الامتحانات على الأبواب ..طلبة الدبلوم العام يتجاوزون القلق ويشحذون الهمم للنجاح والتفوق
مع اقتراب موعد امتحانات الدبلوم العام، يبدأ القلق والتوتر لدى الطلبة؛ لكون هذه المرحلة مصيرية وتمثل نهاية المطاف للمرحلة المدرسية، وهذا ما أشار إليه إلياس بن ماجد العامري، طالب في الصف الثاني عشر بمدرسة درة الخليج الدولية، قائلاً:
«بدأ العدّ التنازلي للاختبارات، ومشاعري متداخلة بين الحماس والتوتر والقلق؛ فأشعر بالحماس لأنني أطمح إلى تحقيق حلمٍ انتظرته منذ الصغر، وأؤمن بأن هذه المرحلة تمثل محطة مفصلية في مسيرتي التعليمية، وفي المقابل يرافقني الخوف حين أتخيل احتمال مواجهة امتحان صعب قد يهدد هذه الأحلام التي بنيتها عبر سنوات من الاجتهاد».
تحضير مبكر
أمّا من حيث الاستعداد، فيقول: بدأت بالتحضير للامتحانات منذ شهر تقريبًا، حيث قمت بتلخيص كل مادة بنفسي وبأسلوب يناسبني ويساعدني على الفهم العميق، ثم أنتقل بعد ذلك إلى مرحلة الحفظ، مع الحرص على أن يكون الحفظ قائمًا على الفهم لا على التلقين.
مشيرًا إلى أن أكثر المواد التي تقلقه هي مادة الأحياء، حيث تشكّل ضغطًا كبيرًا؛ لأنها تتطلب وقتًا طويلًا في الدراسة، وتعتمد على الحفظ المكثف إلى جانب الحاجة إلى فهم عميق للتفاصيل والمفاهيم، مما يجعلها مادة مرهقة مقارنة بغيرها.
وأشار العامري إلى أن الأسرة لها دور محوري في دعمه معنويًا خلال فترة الاختبارات، من خلال الدعاء والتحفيز المستمر، كما نصح زملاءه بالابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي خلال هذه الفترة؛ لأنها قد تؤثر سلبًا على المذاكرة وتؤدي إلى ضياع الوقت، لذا قام بحذف جميع مواقع التواصل الاجتماعي إيمانًا منه بأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
ويشاركه الرأي الطالب إياد بن أحمد الكلباني من مدرسة الحسن بن هاشم، بقوله: ينتابني إحساس بالخوف والقلق من الاختبارات، لذا سعيت إلى الاستعداد المبكر لها من خلال إعداد جدول للمذاكرة، أخصص فيه لكل يوم مادة محددة، ثم أنتقل بعد ذلك إلى المراجعة من الملخصات وحل نماذج أسئلة اختبارات الأعوام السابقة.
وأشار إلى أهمية تهيئة مكان المذاكرة، بحيث يكون هادئًا، وإضاءته مريحة للعين، وبعيدًا عن الضوضاء، مضيفًا أن أكثر ما يسبب له ضغطًا أثناء المذاكرة هما مادتا الرياضيات والفيزياء، بسبب طبيعة أسئلة الاختبار غير المباشرة، إضافة إلى كثرة الشكاوى حولهما من قبل طلبة الأعوام السابقة.
لذا يلجأ إلى أسلوب الكتابة أثناء المذاكرة؛ لأنها تساعده على الفهم والحفظ بسرعة، مثل كتابة المفاهيم وحل الأسئلة، بالإضافة إلى متابعة المنصات التعليمية عبر موقع «يوتيوب»، حيث يقدم المعلمون بثًا مباشرًا لمراجعة المواد والتهيئة للامتحانات.
وقالت جود بنت عبدالله الغدانية، المقيدة بالصف الثاني عشر (القسم العلمي): أشعر بشيء من الخوف والقلق، وهو أمر طبيعي في هذه المرحلة، لكنني أحاول التعامل معه وتجاوزه قدر الإمكان.
وتابعت بقولها: أحرص على المذاكرة بتركيز وبذل جهد مضاعف، مع الاعتماد على حل اختبارات وزارية سابقة؛ لتعزيز الفهم والاستعداد الجيد للاختبارات.
وتقول الغدانية: إن مادة الأحياء تُعد من أكثر المواد كثافة من حيث المحتوى وتعدد المعلومات، ما يجعل مراجعتها تستغرق وقتًا وجهدًا أكبر مقارنة بغيرها من المواد، ويزداد القلق مع التفكير في مستوى الاختبار، وإمكانية أن تأتي الأسئلة صعبة أو غير متوقعة.
جاهزية المدرسة
وحول جاهزية الطلبة للاختبارات، يقول نصر الحارثي، مدير مدرسة كعب بن زيد للتعليم الأساسي: تولي المدرسة اهتمامًا خاصًا بتجهيز المبنى المدرسي لاستقبال طلبة الدبلوم العام، بما يشكّل بيئة محفزة تساعد الطلبة على أداء اختباراتهم بكل يسر. حيث يبدأ الاستعداد بتشكيل اللجان والفرق، وتوزيع المهام برئاسة مدير المدرسة (رئيس الفريق)، للتأكد من مدى جاهزية المدرسة والقاعات الصفية من حيث النظافة والتنظيم، وإعداد قوائم الطلبة؛ بما يحقق الهدف في وصول الطالب إلى القاعة بسهولة ويخفف من حدة التوتر، خاصة في اليوم الأول للاختبارات.
مضيفًا: يلعب الجانب النفسي دورًا مهمًا، يتمثل في استقبال الطلبة بالكلمات المشجعة والتحفيزية، وتوفير الاحتياجات المعينة على أداء الاختبار في أجواء تتسم بالراحة والتركيز العالي. إلا أن هناك بعض السلوكيات التي قد نلاحظها لدى بعض الطلبة، باعتبار أن مرحلة اختبارات الدبلوم العام مرحلة مصيرية تتسم بنوع من التوتر، وقد تظهر بعض الأعراض كالصّداع أو فقدان التركيز، وهو أمر طبيعي يتم التعامل معه بمنهجية تربوية، يلتزم فيها المعلم بدور الأب الناصح والمشجع.
أما عن أبرز الاستراتيجيات لتخفيف رهبة الاختبارات، قال الحارثي: تتمثل في جعل مركز الاختبار بيئة هادئة، يشترك جميع العاملين بها في توفير أجواء مستقرة ومطمئنة، وترسيخ مبدأ أن كل طالب بمثابة الابن الذي يقف الجميع إلى جانبه للوصول إلى الغاية الأساسية. كما أن الكلمات الإيجابية التي تصل إلى ذهن الطالب من تشجيع العاملين بالمركز، وتوعية الطلبة بأن أداء الاختبار يحتاج إلى الهدوء والبدء بالأذكار، والتأكيد على أن هناك دائمًا متسعًا من الوقت ليُبرز الطالب جهده في الورقة الامتحانية، تسهم بشكل كبير في تعزيز الثقة والطمأنينة لديهم.
تحفيز المعلمين
أفاد المعلم عمر الحمادي أن القلق والتوتر يُعدّان من أكبر العوائق أمام مشاركة الطالب داخل الصف، حيث يمتنع بعض الطلبة عن الإجابة خوفًا من الخطأ، أو يشعرون بعدم الأمان النفسي. لذلك، من الضروري أن يوفّر المعلم بيئة صفية داعمة وآمنة تشجّع الطالب على المحاولة والتعبير بحرية. فتعامل المعلم مع الفروق الفردية يتطلب منه المرونة في أسلوب التدريس والتقويم، ورغم ضغوط الاختبارات يحرص على تنويع طرق الشرح وتقديم مراجعات مبسطة وداعمة لكل مستوى.
وأشار الحمادي إلى أن للمعلم دورًا نفسيًا مهمًا في دعم الطلبة، من خلال منحهم كلمات تشجيعية قد تفوق في أثرها شرح الدرس ذاته، مؤكدًا أن دور المعلمين يتمثل في زرع الثقة والطمأنينة في نفوس الطلبة، خاصة في أوقات الضغط مثل فترة الامتحانات، لما لهذا الدعم من أثر كبير في تحصيلهم الدراسي وسلوكهم.
وذكرت المعلمة رحمة بنت حمود الراسبية، من مدرسة حيل العوامر للبنات، أنه في ظل ضغوط الاختبارات تتعامل المعلمة مع الفروق الفردية لدى الطالبات من خلال تقديم أنشطة متفاوتة المستويات، وتفعيل العمل الجماعي وتقسيم الأدوار. كما أكدت أن على المعلمة تقديم الدعم النفسي إلى جانب الدعم التعليمي، وتشجيع الطالبات باستمرار، وتقديم النصح والإرشاد، والتحلي بالتساهل والمرونة في التعامل.
الضغوطات والمقارنات
من جهته أوضح ناصر بن عبدالله العبري، أخصائي اجتماعي بمدرسة أبو سعيد الكدمي للتعليم الأساسي بولاية الحمراء، أن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا في التهيئة النفسية للطالب، وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة للاستعداد للامتحانات، من حيث هدوء مكان المذاكرة، وتوفير الأدوات والمستلزمات التي يحتاج إليها الطالب، ومساعدته في إيجاد الوقت الكافي للمراجعة، وعدم تكليفه بأعمال خلال فترة الامتحانات. وأشار إلى أن بعض الأسر قد تمارس ضغوطًا على الأبناء بدافع الحرص على تحقيق نتائج ممتازة، إلا أن هذا الحرص قد يتحول إلى ضغط نفسي يؤثر سلبًا على أداء الطالب.
وأضاف أن بعض الآباء والأمهات يلجؤون إلى مقارنة الأبناء بإخوتهم أو أخواتهم السابقين المجيدين الذين حصلوا على نسب ودرجات عالية، وهو ما ينعكس سلبًا على أداء الطالب، مؤكدًا أن هناك فروقًا فردية بين الطلبة، فكل طالب يفهم ويتعلم بطريقته الخاصة، لذا ينبغي توجيه الطلبة دون مقارنتهم بأي شخص آخر. وشدد على ضرورة مراعاة مشاعر الطلبة في هذه المرحلة، مبينًا أن على المدرسة، بهيئتها التعليمية، بث روح الحماس والتعزيز، وتزويد الطالب بالمعارف والمعلومات في مختلف المواد، وتقديم الدعم الأكاديمي والتربوي اللازم، في حين يتمثل دور الأسرة في تهيئة الظروف المناسبة للطالب أثناء تواجده في المنزل. واختتم حديثه متمنيًا لأبنائنا الطلبة استغلال الوقت المتبقي، وعدم الانشغال إلا بما يفيدهم، وترك جميع الملهيات، لا سيما التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلا بما يخدم دراستهم.
الترقب القلق
من جهتها قالت روان بنت سالم المحاربية، أخصائية نفسية بعيادة همسات السكون: إن ملامح طلبة الدبلوم العام تتفاوت بين توتر ظاهر، وتفكير لا يتوقف، وإحساس عام بأنهم يقفون أمام محطة مصيرية في حياتهم. ومن منظور نفسي، فإن هذه المشاعر ليست غريبة، لكنها تستحق أن تُفهم بعمق بعيدًا عن التهويل أو التقليل من شأنها. وأضافت أن الحالة النفسية العامة لطلبة الدبلوم في هذه المرحلة يمكن وصفها بأنها حالة من الضغط المستمر والترقب القلق، حيث تحمل هذه المرحلة معنى أكبر من حجمها الحقيقي، فتتحول من اختبار معرفي إلى اختبار نفسي يمس الثقة بالنفس والشعور بالقيمة.
وأوضحت أن أكثر المخاوف النفسية شيوعًا بين الطلبة تتمثل في الخوف من الفشل، أو من خذلان الأهل، أو من عدم تحقيق التوقعات. ورغم أن هذه المخاوف طبيعية في أصلها، إلا أنها غالبًا ما تتضخم بفعل القلق والتفكير المفرط، فيبدأ الطالب في رؤية النتيجة كحكم نهائي على مستقبله، بينما هي في الحقيقة مرحلة واحدة ضمن مسار طويل. وأشارت إلى أن القلق الامتحاني قد يكون محفزًا إذا كان في حدوده الطبيعية، لكنه عندما يتجاوز ذلك يبدأ في التأثير المباشر على الأداء الأكاديمي، فتظهر أعراض مثل ضعف التركيز، أو النسيان المؤقت، أو التسرع في الإجابة، موضحة أن المشكلة في هذه الحالة لا تكمن في قلة المعرفة، بل في أن القلق يعطل الوصول إلى هذه المعرفة في اللحظة المطلوبة.
وأفادت المحاربية أنه عند تحليل مصادر الضغط يتضح أن الامتحانات ليست السبب الوحيد، بل أن التوقعات المجتمعية تلعب دورًا كبيرًا، فالكلام الشائع الذي يربط قيمة الطالب بنتيجته، ويقارنه بالآخرين، يخلق عبئًا نفسيًا يفوق قدرة كثير من الطلبة على الاحتمال. وفي كثير من الأحيان لا يكون الخوف من الامتحان ذاته، بل مما يمثله في نظر الأسرة والمجتمع.
وأضافت أن أسلوب المذاكرة له أثر مباشر على الاستقرار النفسي للطالب، حيث إن الطلبة الذين يعتمدون على الحفظ فقط يكونون أكثر عرضة للقلق؛ لأن المعلومة تصبح مهددة بالضياع تحت الضغط، في حين يمنح الفهم والربط شعورًا بالأمان والسيطرة، ويجعلان التعامل مع الأسئلة أكثر مرونة وهدوءًا.
وأكدت المحاربية أنه رغم أن التوتر في هذه المرحلة يعد أمرًا طبيعيًا، إلا أن هناك علامات نفسية تستدعي الانتباه الجاد، مثل القلق الشديد المستمر، واضطرابات النوم الحادة، والانسحاب الاجتماعي، أو الإحساس المتكرر بفقدان الأمل. وعند هذه النقطة يصبح طلب الدعم النفسي خطوة ضرورية، لا علامة ضعف، إذ إن الحديث مع مختص أو شخص بالغ موثوق قد يكون فارقًا حقيقيًا في تجربة الطالب.
