2331306
2331306
عمان الثقافي

أجوتا كريستوف: هذه هي الأشياء الجوهرية في الحياة.. الإنجيل والقاموس والدفتر

24 مايو 2023
24 مايو 2023

في يونيو 1999، كان ريكاردو بينيديتي يكتب أطروحة عن الأدب الفرنسي بإشراف الشاعر فالريو ماجريلي في جامعة بيزا، وسافر إلى سويسرا لمحاورة الكاتبة المجرية الكبيرة المهاجرة أجوتا كريستوف. يُعدُّ تفريغ هذا الحوار حاليا أحد الحوارات القليلة المتاحة في اللغة الإنجليزية مع كريستوف.

لم تكتب كريستوف بلغتها الأم، أي المجرية، وإنما بالفرنسية، التي كدحت في تعلمها بعد هجرتها إلى سويسرا وهي في الحادية والعشرين من العمر. وقد «اخترعت كريستوف» ـ على حد تعبير ماجريلي الذي لفت نظري إلى هذا الحوار ـ «نوعا جديدا من الفرنسية». خلافا لبيكيت الذي حافظ على مسافة بينه وبين اللغة حرصا على الشكل، لم تجرِّب هي في الفرنسية بدافع من طموح فني، وإنما لكي تعيش، وليفهمها من حولها، لا على سبيل الهزل، وإنما بصرامة وتفان في الصواب، وقد فعلت ذلك إلى حد الدمار.

هربت كريستوف من المجر على قدميها في ستر الليل برفقة ابنتها الرضيعة وزوجها وحقيبتين إحداهما فيها أقمطة والأخرى قواميس. وصلت الأسرة إلى النمسا قبل أن يستقر بها المقام في سويسرا، حيث عثرت كريستوف على عمل في مصنع ساعات. وفي أوساط زملائها العمال، وكثير منهما منفيون أيضا، كان الحديث ممنوعا منعا صارما. وخارج المصنع كانت كريستوف بكماء، لافتقارها إلى الفرنسية، وحتى بعد أن أجادت الفرنسية نطقا، بقيت طوال سنين أمية عمليا. انتحرت أربع من صديقاتها، وكلهن مجريات، بعيد وصولهن. وتصف «الأمية»، أي سيرة كريستوف، هذه الأحداث، وهي من أكثر الأمثلة تحفظا وإيجازا في هذا النوع الأدبي على إطلاقه، ففي أربع وأربعين صفحة لا أكثر، تصور حياة كريستوف منذ الطفولة، في عزف منفرد، خاص، غريب.

في هذا الحوار الفريد، الذي يترجمه هنا للمرة الأولى ويل هيوارد، تجيب كريستوف على أسئلة في لغة بسيطة فريدة المباشرة، شبيهة بالتقتير القاسي الذي كتبت به ثلاثيتها «الدفتر» و«البرهان» و«الكذبة الثالثة». فعند سؤالها كيف أو لماذا أبدعت شخصية مضطربة معينة أو مشهدا منحرفا، تجيب فقط بأنها عرفت تلك الشخصية فعلا، أو رأت ذلك المشهد. وأنه كان كما كتبته. ولكن إشاراتها إلى ما قد نطلق عليه «الحياة الحقيقية» لا تبرز كثيرا أهمية سيرتها، وإنما تبرز طريقتها في إبداع الأدب. فحتى عندما يكون جواب كريستوف هو «لا أعرف»، فإنها تكشف عن شيء ما. كريستوف تكتب، وتلك هي إجابتها. ومن يكتب يبدع، ويمتع، ويلهي عن ضروب معاناة شتى في الحياة. ومثلما تقول شخصية لوكاس في «البرهان»: ثمة قصص كثيرة محزنة، لكن لا شيء محزن بقدر الحياة».

مايكا تشيو ـ نيويورك مايو 2016

• حققتِ برواياتك قدرا كبيرا من النجاح، وكثيرا ما تقارن كتابتك بتوماس بيرنهارد، وبيكيت، وكافكا. هل تعتقدين أن جوانب معينة من عملك قد تعرضت لسوء فهم، أو تجاهل؟ يسرني حديثك عن بيرنهارد، فقط لأنني أحبه [تضحك]. لا أعرف. لا يعجبني أن يتكلم الناس عني وعن مارجريت دورا. فلا تعجبني دورا. هل أسيء فهم أجزاء معينة من عملي؟ أوه... يعني. لا أعرف. لا أعرف ما الذي تقصده بهذا.

• كتبك ترجمت إلى عشرين لغة

[مقاطعة] لا... إلى أكثر من ثلاثين لغة.

• معذرة، ثلاثين. كيف ترين هذه الشهرة العريضة؟آه، في البداية كانت مدهشة. المثير أن الكتب لم تزل تباع، بعد أكثر من عشر سنين من طبعها. هذا عجيب. «الدفتر» يبيع الكثير. وكثيرا ما أتلقى طلبات لتناوله [في وسائط أخرى سينمائية أو مسرحية]

• سمعت بذلك. هل تم إنتاج سينمائي؟

ليس بعد، لكن بيعت الحقوق. المنتج أمريكي والسينمائي سوف يكون دنماركيا. وسوف يجري الحدث في وسط بلدة كوشيج، قبالة الفندق، حيث يقع متجر الكتب. مؤكد أن تكون رأيت كليهما حينما ذهبتَ إلى كوشيج. البيت الذي سوف يستعملونه لتصوير بيت الجدة، بيتها في «الدفتر»، ظهر فعلا في أفلام أخرى عديدة. وبالنسبة لـ«أمس»، فبعض الإيطاليين اختاروا وسيط الفيلم.

• نصوصك موضوع للكثير من النقد الأدبي. ما الجوانب التي تودين أن يلتفت إليها النقاد في أعمالك؟

لا أعرف. سواء عندي.

• هل تعتقدين أن بالإمكان استخلاص رسالة من كتبك؟بالطبع لا. لا أريد أن أمتلك رسالة. لا [تضحك]، على الإطلاق. لا أكتب بهذه الطريقة. أردت أن أحكي القليل عن حياتي. هكذا بدأ الأمر كله. في «الدفتر» طفولتي التي أردت أن أصفها، وأصف ما رأيته أنا وأخي جينو. هي محض سيرة.

• منذ بدأت الكتابة، بأي الطرق تطورت؟

تطورت كثيرا، وبوضوح. بدأت الكتابة وأنا في الثالثة عشرة، ومن ذلك الحين تغير كل شيء في أسلوبي. كل شيء. القصائد كانت مفرطة الشعرية، مفرطة الوجدانية. لا يعجبني هذا النوع من الكتابة، لا تعجبني قصائدي على الإطلاق، أو لم تعد تعجبني مطلقا.

• متى أدركت أنك كاتبة؟

دائما كنت أعرف. في طفولتي، قرأت الكثير، وبخاصة للروس. في طفولتي، أحببت دوستويفسكي. يمكن جدا أن يكون المفضل لديّ. قرأت أيضا الكثير من الروايات البوليسية.

•ما العملية الإبداعية عندك؟

بكل أمانة، لا أعرف. بدأت بكتابة مسرحيات بالفرنسية. حينما كنت صغيرة، وقد وصلت إلى هنا للتو، في العشرينيات من عمري. كتبت قصائد بالمجرية. ثم لمَّا بدأت أتعلم الفرنسية، بدأت أكتب بالفرنسية. ووجدت في ذلك متعة. نعم، فعلت ذلك لإمتاع نفسي قليلا. بعد ذلك بدأت أقابل محبي المسرح ومخرجين. بدأت أكتب مسرحيات وعملت أيضا، وكثيرا، مع طلبة المسرح. مثَّلنا مسرحيات كثيرة لي في الإذاعة، برغم أن كثيرا منها لم يكن قد تم تحريره. كانت متعة.

• هل يمكن أن نرى رابطا بين الحوارات المسرحية والحوارات في «الدفتر»؟

نعم، بالتأكيد.

• ما رأيك في رواياتك؟

يعني...جادة، حزينة أكثر مما ينبغي. نعم، حزينة بعض الشيء.

• من أهم الكتاب بالنسبة لك؟

أحب كنوت هامسن وكاتبا آخر... لكنني لا أعرف كيف أنطق اسمه. محرر لي هو الذي أعطاني كتابا لهذا الكاتب، قائلا لي إن عمله يشبه عملي كثيرا. نعم، تلك الرواية، ثقيلة للغاية... لكنني لا أرى أي تشابه مع عملي. الآن لا أقرأ كثيرا. أحب فرانسيس بونج، وجورج باتاي أيضا، لكنني لا أعرف الكثير من الكتّاب المعاصرين.

• هل تشعرين أنك متحدثة باسم الأدب الوطني المجري، أم السويسري الفرنسي، أم ما من دول أصلا؟

المجري، وإن كتبت بالفرنسية. كل كتبي عن المجر. حتى الرابع، قرأته؟

• «أمس»؟نعم. يعني، تجري أحداثه هنا في سويسرا، لكن في حي مهاجرين. وهو قصة حقيقية تقريبا. شديد السيرية. لقد عملت في مصنع. وكان المصنع في القرية الرابعة. كان علينا أن نركب الأتوبيس. كنا نعيش في القرية الأولى. أنا (لاين)، شخصية في (أمس)، أنا الشخصية التي ركبت الأتوبيس من أول قرية. حصل زوجي السابق على منحة دراسية. شخصية ساندور كانت شخصية غجري، وكان يعمل أيضا في مصنع. كنا نعمل معا. ابنتي الأولى تعرفت على كل ذلك [في الرواية]. الشقة التي أصفها على سبيل المثال. نعم، أعتقد أنها الأكثر سيرية بين جميع رواياتي. كل ما أصفه حدث بالفعل، بما في ذلك الانتحارات. عرفت أربعة أشخاص انتحروا بعد الهجرة من المجر، وذلك كل ما أردت أن أتكلم عنه.

• أريد أن أعرف التاريخ الدقيق الذي غادرت فيه المجر.

كان في عام 1956، بعد الثورة.

• نعم، لكن أريد أن أعرف في أي يوم

أعتقد أنه كان السابع والعشرين من أكتوبر، لكنني لست متأكدة. لا، لا، كان السابع والعشرين من نوفمبر.

•السابع والعشرون من نوفمبر؟

نعم، أعتقد بهذا. رحلنا في وقت متأخر من الليل. كنا مجموعة. وصلنا إلى قرية، فوجدناها ممتلئة أصلا باللاجئين. وعلى الفور بدأوا يعتنون بنا. كان أغلب المجموعة أطفالا. رحب بنا الفلاحون في بيوتهم وكانوا يحصلون على أجر لكي يوفروا لنا الطعام والمأوى. لا أعرف كم يوما قضينا هناك. بعد ذلك، أتانا عمدة القرية بتذاكر أتوبيس إلى فيينا. ودفعنا له ثمنها لاحقا. في فيينا أقمنا في ثكنات.

• لم تكن خططك هي الذهاب إلى سويسرا؟ قرأت أنك كنت تفضلين الذهاب إلى كندا؟ هل هذا صحيح؟لا، لا. كندا لا. كنت أريد الذهاب إلى الولايات المتحدة فقد كانت لي عائلة هناك. حينا وصلنا إلى هناك أبلغونا بأن بوسعنا البقاء لستة أشهر فقط. بعد ذلك رجعنا إلى سويسرا حيث حصل زوجي على منحة دراسية. كان معلم تاريخ. اعتنوا بنا فعلا. عثروا لنا على شقة، ووظيفة لي، وحضانة للبنت. ولذلك أقمنا هناك. أردت أن أرجع إلى الولايات المتحدة، لكن كان لزاما عليّ أن أنتظر. فأبنائي هنا في سويسرا ولا أريد أن أكون بعيدة عنهم كل هذا البعد.

• متى كانت أول مرة رجعت فيها إلى المجر؟بعد اثني عشر عاما من رحيلي، سنة 1968. كان لم يزل لديَّ أبواي وإخوتي. الآن مات أبواي. ليس لديَّ سوى إخوتي وأبنائهم الصغار في المجر. لكنهم ما عادوا يعيشون في تلك القرية الصغيرة. أخي، أتيلا، الكاتب، يعيش في بودابست. وكثيرا ما أرجع إلى المجر.

•هل كان لديك الانطباع وأنت تغادرين المجر بأنك كنت لا تزالين ضحية لمن بقوا في ظل النظام؟ليس لي اهتمام كبير بالسياسة. زوجي هو الذي كان يريد الرحيل، لأنه على العكس مني شديد الاهتمام بالسياسة، ولو بقي ربما كان تعرض للاعتقال، ذلك مؤكد. أصدقاؤه الذين بقوا قضوا سنتين في السجن. على أي حال، سنتان ليستا بالوقت الطويل.

• لكن حتى لو بقينا في رواياتك، فإن كلارا ـ الأرملة في رواية «الدفتر» ـ التي أعدموا زوجها، تعطينا دليلا على ظلم النظام.نعم، كلارا هي أمي، وقد حكت لي ذلك. ابيضَّ شعرها من الصدمة، مثل كلارا. هذا حقيقي، فقد كانوا، أعني النظام، يقتلعون الناس. والذين كانت لهم مثلا اتصالات مع يوغوسلافيا كانوا خونة.

• هل واجهت كثيرا من الصعوبات عند وصولك إلى سويسرا؟الكثير. طوال خمس سنوات لم يكن بوسعي أن أقرأ. عملت في مصنع لم يكن مسموحا لنا فيه بالكلام كثيرا مع بعضنا بعضا. لم أكن أعرف غير الروسية. أبي علمني الرياضيات، لكن قبل الرحيل إلى الجبهة كان يقوم بتدريس كل شيء، كان المعلم الوحيد في القرية. زوجي كان يتكلم قليلا من الفرنسية لأنه كان أكبر مني كثيرا. لم يكن يتقنها كثيرا، لكن القدر الكافي. فحينما كان في المدرسة، كانوا لا يزالون يعلِّمون الفرنسية والألمانية، ثم بعد ذلك اقتصروا على الروسية. وهنا التحقت بالجامعة، ولكنني لم أدرس إلا مواد مخصصة للأجانب. حتى هنا، كان لا بد من شهادة الثانوية.

• ألا زلت تكتبين بالمجرية؟

لا، أتكلم المجرية بطلاقة، ولكنني كنت أخطئ كثيرا عند كتابة الرسائل أو البطاقات. كثيرا ما أضع الأشياء في الأماكن الخاطئة، كأن أضيف حرف e صامتا على سبيل المثال.

• هل تتفقين على التعريف الذي يذهب إلى أن الرواية لا بد أن تقوم على عدم توافق بين الفرد والعالم المحيط؟

لا أعرف. لا أفكر في الأمور بهذه الطريقة.

• كلمة «ثلاثية». ما رأيك في اختيار هذه الكلمة عنوانا لترجمات رواياتك؟أجدها كلمة مقبولة، لأنهم الناس أنفسهم في الكتب الثلاثة، ومن ثم فهم معا.

• واضح أن الحرب أثرت على علاقتك بالعالم. كيف أثرت على علاقتك بشخصياتك الروائية؟تركت الحرب أثرا عليّ، وكتبت عن ذلك. كان عمري عشر سنوات حينما انتهت الحرب، وكان الأمر مثيرا لي. القصة التي أحكيها في روايتي الأولى تبدأ في 1944. قضينا السنة الأخيرة هناك. ويجب القول إن السنة الأخيرة كانت الأصعب، والأخطر أيضا، لأن الجبهة كانت تقترب، دائما كانت تقترب، وتقترب. ولكن قريتنا لم تتعرض لقصف كثير، بل هو قليل في الواقع. لم تتدمر بيوت كثيرة. كانت الإنذارات كثيرة، وخلالها كانت المدرسة تغلق. في المدرسة لم يكن من طاولات للطلبة، وحتى لو توافرت، لم يكن أحد يرغب في الذهاب إلى المدرسة، ولا أحد كان يستطيع.

• هل توافقين على قراءة رواياتك قراءة واقعية، بمعنى مثلا أن تحاول التعرف على الزمان والمكان التاريخيين اللذين تجري فيهما؟نعم، فهي في النهاية حياتي، وعودتي إلى القرية.

• لكن جو الروايات خارج الزمن. ما سبب هذه التعمية المكانية والزمانية؟

طالما كتبت بتلك الطريقة، حتى في المسرحيات. هل قرأتها.

•نعم، بالتأكيد، «الطريق» La Route على سبيل المثال

نعم [تضحك]، لكن لم يجر تحريرها ونشرها، كيف حصلت عليها؟• من محررك. بعث لي نسخة.

آه، نعم، مر وقت طويل منذ أن بعثت إليه نسخا.

• هل يمكن إذن أن نتعرف على بلدة س التي تصفينها في «الكذبة الثالثة»، وبلدة شومباثلي، المجاورة لبلدة كوشيج؟نعم، بالضبط.

• هل تقبلين أيضا بقراءة ترتبط بالخرافات؟نعم، يمكن أيضا أن نتكلم عن الخرافات. كل ذلك سواء بالنسبة لي.

• اختيار توأمين يستتبع صعوبات حتمية، ومشكلات هوية. فلماذا توأمان لا أخ وأخت وحسب؟لا أعرف. خطرا لي. في البداية كتبت عن أخي وعني، ولم يكن الأمر لطيفا. فاستعملت «نحن».

• ما قيمة الأشياء التي تشمل ما لدى التوأمين من ممتلكات قليلة؟ في ذهني الإنجيل، وقاموس أبي، والدفتر الكبير.

هذه هي الأشياء الجوهرية في الحياة. القراءة الأولى هي الإنجيل. حينما نقرأ كتابا فإنه الإنجيل. القاموس أهم مما عداه لأنني حينما وصلت إلى هنا لم أكن أعرف الفرنسية مطلقا في الواقع. فكنت كثيرة القراءة في القاموس. كنت دائمة البحث عن كلمات. أحب القواميس كثيرا، وأستعملها كثيرا حتى في المجرية. والدفتر الكبير لأنني كنت أكتب يوميات بالمجرية وأنا في الثانوي. اخترعت في المدرسة طريقة للكتابة لا أستطيع الآن قراءتها حتى لو أردت. فقد نسيتها.

•هل اتبعت، مثل التوأمين، تعليما ذاتيا خاصا أنت وأخيك؟

ليس تعليما بالضبط، لكن تدريبات. عدم الأكل لمدة يومين، عدم الحركة، عدم الحديث لساعة. تدريبات على القسوة أيضا إذ لم تكن أمي أو أبي يقتلان الحيوانات. يعني، ربما أبي، لكنه لم يكن حاضرا على أي حال. فكان أخي هو الذي يقتل الدجاج. أنا...لا، لم أقدر. وشنقنا قطة أيضا، صحيح. أخي هو الذي فعل ذلك دائما. كانت تصعب رؤية ذلك. أصبحت القطة طويلة جدا، وظننا أنها ماتت، فأنزلناها. بقيت ساكنة قليلا ثم هربت. حينما قلت لأخي إنني أكتب عن طفولتنا قال لي «لا تنسي القطة».

• ثمة خنق قطة في رواية لدوستويفسكي أيضا. الإخوة كرامازوف إن لم أكن مخطئا.

فعلا؟• نعم، لكن الأمر ليس شديد الأهمية. الآن أود أن نتكلم لدقيقة عن بعض الشخصيات الأخرى. في رواياتك، ثمة ازدواجية لافتة بين التمثيل والواقع. ما المعنى الذي تعطينه لشخصية الجدة وعلى سبيل المثال لمشهد التفاح؟

الجدة شخصية مخترعة، ولكن عملها ليس مخترعا. فالحديقة والدجاج كانا لأمي التي كانت تعمل بغاية الجد. ولاحقا رأينا الفلاحين الهرمين، في غاية اللؤم. نعم، نساء كثيرات كن كذلك. بالتفاح، نعم، فعلت الجدة ذلك عامة، بالطبع.

• في تناقض صارخ مع تلك الشخصية ثمة شخصية الخادمة، وهي أقرب إلى رمز للناس غير المكترثين بمآسي الآخرين. هي طيبة وعندها طفلان، ولكنها تكشف عن قسوة لا داعي لها عن ترحيل اليهود من القرية.لكن، كما تعرف، هذا أيضا صحيح. كنا نعيش في بلدة ورأينا الترحيلات بالفعل. موكب من النساء، والمسنين، والأطفال. كانت لدينا مربية في البيت، وكانت نمساوية. وكانت تأكل وفعلت ذلك. رفعت خبزها وهم يمرون ثم سحبته. كان في قريتي مخيم مؤقت. ويوجد اليوم نصب في موقع المخيم. هل رأيته؟

• لا للأسف. لاين في «أمس» رمز لكل من الحب الخالص والعنصرية بالغة القسوة عديمة اللزوم. في الجوهر، هذا ما يجعل شخصياتك متامسكة؟ التناقض بين ما يظهرون عليه وحقائقهم، بين الكذب والحقيقة؟نعم، هذا صحيح. أعتقد أن الناس لا هم طيبون خلص ولا سيئون خلص.

• «الدفتر»، إذا ما سمحت لي، رواية عن سعي إلى الذات والحرية. الرابط القوي بي التوأمين لازم من أجل بقائهما. لكن عليهما أيضا أن يكسرا ذلك الرابط من أجل أن يعيشا حياتيهما المستقلتين. أهذه هي الحال أم لا؟نعم

• وبهذا ففي «الكذبة الثالثة» لا يكون التئام الشمل الكامل بين الأخوين ممكنا؟

نعم، كلاوس يعيش وحده. لا يريد أن يغير عاداته. كان يعيش في هدوء. ثم إنه كان شديد الغيرة من أخيه.

• للحب دور ثانوي في كتبك، لكنك تحاولين إظهار الجنس، وغالبا بكل ما فيه من عنف. فضلا عن انطباع يتكون لدينا بأن الشخصيات الوحيدة القادرة على الحب هي التي تحب على نحو «مختلف»، فلماذا؟نعم، تماما. لأننا ناقشنا هذا كله كثيرا في طفولتنا. كنا واعين دائما بما يجري من حولنا. كان في تشيكفان [القرية المجرية التي ولدتْ فيها] حيوانان صغيران وما إلى ذلك. كان الأولاد جميعا يعرفون كل شيء. أعتقد أن للجنس في الطفولة مكانا كبيرا. ثمة فضول إلى معرفة ما يجري، وما يجب على المرء أن يفعله. وخلال الحرب، ثمة وفرة من أسرار أقل، الاغتصاب يتحرر.

• لماذا فكرتِ في ضابط أجنبي، ومثليٍّ، وماسوخي؟الضابط كان موجودا فعلا. وحدث في شقتنا. كان لدينا ثلاث غرف، لإحداهما مدخل مستقل. وكانت في فترة الحرب مشغولة دائما. في البداية بالمجريين، ثم بالألمان، وأخيرا بالروس. لكن الضابط، لا، لم يكن شاذا مولعا بالأطفال. ما هذا غير ابتكار، لكن ليست الغاية منه صدمة الجمهور. إطلاقا. فلو لم أدرج ذلك، لأمكن للجميع أن يقرأوا، بمن في ذلك الأطفال، وذلك ما قد أفضله. هذه التفصيلة تمنع كثيرا من الناس من قراءة الكتاب، وبسبب ذلك أنا نادمة عليها.

• لكن الضباط أحبهما؟

نعم، هذا صحيح، الضابط أحبهما.

•هل تعتقدين أن لكتاب معينين تأثيرا عليك؟نعم، قرأت كتابا، شبيها بي كثيرا، لكنه عن ولد وفتاة. كان أسلوبه عنيفا، أسلوب «الدفتر». فسألت محرري عما يمكن أن نعمله، فقال إن الأمر لا يستحق الجهد. في حالتي، لم ينجح معي هذا الكتاب حقا. نعم، أعتقد أنني تركت أثرا على عدد من الناس [تضحك].

• الحقيقة أنني سألتك عن العكس. عمن ترك أثرا عليك. يعني... أعتقد من الأفضل أن أغير الموضوع. شخصية (شفة الأرنب) في «الدفتر» أثَّرت فيَّ كثيرا. هل هي شخصية عرفتيها أم هي خيال محض؟آه، لا، كانت موجودة. كانت امرأة من كوشيج. لم أعرفها لأكتب عنها، فقد كانت الأسوأ بالفعل. لم يكن لها أنف في ذلك الحين، فقد وقعت وانكسر أنفها. ولما لم تعالجه وقع. نامت مع جميع رجال القرية. وكان لديها أطفال رائعون، اثنان أو ثلاثة، لم أعد أعرف، لكنهم كانوا شديدي الجمال فعلا. أخي أيضا له كتاب يتكلم فيه عنها. له كتاب عن الفترة نفسها، لكنه مختلف تماما. كتب عن جريمة قتل. في أي من رواياتي توجد جريمة قتل؟

• رواياتك فيها الكثير من القتل

فعلا، هذا صحيح. لكن... قتل امرأة، هل تذكر؟• آه، هناك قتل زوجة المصاب بالأرق في «البرهان»...

نعم، هو هذا. زوجة المصاب بالأرق في (البرهان). هذا القتل وقع بالفعل. ثمة امرأة قتلت في بيته. كانت تعيش بالفعل على مقربة من بيتنا. اتخذ أخي من ذلك ذريعة وكتب عما جرى. تعرضت للقتل لأنها كانت تملك ثلاثة مصانع في البلدة. والأدهى من ذلك أنها كانت أجنبية فلم تستطع الحكومة تأميم مصانع مملوكة لأجنبية. ومن أجل ذلك قتلت. كتب أخي روايته عن هذه القصة. بحث عن كل كبيرة وصغيرة، وأعاد البحث. ذهب إلى الشرطة، حيث يحتفظ بالأرشيف.

• والمصاب بالأرق.

المصاب بالأرق، ذلك لم يكن في كوشيج، ذلك كان هنا في نيوشاتل. كانت لي جارة تعيش قبالتي، امرأة كانت تقضي الليل كله جالسة أمام الشباك. تسأل المارة عن الساعة. «كم الساعة الآن؟ كم الساعة الآن؟». وكانت لي شرفة فكانت تحاول أن تتكلم معي.

• لو رجعنا إلى شخصية شفة الأرنب»، أعتقد أننا يمكن أن نعد موتها للمفارقة، موتا سعيدا. ما رأيك في هذا ؟موت شفة الأرنب، نعم، موت سعيد.

• هل تفكرين أحيانا في الموت؟

أفكر فيه طيلة الوقت. وخائفة منه. بل ليس الموت، وإنما الشيخوخة والمرض. والموت أيضا بالطبع. والأسوأ أنني لا أومن بالرب.

• حضور الكاتب في عمل كاتب. لماذا تحتل قصة فكتور كل هذا الحجم في «البرهان»؟كان عندي صديق هنا في نيوشاتل. مدمن على الكحول، ومدخن بشع. لم يقتل أخته، ولكنه أراد دائما أن يكتب. أعطاني هو الآخر بضع صفحات. كانت قصائد. كانت جيدة جدا، لكنه لم يستطع تأليف كتاب كامل. بعد وفاته، طلبت أخته مخطوطاته لأنها أرادت نشرها. ندمت على ذلك، لأني كان يمكن أن أكتب رواية أخرى عنه كان بوسعي أن أقول ما هو أكثر بكثير.

•لاحظت حضور أحلام عديدة. أحلام ماتياس في البرهان، أحلام توماس في «أمس». دائما حيوان، أسد أو نمر، حريري الشعر. ما السبب الحقيقي وراء هذا الحضور، وأهم من ذلك ما معناه؟بصفة عامة، تلك هي أحلامي الحقيقية.

• موت والد التوءمين؟ في فصل بعنوان «المدرسة» بعثه الطفلان بالفعل، على نحو ما، إلى الجبهة. ألهذا السبب قمت بقتله بقنبلة؟ لقد قرأت أن والدك أنت كان في غاية الصرامة.أبي كان معلما في قرية تشيكفان التي ولدت فيها، وهي غير بعيدة جدا عن كوشيج، في هذه القرية لم يكن لديهم حتى ناظر مدرسة، وكان على التلاميذ أن يذهبوا بالحافلة إلى مدرسة في قرية مجاورة. لم يكن في القرية حتى محطة للقطارات أيضا. نعم كان شديد الصرامة. كنا نفرح حينما يذهب إلى الجبهة، إذ يكون الحال أفضل كثيرا [تضحك]. نعم يمكن أن نقول إن التوءمين بعثاه إلى الجبهة. الأمر عمدي تماما.

• كيف تعيشين اليوم في سويسرا؟

مكتفية بما أكسب...لم أعد أعمل.

• نعم، أنا متأكد، يا سيدتي، لكنني لا أقصد

الحديث عن وضعك المالي، إنما أردت الحديث عن حياتك الفعلية، علاقتك بالشعب السويسري.عندي بعض الأصدقاء. أخرج قليلا، وأشاهد التليفزيون كثيرا، أقرأ الجريدة، وقليلا من الكتب أيضا، أزور أبنائي، ويزورونني. وعندهم أطفال صغار.

• لو لعبت معك لعبة «الجزيرة الصحراوية» قليلا، فأي من كتبك، بفرض أنك لا يمكن أن تصطحبي إلا واحدا، هو الذي قد تصطحبينه معك إلى جزيرة صحراوية؟

البرهان.

• هل تحبين أن تقومي برحلة كتلك؟

لا، على الإطلاق، أكره السفر. لقد سافرت كثيرا بسبب كتبي، لكن الآن لا أريد. دعوني إلى موسكو، ولينينجراد وبلجراد أيضا [تضحك]. لم أقبل.

• ما أكثر ما تندمين عليه في حياتك الفعلية وما أكثر ما تنظرين إليه بحنين في ماضيك؟أبنائي وكتبي.

• في المقابل، ما الذي تودين، على الرحب والسعة، لو تنسينه؟

الرحيل. والزواج أيضا.

•ما الذي تعملين عليه حاليا؟

لا شيء. أكتب قليلا جدا.

قام بترجمة الحوار للغة الانجليزية: ويل هيوارد وهو محرر وكاتب

ريكاردو بينيدتيني حاصل على دكتوراه في الأدب الفرنسي وزميل باحث في جامعة فيرونا، له كتب عديدة منشورة في إيطاليا وخارجها

مايكا تشيو المحررة المؤسسة لمجلة هاير آرك