No Image
عمان اليوم

إجراءات وخطط استراتيجية للتكيف مع تأثيرات التغير المناخي في سلطنة عمان

07 فبراير 2023
تهيئة المدن للتعامل مع تداعيات الأنواء والكوارث
07 فبراير 2023

- خطة متكاملة لتعزيز البنية الأساسية وتصميم شبكات الطرق ومعالجة تصريف مياه الأودية

- استراتيجية الزراعة المستدامة 2040م تضع برامج للحد من مخاطر الكوارث وإدارتها

لم يقتصر خطر التغيرات المناخية على ارتفاع درجة الحرارة، بـل شـمل حدوث ظواهـر لها نتائـج وخيمة على النظام الحيـوي، حيث تتعرض دول العالم في الوقت الحالي لتغيرات مناخية غير مسبوقة، نتيجة التقدم الصناعي والتطور العمراني وتراجع مساحات الغابات التي تؤثر سلبا على الأوضاع البيئية واقتصاديات الدول.

وشهدت بلدان العالم خلال السـنوات الخمس الماضية العديد مـن الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والعواصف المدمرة وموجات الجفاف وحرائق الغابات وذوبان الجليد وارتفـاع درجـات الحرارة، ما دفع دول العالم إلى جعل التغير المناخي في سلم اهتمامها ومنها سلطنة عمان التي عملت على تنفيذ مجموعـة من الإجراءات ووضع الخطط الوطنية الاستراتيجية، التي تستهدف الحفـاظ علـى البيئـة، وتحقيـق الاسـتدامة وتحسين برامـج تخفيـف حـدة التغيـرات المناخيـة والتكيـف معهـا، مع وضع برامـج تشـجيع الاقتصاد الدوار والاقتصـاد الأخضـر والأزرق، ورفـع كفاية اسـتخدام الموارد، وزيادة مساهمة الطاقة النظيفة والمتجددة في النشاط الاقتصادي.

برامج واستراتيجيات

ركزت الخطط الوطنية على إيجاد أنظمة وتشريعات قانونية وتحديث الاستراتيجيات والبرامج الوطنية المعنية بتغير المناخ والمساهمة في تطوير البحث العلمي، في مجال التغيرات المناخية حيث يجري العمل على إنهاء مسودة قانون للتغيرات المناخية حتى يكون هناك إطار تنظيمي لوضع الأحكام العامة المتعلقة بقضايا الشؤون المناخية في سلطنة عُمان بكافة حدودها وقطاعاتها التنموية المختلفة وإعداد الاستراتيجية الوطنية للتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية في قطاعات التنمية الأساسية بسلطنة عُمان ومواجهة تحديات تغير المناخ التي تعد من أخطر الظواهر التي تواجه العالم الآن.

وعن انعكاسات التغيرات المناخية على سلطنة عمان تشير البيانات إلى أنه مـن المتوقـع أن ترتفـع درجـات الحـرارة بيـن 2 إلـى 4 درجـات مئوية، وأن تقل نسـبة هطـول الأمطار إلى 10 ملم/سـنة فـي شـمال السـلطنة، مـع احتمـال زيادة هطولهـا على السـواحل الجنوبية الغربية والوسـطى بمعدل 10ملم/سـنة، وفـي حالـة ارتفـاع البحـر بمقـدار نصـف متر فإنه سـيغمر قرابـة 400 كيلومتر مربع من السـواحل العمانية.

وقد تؤثر التغيـرات المناخيـة علـى عـدد من قطاعات التنمية، لاسـيما المـوارد المائيـة والتنوع الأحيائـي والثروة السـمكية وقطـاع الزراعـة والمناطق السـياحية والحضريـة والصحة.

وقد أقامت مراكز الدراسات العالمية العديد من المؤتمرات والندوات والفعاليات المتخصصة التي تحذر من هذا الخطر الذي يواجه دول العالم ليس لارتفاع درجات الحرارة وزيـادة انبعاثـات غـازات الاحتبـاس الحـراري بوتيـرة متسـارعة فحسـب، بـل شـمل حـدوث ظواهـر لهـا نتائـج وخيمـة علـى النظـام الحيـوي الـذي نعيـش فيـه، تتمثـل فـي زيـادة موجـات الحـر، واتسـاع مسـاحات الجفـاف والحرائـق، ممـا يؤدي إلـى ذوبان الجليـد الـذي يعمـل علـى رفـع مسـتوى البحـار ومـن ثـم إغـراق السـواحل، الأمر الـذي يؤثـر علـى عـدد الكائنـات الحيـة (النباتيـة والحيوانية) وبقائها وربما يؤدي إلى انقراضها، مما ستنعكس آثاره على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وحذر خبراء المناخ مـن ارتفاع درجات الحرارة عالميا، داعين إلى العمـل لإحـداث تحـولات "سـريعة وبعيـدة المـدى" علـى الأرض، وفـي الطاقـة والصناعـة والمبانـي والنقـل والمــدن، لكــي تنخفــض الانبعاثات العالميــة الصافيــة الناتجــة عــن انبعاثات ثاني أكسـيد الكربون بحلـول عـام 2030 بنحـو 45% عـن مسـتويات عـام 2010، لتصـل إلـى "صافـي الصفـر" علـى مشـارف عــام 2050، وهنا عملت الحكومة بالتعاون مع شركات الطاقة واللوجستيات على خفض الانبعاثات، من أجل تحقيق تعهدات السلطنة المناخية والإسهام في تطوير صناعة مستدامة في سلطنة عمان، كما تم تنفيذ العديد من المشاريع لخفض الانبعاثات الكربونية من مختلف القطاعات لاسيما تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة ومشاريع كفاءة الطاقة ومشاريع الحد من عمليات حرق الغاز وخفض انبعاثات غاز الميثان باستخدام تقنيات رصد متطورة كالأقمار الصناعية والكاميرات الحرارية، وهناك العديد من المشاريع المزمع تنفيذها في مختلف القطاعات على مدى الأعوام العشرة القادمة لخفض الانبعاثات والحد من نموها.

التزام دولي

وتبذل سـلطنة عمان في هذا الصدد جهـودا متواصلة للحـد مـن تحديـات التغيـرات المناخية وتؤكد التزامها ودورها الريادي في دعم الجهود الدولية، حيث تم التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشـأن تغير المناخ، ولخفض الانبعاثات الكربونية والحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية فقد أعلنت عن تحديد عام 2050 هدفًا لتحقيق الحياد الصفري لانبعاثات الغازات الدفيئة في مجمل القطاعات التنموية، كما وقعت علـى اتفـاق باريـس 2015 بشـأن تغيـر المناخ للحد من ارتفاع درجة الحرارة دون الدرجتين، وإعداد مشـروع الاسـتراتيجية الوطنيـة للتكيـف والتخفيـف مـن التغيـرات المناخيـة في السـلطنة، وتبنـي أهداف خطـة التنمية المسـتدامة 2030 الأمميـة وخاصـة الأهـداف 13، 14، 15 المعنية بالبيئة.

ولم تقتصر الجهود على هذا الجانب بل قامت بإنشاء اللجنة التوجيهية للتغيرات المناخية وحماية طبقة الأوزون التي تعمل على اقتراح وتنفيذ السياسات والخطط الوطنية اللازمة للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيف مع التأثيرات السلبية الناتجة عن التغيرات المناخية وحماية طبقة الأوزون، بما يتوافق مع رؤية عمان 2040، والإسهام في تحديد موقف سلطنة عُمان من القضايا المطروحة على مفاوضات واجتماعات الدول الأطراف في الاتفاقيات المتعلقة بتغير المناخ وحماية طبقة الأوزون. وتسعى اللجنة من خلال عملها إلى التأكد من الوفاء بالتزامات سلطنة عُمان في المعاهدات الدولية إلى جانب الإسهام في إعداد الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالشؤون المناخية وحماية طبقة الأوزون ومتابعة تنفيذها ناهيك عن دورها في نشر الوعي حول التغيرات المناخية وآثارها في القطاعات المختلفة حسب الاختصاص، واقتراح سبل تأهيل الكوادر الوطنية وبناء القدرات في مجال الشؤون المناخية وحماية طبقة الأوزون والمراجعة الدورية لتقدم العمل واقتراح ما يلزم لتفعيل وتعزيز التنسيق بين جميع الجهات المعنية ومعالجة معوقات التنفيذ إن وجدت.

وفي قطاع تنمية المحافظات، وضعت الجهات المختصة أهدافا استراتيجية ضمن الخطة الخمسية العاشرة أهمها إيجاد مدن وأحياء سكنية بالمحافظات مؤهلة للتعامل مع التغيرات المناخية ضمن قائمة البرامج لأولوية تنمية المحافظات والمدن المستدامة بالإضافة إلى رفع مرونة مدينة مسقط في التصدي للأنواء المناخية.

مدن مؤهلة

وتولي الخطط الخمسية اهتماما بتوزيع التنمية في المحافظات وإعطائها دورا أكبر في التطوير والتحديث ومع التغيرات المناخية التي تواجه العالم ومنها سلطنة عمان حيث يأتي البرنامج الاستراتيجي " مدن وأحياء سكنية بالمحافظات مؤهلة للتعامل مع التغيرات المناخية" إلى تعزيز البنية الأساسية للمدن والأحياء السكنية والمناطق الحضرية بمحافظات السلطنة، وتهيئتها ورفع درجة جاهزيتها ومرونتها لمواجهة التحديات المترتبة على التغيرات المناخية، مستندا على جوانب عدة أهمها ضرورة تطوير شبكة الطرق الداخلية بالمحافظات ورصف الطرق الترابية واستبدالها بشبكة متطورة من الطرق الأسفلتية لتصريف المياه السطحية، مع تحسين ومعالجة الأودية لتصريف مياه الأمطار.

ومن المتوقع أن يترتب على تنفيذ هذا البرنامج تخفيف معاناة المواطنين في الأحياء السكنية المختلفة من الآثار المترتبة على هطول الأمطار، وخصوصا مع التغيرات المناخية، ويتطلب تحقيق هذا البرنامج تنفيذ العديد من الإجراءات أهمها حصر المشاكل التي تعاني منها شبكات الطرق الداخلية في المحافظات المختلفة، بالتعاون مع المجتمع المحلي، وإعداد خطة متكاملة لتصميم شبكات الطرق الداخلية بكل محافظة، وتوفير مصادر مبتكرة لتمويل برنامج تطوير شبكة الطرق الداخلية. ومن العناصر الأساسية المهمة أيضا في البرنامج الاستراتيجي العمل على تعزيز البنية الأساسية للتصدي للأنواء المناخية من خلال إنشاء كاسرات أمواج وشبكات تصريف مياه الأمطار ووضع التدابير اللازمة والرقابة على التعدي على مجاري الأودية وإحراماتها، بالإضافة إلى ربط المحافظات بنظام خطوط نقل رئيسة توفر مرونة في نظام نقل المياه بين المحافظات، لسهولة التعامل مع أي طارئ ناتج عن التغيرات المناخية، إضافة إلى تعزيز خزانات المياه الاستراتيجية وتوسعتها لتستوعب كميات مياه مخزنة تكفي لمدة أربعة أيام على الأقل أو إيجاد حلول مبتكرة أخرى.

كما يتطلب تنفيذ البرنامج الاهتمام بتصميم وإنشاء برنامج تخزين واسترداد المياه من الخزانات الجوفية، الذي يستهدف خفض التكلفة الاستثمارية لبناء خزانات المياه التقليدية، وخفض كمية المياه المهدرة في أوقات غير الذروة من محطات تحلية المياه، ودعم الجهات الحكومية المختصة للحصول على الأراضي اللازمة لتخزين واسترداد المياه من الخزانات الجوفية لضمان المحافظة على المياه المخزنة من التلوث، أو حمايتها من أي استنزاف من خلال استغلال بعض حقول الآبار وتهيئتها لحقن المياه المنتجة والزائدة من محطات التحلية خلال فترات غير الذروة في الطلب على المياه، وإعادة ضخها من هذه الحقول خلال فترات الذروة أو الحالات الطارئة.

الإنذار المبكر

ولتحقيق تطلعات برنامج مدن وأحياء سكنية بالمحافظات مؤهلة للتعامل مع المتغيرات المناخية لابد من إجراء دراسة شاملة لمختلف مناطق السلطنة خصوصا المناطق المعرضة للأنواء المناخية بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومن ضمنها مركز الإنذار المبكر، وتجنب التخطيط في المواقع المعرضة لمخاطر الأنواء المناخية، و تنفيذ مشاريع البنى الأساسية، كشبكات المياه والكهرباء، وكابلات الألياف البصرية، وشبكات الصرف الصحي، قبل أو بالتزامن مع تنفيذ مشاريع الطرق الداخلية.

أما الهدف الآخر في برنامج "رفع مرونة مدينة مسقط في التصدي للأنواء المناخية " الذي يستهدف تعزيز البنية الأساسية فإيجاد مناطق حضرية وريفية وتراث طبيعي وثقافي تتميز بمرونة وقدرة عالية على التعامل مع التغيرات المناخية وذلك بالاعتماد على عناصر أساسية منها استكمال المشاريع المسندة الجاري العمل فيها، في إطار التمويل المتاح، بالتركيز على استكمال الأعمال المرتبطة بإنشاء قنوات تصريف المياه، والأعمال المرتبطة بمعالجة تجمعات مياه الأمطار، وأعمال توريد الأسفلت للمشاريع المختلفة والبدء في إعداد المشاريع في طور التناقص والتعاقد في ضوء توفير الموازنات اللازمة، بالتركيز على إنشاء قنوات تصريف مياه الأمطار، والرقابة على التعدي على مجاري الأودية واستغلالها كمتنفس للسكان.

الإنتاج الزراعي

وفي قطاع الأمن الغذائي والمائي، يؤثر تغيـر المنـاخ وتقلباتـه المتزايـدة علـى الإنتاجية الزراعيـة وإنتـاج الأغذيـة والمـوارد الطبيعيـة، إذ أدى ذلـك إلى حدوث تحولات كبرى في إنتاج الأغذية واستهلاكها حول العالـم.

كمـا يتوقـع أن يزيد الطلب الصناعـي والمنزلي على المياه بسـرعة أكبـر مـن الطلب الزراعي، وسـيكون معظم الطلب المتزايد على الميـاه في البلدان ذات الاقتصـادات الناميـة أو الناشـئة. وتشـتد كثافة الـدورة المائية العالمية بسـبب تغير المناخ، فتزيـد رطوبة المناطق الأكثر رطوبة ويزيد جفـاف المناطـق الأكثر جفافـا ويتزايد الطلب العالمي على المياه بمعدل يبلغ 1% في السـنة نتيجة لنمو عدد السـكان والتنميـة الاقتصاديـة وأنمـاط الاستهلاك المتغيـرة.

وفي هذا الجانب عملت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وفق خططها الخمسية على تنفيذ بعض المشاريع التي تسهم في معالجة بعض التحديات التي تواجه القطاع الزراعي ومساهمتها بطريقة غير مباشرة في التكيف مع التأثيرات السلبية المتوقعة على القطاع الزراعي في السلطنة والتي من أهمها: تنفيذ المشاريع الموجهة لرفع كفاءة إدارة استخدام الموارد المائية المتاحة من خلال إدخال أنظمة الري الحديثة ورفع كفاءة بعض النظم المزرعية التقليدية بقرى الأفلاج، واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثيا لري بعض المحاصيل الزراعية، وإعداد استراتيجية خاصة بالملوحة متضمنة اقتراح تنفيذ بعض المشاريع لمعالجة التحديات التي تواجه هذا الجانب، والعمل على تنفيذ بعض المشاريع التي تعنى بتنمية المراعي الطبيعية وبالتالي المساهمة في معالجة بعض تحديات التصحر، وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة مثل الزراعة المحمية وإدخال أصناف جديدة وبالتالي زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف ورفع القيمة المضافة للقطاع الزراعي.

وبما يخص الخطط المستقبلية، تعمل الوزارة على تنفيذ استراتيجية الزراعة المستدامة والتنمية الريفية 2040م، التي تم إعدادها بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبمشاركة واسعة من كافة الجهات المختصة ذات العلاقة التي من أهمها هيئة البيئة كونها عنصرا أساسيا لإعداد هذه الاستراتيجية، حيث تضمنت الاستراتيجية إعداد دراسة مستقلة ضمن مشروع الاستراتيجية تحت مسمى " البيئة والتكيف مع تغير المناخ"، والتي اشتملت على تحليل الوضع، والآثار، وخطط العمل لسلطنة عمان"، التي تم إعدادها بمشاركة العديد من الجهات للحد من مخاطر الكوارث وإمكانية إدارتها وذلك من خلال التحديد الواضح للمخاطر، والإشارة إلى برامج عمل مختصة لمكافحة التصحر.