عمان اليوم

إدمان السوشيال ميديا مشكلة صحية عقلية تهدد الأطفال والمراهقين وتتطلب تدخل علاجي

02 ديسمبر 2022
رفع مستوى أنظمة الرقابة والتربية الوالدية لاستخدام آمن للمنصات الالكترونية
02 ديسمبر 2022

- أنشطة لتعزيز الرقابة الذاتية للأطفال بالقصص والألعاب والاجتماعات الاسرية

- دراسات تؤكد ارتباط استخدام المنصات بالاكتئاب والقلق والهوس والنرجسية

- تعرض الأطفال لكمية معلومات هائلة يحرمهم من مهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي

شكل سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خطورة بالغة على الأطفال، وأصبحت تؤرق بال الكثير من الاباء والامهات والتي تعد من أكثر القضايا التي يكثر تداولها في المجتمع الان لما لها من آثار وتداعيات سلبية، ويشعر الكثير من الاهالي بالتحدي والصعوبة في تقنين استخدام الأطفال للتقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي في ظل تطور العالم التقني الحديث والحاجة إلى استخدامها بشكل يومي لدى البعض في الجوانب التعليمية والاجتماعية، وقد فتح التطور الرقمي والتقدم التكنولوجي مجال اوسع للاستفادة من الأجهزة الرقمية وخاصة بعد جائحة كوفيد التي ساهمت في إدخال تقنيات وبرامج وسائل التواصل الاجتماعي بعمق في حياة الاطفال، وألحقت في برامج ومنصات التعليم والدراسة.

ومن بين هذه الآثار الوخيمة التي تنجم عن سوء الاستخدام، هل يدرك الطفل الاثار الصحية والنفسية التي قد تنتج من كثرة استخدام هذه الوسائل وعدم تنظيم الوقت وضعف الرقابة الأبوية وما يجب على الاباء أن يدركوه من مهارات تقنية في الاستغلال الأمثل لتعزيز الوعي وبناء الفكر ورفع المهارات والإمكانيات لأبنائهم والحد من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي.

"عمان" وقفت على هذه الظاهرة للتعرف على كيفية تقنين هذا الاستخدام السلبي، حيث أكد خليفة بن مسلم العيسائي الرئيس التنفيذي لمؤسسة الخبرة لتمكين الأعمال على أهمية التزود باستراتيجية النظام التقني للأسرة مع وضع أنظمة الرقابة الأبوية للحد من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال: على الأسر ان تعزز من دورها في تقنين استخدام وسائل التواصل الاجتاعي ووضع نظام تقني للأسرة بمعرفة عملية حول تعامل أفراد الأسرة مع التقنيات الحديثة ومجالات استخدامها سواء في التعلم والترفيه والثقافة والتجارة، مشيرا إلى أن من أبرز القيم التي يجب الالمام بها القيم التقنية لدى أولياء الامور ومربي الاجيال لنقلها إلى الأبناء اولها قيمة الأمان والمحافظة عليها من سرية المعلومات الشخصية والبيانات الخاصة، ثانيها قيمة الحاجة والاسباب التي تستدعي استخدم الوسيلة وهي اداة وليست غاية لقضاء الوقت فقط وقيمة المراقبة الذاتية للشخص وطريقة استخدامه للتقنيات والوسائل والساعات التي يقضيها والمنفعة، وقيمة الاستثمار في استغلال الوسائل في الحصول على عوائد شخصية، أسرية أو مجتمعية، وقيمة التواصل مع الاخرين والاهل والمختصين في مختلف المجالات العلمية أورياضية او اجتماعية وغيرها.

وتطرق العيسائي إلى ايجابيات وسائل التواصل في أنها تختصر المسافات وتقلل الجهد وتسرع الوصول وتسهل الحصول على المعلومات وتزيد الفرص التعليمية ولابد من وضع ميثاق للتعامل مع الوسيلة في الساعات التي يقضيها الشخص مع وسيلة التواصل الاجتماعي.

ونوه خليفة العيسائي على وجود بعض السلبيات التي تنتج عن التعامل مع وسائل التواصل أبرزها الادمان على الاستخدام وظهور بعض السلوكيات الخاطئة والأمراض النفسية والجسدية.

ودعى العيسائي أولياء الأمور اختيار الوقت والسن المناسب لشراء الأجهزة الإلكترونية لابناءهم ولايقوموا بشراءها بناء على طلبهم او المقارنة مع الاطفال الاخرين في العائلة مثلا لابد من فتح باب الحوار البناء واقناعهم بالوقت المناسب لشراء الأجهزة واطلاعهم على التأثيرات الناتجة على قدراتهم ومهاراتهم في حالة امتلكوا أجهزة بسن مبكر وهكذا.

كما أن على أولياء الامور التعرف على مهارة اختيار الجهاز المناسب ومهارات الدخول في حسابات التواصل والتواصل مع الشخصيات ومراقبة الابناء وملاحظة المؤشرات الايجابية والسلبية التي قد تظهر على الابناء في حالة استخدام التقنيات حتى لا يقعوا ضحية ابتزاز او الاصابة بالامراض لا سمح الله.

آثار صحية

من جانبها تحدثت الدكتورة غنية بنت سيف الغافرية رئيس قسم الطب النفسي بمستشفى عبري المرجعي عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للطفل، فقالت: توجد الكثير من السلبيات نتيجة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي منها نشر الأفكار الهادمة والتحايل والتزوير ونشر الشائعات والأكاذيب وانتهام الحقوق الخاصة والعامة وانتحال الشخصيات وهدر الاوقات واثارة المشاكل الزوجية والتحريض ضد الغير والتفكك الأسري وغياب الرقابة وعدم الاحساس بالمسؤولية.

وأشارت الدكتورة إلى بعض الدراسات التي اجريت مؤخرا تؤكد ارتباط استخدام منصات الوسائط الاجتماعية ارتباطا وثيقا بالاكتئاب والقلق حيث أن المخاطر تكون بنحو ثلاثة أضعاف تساهم في التعرض للإكتئاب والقلق بين الأشخاص الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت "أثبتت دراسة نُشرت عام 2018م أن وسائل التواصل لا تسبب التعاسة فحسب، وإنما تؤدي أيضاً إلى تطور مشكلات الصحة العقلية مثل القلق أو الاكتئاب، عند استخدامها أكثر من اللازم أو دون توخي الحذر، وفي دراسة نشرت عام 2019 شارك فيها حوالي 10 آلاف طفل بإنجلترا، وجد الباحثون أن وسائل التواصل قد تضر بالصحة العقلية للفتيات، من خلال زيادة تعرضهن للتنمر، وتقليل نومهن وممارستهن للرياضة".

وأضافت الدكتورة: كشف باحثون في المعهد الدانماركي لأبحاث السعادة، أن العديد من الأشخاص يعانون من "حسد فيسبوك" وأن من أخذوا استراحة منه لمدة أسبوع شعروا برضى عن حياتهم، وبتوتر أقل بنسبة 55%، وتحدثوا أكثر مع العائلة والأصدقاء، كما توصلت دراسة شملت أكثر من 700 طالب إلى أن أعراض الاكتئاب، مثل الحالة المزاجية السيئة، والشعور بعدم قيمة الذات واليأس كانت مرتبطة بطبيعة ونوع التفاعل على الإنترنت، وولاحظ الباحثون وجود مستويات عالية من أعراض الشعور الاكتئاب بين هؤلاء الذين كان لديهم تفاعلات أكثر سلبية على الإنترنت.

وأفادت الدكتورة بأن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي هو ضعف مقاومة المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي من حيث أنه لا يستطيع أن يتركه أويستغني عنه نفسيا والدراسات تؤكد أن الإدمان على الفيسبوك نفس تأثير جرعة الكوكايين على الدماغ، وهناك نوعا من إدمان الإنترنت نفسه، هو اضطراب مصنف طبيا في الوقت الحالي، كما أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يعد مشكلة صحية عقلية "قد" تتطلب علاجا والاستخدام المفرط له صلة بمشكلات في العلاقات مع الناس، وتراجع التحصيل الدراسي، وقلة الانخراط في مجموعات وأنشطة بعيدا عن الإنترنت، و ضعف الدرجات في المدرسة.

وذكرت الدكتورة بأن هناك دراسة علمية أخرى عن هوس الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالسمات المرضية عند الأطفال وتبين من خلال الدراسة أن الأطفال الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لمدة سنتين ظهر عندهم علامات اضطراب من القلق الاكتئابي و الاكتئاب منخفض الطاقة والملل والانسحاب والشعور بالإستياء المستمر، وعندما يتعرض الأولاد لكمية معلومات في تعاملهم في وسائل التواصل الاجتماعي -والذي لا يكون مفيدا في الغالب -يحصر قدراتهم العقلية ويضعف ذاكرتهم إضافة إلى حرمانهم من مهارات الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي.

القلق والهوس بالذات

أما عن الشعور بالقلق فقد أشارت الدكتورة إلى دراسة نشرت في دورية "الكمبيوتر والسلوك البشري"، أن الأشخاص الذين يقولون إنهم يستخدمون سبعة أو أكثر من منصات التواصل الاجتماعي، يكونون أكثر عرضة لمستويات مرتفعة من القلق بنسبة تزيد على ثلاثة أضعاف، مقارنة بالأشخاص الذين يستخدمون منصة أو اثنتين من منصات التواصل الاجتماعي، أو الذين لا يستخدمونها مطلقا، وتشمل الأسباب التي تقف وراء ذلك إلى أساليب التخويف أو التنمر التي يتعرض لها البعض، تكوين رؤية مشوهة عن حياة الآخرين، الشعور بأن الوقت الذي يُقضى على مواقع التواصل الاجتماعي وقت مهدر.

أما عن مشكلات الصحة العقلية فتشير إحدى نتائج الدراسات إلى أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات في اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي هم أكثر عرضة لضعف الصحة العقلية، وذلك بغمرهم في عالم افتراضي يؤخر تطورهم العاطفي والاجتماعي.

وأكدت أن آثار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الهوس بالذات والنرجسية حيث يعد الهوس بالذات ونشر تحديثات شخصية وصور لا نهاية لها على وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من النرجسية لدى الشباب، و يعتمد مزاجهم إلى حد كبير على مدى تقدير صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي ويخشون القلق عندما لا يحصلون على الاهتمام الذي يتوقعونه، ووجود صفحات خاصة بهم يجعل الأطفال أكثر تركيزًا على أنفسهم والهوس بالمظهر الخارجي.

ومن الاثار الاخرى ضعف الجهاز المناعي حيث أن قضاء وقتاً أطول على الإنترنت يعني أكثر عرضة للمرض، والسبب هو إجهاد نظام المناعة بسبب الفترات التي لا يكون فيها الشخص متصلاً بالإنترنت، ومن شأن فترات التناوب من اتصال وانفصال تجعل مستويات الكورتيزول متباينة، والكورتيزول هو الهرمون الذي يساعد الجسم على الدفاع عن نفسه ضد العدوى.

ووضعت غنية الغافرية حلولا للتقليل من السلبيات تمثلت في البحث عن تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية على الأطفال وتثقيفهم حول إيجابيات وسلبيات ذلك، و تعيين الحدود على المواقع التي يمكن أن تكون عليها ولأي مدة، وتشجيع الاطفال على الانخراط في تواصل أكثر واقعية مع الناس، بدلاً من التواصل عبر الإنترنت، وتعليمهم أهمية قضاء المزيد من الوقت في صداقات وأنشطة حقيقية، و تشجيع الاهتمامات أو المشاعر الأخرى التي قد تكون لديهم، قد يكون هوايات أو رياضة أو عمل اجتماعي أو أي شيء غير افتراضي، وتعليمهم كيفية استخدام منصات الوسائط الاجتماعية بشكل بناء لتعزيز تعلمهم، والاشراف على نشاطهم عبر الإنترنت، حتى تتمكن من تعليمهم حماية أنفسهم من الخداع عبر الإنترنت.

الرقابة الذاتية

بدورها أكدت وضحى بنت المر الكلبانية أخصائية اجتماعية على الأثار الايجابية لمنصات التواصل الاجتماعي المتمثلة في اكتساب المهارات التقنية لمواكبة التطور التكنولوجي، وفرصة للتعبير عن الأفكار والمشاعر، وتعد وسيلة للتواصل الاجتماعي وامكانية التعرف على ثقافات مختلفة واشخاص ذوي اهتمامات مشتركة، والاطلاع على الأحداث الجارية والانفتاح على العالم.

وقالت: في الجهة المقابلة يتمثل الأثر السلبي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الاطفال في تذبذب العلاقة الأسرية، التأثير على قدرة الطفل بالتواصل مع غيره من الافراد، تضييع الوقت والتعرض لمواد غير لائقة والعزلة الاجتماعية، العنف اللفظي، والتنمر والتحرش والابتزاز والجرائم الالكتروني.

واعتبرت الكلبانية أن التربية الوالدية لها دور في الاستخدام الآمن لمنصات التواصل الاجتماعي بإعتماد مبدأ الحوار كخطوة أولى تليها عدم النقد، بعدها اغتنام اللحظات التربوية والتعبير عن الحب بعدة اشكال اهمها تقديم الخدمات والهدية والتعبير الجسدي والتوكيد اللفظي، كما يمكن التركيز على الجانب الايجابي.

وعن تعزيز الرقابة الذاتية للأطفال في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قالت منى بنت خلفان الغافريه اخصائية اجتماعية: تمكن الرقابة الذاتية الطفل من التمييز بين الخير والشر والنافع والضار وتسهم في تشكل مفهوم المحاسبة الذاتية لديه بحيث يكون كقوة رادعه للطفل امام ما يراه ويسمعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

مشيرة إلى بعض الأساليب لتدعيم الرقابة الذاتية للأطفال بوضع ضوابط وقواعد داخل الاسرة، وتعويد الأطفال على تنظيم الوقتن وتعويد الأطفال على تحمل المسؤولية، وتقوية مهارات الثقة بالنفس وتحديد الصج والخطأ والمقبول والمرفوض، ووجود القدوة الصالحة، وتعزيز السلوكيات الايجابية والثنائ عليها.

وذكرت الغافرية: توجد أنشطة تسهم في ترسيخ الرقابة الذاتية في نفوس الابناء من خلال الاستعانة بالقصص سواء بالقراءة من كتاب او الفيديو ومناقشتهم في المحتوى، والألعاب ويا حبذا لو تصنع من قبل المربي والابن من خامات بسيطة متوفرة بالمنزل، واشراكهم في اللقاءات والاجتماعات الأسرية (يمكن تكليفهم ببعض المهام التي ترفع ثقتهم بأنفسهم كتقديم القهوة للضيوف والحديث معهم وممكن أيضا يطلب من الطفل قراءة قصة او القاء شعر امام اقاربه واخوانه حتى يتشجع وتنمو لديه مهارات وقدرات ينبغي تطويرها.