شرفات

كتاب يتتبع شخصية الموظف في عالم نجيب محفوظ الروائي

12 ديسمبر 2016
12 ديسمبر 2016

العمانية: احتلت شخصية الموظف صدارة العديد من روايات الراحل نجيب محفوظ، ربما لأنه كان موظفا، عايش حياة الموظفين والطفرات التي شهدتها، والمعاناة التي مر بها كذلك.

وقد برزت شخصيات الموظفين في روايات مثل «حضرة المتهم» و«الثلاثية» و«السمان والخريف» وغيرها، والتي حاول فيها نجيب محفوظ إظهار الأنماط المتناقضة للموظفين، بين مكافح في سلّم الترقي، وبين استغلاليّ ومرتشٍ وفاسد.

وربما كان محفوظ مغرما بشخصية الموظف، لمواكبته صور الطبقة الوسطى التي عمادها الموظفون، والتي كانت آخذة في التنامي في مصر قبل ان يخفت بريقها تدريجيا.

وقد صدر عن دار الهلال بالقاهرة، كتاب جديد بعنوان «الوظيفة والموظفون في عالم نجيب محفوظ» للكاتب والناقد مصطفى بيومي.

ويقول المؤلف في مقدمة كتابه: «لا تخفى الأهمية التي يحظى بها الموظف في التاريخ الاجتماعي المصري، ومن ثم في عالم نجيب محفوظ، الذي يعبّر عن هذا التاريخ الثري طوال الفترة الممتدة منذ ما قبل ثورة سنة 1919، إلى السنوات الأخيرة في القرن العشرين، فلن يجد القارئ صعوبة في اكتشاف أن الأغلب الأعم من أبطال روايات نجيب محفوظ موظفون»، معدداً أمثلة على ذلك مثل: أحمد عاكف في «خان الخليلي»، ومحجوب عبدالدائم في «القاهرة الجديدة»، وحسين كامل في «بداية ونهاية»، وكامل رؤبة لاظ في «السراب»، وياسين وكمال ورضوان وعبدالمنعم في «الثلاثية»، وعيسى الدباغ في «السمان والخريف»، وأنيس زكي في «ثرثرة فوق النيل»، وسرحان البحيري في «ميرامار»، وحامد برهان في «الباقي من الزمن ساعة»، وإسماعيل قدري في «قشتمر»، وعثمان بيومي في «حضرة المحترم»؛ وهي الرواية التي تصل إلى الذروة في تجسيدها غير المسبوق لنفسية الموظف وملامح عالم الموظفين في الواقع المصري.

ويشير بيومي إلى أن نجيب محفوظ في روايته الذاتية «المرايا»، قدم خمسا وخمسين شخصية تعبّر عن جميع وجوه الحياة المصرية، منذ العشرينات وحتى أواخر الستينات، رجالا ونساء، مسلمين ومسيحيين، أطفالا وكهولا، يساريين ويمينيين، أساتذة للراوي وزملاء له وممثلين لأجيال تالية، منهم من يلعب دوراً مهماً مؤثراً في حياته، وبعضهم هامشيون لا تأثير لهم.تمتد صلة الراوي بفريق منهم ما يقرب من نصف قرن، وتنقطع العلاقة مبكرا مع فريق آخر.

ويوضح المؤلف أن هذه الشخصيات العديدة المتنوعة المتناقضة التي تقدم في مجموعها صورة حية نابضة عن المجتمع المصري، تنتمي إلى مهن شتى، فمنهم الأستاذ الجامعي والمعلم وضابط الشرطة أو الجيش والطبيب والصحفي والكاتب والفنان والموظف والمحامي والطالب والقواد وتاجر المخدرات والسمسار والعاطل، وعلى الرغم من الصعوبة البالغة في تحديد نسبة واضحة لكل مهنة، لأن منهم من يمارس مهنا عدة، أو ينتقل من مهنة إلى أخرى، فإن الموظفين يمثلون العدد الأكبر، بما يزيد على الربع، من الشخوص الذين تحفل بهم الرواية، والروائي- لراوي نفسه يتحدث ويعلّق من منطلق أنه موظف، يعاصر أجيالا من الموظفين. ويؤكد المؤلف أن نجيب محفوظ استطاع أن يعكس بصدق وموضوعية خصائص عالم الموظفين، الذي تضن معرفة خباياه على غير المنتمين إليه.

ويتابع بقوله إن «المعاشرة الحميمة لهذا العالم، هي التي تمكن الروائي من رصد دقائقه والتجسيد الواقعي الأخاذ، موضوعيا وفنيا، لكل ما فيه من سمات»، فهو لا يكتفي بالعرض الواقعي للوظيفة في مصر المعاصرة، بل إنه يعود إلى مكانة الوظيفة في مصر القديمة.

وفي رواية «حضرة المحترم»، يرتفع عثمان بيومي، أبرز أبطال نجيب محفوظ من الموظفين، بالوظيفة الحكومية إلى ذروة غير معهودة، فهو يضفي عليها قداسة خاصة، ويحولها إلى مثل أعلى وطقس ديني حين يقول: «إن الوظيفة في تاريخ مصر مؤسسة مقدسة، والموظف المصري أقدم موظف في تاريخ الحضارة».