روضة الصائم

يعتمد الناس في السحور في الماضي على صوت المسحّر

21 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
21 أبريل 2022

سالم الصلتي: دفع خالي عشرة قروش فضة لتعليمي القرآن الكريم

«سحور سحور يا نائمين الليل.. الليل هرب والصبح قد قرب»

يذهبون في نهار رمضان لجلب الحطب وبيعه بربع قرش في سوق ستال

قرية ستال واحدة من أجمل قرى ولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة بمناظرها الخلابة فهي تتكون من جزأين يفصل بينهما مجرى الوادي والطريق المعبد التي تربط العوابي مركز الولاية بجميع قرى وادي بني خروص حتى قرية العلياء المحاذية لنيابة الجبل الأخضر وبين الضفتين منازل ومبانٍ قائمة ونخيل وزروع متنوعة، وإلى جانب جمالها الجغرافي فإن أهلها أضافوا لها جمالا فوق جمالها بطيب قلوبهم وكرم أخلاقهم وسماحة نفوسهم.

التقينا بأحد كبار السن فيها ممن شمروا عن ساعد الجد وبذلوا في حياتهم الجهد من أجل الحصول على لقمة العيش الحلال إنه الوالد سالم بن محمد بن سالم الصلتي يقول: ولدت عام 1363هجري وعمري الآن 80 عاما وحالتي الصحية ولله الحمد جيدة لكنني أعاني من إعاقة في إحدى رجليّ بسبب حادث وقع عليّ منذ سنوات في إحدى ولايات محافظة جنوب الباطنة واعتمد حاليّا في المشيّ على العكاز.

وأضاف: لقد عاصرت الشيخ القاضي: عبدالله بن الإمام سالم الخروصي والشيخ القاضي: سيف بن حماد الخروصي وهما من قرية ستال أما والدي فقد توفاه الله تعالى بعد ولادتي بعام واحد فربتني والدتي وخالي خلفان بن سعيد الخزيري وتعهداني بالرعاية وقاما بتأجير المعلم منصور بن مرهون المياحي رحمه الله لتعليمي القرآن الكريم بعشرة قروش فضة حتى ختمت القرآن عنده كاملا.

وحول تعليم القرآن في القرية يقول: كان يوجد أكثر من معلم ويتحلق حولهم أعداد كبيرة من الأولاد حيث لا توجد المدارس النظامية قبل السبعينيات وقال: إن بعض المعلمين يعلمّون تحت ظلال الأشجار ويأخذون عن كل طالب مبلغا قدره عشرة قروش وهذا المبلغ نظير التعليم من البداية وحتى ينتهي الطالب من ختم القرآن الكريم كاملا، وتتفاوت الفترة بين طالب وآخر فالبعض يستغرق سنة كاملة وبعضهم أقّل وبعضهم أكثر المهم طال الوقت أو قصر فقيمة الإيجار لا تزيد عن عشرة قروش ويصف الدراسة والتعليم سابقا بأنها ممتازة حيث يحرص المعلم على تعليم وتربية الطلاب ويستخدم الأساليب التي ترسخ الفهم لدى المتعلمين واستفاد من تعليمهم عدد من أبناء القرية ومعظمهم في سني ومنهم من لا يزال على قيد الحياة ومنهم توفاه الله سبحانه وتعالى.

وقال: بدأت أول الصيام وعمري 10 سنوات ومن حسن حظي كان في وقت الشتاء ولم أواجه صعوبة وأمراني بالصوم والصلاة والدتي وخالي، كان الناس تعاني من الشدة والتعب في رمضان لعدم وجود مصدر الدخل فيضطرون للعمل في نهار شهر رمضان والأعمال كانت شاقة ومنها جلب الحطب أو الحشائش لعلف الحيوان، كما يعمل البعض في جلب أشجار توضع في الحظائر كروث للحيوان ليستخرج فيما بعد أسمدة للزراعة ومن تلك الأشجار (الهباب والصخبر وشجرة الراعي والصوم الجبلي) وعن أسماء الجبال المحيطة بالقرية والتي كانوا يذهبون إليها لكسب الرزق هي جبال (السن والسويحات والحميّة) وقال البعض لا يمتلك حتى قيمة الدابة التي يستعين بها فيحمل الحطب أو الحشيش على رأسه ليبيعها في سوق ستال بقيمة لا تتجاوز ربع قرش (في إشارة لصعوبة العيش وقلة ما في اليد) وأضاف: سافرت إلى البحرين للعمل وطلب الرزق كما سافرت لفترة وجيزة إلى زنجبار، واسترسل: إن سوق ستال كان قبل عام السبعين من أنشط الأسواق المحلية وقد مارس أعمال الزراعة بكافة أنواعها بما في ذلك أعمال النخيل وعن الطعام الذي يتناوله الناس في رمضان يقول كانت القرية تعتمد على نفسها في زراعة المنتجات الزراعية فقليل ما كان يصلنا من الخارج لعدم توفر وسائل النقل ومن تلك المزروعات والتي كنا نتناولها هي (اللوبيا والسهوي والدخن والمنج والدنجو والذرة والبر) فكانت جميع تلك المنتجات تحصد يدويّا بحيث تفصل البذور أما منتجات البر والحنطة فإنها تستخلص بعد أن يتم دوسها في الجنانير وذرّها عند هبوب الرياح لتتطاير القشور الخارجية وتنزل الحبوب إلى أرضية الجنور ثم تداس بواسطة كرب النخيل أو المقاشيع (الكرب بدية السعف والمقاشيع مفرد مقشاع وهي من الأشجار، والدوس يعني ضرب حزم البر والحنطة بالكرب، الجنانير مفردها جنور وهي أرض دائرية أو مستطيلة مرتفعة قليلا وأرضيتها صلبة، وذرها أيّ تعريضها للريح حتى تصفى منها الحبوب).

وعن معرفتهم بوقت الإفطار والسحور يقول نعتمد في الفطور على المؤذنين وكانت المساجد متقاربة وتسمع أصواتهم وكانت بعض الأسر تتناول وجبة الفطور في منازلها أما أناس آخرون فيجتمعون في المساجد لتناول الفطور الجماعي كل يوم أما السحور فكان هناك أشخاص يقومون بإيقاظ الناس من نومهم قبل الفجر حتى يتمكنوا من تناول وجبة السحور وكانوا يستخدمون عبارات يطلقونها بأصوات عالية ومن تلك العبارات:

(سحور سحور يا نائمين الليل، الليل هرب والصبح قد قرب) وقال لم تكن وسائل التواصل الحالية موجودة فكان كل قرية تهل الهلال وأذكر أنه في إحدى السنوات وصلنا خبر أول شهر شوال مع صلاة الظهر وكنا صائمين وفي هذه القرية يندب أشخاص لرؤية الهلال وهكذا كل قرية كانت تقوم بذلك وطبعا يذهبون إلى الجبال والأماكن المرتفعة ليتمكنوا من الرؤية كما يتم اختيار الرجال الذين يوصفون بحدّة النظر ويتصفون بالثقة والأمانة وقال: كانت ولا زالت حلق الذكر وتلاوة القرآن الكريم عامرة بالمصلين وخاصة عقب صلاة الفجر وهذه العادة محافظين عليها ففي الماضي لم تكن الكهرباء متوفرة وكانوا يستضيئون بسراج بو سحه باستخدام مادة تسمى «حل الحليل» وهو (الكيروسين).

وقال لم تكن مياه الشرب تصل إلى كل منزل كما هو الحال في وقتنا الحاضر ولهذا كانت النساء تقوم بجلبه من الفلج بشكل يومي وفي المنزل يقسم فماء الطهي والغسيل يحفظ في أواني من الصفر أما الذي يستخدم للشرب فيوضع في الجحال وهي إناء من الفخار أو تحفظ فيما يسمى (السعن) وهو مصنوع من جلد الأغنام وطريقه صنعه يقول: عند فصل الجلد عن اللحم يراعي عدم إحداث إي ثقب عليه ثم يوضع في إناء فيه ماء لمدة يومين ويضاف إليه التمر وثمرة شجرة القرط وبعد فترة ينفصل الشعر عن الجلد ثم يترك ليجف تماما ثم تربط أرجل وأيدي اليهاب بحبل وتعلق ويكون مغلوقا من جميع الأماكن باستثناء مكان واحد وهي الفتحة التي تخصص لإدخال الماء وإخراجه من خلالها وتتصف شربة السعن أنها باردة ولذيذة ويستعمل مدة طويلة فالجحلة قد تتعرض للكسر لو سقطت لكن السعن لن ينكسر.

وحول مظاهر العيد يقول الوالد سالم الصلتي: تبدأ هذه المظاهر باحتفال الناس وأداء صلاة العيد ثم بالزيارات بين الأرحام والأقارب وهي عادة جميلة وظاهرة مريحة موجودة منذ السابق والناس ولله الحمد محافظون عليها لكنني مع ذلك أرى أن تواصل الناس واهتمامهم في هذا المجال بدأ يتضاءل لانشغال الناس بكثير من الأعمال والبعض يكتفي بالتواصل عن طريق الهاتف وهذا يضعف العلاقات بين الناس بينما اللقاء المباشر له أثر جميل في النفس ويعطي أريحيّة وتتقوى من خلاله العلاقات بين الفرد والمجتمع، أما ما يتم تناوله في أول أيام العيد فكانت وجبة الهريس والعرسية وهي أهم ما يتناول صباح العيد وكان الجيران يوزعون على بعضهم البعض هذه المأكولات.

وأنصح الناس بالتواصل فيما بينهم لأن الحياة ماضية والفرد لا يستغني عن الجماعة وأنصحهم بالعمل على مرضاة الله تعالى وتجنب ما نهاهم عنه وفي هذا الشهر الفضيل خاصة يجب أن يتسامح الجميع لأن الثواب يتضاعف والحسنات ستزيد بكرم الله وفضله.