No Image
عمان العلمي

ماذا لو أصبح بإمكاننا العيش لـ 200 عام !

17 أبريل 2024
«نتفاءل حين نظن أن علاج الشيخوخة سيأتي في القريب العاجل»
17 أبريل 2024

ترجمة أيمن بن مصبح العويسي -

دخل مجال علاج الشيخوخة في سباق التجارة العالمية؛ بدءًا من الكتب المعنية بالأنظمة الغذائية مثل: الصيام المتقطع إلى الكريمات التجميلية لعلاج التجاعيد، حتى وصلت هذه الأنشطة إلى بناء قطاع تبلغ قيمته مليارات الدولارات مستندًا على وعودٍ بعودة الشباب وإطالة العمر، بيدَ أنَّ هذه الوعود تدفعنا لنتساءل عن مدى قربنا من الوصول إلى مرحلةٍ نستطيع فيها إطالة أعمارنا وإضافة سنوات من الحياة الصحية إلى حياتنا.

يجيب على هذا التساؤل الحائز على جائزة نوبل عالم الأحياء الجزيئية والرئيس السابق للجمعية الملكية البريطانية فينكي راماكريشنان.

قضى فينكي راماكريشنان 25 عامًا من حياته في مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس البحوث الطبية في كامبريدج بالمملكة المتحدة لدراسة الريبوسوم، وهو المكان الذي تصنع فيه خلايانا البروتينات باستخدام المعلومات المشفرة في جيناتنا.

في كتابه الذي نشره مؤخرًا «لماذا نموت: علم الشيخوخة الجديد والسعي نحو الخلود» يأخذنا راماكريشنان في رحلة يُسلط فيها الضوء على أحدث ما توصل إليه علم الأحياء حول شيخوخة الإنسان، ويتساءل عما إذا كان من الممكن إطالة أعمارنا في المستقبل القريب.

تحدث راماكريشنان لمجلة نيوساينتست عن الإنجازات الأخيرة المتحققة لمعرفة أسباب الشيخوخة، ومدى قربنا من ابتكار العلاجات القادرة على مواجهتها، والنتائج المحتملة حال نجاحنا في إيجاد هذا العلاج.

جراهام لوتون: ما الذي دفعك للانتقال من البحث في مجال ناجح كمجال صنع البروتين في الخلايا إلى تأليف كتابٍ حول الشيخوخة؟

فينكي راماكريشنان: هناك دافعان؛ أولهما أن عملية ترجمة الشفرة الوراثية إلى بروتينات تؤثر على جميع العمليات البيولوجية في أجسادنا تقريبًا، وتبين لنا دورها الأساسي في العديد من الجوانب المرتبطة بالشيخوخة، أما السبب الآخر فيكمن في قلقنا من الشيخوخة والموت منذ نشأتنا الأولى؛ إذ لم يكن هناك الكثير مما يمكننا فعله حيال الشيخوخة، ولكن بسبب التقدم الهائل في علم الأحياء على مدى العقود القليلة المنصرمة، بات لدينا الآن الأدوات والمعرفة اللازمة للبحث في أسباب الشيخوخة، وما نستطيع فعله لتخفيف أعراضها أو تأخيرها، وصاحب هذه الجهود نوعٌ من التهويل بين الباحثين. لذا اعتقدت أني في وضع مثالي لإلقاء نظرة فاحصة على ما يحدث باعتباري عالمًا في الأحياء الجزيئية وبمعرفتي بمجال الشيخوخة دون أن أكون جزءًا منه، فضلًا عن عدم وجود أية مصالح خاصة لدي أو شركات أديرها في هذا المجال؛ لأطرح التساؤل التالي: ما الأشياء الحقيقية التي نعرفها عن الشيخوخة وما الآفاق المستقبلية؟

هل تعتقد أننا ندرك تمام الإدراك الأسباب الرئيسة للشيخوخة؟

لم نصل إلى هذا المستوى من الإدراك بعد، فالشيخوخة تحدث على كافة المستويات، من المستوى الجزيئي إلى الخلوي إلى الأعضاء والجسم بأكمله، ولها أسباب متعددة ومترابطة ترابطًا كبيرًا، فسببٌ في أيٍ من هذه المستويات يمكن أن يؤثر على سبب آخر في مستوى أقل والعكس صحيح. وإذا ما ظهرت جوانب جديدة تمامًا حول الشيخوخة فلا أعتقد أن الباحثين سيستمرون في جدالهم حول هذه المواضيع الصغيرة.

هل لدينا الفهم الكافي إذن للقيام بالتدخل المناسب؟

نعم، أعتقد أن هذا السؤال في محله؛ فالفكرة هي أن الخلية لا تريد هدر الكثير من الموارد لمنع الشيخوخة لأن ذلك يكلفها الكثير، ولا يستحق الأمر كل هذا العناء إذا كان مصير الإنسان الموت نتيجة الجوع أو أن يهلك بسبب حيوان مفترس. وبالنظر إلى متوسط العمر المتوقع فقد تضاعف على مدى السنوات الـ150 الماضية، وهذا يعني أن أجسادنا استطاعت مواجهة الأمراض المرتبطة بالشيخوخة التي لم يستطع سوى عدد قليل من البشر مواجهتها سابقًا، وحين نفهم الأساس البيولوجي لهذه العملية نستطيع بعدها القيام بالتدخل المناسب.

ما الآفاق الواعدة لمواجهة الشيخوخة من وجهة نظرك ؟

أصبح تجديد الخلايا الجذعية وإعادة برمجة الخلايا من المجالات المثيرة للاهتمام في وقتنا الراهن؛ إذ أصبحت الخلايا الجذعية والطب التجديدي من المجالات الواعدة، ويتجه بعض العلماء إلى البحث في سبل مواجهة الشيخوخة باستخدام الخلايا الجذعية والطب التجديدي، وتكمن فكرة هذه الأبحاث في إعادة برمجة الخلايا بحيث يمكنك عكسها وإعادتها إلى مرحلة مبكرة حتى تكون قادرة على التجدد؛ لكن هذه الجهود ما زالت في بداياتها الأولى.

أصاب البشر قلق الشيخوخة والموت منذ بداياتنا الأولى، فما هي الأساليب الأخرى التي يمكن اتباعها لمواجهة هذا القلق؟

هنالك إجماعٌ على أن تلف الحمض النووي سببٌ جوهري من أسباب الشيخوخة، ولكن الجهود تركزت حتى الآن على إصلاح الحمض النووي والعلاجات المرتبطة به والموجهة في الغالب لمعالجة السرطان، ولا تستهدف علاج الشيخوخة، بَيْدَ أنَّ هناك باحثين يعكفون على دراسة فقدان التيلوميرات وهي عبارة عن أطراف شرائط الحمض النووي في أجسادنا، فعندما تبدأ عملية تكرار الحمض النووي أثناء انقسام الخلايا تبدأ معها أجسادنا بفقدان أطراف شرائط الحمض النووي. وإذا استمرت عملية فقدان أطراف شرائط الحمض النووي فستصل إلى جزء الكروموسوم الذي يعمل على ترميز المعلومات المهمة، حيث يوجد إنزيم التيلوميراز الذي يضيف تسلسلات التيلومير أثناء عمليات التكرار، ولكننا وجدنا أن أنزيمات التيلوميراز تتوقف في معظم خلايانا، باستثناء بعض الخلايا التي تبقى لفترة طويلة جدًا مثل الخلايا الجذعية. لذا فإن العديد من خلايانا مثل خلايا الجلد وخلايا الشعر تفقد أنزيم التيلوميراز، وبالتالي فإن السؤال يتمثل في إمكانية إعادة تنشيط أنزيم التيلوميراز وتجديد هذه الأنسجة؛ الأمر الذي دفع بعض الباحثين لدراسة هذا الأمر وقد خرجوا بنتائج أولية واعدة، وما أود قوله أن إعادة تنشيط التيلوميراز قد يساعد على الأرجح في علاج الأمراض التي سببها فقدان التيلوميرات، وحينها يمكن أن نعرف تأثيرها على الشيخوخة.

هناك طريقة أخرى تتمثل في استخدام أدوية لمكافحة الشيخوخة تُسمى بـ«السينوليتيكس» مرتبطة بعملية تلف الحمض النووي، فماذا يمكن أن تخبرنا عن هذه الأدوية؟

حين يكون لديك تلف في الحمض النووي أو فقدان شديد للتيلوميرات تتجه خلايا أجسادنا إلى حلين لمواجهة هذا التلف أو الفقدان؛ أولهما يُعرف بالانتحار الخلوي وهي ظاهرة تسمى بموت الخلايا المبرمج. أما الحل الآخر هو دخول هذه الخلايا في حالة «الشيخوخة» بحيث تتوقف عن الانقسام ويقل نشاطها المعتاد، ولكن اتضح أن هذه الخلايا الهَرِمة لا تبقى هادئة في مكانها بل تفرز جزيئات التهابية، مما يحفز جهاز المناعة على مواجهة هذه الالتهابات، الأمر الذي يعني أنه كلما تراكمت الخلايا الهرمة، زادت معها الالتهابات في أجسادنا، لكن قتل هذه الخلايا الهرمة على وجه التحديد قد يؤدي إلى تخفيف العديد من أعراض الشيخوخة الناتجة عن الالتهاب، وتسمى هذه الأدوية بالسينوليتيكس، ويبدو أنها تشي بمستقبلٍ واعد.

كيف يرتبط مجال تخصصك في تخليق البروتين بالشيخوخة؟

عندما تصنع أجسادنا البروتينات، فإنها عادةً ما تنكمش لتصل إلى شكلها الطبيعي وتؤدي وظيفتها، ولكن مع تقدم الإنسان في العمر قد تتوسع هذه البروتينات؛ مما يؤدي إلى بروز الأحماض الأمينية الداخلية التي تكون لزجة نوعًا ما، ولذلك تميل هذه البروتينات إلى التجمع، مما قد يؤدي إلى الإضرار بالخلية، وحينها تحاول الخلية التعامل مع البروتينات المتوسعة، فتتجه إلى إيقاف عملية تخليق البروتين، فالأمر أشبه بوجود ازدحام مروري ولتحد من تفاقم الأمر تمنع المركبات الجديدة من الدخول، وهذا ما يفعله البروتين المسمى بالبروتين المستهدف بالراباميسين (TOR)، فعندما يكون هناك ضغط على الخلايا، يعمل البروتين المستهدف بالراباميسين على إيقاف تخليق البروتين، ويبدو أن هذا الأمر يؤثر على الشيخوخة لأنه يعمل أيضًا على تفعيل مسارات لتحلل البروتين وإعادة تدويره، وتعمل هذه المسارات الأيضية على إبطاء الشيخوخة بشكل غير مباشر، مما يقدم لنا تفسيرًا بيولوجيًا للتجربة العلمية مع الحيوانات، بحيث لو قللنا كمية السعرات الحرارية التي تأكلها هذه الحيوانات بالحد الذي ينجيها من الموت، فإنها ستعيش مدة أطول، لكننا في الوقت الراهن لا نميل إلى الحد من كمية السعرات الحرارية التي نتناولها، حتى الفئران لا تحب هذا التقييد، ففور رفع هذه القيود عنها ستشرع في التهام الطعام بشراهة، لذا نميل إلى تفضيل تناول حبة دواء بذات الفعالية عوضًا عن الدخول في حمية غذائية على أمل التملص من الحميات الغذائية القاسية واختيار الطريق الأسهل، لكن الواقع يقول عكس ذلك، فما زال الوصول إليها بعيد المنال.

ذكرت في كذا موضعٍ من كتابك أنك تميل إلى الانتقال بالفكرة من مستواها النظري البحت إلى تطبيقها على الناس، هلّا وضحت هذا الأمر؟

قد يستغرق الانتقال من النتيجة المبدئية إلى تطبيقها على أرض الواقع حوالي 10 إلى 20 عامًا في المجالات الأخرى في أفضل الأحوال، لكن مشكلةً ذات أبعاد متعددة وغير محددة مثل الشيخوخة قد تحتاج إلى سنوات أطول؛ لذا سنبدو متفائلين إن قلنا أن حلها سيأتي غدًا. وقد رأينا أن مجال علاج الشيخوخة قد تعرض لتشويه كبير بسبب المبالغ الضخمة التي تصل إلى مليارات الدولارات من الأموال الخاصة التي تأتي في أغلبها من الأثرياء مالكي الشركات التقنية؛ فمعظمهم في منتصف العمر ولديهم أموالٌ يستطيعون بها شراء أي شيء على هذا الكوكب عدا إرجاع شبابهم.

إذا استطاع العلم الوصول إلى علاجٍ للشيخوخة، فهل ترى أن الناس سيقبلون عليه؟

لنتصور أن شخصًا يأتي إليك بحبة دواء ويقول لك أنها ستعزز من صحتك لعشر سنوات قادمة، فمن ذا الذي سيرفضها؟ أعتقد أنه يتعين علينا أن نستعد لمستقبلٍ كهذا، لكني أراه بعيد المنال حتى الآن، ومع هذا أجد نفسي متفائلًا بإنجازات قد تحدث وتساعدنا على تجاوز هذه العقبات، عندها يمكن أن نعيش جميعًا لمدة أطول قليلاً، لكني لا أعتقد أن هذا سيحدث في حياتي أو حتى في حياة شخصٍ وُلد يوم لقائنا هذا.

كيف سيكون الحال إذا استطعنا أن نعيش لسنين أطول؟

أرى أننا إذا استطعنا العيش لسنين أطول وتكاثرنا بنفس المعدل، فسيبدأ عدد السكان في الانفجار، وهذا سيؤدي بنا إلى أن نصبح مجتمعات راكدة، وقد يقول قائل: «بات لدي 200 عام أعيشها، وهذا يعني أني سأنتقل بين خمس وظائف مختلفة خلال هذه السنين». وما هذه إلى محض أمانٍ، لأن مرحلة الإبداع تبلغ أوجها في شبابنا، فالاكتشافات العلمية الكبرى، وحتى الأعمال الأدبية العظيمة تحدث في سنِّ الشباب.

لماذا ترى هذا الأمر؟

أعتقد أنه في شبابنا نرى الحياة بنظرةٍ منفتحة ونبدي استعدادًا لتبادل مختلف الأفكار والرؤى، وهذا يؤدي بنا إلى الإبداع الذي يذهب عنَّا كلما تقدمنا في العمر، لذا فالأمر لا يتعلق بصحتنا فقط، فأنا بصحة جيدة نوعًا ما، ولكن لا أعتقد أن لديَّ الإبداع ذاته حينما كنت في سنِّ الأربعين، وهذه مشكلة حقيقية، خاصة إذا نظرنا إلى الجوانب الاجتماعية مثل الحقوق المدنية أو حقوق المرأة أو غيرها من الحقوق، فغالبًا ما يقود الشباب التغييرات الاجتماعية، أما كبار السن فقد يقول قائلٍ أنهم ليسوا على نفس القدر من الذكاء ربما، لكنهم يتميزون بحكمتهم، لكني أشكُّ في صحة هذا الأمر، ففي كثير من الأحيان يميل كبار السن إلى اتخاذ قراراتهم بناءً على نزعة محافظة تميل إلى الماضي، وهذه النزعة ليست ضربًا من الحكمة دائمًا. فنحن نعيش اليوم سنين أطول مما كان عليه من سبقونا قبل 150 عامًا من الآن؛ فهل نحن اليوم أكثر إبداعًا أو إنتاجًا من موزارت أو بيتهوفن أو تشارلز داروين أو إسحاق نيوتن؟ لا أعتقد ذلك؛ لذا فهناك قضايا أهمَّ من إبطاء الشيخوخة ينبغي التركيز عليها.

ما القضايا التي يجب أن نركز عليها برأيك؟

كوني نشأت في الهند، أرى أن هذا الهوس بالعيش لسنين أطول مشكلة تناقشها دول العالم الأول، وأعتقد أن هناك الكثير من المشاكل الأهم، كالأمراض المعدية، والأمراض المزمنة، وسوء التغذية، والأمن الغذائي، وتغير المناخ، وهذه كلها مشاكل أكثر أهمية من أن نفكر بالعيش لـ20 عاما أخرى، وأرى أن علينا أن نفكر بالعيش بصحة جيدة لأطول فترة ممكنة بدل من التفكير في إطالة أعمارنا، وعلينا أن نتقبل فكرة الموت كونها جزء من نظام هذا الكون، إنه أمر صعب للغاية، وأعتقد أن أجسادنا تطورت لتجنب الموت، ومن الصعب قبول هذا الأمر بسهولة كون الموت يتعارض مع غريزتنا الطبيعية.

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»