية والصلبة الناتجة عن الأنشطة البشرية والسياحية. كما تسهم الأنشطة التشغيلية اليومية في بعض المرافئ البحرية في زيادة الأحمال الملوثة على البيئة البحرية." موضحا أن الأنشطة الصناعية والسياحية تؤثر على جودة المياه من خلال زيادة تركيز الملوثات الكيميائية والمعادن الثقيلة، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الأكسجين الذائب وارتفاع العكارة وتغير خصائص المياه الفيزيائية والكيميائية. كما أن بعض الأنشطة السياحية غير المنظمة تسهم في تراكم النفايات والمخلفات البلاستيكية في الشواطئ والمناطق الحساسة بيئيًا.
دراسات علمية
وأشار إلى الأنواع الأكثر تأثرًا بالتلوث البحري في عُمان وهي الشعاب المرجانية، وأشجار المانجروف، والأعشاب البحرية؛ نظرًا لما تتمتع به من حساسية عالية تجاه الزيوت والمواد الكيميائية، كما تتأثر الأسماك والقشريات والرخويات بتراكم المواد السامة في أنسجتها، مما ينعكس على سلامة السلسلة الغذائية البحرية بأكملها.
وأضاف البوصي: "أظهرت دراسات علمية وتقارير بيئية وطنية وجود مؤشرات على تراجع بعض المواطن الطبيعية البحرية مثل: الشعاب المرجانية في بعض المناطق الساحلية بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتلوث النفطي والرواسب، كما رُصدت حالات نفوق للأسماك والأحياء الدقيقة في مناطق متأثرة بالتصريفات الصناعية، وتبذل هيئة البيئة جهودا كبيرة في التصدي في لهذا الموضوع من خلال سن التشريعات الصارمة وتطبيقها، بالإضافة إلى تنفيذ برامج رصد علمي ومشاريع ميدانية لإعادة تأهيل الموائل الرئيسة مثل: الشعاب المرجانية، ومكافحة التلوث.
وأكد رئيس مركز محميات الأخوار أن التلوث البحري يؤثر على النظام البيئي البحري، ويؤدي إلى اختلال التوازن البيئي في المنظومات البحرية، حيث يسبب تدهور الموائل الطبيعية وفقدان التنوع الأحيائي، كما يضعف قدرة النظم البيئية على تجديد ذاتها، وتُعد التسربات النفطية من أخطر الملوثات التي تؤثر على الحياة البحرية وتُحدث تغييرات كيميائية في المياه والرواسب.
وأفاد أن هناك عواقب محتملة على السلسلة الغذائية البحرية تتمثل في تراكم الملوثات السامة داخل الكائنات الحية وانتقالها عبر مستويات السلسلة الغذائية، مما يؤدي إلى تلوث الأسماك والمحار والكائنات التي يعتمد عليها الإنسان غذائيًا، هذا التراكم يهدد السلامة الغذائية والصحة العامة على المدى البعيد.
الأثر على الاقتصاد المحلي
وقال البوصي: "ينعكس التلوث البحري سلبًا على الاقتصاد المحلي؛ إذ يؤدي إلى تراجع الإنتاج السمكي، وارتفاع كلفة معالجة التلوث وتنظيف السواحل، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على السياحة الساحلية والأنشطة البحرية الترفيهية. كما تتأثر سمعة المنتجات البحرية العُمانية في الأسواق الخارجية في حال تلوثها، ويتسبب التلوث في انخفاض كميات الأسماك وتراجع جودة المخزون البحري، مما يؤثر على دخل الصيادين المحليين، أما القطاع السياحي، فيتأثر بتلوث الشواطئ وتدهور الشعاب المرجانية، مما يقلل من جاذبية المواقع السياحية الساحلية، كما يؤدي التلوث إلى تآكل الشواطئ وفقدان التنوع البيولوجي في المناطق الساحلية الحساسة."
وأوضح أن هيئة البيئة وضعت عددًا من الخطط الوطنية والسياسات التنظيمية لمكافحة التلوث البحري، أبرزها الخطة الوطنية لمكافحة التلوث بالزيت، وتنفيذ التمارين الوطنية لرفع الجاهزية الميدانية. كما تُطبق الهيئة قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (١١٤/ ٢٠٠١). كما يجري تحديث اللوائح البيئية لتشمل متطلبات جديدة لحماية البيئة البحرية من الملوثات المختلفة، بالإضافة على ذلك تنفذ هيئة البيئة برامج رصد ميداني منتظم تشمل جمع عينات من المياه والرواسب وتحليلها في المختبرات المعتمدة، بالإضافة إلى ذلك تنظم الهيئة بالتعاون مع الجهات الحكومية والأهلية حملات توعوية ومبادرات مجتمعية تهدف إلى نشر الوعي البيئي، مثل حملات تنظيف الشواطئ، والبرامج التثقيفية في المدارس والجامعات، وإشراك المجتمع المحلي في مراقبة الأنشطة الساحلية، ويمكن تعزيز المشاركة من خلال دعم مبادرات "المواطن البيئي المراقب"، وتشجيع العمل التطوعي البيئي المستدام.
برامج تعليمية وتوعوية
وحول الحديث عن البرامج التعليمية أو حملات توعوية في المدارس حول التلوث البحري قال: "إن المناهج الدراسية في السلطنة تتضمن موضوعات تتعلق بحماية البيئة البحرية، كما تنفذ وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع هيئة البيئة حملات مدرسية توعوية ومسابقات بيئية لترسيخ ثقافة الحفاظ على الموارد الطبيعية لدى الطلبة، وتشجيع البحث العلمي المدرسي في مجالات البيئة البحرية."
رؤية مستقبلية
وأكد أن سلطنة عمان تتعاون مع المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (ROPME) والدول المجاورة في تنفيذ برامج مشتركة لرصد التلوث البحري والاستجابة للطوارئ البيئية. كما تشارك السلطنة في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية البيئة البحرية، أما القطاع الخاص، فيسهم من خلال الالتزام بالمعايير البيئية، وتمويل مبادرات الحماية، وتطوير تقنيات المراقبة والمعالجة، ودعم الأبحاث والدراسات في مجال البيئة البحرية.
واختتم رئيس مركز محميات الأخوار حديثه حول أبرز التحديات المستقبلية التي تواجه سلطنة عمان في مكافحة التلوث البحري وقال: "أبرز التحديات المستقبلية هي زيادة حركة السفن الإقليمية، والتوسع الصناعي والسياحي في المناطق الساحلية، بالإضافة إلى تأثيرات التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة البحر، وتعمل السلطنة على مواجهة هذه التحديات عبر تطوير أنظمة الرصد البيئي الذكية، وتحديث التشريعات، وتعزيز القدرات الوطنية للاستجابة السريعة، إلى جانب توسيع التعاون الدولي والإقليمي في مجال مكافحة التلوث." مشيرا إلى أن سلطنة عمان تسعى إلى تحقيق رؤية مستقبلية متكاملة تهدف إلى الحفاظ على جودة المياه البحرية من خلال تنفيذ مشاريع رصد واستشعار متقدمة، وتبني حلول مبتكرة لمعالجة المياه والتلوث النفطي، وإطلاق برامج لإعادة تأهيل الشعاب المرجانية واستزراع المانغروف، كما تعمل على تشجيع البحث العلمي والابتكار في مجالات الاقتصاد الأزرق والاستدامة البيئية بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة.
