الشيخوخة الخادعة
17 ديسمبر 2025
17 ديسمبر 2025
غراهام لوتون / ترجمة: بدر بن خميس الظّفري
قبل نحو عقد من الزمن، قستُ عمري البيولوجي. كنتُ آنذاك في منتصف الأربعينيات من عمري، متمتعًا بلياقة بدنية جيدة، ونحيفًا، ومنضبطًا في نظامي الغذائي. وعندما عرفت عمري البيولوجي، شعرتُ بقدر من الرضا؛ إذ تبيّن أنّه أصغر من عمري الزمني بفارق ملحوظ، يقارب ست سنوات، على ما أذكر.
أخشى التفكير فيما آلَ إليه الأمر الآن. ففي السنوات التي تلت ذلك، ازداد وزني، وتراجعت ممارستي للرياضة، ومررتُ بتجربة شديدة القسوة، تمثّلت في انتحار زوجتي. أشعر فعلًا بثقل أعوامي الخمسة والخمسين كاملة، ولن أُفاجأ إن كنتُ اليوم أكبر بيولوجيًا مما يشير إليه عمري في شهادة الميلاد.
وإن صحّ ذلك، فلستُ وحدي. ففي السنوات القليلة الماضية، اكتشف العلماء توجّهًا مقلقًا فيما يتعلق بالشيخوخة البيولوجية. ففي مختلف أنحاء العالم، صار الناس يتقدّمون في العمر بوتيرة أسرع. أولئك الذين وُلدوا بعد عام 1965 يشيخون بيولوجيًا بسرعة أكبر مقارنة بمن وُلدوا قبلهم بعقد واحد، كما أن أمراضًا كانت تُعدّ سابقًا من آفات الشيخوخة أصبحت أكثر شيوعًا بين صغار السن.
تقول بولينا كوريا-بوروز أستاذة علم الوبائيات الاجتماعية في جامعة تشيلي بمدينة سانتياغو: «تتزايد معدلات السرطان لدى الفئات العمرية الأصغر، ويُصاب أشخاص دون الأربعين بنوبات قلبية أكثر، وكذلك بمرض السكري. لماذا؟ إجابتي هي أننا نشيخ بوتيرة أسرع».
وقد بدأت أسباب هذا التحوّل تتضح. بعضها، للأسف، لا مفرّ منه، في حين يمكن التحكم في كثير منها، ولحسن الحظ. فكيف يمكننا أن نسعى إلى إبقاء أعمارنا البيولوجية (أي الحالة الفعلية لأجسامنا من حيث الصحة والوظائف الحيوية) متوافقة مع أعمارنا الزمنية (عدد السنوات منذ الولادة)؟
أفضل طريقة لقياس سرعة شيخوخة الشخص هي تحديد عمره البيولوجي ثم إعادة القياس بعد بضعة أشهر أو حتى سنوات. وأكثر الأدوات قبولًا لهذا الغرض، بحسب أنتونيللو لورينزيني من جامعة بولونيا في إيطاليا، هي «الساعات اللاجينية» (اختبارات تعتمد على تحليل التغيّرات الكيميائية التي تطرأ على الحمض النووي دون تغيير تسلسله الوراثي). وهذه الأدوات ليست مثالية؛ إذ ينبغي التعامل مع تقديرات العمر البيولوجي بحذر، لكنها كافية لمعرفة من يتقدّم في العمر بسرعة أكبر أو أبطأ ضمن مجموعة من الأشخاص.
تسارع الشيخوخة
تُظهر هذه الاختبارات أن العمر الزمني — أي عدد السنوات التي عاشها الإنسان — ليس دائمًا مؤشرًا دقيقًا على مدى تقدّمه في مسار الشيخوخة. ففي كثير من الحالات، قد يكون مضلِّلًا إلى حدٍّ بعيد. صحيح أن هناك، لدى معظم الناس، تقاربًا معقولًا بين العُمُرَيـْن، إلا أن بعضهم يكون أصغر أو أكبر بيولوجيًا من عمره الحقيقي بعشر سنوات أو أكثر. وعلى خلاف العمر الزمني، يمكن للعمر البيولوجي أن يتراجع كما يمكن أن يتقدّم.
أولى الإشارات إلى تسارع الشيخوخة البيولوجية جاءت من مجال أبحاث السمنة. ففي عام 2016، لاحظ فريق بحثي تقوده بياتريث غالفيث في المركز الوطني لأبحاث القلب والأوعية الدموية في مدريد بإسبانيا، أن الآثار البيولوجية للسمنة تتداخل بدرجة كبيرة مع آثار الشيخوخة. فكلاهما يتميّز بخلل في وظائف النسيج الدهني الأبيض (الأنسجة المسؤولة عن تخزين الدهون)، ما يؤدي إلى اضطرابات أيضية، والتهابات واسعة النطاق، وتلف يصيب عدة أعضاء، من بينها الكُلى والعظام وأعضاء الجهاز القلبي الوعائي.
وغالبًا ما تُنسب هذه التأثيرات مباشرة إلى السمنة ذاتها. غير أن غالفيث تساءلت عمّا إذا كانت العلاقة سببية بصورة غير مباشرة، وتساءلت: هل تؤدي السمنة إلى شيخوخة مبكرة، فتقود بدورها إلى ظهور مبكر لأمراض التقدّم في السن؟ ولتوصيف هذه العلاقة، صاغت هي وزملاؤها مصطلح (adipaging) «أديبيجينغ» (وهو دمج بين كلمتي الدهون والشيخوخة)، واقترحوا أن «البالغين المصابين بالسمنة هم، إلى حدٍّ كبير، أفراد يعانون شيخوخة مبكرة».
وبعد عامين تقريبًا، تبنّى لورينزيني وزملاؤه هذه الفكرة ووسّعوها. وانطلقوا من ورقة بحثية مؤثرة نُشرت عام 2013 بعنوان «سمات الشيخوخة» (كتاب بحثي يحدد الخصائص الجزيئية والخلوية المرتبطة بأمراض التقدّم في العمر)، والتي تصف تسعة أسباب جزيئية وخلوية للأمراض المرتبطة بالسن.
قارن لورينزيني بين هذه السمات وعواقب السمنة، فوجد تشابهات لافتة؛ فكلٌّ من السمنة والشيخوخة يؤديان إلى اضطراب في استشعار المغذّيات داخل الجسم، وتغيّر في التواصل بين الخلايا، واختلال في أيض البروتينات، وتعطّل في وظائف الميتوكوندريا (وهي محطات توليد الطاقة داخل الخلايا)، إضافة إلى شيخوخة الخلايا، وهي الحالة التي تتوقف فيها الخلايا عن الانقسام مع بقائها حيّة.
ويقول لورينزيني: «أرى أن هذا ينسجم تمامًا مع فكرة تسارع الشيخوخة. ففي كثير من الأمراض المزمنة في عصرنا، يُعدّ التقدّم في العمر العامل الأساسي. ومن الطبيعي، إذن، أن يؤدي تسريع الشيخوخة إلى تسريع كل شيء آخر». ويشمل ذلك الوفاة؛ إذ ينخفض متوسط العمر المتوقع للأشخاص المصابين بالسمنة ممن تجاوزوا سن الأربعين بنحو ست سنوات لدى الرجال وسبع سنوات لدى النساء.
كما جرت محاولات متعددة لقياس ما إذا كانت «الساعات البيولوجية» لدى المصابين بالسمنة تدقّ بالفعل بوتيرة أسرع. ففي عام 2017، على سبيل المثال، أعاد فريق بحثي يضم عددًا كبيرًا من الباحثين في جامعة تامبيري في فنلندا تحليل عينات دم محفوظة تعود إلى 183 شخصًا، جُمعت على فترتين تفصل بينهما 25 عامًا، الأولى خلال سنوات المراهقة أو بدايات الرشد، والثانية في منتصف العمر. وقد سُجّل مؤشر كتلة الجسم لكل مشارك عند أخذ العينات، ما أتاح للباحثين معرفة من منهم أصيب بالسمنة مع مرور الوقت.
وكما كان متوقعًا، تبيّن أن أولئك الذين زاد وزنهم بشكل كبير قد تقدّموا في العمر بيولوجيًّا أكثر مما تقدّموا زمنيًّا، لدى بعضهم بفارق تجاوز عشر سنوات. أما الذين حافظوا على نحافتهم، فكان الفارق لديهم أقل. (وكان الفريق يرغب أيضًا في معرفة ما إذا كان معدل الشيخوخة قد تغيّر لدى من فقدوا وزنهم، غير أن عدد الأشخاص في هذه الفئة لم يكن كافيًا لإجراء تحليل موثوق).
تأثيرات السمنة
توصلت دراسة مماثلة أُجريت على نساء في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من العمر إلى أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم يرتبط بعمر بيولوجي أكبر؛ إذ إن كل زيادة قدرها كيلوجرام واحد في الوزن لكل متر مربع من الطول تُضيف نحو 1.7 شهر إلى العمر البيولوجي. وكشفت دراسة أخرى أن زيادة العمر البيولوجي ترتبط بعدة مؤشرات للسمنة، منها مؤشر كتلة الجسم، ونسبة محيط الخصر إلى الورك، ومحيط الخصر، لدى نساء تتراوح أعمارهن بين 35 و75 عامًا. أما النساء اللواتي بلغ مؤشر كتلة الجسم لديهن 35 أو أكثر -وهو ما يضعهن بوضوح ضمن فئة السمنة- فكنّ في المتوسط أكبر بيولوجيًّا بنحو 3.15 سنة مقارنة بنساء من العمر الزمني نفسه ويتمتعن بوزن صحي.
ومع ذلك، لم تُثبت أيٌّ من هذه الدراسات اتجاه العلاقة السببية بشكل قاطع. فمن المحتمل أن تؤدي السمنة إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية، كما يحتمل أيضًا أن تؤدي زيادة العمر البيولوجي، بطريقة ما، إلى السمنة.
في العام الماضي، فكّ باحثون في بكين هذا الالتباس؛ إذ أعادوا تحليل بيانات عشرات الآلاف من الأشخاص الذين شاركوا في دراسة سابقة، وكانت قد سُجّلت لديهم، في مناسبات متعددة، قياسات مؤشر كتلة الجسم ومحيط الخصر ونسبة الخصر إلى الورك، إلى جانب خمسة مقاييس لعمرهم البيولوجي. وباستخدام أسلوب إحصائي قادر على تحديد اتجاه السببية، أظهر الباحثون أن السمنة تؤدي بالفعل إلى تسارع الشيخوخة مقارنة بالأشخاص ذوي الوزن الصحي، وبفارق يقارب ثلاث سنوات.
ويقول لورينزيني إن هذه الدراسات كلها تشير في الاتجاه نفسه: «نحن ننتقل من مرحلة الفرضيات إلى مرحلة البيانات. والبيانات تتراكم».
أما أحدث إضافة إلى هذا الرصيد من الأدلة، فجاءت من مختبر كوريا-بوروز وزملائها في جامعة تشيلي. إذ استند الفريق إلى مشروع بحثي يُعرف باسم دراسة سانتياغو الطولية (مشروع بحثي طويل الأمد)، الذي انطلق عام 1992 وتابع نحو ألف شخص منذ الولادة حتى أواخر العشرينيات من العمر، وكان هدفه الأصلي دراسة تأثير التغذية في صحة الأطفال واليافعين.
استقطبت كوريا-بوروز وفريقها 205 مشاركين أكملوا الدراسة حتى نهايتها. تراوحت أعمارهم بين 28 و31 عامًا، وانقسموا إلى ثلاث مجموعات: من حافظوا على وزن صحي طوال حياتهم، ومن عانوا السمنة منذ مرحلة المراهقة، ومن أصيبوا بالسمنة منذ الطفولة المبكرة. وكانت تتوافر بالفعل كميات كبيرة من البيانات عن هؤلاء المشاركين، بما في ذلك قياسات مؤشر كتلة الجسم عبر سنوات الدراسة، غير أن كوريا-بوروز استخدمت أيضًا «الساعات اللاجينية» لقياس أعمارهم البيولوجية.
وبينما يكون بعض الناس أصغر أو أكبر بيولوجيًّا من أعمارهم الحقيقية بعشر سنوات أو أكثر، جاءت نتائج هذه الدراسة واضحة للغاية. فقد سجّل أفراد مجموعةُ الوزن الصحي، في المتوسط، أعمارًا بيولوجية أقل قليلًا من أعمارهم الزمنية. أما المشاركون في مجموعتي السمنة، فكانوا أكبر بيولوجيًّا من أعمارهم الزمنية؛ بمتوسط زيادة بلغ 4.2 سنة لدى من عانوا السمنة منذ المراهقة، و4.7 سنة لدى من عانوا السمنة منذ الطفولة. وقد تجاوز العمر البيولوجي الأربعين عامًا لدى عدد قليل منهم.
وتقول كوريا-بوروز: «كنا نتوقع أن نجد ذلك، لكننا لم نتوقع أبدًا حجم الفارق الذي رأيناه لدى بعض الأفراد. بعضهم كان لديه فارق يصل إلى 50 في المائة بين عمره البيولوجي وعمره الزمني، وهو فارق هائل». وتضيف أن الأوساط العلمية المتخصصة في علم الشيخوخة باتت تتفق اليوم على أن السمنة تُسرّع عملية التقدّم في العمر.
ولا يقتصر الاهتمام بتسارع الشيخوخة على مجال السمنة وحده؛ فالشيخوخة المبكرة ظاهرة معروفة بين البالغين الذين أصيبوا بالسرطان في الطفولة ثم تعافوا منهم، الذين غالبًا ما يعانون الهشاشة ويموتون في سن مبكرة نتيجة الآثار المتأخرة للمرض والعلاج، كما أنهم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بسرطان آخر غير مرتبط بالمرض الأول في مراحل لاحقة من الحياة. وقد يكون ذلك ناتجًا عن استعداد وراثي للإصابة بالسرطان، غير أن هذا التفسير لا يفسّر وحده ارتفاع مستوى الخطر.
في العام الماضي، خطرت لبايج غرين في المعهد الوطني الأمريكي للسرطان بمدينة بيثيسدا في ولاية ماريلاند فكرة لافتة. فالسرطان يُعدّ عادة مرضًا مرتبطًا بالتقدّم في السن، والناجون من سرطان الطفولة يشيخون بوتيرة مبكرة. فربما كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان لأن أعمارهم البيولوجية أكبر من أعمارهم الزمنية. وليس هذا فحسب؛ إذ قد يفسّر تسارع الشيخوخة في عموم السكان أيضًا الارتفاع المتزايد في معدلات السرطان المبكر، وفشل القلب، والسكتات الدماغية.
عامل السرطان
تقول جينيفر غويدا، الباحثة المستقلة التي كانت زميلة لبايج غرين سابقًا: «كان السرطان يُعدّ في الماضي مجرد مرض مرتبط بالتقدّم في السن. أما اليوم، فنرى تشخيص سرطان القولون لدى أشخاص في الثلاثينيات من أعمارهم، وكذلك سرطان الثدي في العمر نفسه. لماذا يحدث ذلك؟ ربما لأن بعض عمليات الشيخوخة تبدأ في العمل مبكرًا، فتُسرِّع التقدّم في العمر، وهو ما يقود بدوره إلى ظهور السرطان في سن مبكرة».
وقد عرضت غرين وغويدا وزميلتهما ليزا غاليكيو هذه الفكرة في مجلة (جاما أونكولوجي) بوصفها دعوة مفتوحة للباحثين لاختبارها. وتقول غويدا: «طرحناها على أنها فرضية. وربما يتبناها أحدهم ويجري الدراسات اللازمة لإثباتها أو نفيها». وتضيف أن السبيل إلى ذلك يتمثل في قياس الأعمار البيولوجية لعدد كبير من الأشخاص المشاركين أصلًا في دراسة واسعة النطاق، ثم ربط تلك القياسات بحالات السرطان المبكر.
وفي الواقع، فإن فريقًا بحثيًا سبق أن فعل ذلك. ففي العام الماضي، أعلنت رويي تيان من جامعة واشنطن في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري، خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، أنّها وزملاءها حلّلوا عينات دم محفوظة لنحو 150 ألف شخص ضمن بنك المملكة المتحدة الحيوي (قاعدة بيانات بحثية وطنية تضم عينات صحية وجينية). وكان المشاركون تتراوح أعمارهم بين 37 و54 عامًا عند سحب عينات الدم.
وأظهر قياس أعمارهم البيولوجية أن الأشخاص الأصغر سنًا، المولودين بعد عام 1965، كانوا أكثر عرضة بنسبة 17 في المائة لإظهار مؤشرات على تسارع الشيخوخة مقارنة بالأكبر سنًا، المولودين بين عامي 1950 و1954. كما وجد الباحثون أن تسارع الشيخوخة يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بسرطانات مبكرة في الرئتين والجهاز الهضمي والرحم.
وقالت تيان آنذاك لمكتب الإعلام التابع للجمعية: «تشير الأدلة المتراكمة إلى أن الأجيال الأصغر سنًا قد تكون تشيخ بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا». (ولم تُنشر هذه النتائج بعد في مجلة علمية محكّمة، كما لم ترد تيان أو مشرفها على طلبات الحصول على معلومات إضافية).
في المحصلة، يبدو أننا صنعنا عالمًا لا يشجّع على السمنة فحسب، وهو ما يُعرف بـ«البيئة المُولِّدة للسمنة» (أي البيئة التي تروّج لأنماط غذائية وحياتية تؤدي إلى زيادة الوزن)، بل يُسرّع شيخوختنا أيضًا. وربما نحتاج إلى مصطلح مختصر جديد لوصف ذلك. أقترح «البيئة المُولِّدة للشيخوخة»، المشتقة من الفعل اللاتيني senescere، أي «يشيخ».
فإذا كان الشباب يشيخون بسرعة أكبر، فما السبب؟ السمنة هي العامل الرئيسي. وتقول غويدا: «لدينا مشكلة سمنة هائلة في الأماكن التي يسود فيها نمط الغذاء الغربي». ووفقًا لـلاتحاد العالمي للسمنة، ارتفعت معدلات السمنة بين الأطفال واليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عامًا بنسبة 1000 في المائة بين عامي 1975 و2022، كما يميل الأطفال المصابون بالسمنة إلى الاستمرار في المعاناة منها في مرحلة البلوغ. وتقول كوريا-بوروز: «رغم الجهود الحكومية للحد من السمنة، فإن انتشارها واصل الارتفاع، وبحلول عام 2030 سيصل عدد المصابين بالسمنة في العالم إلى مليار شخص».
ولا تزال الآلية التي تؤدي بها السمنة إلى تسارع الشيخوخة محل جدل. فقد يكون حَمـْلَ كميات مفرطة من الدهون سببًا مباشرًا، ربما لأنه يعزّزُ الالتهابات المزمنة. وتقول كوريا-بوروز: «عندما يكون هناك التهاب مزمن، فإنه يطلق تلك البصمات الكيميائية الحيوية المرتبطة بالشيخوخة».
وثمة تفسيرٌ بديل يتمثل في أن إغراق الجسم بسعرات حرارية زائدة يؤدي في الوقت نفسه إلى السمنة وتسارع التقدّم في العمر. ويميل لورينزيني إلى هذا الرأي، مشيرًا إلى أن العديد من المسارات البيولوجية المرتبطة بعملية الشيخوخة تشارك أيضًا في استشعار المغذّيات داخل الجسم. ومن المعروف علميًا أن تعطيل هذه المسارات في النماذج الحيوانية -سواء باستخدام الأدوية أو عبر تقليل السعرات الحرارية- يفعّل عمليات الإصلاح الخلوي ويبطئ الشيخوخة. وربما يكون الأشخاص الذين يتبعون نظامًا غذائيًا عالي السعرات، من الصباح إلى المساء، قد حفّزوا هذه المسارات بشكل مزمن، بحيث لا يُمنح الجسم فرصة لإصلاح الأضرار التي تقود إلى التقدّم في العمر.
ولا تقتصرْ المسؤوليةُ على السمنة وحدها. تقول كوريا-بوروز: «أي عامل يزيد من إفراز الهرمونات المرتبطة بالتوتر، ولا سيما هرمون الكورتيزول، ستكون له آثار سلبية في معدل الشيخوخة البيولوجية». وتضيف أن التلوث يُحدث هذا الأثر، وكذلك الشدائد التي يتعرض لها الإنسان في الطفولة المبكرة، فضلًا عن الصدمات النفسية. كما تبيّن أن التعرّض لموجات الحرّ يُسرّع الشيخوخة البيولوجية أيضًا، وربما يعود ذلك إلى تنشيطه لهرمونات التوتر.
وتشير غويدا إلى أن الناس باتوا أكثر ميلًا إلى الخمول وقلة الحركة مقارنة بالماضي. وتقول: «كل هذه العوامل يتغذّى بعضها على بعض، لتصنع ما يشبه العاصفة المثالية».
فكيف يمكن للمرء أن يتجنّب الشيخوخة المبكرة؟ تقول غويدا: «يتعلق الأمر في جزء كبير منه بتغيير نمط الحياة، فالرياضة على الأرجح هي العامل الأهم الذي يمكن للإنسان أن يعتمد عليه لإبطاء الشيخوخة. ونحن نعلم أن تقليل السعرات الحرارية فعّال أيضًا، لكنه ليس ممكنًا دائمًا للجميع. النوم وسيلة ممتازة لتعزيز التعافي وإصلاح ما يتلف في الجسم، وكذلك تجنّب الكحول والتدخين».
وعلى المدى الأبعد، قد تُسهِمُ الأدويةُ بدورها. فقد أظهرت دراسات حديثة أن دواء «أوزمبيك» — وهو دواء لعلاج السكري من النوع الثاني ينتمي إلى فئة منبّهات مستقبلات (جي. إل. بي. 1) GLP-1 (وهي أدوية تُنظّم الشهية ومستويات السكر في الدم) — يُبَطّئُ معدل الشيخوخة، كما وجدت دراسة أخرى أن هذه الفئة من الأدوية ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بالسرطانات المرتبطة بالسمنة. غير أن كوريا-بوروز تؤكد أننا لا نعرف بعد ما يكفي عن آثارها طويلة الأمد لنوصي بها كاستراتيجية لمكافحة الشيخوخة.
أما الخبر الجيد، فهو أنه حتى لو كانت ساعتك البيولوجية قد سبقت ساعتك الزمنية، فإن تغييرات نمط الحياة قادرة على قلب المسار. وتقول كوريا-بوروز: «هناك وسائل لمزامنة الساعتين، أو حتى جعل الساعة البيولوجية أدنى من الساعة الزمنية. ومعظم هذه التدخلات تقوم على تغييرات في أسلوب الحياة، مثل ممارسة الرياضة وتعديل النظام الغذائي».
حسنًا، وصلت الفكرة. حان الوقت لإنقاص بعض الوزن والعودة إلى النشاط من جديد. أشكّ في أنني سأتمكن من أن أكون أصغر بيولوجيًا بست سنوات من عمري الحقيقي مرة أخرى. لكن أن أبدو في الخامسة والخمسين بيولوجيًا سيكون مناسبًا تمامًا بالنسبة لي.
الحرّ يشتد
لا تقتصر أسباب تسارع الشيخوخة على السمنة والتوتر والتلوث فحسب، كما ورد في متن المقال، بل إن التغيّر المناخي يسهم هو الآخر في جعلنا نشيخ بوتيرة أسرع.
ففي وقت سابق من هذا العام، حلّلت يون يونغ تشوي وجينيفر آيلشير من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس بيانات العمر البيولوجي لـ 3686 بالغًا تبلغ أعمارهم 56 عامًا فأكثر في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وربطتا هذه البيانات بسجلات مناخية تعود إلى ست سنوات. ووجدتا أن الأشخاص الذين تعرّضوا لعدد أكبر من الأيام شديدة الحرارة كانوا يشيخون بسرعة أكبر، إذ إن كل زيادة بنسبة 10 في المائة في التعرّض للحرارة أضافت نحو 1.4 شهر إلى عمرهم البيولوجي.
وفي أغسطس، حلّل فريق بحثي تقوده كوي غوه من جامعة هونغ كونغ بيانات ما يقرب من 25 ألف بالغ شاركوا في برنامج فحوصات طبية في تايوان. وقد قدّر الباحثون الأعمار البيولوجية للمشاركين، وربطوها بدرجة تعرّضهم لموجات الحرّ —المعرّفة بأنها فترات من الطقس شديد الحرارة تستمر لأكثر من 48 ساعة— خلال العامين السابقين. وتبيّن أن الأشخاص الذين كانت لديهم حصيلة تراكمية أعلى من التعرّض لموجات الحرّ كانوا يشيخون بوتيرة أسرع مقارنة بغيرهم.
وقد ارتبطت كل زيادة قدرها أربعة أيام في إجمالي التعرّض لموجات الحرّ بارتفاع العمر البيولوجي بنحو تسعة أيام. وعند جمع هذا الأثر على امتداد عمر الإنسان، يصل مجموع الزيادة إلى نحو خمسة أشهر.
ولا تزال الآليةُ التي تُسرّع بها موجات الحرّ عملية الشيخوخة غير واضحة تمامًا، غير أن المعروف علميًا أن التعرّض الحاد للحرارة يمكن أن يضرّ الدماغ والقلب والكليتين، كما يُحدث اضطرابًا في النوم.
غراهام لوتون
خدمة تربيون عن مجلة New Scientist.
